تفريغ خطبة تَضَرُّعٌ وَمُنَاجَاةٌ

تَضَرُّعٌ وَمُنَاجَاةٌ

((تَضَرُّعٌ وَمُنَاجَاةٌ)) 

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ 2 مِنْ شَعْبَان 1438هـ المُوَافِق 28-4-2017م

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاللهم إني أَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ وَذُلِّي، وأسألُكَ بقُوَّتِكَ وضَعْفِي، وبِغِنَاكَ عنِّي وفَقْرِي إليكَ إِلَّا رَحِمْتَنِي، هذه ناصِيَتِي الكاذبةُ الخاطئةُ بَيْنَ يديْكَ، عَبِيدُكَ سِوَايَ كثيرٌ، وليس لي سيِّدٌ سِوَاكَ، لَا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَى مِنكَ إلا إليكَ، أَسألُكَ مسألةَ المِسكِينِ، وأَبْتَهِلُ إليكَ ابتهالَ الخاضعِ الذَّلِيلِ، وأَدْعوكَ دُعَاءَ الخائِفِ الضَّرِيرِ، سؤالَ مَنْ خَضَعَتْ لكَ رقبتُه، ورَغِمَ لك أَنْفُه، وفاضَتْ لك عينَاهُ، وذَلَّ لكَ قلبُهُ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبَتي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الفَوْزَ فِي الْعطاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي، افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ؛ فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ، كَمَا يُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ أَنْ يُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القُبُورِ.

اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ؛ فَإِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ، وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ العَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ ذَا الحَبْلِ الشَّدِيدِ، وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الوَعِيدِ، وَالجَنَّةَ يَوْمَ الخُلُودِ، مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، الْمُوفِينَ بِالعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وأنت تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ، وَعَدُوًّا لأَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ.

اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الاستجَابَةُ، وَهَذَا الجَهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلاَنُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَبْرِي، وَنُورًا فِي قَلْبِي، وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَنُورًا مِنْ خَلْفِي، وَنُورًا عَنْ يَمِينِي، وَنُورًا عَنْ شِمَالِي، وَنُورًا مِنْ فَوْقِي، وَنُورًا مِنْ تَحْتِي، وَنُورًا فِي سَمْعِي، وَنُورًا فِي بَصَرِي، وَنُورًا فِي شَعْرِي، وَنُورًا فِي بَشَرِي، وَنُورًا فِي لَحْمِي، وَنُورًا فِي دَمِي، وَنُورًا فِي عِظَامِي، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا، وَأَعْطِنِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا.

سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ العِزَّ وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، سُبْحَانَ ذِي الفَضْلِ وَالنِّعَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مَنِ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا من الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي, وَأَنَا عَبْدُكَ, ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ, لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا, إنه لَا يَصْرِفُ عني سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ, آمَنْتُ بِكَ, تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ تحَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، إنك إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.

اللهم إنه يَحْجُبُنِي عن مَسْأَلَتِكَ خِلَالٌ ثلاثٌ، وتَحْدُونِي عليها خَلَّةٌ واحدةٌ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ به، فَأَبْطَأْتُ عنه، ونَهْيٌ نَهَيْتَنِي عنه، فَأَسْرَعْتُ إليه، ونِعْمةٌ أنعمتَ بها، فَقَصَّرْتُ في شُكْرِها، ويَحْدُونِي على مسألتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ بوجْهِهِ عليكَ، ووَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّهِ إليكَ؛ إذْ جميعُ إحسانِكَ تَفَضُّلٌ، وإذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابتداءٌ، فها أَنَا ذَا يا إلهي واقفٌ ببابِ عِزِّكَ وُقُوفَ المُسْتَسْلِمِ الذَّلِيلِ، وسائِلُكَ على الحياءِ مِنِّي سؤالَ اليَائِسِ المُعِيشِ، مُقِرٌّ لكَ بأَنِّي لمْ أَسْتَسْلِمْ وقتَ إحسانِك إلَّا بالإقلاعِ عن عِصْيَانِكَ، ولم أَخْلُ في الحالاتِ كلِّها مِنَ امْتِنَانِكَ؛ فهل يَنفعُنِي يَا إلهي إقرارِي عندَكَ بسُوءِ ما اكْتَسَبْتُ؟ وهل يُنْجِينِي مِنكَ اعترافِي لكَ بِقُبْحِ ما ارْتَكَبْتُ؟ أم أَوْجَبْتَ لي في مَقَامِي هذا سَخَطَكَ؟ أم لَزِمَنِي في وَقْتِ دعائِي مَقْتُكَ؟

سُبْحَانَكَ، لا أَيْأَسُ منكَ وقد فَتَحْتَ لي بابَ التوبةِ إليكَ؛ بل أقولُ مَقَالَ العبدِ الذَّلِيلِ الظالمِ لِنَفْسِهِ، الْمُسْتَخِفِّ لِحُرْمَةِ ربِّه، الذي عَظُمَتْ ذنوبُه فَجَلَّتْ، وأَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ، حتى إذا رَأَى مُدَّةَ العملِ قد انْقَضَتْ، وغايةَ العُمُرِ قد انْتَهَتْ، وأَيْقَنَ أنه لا مَحِيصَ له مِنكَ، ولا مَهْرَبَ له عنكَ؛ تَلَقَّاكَ بالإنابةِ، وأَخْلَصَ لكَ التوبةَ، فقام إليكَ بقَلْبٍ طاهرٍ نَقِيٍّ، ثم دَعَاكَ بصوتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ، قد تَطَأْطَأَ لكَ فانْحَنَى، ونَكَّسَ رأسَه فانْثَنَى، قد أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ، يدعُوكَ بِـ ((يا أرحمَ الراحمينَ، ويا أَرْحَمَ مَنْ أَنَابَ إليه المُنِيبونَ، وانْتَابَهُ المُسْتَرْحِمُونَ، ويا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ به المستغفرون، ويا مَنْ عَفْوُهُ أكبرُ مِنْ نِقْمَتِهِ، ويا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، يا مَنْ تَحَمَّدَ إلى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التجاوزِ، ويَا مَنْ عَوَّدَ عبادَه قَبُولَ الإنابةِ، ويا مَنِ اسْتَصْلَحَ فاسِدَهُمْ بالتوبةِ، ويا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهم باليسيرِ، ويا مَنْ كَافَأَ قَلِيلَهم بالكثيرِ، ويا مَنْ ضَمِنَ لهم إجابةَ الدعاءِ، ويا مَنْ وَعَدهم على نفسِهِ بتَفَضُّلِه حُسْنَ الجَزاءِ؛ ما أَنَا بَأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ له، وما أنا بِأَلْوَمِ مَنِ اعْتَذَرَ إليكَ فَقَبِلْتَ منه، وما أنا بِأَظْلَمِ مَنْ تاب إليكَ فَتُبْتَ عليه، أتوبُ إليكَ في مَقَامِي هذا توبةَ نادمٍ على ما فَرَطَ منه، مُشْفِقٍ مما اجْتَمَعَ عليه، خالصِ الْحَاءِ مما وَقَعَ فيه، عالِمٌ بأنَّ العَفْوَ عن الذنبِ العظيمِ لا يَتَعَاظَمُكَ، وأنَّ التجاوُزَ عنِ الإثمِ الجليلِ لا يَسْتَصْعِبُكَ، وأنَّ احتمالَ الجِنَاياتِ الفاحشةِ لا يَتَكَاءَدُكَ، وأنَّ أَحَبَّ عبادِكَ إليكَ مَنْ تَرَكَ الاستكبارَ عليكَ، وجَانَبَ الإصرارَ، ولَزِمَ الاستغفارَ، وأنا أَبْرَأُ إليكَ مِنْ أنْ أَسْتَكْبِرَ، وأعوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُصِرَّ، وأستغفرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فيه، وأستعينُ بكَ على ما عَجَزْتُ عنه، هَبْ لي ما يَجِبُ عَلَيَّ لكَ، وعافِنِي مما أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، وأَجِرْنِي مما يَخَافُهُ أهلُ الإساءَةِ؛ فإني يا ربَّ العالمينَ أَشْهَدُ أنكَ جَدِيرٌ بالعفوِ، مَرْجُوٌّ للمغفرةِ، معروفٌ بالتَّجَاوُزِ، ليس لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سواكَ، ولا لِذَنبِي غافِرٌ غيرَك حاشَاكَ-، ولا أخافُ على نفسي إلا إياكَ، إنكَ أهلُ التقوى وأهلُ المغفرة، اِقْضِ حاجَتِي، وأَنْجِحْ طَلِبَتِي، واغْفِرْ ذَنبِي، وآمِنْ خوفَ نفسي، إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وذلك عليكَ يَسِيرٌ.

اللهم يا مَنْ برحمتِهِ يَسْتَغِيثُ المُذْنِبُونَ، ويا مَنْ إلى ذِكْرِ إحسانِهِ يَفْزَعُ المُضْطَرُّون، ويا مَنْ لِخِيفَتِه يَنْتَحِبُ الخاطئون، يا أُنْسَ كلِّ مُسْتَوْحِشٍ غَرِيب، ويا فَرَجَ كلِّ مَكْرُوبٍ مُكْتَئِبٍ كَئِيبٍ، ويا غَوْثَ كلِّ مَخْذُولٍ فَرِيدٍ، ويا عَضُدَ كلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيد؛ أنتَ الذي وَسِعْتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلْمًا، وأنتَ الذي جَعَلْتَ لكلِّ مخلوقٍ في نِعَمِكَ سَهمًا، وأنتَ الذي عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِه، وأنتَ الذي تَسْعَى رحمتُه أَمَامَ غَضَبِه، وأنتَ الذي عطاؤُه أكثرُ مِنْ مَنْعِه، وأنتَ الذي اتَّسَعَ الخلائقَ كلَّهم في وَسْعِه، وأنتَ الذي لا يَرْغَبُ في جزاءِ مَنْ أَعْطَاه، وأنتَ الذي لا يُفْرِطُ في عقابِ مَنْ عَصَاه، وأنا يا إلهي عبدُكَ الذي أَمَرْتَهُ بالدعاءِ، فقال: ((لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ))، ها أنا ذا يا ربِّ مَطْرُوحٌ بينَ يديْكَ، أنا الذي أَوْقَرَتِ الخَطايا ظَهْرَه، وأنا الذي أَفْنَتِ الذُّنوبُ عُمُرَه، وأنا الذي بِجَهْلِه عَصَاك، ولم تَكُنْ أهلًا منه لذاك، هل أنتَ يا إلهي راحِمٌ مَنْ دَعاكَ فأَبْلَغَ في الدعاء؟ أم أنتَ غافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فأَسْرَعَ في البكاءِ؟ أم أنتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لكَ وَجْهَه تَذَلُّلًا؟ أم أنتَ مُغْنٍ مَنْ شَكَا إليكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلًا؟

اللهم إنكَ لا تُخَيِّبُ مَنْ لا يَجِدُ مُعْطِيًا غَيْرَك، ولا تَخْذُلُ مَنْ لا يَسْتَغْنِي عنكَ بأحَدٍ دونَك، ولا تُعْرِضُ عَمَّنْ أَقْبَلَ عليكَ، فها أنا ذا قد أَقْبَلْتُ عليكَ فلا تُعْرِضْ عني، ولا تَحْرِمْنِي وقد رَغِبْتُ إليك، ولا تَجْبَهْنِي بالرَّدِّ وقد انْتَصَبْتُ بينَ يَدَيْك، أنتَ الذي وَصَفْتَ نفسَك بالرحمةِ؛ فَصَلِّ على محمدٍ وآله وارْحَمْنِي، وأنتَ الذي سَمَّيْتَ نفسَك بالعَفُوّ؛ فاعْفُ عَنِّي، قد تَرَى يا إلهي فَيْضَ دَمْعِي مِنْ خِيفَتِك، ووَجِيبَ قلبي مِنْ خشيتِك، وانْتِفَاضَ جوارِحِي مِنْ هَيْبَتِك، كلُّ ذلك حياءٌ منكَ لِسُوءِ عَمَلِي، ولِذَاكَ خَمَدَ صوتي عن الجَأْرِ إليك، وكَلَّ لساني عن مُنَاجَاتِكَ يا إلهي، فَلَكَ الحمدُ، فكم مِنْ عائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فلَمْ تَفْضَحْنِي؟! وكم مِنْ شَائِنَةٍ أَلْمَمْتُ بها فلَمْ تَهْتِكْ عني سِتْرَها، ولم تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا، ولمْ تُبْدِ سَوْآتِها لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَائِبي مِنْ جِيرَتي وحَسَدةِ نعمتِكَ عِندِي؟! ثم لم يَنْهَنِي ذلك عن أنْ جَرَيْتُ إلى سُوءِ ما عَهِدْتَ مِنِّي، فمَنْ أَجْهَلُ مني يا إلهي بِرَشَدِه؟! ومَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عن حَظِّه؟! ومَنْ أَبْعَدُ عنِ اسْتِصْلَاحِ نفسِهِ مِنِّي؟! ومَنْ أَبْعَدُ غَوْرًا في الباطل، وأَشَدُّ إقدامًا على السُّوءِ مني حين أقِفُ بينَ دعوتِكَ ودعوةِ الشيطانِ، فأَتَّبِعُ دعوتَه على غيرِ عَمَىً مِنِّي في معرفةٍ به، ولا نسيانٍ مِنْ حِفْظِي له، وأنا حينئذٍ مُوقِنٌ بأنَّ مُنْتَهَى دعوتِكَ إلى الجنةِ، ومُنْتَهَى دعوتِهِ إلى النارِ؟!

سبحانَك، ما أَعْجَبَ ما أَشْهَدُ به على نفسي، وأَعْدُدُه مِنْ مكتوبِ أَمْرِي، وأَعْجَبُ مِنْ ذلك: أَنَاتُكَ عَنِّي، وإبطاؤُكَ عن مُعَاجَلَتِي، وليس ذلك مِنْ كَرَمِي عليكَ؛ بل تَأَنِّيًا منكَ لي، وتَفَضُّلًا منكَ عَلَيّ، لِأَنْ أَرْتَدِعَ عن معصيتِك المُسْخِطَةِ، وأُقْلِعَ عن سيئاتي المُحْلِقَةِ، ولِأَنَّ عفوَكَ عني أَحَبُّ إليكَ مِنْ عقوبتي؛ بل أنا يا إلهي أكثرُ ذنوبًا، وأَقْبَحُ آثارًا، وأَشْنَعُ أفعالًا، وأَشَدُّ في الباطلِ تَهَوُّرًا، وأَضْعَفُ عندَ طاعتِكَ تَيَقُّظًا، وأَقَلُّ لِوَعِيدِكَ انْتِبَاهًا وارْتِقَابًا مِنْ أنْ أُحْصِيَ لكَ عُيُوبي، أو أَقْدِرَ على ذِكْرِ ذنوبي، وإنما أُوَبِّخُ بهذا نفسي طَمَعًا في رأفتِكَ التي بها صلاحُ أمرِ المُذْنِبِين، ورجاءَ رحمتِكَ التي بها فَكَاكُ رِقَابِ الخَاطِئين.

اللهم هذه رَقَبَتِي قد أَرَقَّتْهَا الذنوبُ؛ فأَعْتِقْهَا بعفوِكَ، وهذا ظَهْرِي أَثْقَلَتْهُ الخطايا؛ فخَفِّفْ عنه بِمَنِّكَ.

يا إلهي؛ لو بَكَيْتُ إليكَ حتى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْني، وانْتَحَبْتُ حتى يَنْقَطِعَ صوتي، وقُمْتُ لكَ حتى تَنْتَشِرَ وتَتَنَشَّرَ قَدَمَاي، وركعتُ حتى يَنْخَلِعَ صُلْبِي، وسجدتُ لكَ حتى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَاي، وأكلتُ ترابَ الأرضِ طولَ عُمْرِي، وشَرِبْتُ ماءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْري، وذَكَرْتُكَ في خلالِ ذلك حتى يَكِلَّ لساني، ثم لم أَرْفَعْ طَرْفِي إلى آفاقِ السماءِ استحياءً منكَ؛ مَا أسْتَوْجِبُ بذلك مَحْوَ سيئةٍ واحدةٍ مِنْ سيئاتي، وإنْ كنتَ تَغْفِرُ لي حينَ أَسْتَوْجِبُ مغفرتَك، وتعفو عني حين أَسْتَحِقُّ عفوَك؛ فإنَّ ذلك غيرُ واجبٍ لي باستحقاق، ولا أنا أهلٌ له باسْتِيجَاب؛ إذْ كان جَزَائِي منكَ في أولِ ما عصيتُكَ: النار، فإنْ تُعَذِّبْنِي؛ فأنتَ غيرُ ظالمٍ لي.

إلهي؛ فإذْ قد تَغَمَّدْتَنِي بِسِتْرِكَ فلمْ تفضحْنِي، وتَأَنَّيْتَنِي بكَرَمِكَ فلَمْ تُعَاجِلْنِي، وحَلُمْتَ عني بتفضُّلِكَ فلَمْ تُغَيِّرْ نعمتَكَ عَلَيّ، ولَمْ تُكَدِّرْ معروفَكَ عندي؛ فارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِي، وشِدَّةَ مَسْكَنَتِي، وسُوءَ موقِفِي.

 اللهم قِنِي مِنَ المعاصي، واستعمِلْنِي بالطاعةِ، وارزُقْنِي حُسْنَ الإنابةِ، وطَهِّرْنِي بالتوبةِ، وأَيِّدْنِي بالتَّثْبِيتِ، واسْتَصْلِحْنِي بالعافيةِ، وأَذِقْنِي حلاوةَ المغفرةِ، واجْعَلْنِي طَلِيقَ عفوِكَ، وعَتِيقَ رَحمتِكَ، واكتبْ لي أمانًا مِنْ سَخَطِكَ، وبَشِّرْنِي بذلك في العاجلِ دونَ الآجِلِ بُشْرَى أَعْرِفُها، إنَّ ذلك لا يَضِيقُ عليكَ في وَسْعِكَ، ولا يَتَكَاءَدُكَ في قدرتِك، ولا يَتَصَعَّدُكَ في أَنَاتِك، ولا يَئُودُكَ في جزيلِ هِبَاتِكَ التي دَلَّتْ عليها آياتُك، إنك تفعلُ ما تشاء، وتَحْكُمُ ما تريدُ، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.

سبحانَكَ، يا عَلِيُّ يا عظيمُ، يا بارِئُ يا رَحِيمُ، يا عزيزُ يا جبارُ، سبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له السماواتُ بأَكْنَافِها، وسبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له البحارُ بأَمْوَاجِها، وسبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له الجبالُ بأَصْدَائِهَا، وسبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له الحِيتَانُ بِلُغَاتِهَا، وسبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له النجومُ في السماءِ بأَبْرَاجِهَا، وسبحانَ مَنْ سبَّحَتْ له الأشجارُ بأُصُولِهَا وفروعِها وثمارِها، وسبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له السماواتُ السبْعُ والأَرَضُونَ السبعُ ومَنْ فيهِنَّ ومَنْ عليهنّ، سبحانَ مَنْ سَبَّحَ له كلُّ شيءٍ مِنْ مخلوقاتِه، تبارَكْتَ وتَعَالَيْتَ، سبحانَكَ سبحانَكَ، يا حيُّ يا قيومُ، يا عليمُ يا حليمُ، سبحانَكَ لا إله إلا أنتَ، وحدَكَ لا شريكَ لك، تُحْيِي وتُمِيتُ، وأنتَ حيٌّ لا تموت، بِيَدِكَ الخيرُ، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

يا مَنْ لا تَرَاهُ العُيونُ، ولا تُخَالِطُهُ الظُّنُونُ، ولا يَصِفُهُ الواصِفُون، ولا تُغَيِّرُهُ الحَوَادِثُ، ولا يَخْشَى الدَّوَائِرَ، ويَعْلَمُ مَثَاقِيلَ الجِبَالِ، ومَكَايِيلَ البحارِ، وعددَ قَطْرِ الأمطارِ، وعددَ ورقِ الأشجارِ، وعددَ ما أَظْلَمَ عليه الليلُ وأَشْرَقَ عليه النهارُ، لا تُوَارِي منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا بَحْرٌ مَا قَعْرِه، ولا جبلٌ ما وَعْرِه؛ اِجْعَلْ خيرَ عُمْرِي آخِرَه، وخيرَ عَمَلِي خواتِمَه، وخيرَ أيامي يومَ أَلْقَاكَ.

يا مَنْ أَظْهَرَ الجَمِيلَ، وسَتَرَ القَبِيحَ، يا مَنْ لا يُؤَاخِذُ بالجَرِيرَةِ، ولا يَهْتِكُ السِّتْرَ، يا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يا واسعَ المغفرةِ، يا باسطَ اليديْنِ بالرحمةِ، يا صاحبَ كلِّ نَجْوَى، يا مُنْتَهَى كُلِّ شَكْوَى، يا كريمَ الصَّفْح، يا عظيمَ الْمَنِّ، يا مُبْتَدِئًا بالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يا ربَّنا، ويا سيدَنا، ويا مولانا، ويا غايةَ رَغْبَتِنَا، أسألُكَ يا اللهُ أَلَّا تَشْوِيَ خَلْقَنا بالنارِ.

اللهم إنكَ تَسْمَعُ كلامي، وتَرَى مكاني، وتَعْلَمُ سِرِّي وعَلَانِيَتِي، لا يَخْفَى عليكَ شيءٌ مِنْ أَمْرِي، وأنا البَائِسُ الفقيرُ، الْمُسْتَغِيثُ المُسْتَجِيرُ، الوَجِلُ المُشْفِقُ، المُقِرُّ المُعْتَرِفُ بذَنبِه، أسألُكَ مسألةَ المِسْكِينِ، وأَبْتَهِلُ إليكَ ابتهالَ المُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وأدعوكَ دعاءَ الخائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لكَ رقبتُه، وفاضَتْ لكَ عَبْرَتُه، وذَلَّ لكَ جِسْمُهُ، ورَغِمَ لكَ أنفُه، اللهم لا تَجْعَلْنِي بدعائِكَ شَقِيًّا، وكُنْ بي رءوفًا رحيمًا.

يا خيرَ المَسْئُولِينَ، ويا خيرَ المُعْطِين، اللهم يا مُؤْنِسَ كُلِّ وَحِيد، ويا صاحبَ كلِّ فَرِيد، ويا قريبًا غيرَ بعيدٍ، ويا شاهدًا غيرَ غائب، ويا غالبًا غيرَ مَغْلُوب، يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلالِ والإكرام، يا نُورَ السماواتِ والأرضِ، يا جَبَّارَ السماواتِ والأرضِ، يا بديعَ السماواتِ والأرضِ، يا قَيَّامَ السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجَلَالِ والإكرام، يا صَرِيخَ المُسْتَصْرِخِين، ومُنْتَهَى العَابِدِين، والمُفَرِّجَ عن المَكْرُوبين، والمُرَوِّحَ عن المَغْمُومِين، ومُجِيبَ دعاءِ المُضْطَرِّين، يا كاشفَ الكَرْب، يا إلهَ العالَمِين، يا أَرْحَمَ الراحمين؛ مَنْزُولٌ بكَ كُلُّ حاجة، اللهم أَشْكُو إليكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي على الناس.

يا أرحمَ الراحِمين؛ إلى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إلى قريبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ تَكُنْ ساخطًا عَلَيَّ فلا أُبَالِي، غيرَ أنَّ عافِيَتَكَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الكريمِ الذي أضاءَتْ له السماواتُ، وأَشْرَقَتْ له الظلماتُ، وصَلَحَ عليه أَمْرُ الدنيا والآخرةِ أنْ تُحِلَّ عَلَيَّ غَضَبَكَ، أو تُنْزِلَ عَلَيَّ سَخَطَكَ، ولكَ العُتْبَى حتى تَرْضَى، ولا حَوْلَ ولا قوةَ إلا بك.

اللهم احْرُسْنِي بعينِكَ التي لا تَنَام، واكْنُفْنِي بِرُكْنِكَ الذي لا يُضَام، وارحمني بقُدْرَتِكَ عَلَيّ، لا أَهْلِكُ وأنتَ رَجَائِي، فكَمْ مِنْ نعمةٍ أَنْعَمْتَ بها عَلَيَّ قَلَّ لكَ بها شُكْرِي؟ وكم مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بها قَلَّ لكَ بها صَبْرِي، فيَا مَنْ قَلَّ عندَ نعمتِهِ شكري فَلَمْ يَحْرِمْنِي، ويا مَنْ قَلَّ عندَ بَلِيَّتِهِ صبري فلَمْ يَخْذُلْنِي، ويا مَنْ رَآنِي عَلَى الخطايَا فلَمْ يَفْضَحْنِي، يا ذا المعروفِ الذي لا ينقضي أبدًا، ويا ذا النَّعْمَاءِ التي لا تُحْصَى عَدَدًا.

اللهُ أَوَّلُ كلِّ شيءٍ ووَلِيُّه، وَكُلُّ شيءٍ خاشعٌ له، وكلُّ شيءٍ قائمٌ به، وكلُّ شيءٍ ضَارِعٌ إليه، وكلُّ شيءٍ مُسْتَكِينٌ له، خَشَعَتِ له الأصواتُ، وكَلَّتْ دُونَهُ الصِّفَاتُ، وضَلَّتْ دُونَهُ الأَوْهَامُ، وحَارَتْ دُونَهُ الأَحْلَامُ، وانْحَسَرَتْ دُونَهُ الأَبْصَارُ، لا يَقْضِي في الأمورِ غيرُه، ولا يَتِمُّ شيءٌ منها دُونَه، سبحانَه، ما أَجَلَّ شَانَه، وما أَعْظَمَ سلطانَه، تُسَبِّحُ له السماواتُ العُلَى ومَنْ في الأرضِ السُّفْلَى، له التسبيحُ والعَظَمَةُ، والمُلْكُ والقُدْرَةُ، والحَوْلُ والقُوَّة، يَقْضِي بعِلْمٍ، ويعفو بحِلْم، قُوَّةُ كلِّ ضعيف، ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوف، وعِزُّ كُلِّ ذَلِيل، ووَلِيُّ كلِّ نِعْمَة، وصاحِبُ كلِّ حسنة، وكاشفُ كلِّ كُرْبَة، المُطَّلِعُ على كُلِّ خَفِيَّة، المُحْصِي لكُلِّ سَرِيرَة، يَعْلَمُ ما تُكِنُّ الصدور، وما تُرْخَى عليه السُّتُور، الرَّحِيمُ بِخَلْقِه، الرءوفُ بعبادِه، مَنْ تَكَلَّمَ منهم سَمِعَ كلامَه، ومَنْ سَكَتَ منهم عَلِمَ ما في نفسِه، ومَنْ عاش منهم فعَلَيْهِ رزقُه، ومَنْ مات فإِلَيْهِ مَصِيرُه، أحاط بكُلِّ شيءٍ حِفْظُه.

اللهم لكَ الحمدُ عَدَدَ ما تُحْيِي وتُمِيت، وعددَ أَنْفَاسِ خَلْقِكَ ولَفْظِهِمْ ولَحْظِ أبصارِهم، وعددَ ما تَجْرِي به الرِّيحُ، ويَحْمِلُهُ السَّحَاب، ويَخْتَلِفُ به الليلُ والنهارُ، وتُشْرِقُ عليه الشمسُ والقمرُ والنجومُ حمدًا لا يَنْقَضِي عَدَدُه، ولا يَفْنَى مَدَدُه.

اللهم أنتَ قَبْلَ كُلِّ شيءٍ، وإليكَ مَصِيرُ كُلِّ شيءٍ، وتَكُونُ بَعْدَ هلاكِ كلِّ شيءٍ، وتَبْقَى ويَفْنَى كلُّ شيء، وأنتَ وارِثُ كلِّ شيءٍ، أحاط عِلْمُكَ بكلِّ شيء، وليس يُعْجِزُكَ شيءٌ، ولا يَتَوَارَى عنكَ شيء، ولا يَقْدُرُ أحدٌ قَدْرَك، ولا يَشْكُرُكَ أحدٌ حَقَّ شُكْرِكَ، ولا تَهْتَدِي العقولُ لِصِفَتِك، ولا تَبْلُغُ الأوهامُ حَدَّكَ، حارَتِ الأبصارُ دونَ النظرِ إليك، فلَمْ تَرَكَ عينٌ فَتُخْبِرُ عنك كيف أنتَ؟ وكيف كنتَ؟

لا نَعْلَمُ اللهم كيفَ عَظَمَتُكَ؛ لأنه لا يَعْلَمُ كيف عَظَمَتُكَ إلا أنت؛ ولكنْ نَعْلَمُ أنَّكَ الحَيُّ القَيُّومُ، لا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ، لَمْ يَنْتَهِ إليكَ نَظَرٌ، ولا يُدْرِكُكَ بَصَرٌ، ولا يَقْدُرُ قُدْرَتَكَ مَلَكٌ ولا بَشَرٌ، أَدْرَكْتَ الأبصارَ، وكَتَبْتَ الآجَالَ، وأَحْصَيْتَ الأعمالَ، وأَخَذْتَ بالنواصي والأقدامِ، لَمْ تَخْلُقِ الخَلْقَ لِحَاجَةٍ ولا وَحْشَة، مَلَأْتَ كُلَّ شيءٍ عَظَمَةً، فلا يُرَدُّ ما أَرَدْتَ، ولا يُعْطَى ما مَنَعْتَ، ولا يَنْقُصُ سلطانَك مَنْ عَصَاك، ولا يَزِيدُ في خَلْقِكَ مَنْ أَطَاعَكَ، كُلُّ سِرٍّ عندَك عِلْمُه، وكلُّ عيبٍ عندَك شاهِدُه، فلَمْ يَسْتَتِرْ عنكَ شيء، ولَمْ يَشْغَلْكَ شيءٌ عن شيء، وقُدْرَتُكَ على ما تَقْضِي كَقُدْرَتِكَ على ما قَضَيْت، وقدرتُك على القَوِيِّ كقدرَتِك على الضعيف، وقدرتُك على الأحياءِ كَقُدْرَتِكَ على الأمواتِ، فَإِلَيْكَ المُنْتَهَى، وأنتَ المَوْعِد، لا مَنْجَى منكَ إلا إليك، بيدِكَ ناصيةُ كلِّ دابَّة، وبِإِذْنِكَ تَسْقُطُ كُلُّ ورقة، ولا يَعْزُبُ عنكَ مثقالُ ذَرَّة.

كُلُّ ما مِنَ اللهِ تعالى إلى عبدِهِ المؤمنِ يَدْعُوه إلى مَحَبَّتِهِ، مما يُحِبُّ العبدُ ويَكْرَهُ، فَعَطَاؤُهُ ومَنْعُه، ومُعَافَاتُهُ وابْتِلَاؤُه، وقَبْضُه وبَسْطُه، وعدلُه وفضلُه، وإماتتُه وإحياؤُه، وبِرُّه ورحمتُه وإحسانُه، وسَتْرُه وعفوُه، وحِلْمُه وصَبْرُهُ على عبدِه، وإجابتُه لدعائِه، وكَشْفُ كُرَبِهِ، وإغاثةُ لَهْفَتِه، وتَفْرِيجُ كُرْبَتِهِ مِنْ غيرِ حاجةٍ منه إليه؛ بل مع غِنَاهُ التَّامِّ عنه مِنْ جميعِ الوجوه؛ كُلُّ ذلك دَاعٍ للقلوبِ إلى تَأْلِيهِهِ ومَحَبَّتِهِ؛ بل تَمْكِينُه عبدَهُ مِنْ معصيتِه، وإعانتُهُ عليها، وسَتْرُهُ حتى يَقْضِيَ وَطَرَهُ منها، وَكَلَاءَتُهُ وحِرَاستُه له وهو يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ معصيتِهِ، ويُعِينُه، ويَسْتَعِينُ عليها بِنِعَمِهِ؛ مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلى مَحَبَّتِه؛ فلو أنَّ مخلوقًا فَعَلَ بمخلوقٍ أَدْنَى شيءٍ مِنْ ذلك؛ لَمْ يَمْلِكْ قلبَهُ عن محبتِه؛ فكيف لا يُحِبُّ العبدُ بكُلِّ قلبِهِ وجوارحِهِ مَنْ يُحْسِنُ إليهِ على الدَّوَامِ بِعَدَدِ الأَنْفَاسِ مع إساءَتِهِ؟!! فخَيْرُه إليه نَازِلٌ، وشَرُّهُ إليه صاعِدٌ، يَتَحَبَّبُ إليه بِنِعَمِه وهو غَنِيٌّ عنه، والعبدُ يَتَبَغَّضُ إليه بالمعاصي وهو فقيرٌ إليه، فَلَا إحسانُهُ وبِرُّهُ وإنعامُهُ عليه يَصُدُّهُ عن معصيتِه، ولا معصيةُ العبدِ ولُؤْمُهُ يَقْطَعُ إحسانَ رَبِّهِ عنه!!

فَأَلْأَمُ اللُّؤْمِ: تَخَلُّفُ القلوبِ عن محبةِ مَنْ هذا شَأْنُه، وتَعَلُّقُهَا بمحبةِ سِوَاه.

واللهُ سبحانَهُ خَلَقَكَ لنفسِه، وخَلَقَ كُلَّ شيءٍ لكَ في الدنيا والآخرة، فَمَنْ أَوْلَى منه بِاسْتِفْرَاغِ الوُسْعِ في مَحَبَّتِه، وبَذْلِ الجُهْدِ في مَرْضَاتِه؟!!

 وأيضًا: فَمَطَالِبُكَ ـ بل مَطَالِبُ الخَلْقِ كلِّهم جَمِيعًا ـ لَدَيْه، وهو أَجْوَدُ الأَجْوَدِين، وأَكْرَمُ الأَكْرَمِين، أَعْطَى عبدَه قَبْلَ أنْ يَسْأَلَهُ فوقَ ما يُؤَمِّلُه، يَشْكُرُ القليلَ مِنَ العملِ ويُنَمِّيه، ويَغْفِرُ الكثيرَ مِنَ الزَّلَلِ ويَمْحُوه، يَسْأَلُهُ مَن في السماواتِ والأرضِ، كلَّ يومٍ هو في شأن، لا يَشْغَلُهُ سمعٌ عن سمعٍ، ولا تُغْلِطُهُ كَثْرَةُ المَسَائِل، ولا يَتَبَرَّمُ بإلْحَاحِ المُلِحِّين؛ بل يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدعاء، ويُحِبُّ أنْ يُسْأَل، ويَغْضَبُ إذا لم يُسْأَلْ، يَسْتَحْيِي مِنْ عبدِه حيث لا يَسْتَحْيِي العبدُ منه، ويَسْتُرُه حيث لا يَسْتُرُ نفسَه، ويَرْحَمُه حيث لا يَرْحَمُ نفسَه.

دَعَاهُ بِنِعَمِهِ وإحسانِهِ وأَيَادِيهِ إلى كرامتِهِ ورضوانِه فأَبَى، فَأَرْسَلَ رسلَه في طَلَبِه، وبَعَثَ إليه معهم عَهْدَه، ثم نَزَلَ إليه سبحانَهُ بنفسِه، وقال: ((مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَه؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له؟))، كما قيل: أَدْعُوكَ لِلْوَصْلِ وتَأْبَى؟!! أَبْعَثُ رَسُولِي في الطَّلَبِ...أَنْزِلُ إليكَ بنفسِي...ألقاكَ في النُّوَّامِ؟!!

وكيف لا تُحِبُّ القلوبُ مَن لا يَأْتِي بالحسناتِ إلا هو، ولا يَذْهَبُ بالسيئاتِ إلا هو، ولا يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، ويُقِيلُ العَثَرَات، ويغفرُ الخَطِيئَات، ويَسْتُرُ العَوْرَات، ويَكْشِفُ الكُرُبَات، ويُغِيثُ اللَّهَفَات، ويُنِيلُ الطَّلَبَات سِوَاه؟!

فهو أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وأَحَقُّ مَنْ شُكِر، وأَحَقُّ مَنْ عُبِدَ، وأَحَقُّ مَنْ حُمِدَ، وأَنْصَرُ مَنِ ابْتُغِي، وأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ، وأَجْوَدُ مَنْ سُئِلَ، وأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى، وأَرْحَمُ مَنِ اسْتُرْحِمَ، وأَكْرَمُ مَنْ قُصِدَ، وأَعَزُّ مَنِ الْتُجِئَ إليه، وأَكْفَى مَنْ تَوَكَّلَ العبدُ عليه، أَرْحَمُ بعبدِهِ مِنَ الوالدةِ بولدِها، أَشَدُّ فَرَحًا بتوبةِ التائبِ مِنَ الفَاقِدِ لِرَاحِلَتِه التي عليها طعامُهُ وشَرَابُه في الأرضِ المُهْلِكَةِ إذا يَئِسَ مِنَ الحياة، ثم وَجَدَها.

وهو المَلِكُ لا شريكَ له، والفَرْدُ لا نِدَّ له، كُلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَه، لنْ يُطَاعَ إلا بإذنِه، ولن يُعْصَى إلا بِعِلْمِه، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وبِتَوْفِيقِهِ ونِعْمَتِهِ أُطِيعَ، ويُعْصَى فَيَغْفِرُ، ويعفو وحَقُّهُ قد أُضِيع .

فهو أقربُ شهيدٍ، وأَجَلُّ حفيظٍ، وأَوْفَى بالعهدِ، وأَعْدَلُ قائمٍ بالقسطِ، حَالَ دُونَ النُّفوسِ، وأَخَذَ بالنواصي، وكَتَبَ الآثارَ، ونَسَخَ الآجَالَ، فالقلوبُ إليه مُفْضِيَةٌ، والسِّرُّ عندَهُ عَلَانِيَةٌ، والغَيْبُ لَدَيْهِ مَكْشُوفٌ، وكُلُّ أحدٍ إليه مَلْهُوفٌ، وعَنَتِ الوجوهُ لِنُورِ وجهِه، وعَجَزَتِ العقولُ عن إدراكِ كُنْهِه، ودَلَّتِ الفِطَرُ والأدلةُ كُلُّها على امتناعِ مِثْلِهِ وشِبْهِهِ، وأَشْرَقَتْ لِنُورِ وجهِهِ الظلماتُ، واسْتَنَارَتْ له الأرضُ والسماواتُ، وصَلَحَتْ عليه جميعُ المخلوقاتِ.

لا ينامُ، ولا ينبغي له أنْ يَنَام، يَخْفِضُ القسطَ ويَرْفَعُه، ويُرْفَعُ إليه عملُ الليلِ قَبْلَ عملِ النهار، وعَمَلُ النهارِ قَبْلَ عملِ الليل، حِجَابُهُ النُّور، ولو كَشَفَهُ؛ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وجهِهِ ما انْتَهَى إليه بصرُه مِنْ خَلْقِهِ:

ما اعْتاضَ باذِلُ حُبِّهِ لِسِواهُ مِنْ        عِوَضٍ وَلَوْ مَلَكَ الوُجُودَ بِأَسْرِهِ

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وسَلَّمَ- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاللهم يا خَيْرَ مقصود، ويا أَكْرَمَ مَسْئُول، يا رَفِيعَ الدرجات، يا مُنْزِلَ البركات، وفاطِرَ الأرَضِينَ والسماوات؛ ضَجَّتْ إليكَ الأصواتُ بِصُنُوفِ اللُّغَات، يَسْأَلُونَكَ الحَاجَات، وحَاجَتِي إليكَ: أَلَّا تَنْسَانِي في دَارِ البِلَى إذا نَسِيَنِي أهلُ الدنيا.

اللهم إنكَ تَسْمَعُ كلامي، وتَرَى مكاني، وتَعْلَمُ سِرِّي وعَلَانِيَتِي، ولا يَخْفَى عليكَ شيءٌ مِنْ أَمْرِي، أنا البائِسُ الفَقِير، المُسْتَغِيثُ المُسْتَجِير، الوَجِلُ المُشْفِقُ، المُعْتَرِفُ بذَنْبِه، أسألُكَ مسألةَ المِسْكِينِ، وأَبْتَهِلُ إليكَ ابْتِهَالَ المُذْنِبِ الذَّلِيل، وأدعوك دعاءَ الخائِفِ الضَّرِير، دُعَاءَ مَنْ خَضَعَتْ لك رقبتُه، وفاضت لك عَبْرَتُه، وذَلَّ لكَ جِسْمُه، ورَغِمَ لكَ أَنْفُه، اللهم لا تَجْعَلْنِي بدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وكُنْ بي رَءُوفًا رحيمًا.

يا خيرَ المَسْئُولِين، ويا أَكْرَمَ المُعْطِين، إلهي؛ مَنْ مَدَحَ لكَ نفسَه فإني لائِمٌ نفسِي.

إلهي؛ أَخْرَسَتِ المعاصي لساني، فمَا لي وسيلةٌ مِنْ عمل، ولا شَفِيعٌ سِوَى الأَمَل.

إلهي؛ إني أَعْلَمُ أنَّ ذُنُوبِي لم تُبْقِ لي عِندَكَ جاهًا، ولا لِلِاعْتَذَارِ وجهًا؛ ولكنكَ أكرمُ الأكرمين.

إلهي؛ إْن لم أَكُنْ أهلًا أنْ أَبْلُغَ رحمتَك؛ فإنَّ رحمتَكَ أهلٌ أنْ تَبْلُغَنِي، ورحمتُكَ وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وأنا شيءٌ.

إلهي؛ إنَّ ذنوبي وإن كانت عِظَامًا؛ فهي صغارٌ في جَنْبِ عفوِك، فاغفِرْها لي يا كريم.

إلهي؛ أنتَ أنتَ، وأنا أنا، أنا العَوَّادُ إلى الذنوبِ، وأنتَ العَوَّادُ إلى المغفرة.

إلهي؛ إنْ كنتَ لا تَرْحَمُ إلا أهلَ طاعتِكَ؛ فَإِلَى مَنْ يَفْزَعُ المُذْنِبُون؟!!

سبحانَك، ما أَعْظَمَ حُجَّتَكَ عَلَيّ، وأَكْرَمَ عَفْوَكَ عني!! فَبِوُجُوبِ حُجَّتِكَ علَيَّ، وانقطاعِ حُجَّتِي عنكَ، وفَقْرِي إليكَ، وغناكَ عني إلا غفرتَ لي.

يا خيرَ مَنْ دعاه دَاعٍ، وأفضلَ مَنْ رَجَاهُ رَاجٍ؛ أتوسلُ إليك، فاغْفِرْ لي جميعَ ذنوبي.

إلهي؛ دَعَوْتُكَ بالدعاءِ الذي عَلَّمْتَنِيه؛ فلَا تَحْرِمْنِي الرَّجَاءَ الذي عَرَّفْتَنِيه.

إلهي؛ ما أنتَ صانعٌ بِعَبْدٍ مُقِرٍّ لكَ بِذَنْبِه، خاشِعٍ لكَ بِذُلِّه، مُسْتَكِينٍ لك بِجُرْمِهِ، مُتْضَرِّعٍ إليكَ مِنْ عَمَلِه، تائبٍ إليكَ مِنَ اقْتِرَافِه، مُسْتَغْفِرٍ لكَ مِنْ ظُلْمِه، مُبْتَهِلٍ إليكَ لِتَعْفُوَ عنه، طالبٍ إليكَ نجاحَ حوائِجِه مع كَثْرَةِ ذُنُوبِه؟

يا مَلْجَأَ كُلِّ حَيٍّ، ويا وَلِيَّ كُلِّ مؤمن؛ اللهم إياكَ أَمَّلْنَا، وما عندكَ طَلَبْنَا، ولِإِحْسَانِكَ تَعَرَّضْنَا، ورحمتَك رَجَوْنَا، ومِنْ عذابِكَ أَشْفَقْنَا، وإليكَ بأَثْقَالِ الذنوبِ هَرَبْنَا.

يا مَنْ يَمْلِكُ حوائِجَ السائلين، ويَعْلَمُ ضَمَائِرَ الصَّامِتِين.

يا مَنْ ليس معه رَبٌّ يُدْعَى، ويا مَنْ ليس فَوْقَهُ خالقٌ يُخْشَى، ويا مَنْ ليس له وزيرٌ يُؤْتَى، ولا حَاجِبٌ يُرْشَى، ويا مَنْ لا يَزْدَادُ على كثرةِ السؤالِ إلا جُودًا وكَرَمًا، وعلى كثرةِ الحوائِجِ إلا تَفَضُّلًا وإحسانًا.

إلهَنَا؛ تَابَعْتَ النِّعَمَ حتى اطْمَأَنَّتِ الأَنْفُسُ بِتَتَابُعِ نِعَمِكَ، وأَظْهَرْتَ العِبَرَ حتى نَطَقَتِ الصَّوَامِتُ بِحُجَّتِكَ، وظَاهَرْتَ المِنَنَ حتى اعْتَرَفَ أولياؤُكَ بالتقصيرِ عنْ حَقِّك، وأَظْهَرْتَ الآيَاتِ حتى أَفْصَحَتِ السماواتُ والأَرَضُونَ بِأَدِلَّتِك، وقَهَرْتَ بقُدْرَتِكَ حتى خَضَعَ كُلُّ شيءٍ لِعِزَّتِك، وعَنَتِ الوجوهُ لِعَظَمَتِكَ.

إذا أساءَ عبادُك حَلُمْتَ وأَمْهَلْت، وإنْ أَحْسَنْتَ إليهم يا رَبِّ أَجْمَلْتَ وأَفْضَلْتَ، وإنْ أَحْسَنُوا تَفَضَّلْتَ وقَبِلْتَ، وإنْ عَصَوْا سَتَرْتَ، وإنْ أَذْنَبُوا عَفَوْتَ وغفرتَ، وإذا دَعَوْنَا أَجَبْتَ، وإذا نادَيْنَا سَمِعْتَ، وإذا أَقْبَلْنَا إليكَ قَرَّبْتَ، وإذا وَلَّيْنَا عنكَ دَعَوْتَ ونَادَيْتَ.

إلهَنَا؛ إنكَ أَحْبَبْتَ التَّقَرُّبَ إليكَ بِعِتْقِ ما مَلَكَتْ أيمانُنا، ونحن عَبِيدُكَ، وأنتَ أَوْلَى بالتَّفَضُّلِ فأَعْتِقْنَا، وإنكَ أَمَرْتَنا أنْ نتصَدَّقَ على فُقَرَائِنا، ونحنُ فُقَرَاؤُكَ، وأنتَ أَحَقُّ بالتَّطَوُّلِ فَتَصَدَّقْ علينا، ورَغَّبْتَنا في العفوِ عمن ظَلَمَنا، وقد ظَلَمْنَا أنفسَنا، وأنتَ أَحَقُّ بالكَرَمِ منا فَاعْفُ عنا.

ربَّنا اغفِرْ لنا وارحمنا، وأنت مولانا، ربَّنا آتِنَا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنَا عذابَ النارِ.

يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عن شَأْنٍ، ولا سَمْعٌ عن سَمْعٍ، ولا تَشْتَبِهُ عليه الأصواتُ.

يا مَنْ لا تُغْلِطُه المَسَائِل، ولا تَخْتَلِفُ عليه اللُّغَات.

يا مَنْ لا يُبْرِمُهُ إلْحَاحُ المُلِحِّين، ولا تُضْجِرُهُ مسألةُ السائلين؛ أَذِقْنَا بَرْدَ عَفْوِكَ، وحلاوةَ مُنَاجَاتِكَ.

يا حيُّ يا قيوم، يا بديعَ السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجَلَالِ والإكرام؛ اغفرْ لنا الذنوبَ التي تُحِلُّ النِّقَم، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُغَيِّرُ النِّعَم، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُورِثُ النَّدَمَ، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تَحْبِسُ القِسَم، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تَهْتِكُ العِصَم، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُنْزِلُ البلاء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُعَجِّلُ الفَنَاء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُدِيلُ الأعداءَ، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تَقْطَعُ الرَّجَاء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تَرُدُّ الدعاء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُمْسِكُ غَيْثَ السماء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تُظْلِمُ الهواء، واغفِرْ لنا الذنوبَ التي تَكْشِفُ الغِطَاء.

عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مُسَيْكِينُكَ بفِنَائِك، فَقِيرُكَ بِفِنَائِك، سائِلٌ بفنائِك، كنتَ وتكونُ، وأنتَ حَيٌّ قَيُّوم، تنَامُ العُيونُ، وتَنْكَدِرُ النُّجُومُ، وأنتَ حَيٌّ قَيُّومٌ، لا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ يا حَيُّ يا قَيُّوم.

اللهم إنَّ ذُنُوبي لم تُبْقِ لي إلا رَجَاءَ عفوِك، وقد قَدَّمْتُ آلَةَ الحِرْمَانِ بينَ يَدَيّ، فأَنَا أسألُكَ بما لا أَسْتَحِقُّه، وأَدْعُوكَ بما لا أَسْتَوْجِبُه، وأَتَضَرَّعُ إليك بما لا أَسْتَأْهِلُه، فلَنْ يَخْفَى عليكَ حالي وإنْ خَفِيَ على الناسِ كُنْهُ معرفةِ أَمْرِي.

اللهم إن كان رِزْقِي في السماءِ فَأَهْبِطْهُ، وإن كان رزقي في الأرضِ فَأَظْهِرْهُ، وإن كان بعيدًا فَقَرِّبْهُ، وإن كان قريبًا فَيَسِّرْهُ، وإن كان قليلًا فَكَثِّرْهُ، وبارِكْ لي فيه.

اللهم إني أسألُكَ الهُدَى، والتُّقَى، والعَفَافَ، والغِنَى.

اللهم إني أعوذُ بكَ مِنْ نَزَغَاتِ الشيطانِ الرجيمِ ومَكَائِدِهِ، ومِنَ الثِّقَةِ بِأَمَانِيِّهِ ومَوَاعِيدِهِ وغُرُورِهِ ومَصَائِدِهِ، وأنْ يُطْمِعَ نفسَه في إِضْلَالي عنْ طاعتِك، وامْتِهَاني بمعصيتِك، وأنْ يَحْسُنَ عندِي ما حَسَّنَ لي، وأنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ ما كَرَّهَ إِلَيّ، اللهم أَخْسِأْهُ عني بعبادَتِكَ، واكْبِتْهُ بِجِدِّي في مَحَبَّتِكَ، واجعلْ بيني وبينَه سِتْرًا لا يَهْتِكُه، ورَدْمًا مُصْمَتًا لا يَفْتُقُه، اللهم اشْغَلْهُ عني ببعضِ أعدائِك، واعْصِمْنِي منه بِحُسْنِ رعايَتِكَ، واكْفِنِي خَطَرَهُ، ووَلِّنِي ظَهْرَهُ، واقْطَعْ عني أَثَرَهُ، اللهم وَمَتِّعْنِي مِنَ الهُدَى بمِثْلِ ضَلَالَتِه، وزَوِّدْنِي مِنَ التَّقْوَى ضِدَّ غِوَايَتِه، واسْلُكْ بي مِنَ التُّقَى خِلَافَ سبيلِهِ مِنَ الرَّدَى، اللهم لا تَجْعَلْ له في قلبي مَدْخًلا، ولا تُوَطِّنْ له فيما لَدَيَّ مَنْزِلًا، اللهم وما سَوَّلَ لي مِنْ باطلٍ فَعَرِّفْنِيه، وإذا عَرَّفْتَنِيهِ فَقِنِيه، وبَصِّرْنِي ما أُكَايِدُهُ به، وأَلْهِمْنِي ما أُعُدُّهُ له، وأَيْقِظْنِي عن سِنَةِ الغفلةِ بالرُّكُونِ إليه، وأَحْسِنْ بتوفِيقِكَ عَوْنِي عليه، اللهم وأَشْرِبْ قلبي الإنكارَ عليه، وأَلْطِفْ لي في نَقْضِ حِيَلِه، وحَوِّلْ سلطانَهُ عَنِّي، واقْطَعْ رجَاءَهُ مِنِّي، واذْرَءْهُ عنِ الوُلُوعِ بي، واجْعَلْنِي منه في حِرْزٍ حارِزٍ، وحِصْنٍ حافظٍ، وكَهْفٍ مانِعٍ، وأَلْبِسْنِي منه جُنَنًا وَاقِيَة، وأَعْطِنِي عليه أَسْلِحَةً ماضِيَةً، اللهم وَاعْمُمْ بذلِكَ مَنْ شَهِدَ لكَ بالرُّبُوبِيَّةِ، وأَخْلَصَ لكَ بالوَحْدَانِيَّةِ والأُلُوهِيَّة، وعَادَاهُ لكَ بحقيقةِ العبوديةِ، واسْتَظْهَرَ بكَ عليه في معرفةِ العلومِ الرَّبَّانِيَّةِ، اللهم احْلُلْ ما عَقَّدَ، وافْتُقْ ما رَتَقَ، وافْسَخْ ما دَبَّرَ، وثَبِّطْهُ إذا عَزَمَ، وانْقُضْ ما أَبْرَمَ، اللهم واهْزِمْ جُنْدَهُ، وأَبْطِلْ كَيْدَه، واهْدِمْ كهفَه، وأَرْغِمْ أنفَه، اللهم اجعلني في نَظْمِ أعدائِه، واعْزِلْنِي عن عِدَادِ أوليائِه، لا أُطِيعُ له إذا اسْتَهْوَاني، ولا أستجيبُ له إذا دَعَانِي، أَأْمُرُ بِمُنَاوَاتِهِ مَنْ أطَاعَ أَمْرِي، وأَعِظُ بِمُعَادَاتِهِ مَنِ اتَّبَعَ زَجْرِي.

اللهم أَعِذْنِي مما اسْتَعَذْتُ منه، وأَجِرْنِي مما اسْتَجَرْتُ بكَ مِنْ خَوْفِهِ، واسْمَعْ لي ما دعوتُ به، وأَعْطِنِي ما أَغْفَلْتُه، واحْفَظْ لي ما نَسِيتُه، وصَيِّرْني بذلك في مَرَاتِبِ المؤمنينَ ودَرَجاتِ الصالحين.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ الْعَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي، وَثَقِّلْ مَوَازِينِي، وَحقق إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَتِي، وَتَقَبَّلْ صَلَاتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ آمِينَ.

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ آمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا آتِي، وَخَيْرَ مَا أَفْعَلُ، وَخَيْرَ مَا أَعْمَلُ، وَخَيْرَ مَا أُبْطِنُ، وَخَيْرَ مَا أُظْهِرُ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ آمِينَ.

اللهُ تعالى نَهَجَ للعبدِ طريقَ النَّجَاةِ، وفَتَحَ له أبوابَها، وعَرَّفَهُ طُرُقَ تحصيلِ السعادةِ، وأَعْطَاهُ أسبابَها، وحَذَّرَهُ مِنْ وَبَالِ معصيتِهِ، وأَشْهَدَهُ على نفسِه وعلى غيرِهِ شُؤْمَهَا وعِقَابَها، وقال: ((إِنْ أَطَعْتَ فَبِفَضْلِى، وأنا أَشْكُر، وإنْ عَصَيْتَ فَبِقَضَائِي، وأنا أَغْفِر))، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وأَزَاحَ عنِ العبدِ العِلَل، وأَمَرَهُ أنْ يَسْتَعِيذَ به مِنَ العَجْزِ والكسلِ، ووَعَدَهُ أنْ يَشْكُرَ له القليلَ مِنَ العملِ، ويَغْفِرَ له الكثيرَ مِنَ الزَّلَلِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. أعطاه ما يَشْكُرُ عليه، ثم يَشْكُرُهُ على إحسانِهِ إلى نفسِهِ، لا على إحسانِهِ إليه، ووَعَدَهُ على إحسانِهِ لِنَفْسِهِ أنْ يُحْسِنَ جزَاءَهُ ويُقَرِّبَهُ لَدَيْهِ، وأنْ يَغْفِرَ له خَطَايَاهُ إذا تاب منها ولا يَفْضَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وَثِقَتْ بِعَفْوِهِ هَفَوَاتُ المُذْنِبِينَ فَوَسِعَها، وعَكَفَتْ بِكَرَمِهِ آمَالُ المُحْسِنِينَ فما قَطَعَ طَمَعَها، وخَرَّقَتِ السَّبْعَ الطِّبَاقَ دَعَوَاتُ التائِبِينَ والسائلينَ فَسَمِعَها، ووَسِعَ الخلائقَ عَفْوُهُ ومغفرتُهُ ورِزْقُه، فـ{مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يَجُودُ على عَبِيدِه بالنَّوَالِ قَبْلَ السؤال، ويُعْطِي سائِلَهُ ومُؤَمِّلَهُ فَوْقَ ما تَعَلَّقَتْ به منهمُ الآمَال، ويغفرُ لِمَنْ تاب إليه ولو بَلَغَتْ ذنُوبُهُ عَدَدَ الأمواجِ والحَصَى والترابِ والرِّمَالِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الوالدةِ بِوَلَدِها، وأَفْرَحُ بتوبةِ التائِبِ مِنَ الفَاقِدِ لِرَاحلتِهِ التي عليها طعامُهُ وشَرَابُهُ في الأرضِ المُهْلِكَةِ إذا وَجَدَهَا، وأَشْكَرُ للقليلِ مِنْ جميعِ خَلْقِهِ، فمَنْ تَقَرَّبَ إليه بِمِثْقَالِ ذرةٍ مِنَ الخيرِ شَكَرَهَا وحَمِدَهَا، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

تَعَرَّفَ إلى عبادِهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وتَحَبَّبَ إليهم بِحِلْمِهِ وآلَائِهِ، ولَمْ تَمْنَعْهُ مَعَاصِيهِمْ بِأَنْ جَادَ عليهم بآلَائِهِ، ووَعَدَ مَنْ تابَ إليه وأَحْسَنَ طاعتَهُ بمغفرةِ ذنوبِهِ يومَ لقائِهِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

السعادةُ كلُّها في طاعتِهِ، والأَرْبَاحُ كُلُّها في مُعَامَلَتِه، والمِحَنُ والبَلَايَا كُلُّها في معصيتِه ومُخَالَفَتِه، فليس للعبدِ أَنْفَعُ مِنْ شُكْرِهِ وتوبتِهِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. أَفَاضَ على خلقِهِ النعمةَ، وكَتَبَ على نفسِهِ الرحمةَ، وضَمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبَه: ((إنَّ رحمتَهُ تَغْلِبُ غضَبَهُ))، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وطاعتُهُ مِنْ توفيقِهِ وفَضْلِهِ، ويُعْصَى فَيَحْلُمُ، ومعصيةُ العبدِ مِنْ ظُلْمِه وجهلِهِ، ويتوبُ إليه فاعِلُ القَبِيحِ فَيَغْفِرُ له؛ حتى كأنه لَمْ يَكُنْ قَطُّ مِنْ أهلِهِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

الحسنةُ عندَهُ بعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا، أو يُضَاعِفُها بلا عَدَدٍ ولا حُسْبَان، والسيئةُ عندَهُ بواحِدَةٍ، ومَصِيرُها إلى العَفْوِ والغُفْرَان، وبابُ التوبةِ مفتوحٌ لَدَيْهِ منذُ خَلَقَ السماواتِ والأرضَ إلى آخِرِ الزمانِ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

بابُهُ الكَرِيمُ مُنَاخُ الآمَالِ، ومَحَطُّ الأوْزَارِ، وسماءُ عَطَايَاهُ لا تُقْلِعُ عَنِ الغَيْثِ؛ بل هي مِدْرَارٌ، ويَمِينُهُ مَلْأَى لا تَغِيضُهَا نفقةٌ، سَحَّاءُ الليلَ والنهارَ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

لا يَلْقَى وَصَايَاهُ إلا الصابرون، ولا يَفُوزُ بِعَطَايَاهُ إلا الشاكرون، ولا يَهْلِكُ عليهِ إلا الهَالِكُون، ولا يَشْقَى بِعَذَابِهِ إلا المُتَمَرِّدُون، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

فَإِيَّاكَ أَيُّهَا المُتَمَرِّدُ أنْ يَأْخُذَكَ على غِرَّةٍ فإنه غَيُور، وإذا أَقَمْتَ على معصيتِهِ وهو يَمُدُّكَ بنعمتِهِ فاحْذَرْ؛ فإنه لم يُهْمِلْكَ؛ لكنه صَبُور.

وبُشْرَاكَ أَيُّهَا التائِبُ بِمَغْفِرَتِهِ ورحمتِهِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ عَلِمَ أنَّ الرَّبَّ شَكُورٌ؛ تَنَوَّعَ في مُعَامَلَتِه، ومَنْ عَلِمَ أنه واسعُ المغفرةِ؛ تَعَلَّقَ بِأَذْيَالِ مَغْفِرَتِه، ومَنْ عَلِمَ أنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ؛ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِه، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ تَعَلَّقَ بصِفَةٍ مِنْ صفاتِهِ؛ أَخَذَتْهُ بِيَدِهِ حتى تُدْخِلَهُ عليه، ومَنْ سَارَ إليه بأسمائِهِ الحُسْنَى؛ وَصَلَ إليه، ومَنْ أَحَبَّهُ؛ أَحَبَّ أسماءَهُ وصفاتِهِ، وكانت آثَرَ شيءٍ لَدَيْهِ.

حياةُ القلوبِ في مَعْرِفَتِهِ ومَحَبَّتِه، وكَمَالُ الجَوَارِحِ في التَّقَرُّبِ إليهِ بِطَاعَتِهِ، والقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ، وكمالُ الأَلْسِنَةِ بِذِكْرِهِ والثَّنَاءِ عليهِ بأوصافِ مَدْحِهِ، فَأَهْلُ شُكْرِهِ أَهْلُ زِيَادَتِهِ، وأَهْلُ ذِكْرِه أهلُ مُجَالَسَتِه، وأهلُ طاعتِهِ أهلُ كَرَامَتِه، وأهلُ مَعْصِيَتِهِ لا يُقَنِّطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِه، إنْ تَابُوا فهو حَبِيبُهُمْ، وإن لَمْ يَتُوبُوا فهو طَبِيبُهُمْ، يَبْتَلِيهِمْ بأنواعِ المصائبِ؛ لِيُكَفِّرَ عنهُمُ الخَطَايَا، ولِيُطَهِّرَهُمْ مِنَ المَعَائِبِ، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

والحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ حمدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيهِ كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرْضَى، وكما ينبغي لِكَرَمِ وجهِهِ وعِزِّ جَلَالِه، حَمْدًا يَمْلَأُ السماواتِ والأرضَ وما بَيْنَهُما، وما شَاءَ رَبُّنا مَنْ شيءٍ بَعْدُ بِمَجَامِعِ حَمْدِهِ كلُّها، ما عَلِمْنَا منها وما لَمْ نَعْلَمْ؛ على نِعَمِهِ كُلِّهَا، ما عَلِمْنَا منها وما لم نَعْلَمْ، عَدَدَ ما حَمِدَهُ الحامِدُون، وغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الغافِلون، وعَدَدَ ما جَرَى به قَلَمُه، وأَحْصَاهُ كتابُه، وأحاطَ به عِلْمُهُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان