الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!


((الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!))

*هَلَاكُ الْأُمَّةِ بِالْخِلَافِ وَالْإِسْرَافِ!!

أَمْرَانِ كَبِيرَانِ يَقَعَانِ عَلَى التَّزَامُنِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاقٍ:

 خِلَافٌ يَدِبُّ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ فِي الْقُطْرِ الْوَاحِدِ, وَفِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ, وَفِي النَّجْعِ, وَفِي الْقَرْيَةِ.

 وَإِسْرَافٌ نَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهُ, وَحَذَّرَ مِنْهُ.

هَذَانِ الْأَمْرَانِ مِنْ تَهْيِيجِ الْعَدَاوَاتِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ, وَمِنَ الْإِسْرَافِ الَّذِي لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْوُقُوعِ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَائِهَا، هَذَانِ فِي كَلِمَتَيْنِ تَوْرَاتِيَّتَيْنِ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْسَبُونَ أَنَّ أَعْدَاءَهُمْ يُحَارِبُونَهُمْ حَرْبًا عَقَدِيًّةً, وَإِنَّمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الثَّرْوَاتِ، وَعَلَى احْتِلَالِ الدِّيَارِ وَالْمَمَالِكِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْبَادِ الْقُلُوبِ!!

فِي ((سِفْرِ إِشْعِيَاءَ, فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ رَقْمِ ثَلَاثَةٍ إِلَى رَقْمِ سَبْعَةٍ))، يَقُولُ: ((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ, فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ, وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ, مَدِينَةٌ مَدِينَةٌ, وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةٌ, وَيُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا, وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ, وَيَجِفُّ النَّهْرُ  وَيَيْبَسُ, وَتُنْتِنُ التُّرَعُ, وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ, وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالْأَسَلُ)).

لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا قِيلَ لَهُ: إِنَّ مَا يَقَعُ بَيْنَكُمْ -مَعَاشِرَ الْمِصْرِيِّينَ- أَمْرٌ يُبَيَّتُ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ, وَهِيَ عَقِيدَةٌ تُعْتَقَدُ, وَتُتَّخَذُ لَهَا التَّدَابِيرُ وَالْخُطَطُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَصِيرَ وَاقِعًا تَعِيشُونَهُ, وَتَلْفَحُكُمْ نَارُهُ.

((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ, حَتَّى يَكُونَ الْأَخُ يَقْتُلُ أَخَاهُ!!))

 وَالنَّصُّ: ((وَأُهَيِّجُ!!)) هَكَذَا!! ((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ!!))

 يَتَنَاحَرُونَ يَتَقَاتَلُونَ، يَسْبِي أَحَدُهُمْ أَخَاهُ, وَيَقْتُلُ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ, وَيَعْتَدِي أَحَدُهُمْ عَلَى أَخِيهِ.

((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ, فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ, وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ, مَدِينَةٌ مَدِينَةٌ, وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةٌ!!))

وَالنَّتِيجَةُ فِي تَخَالُفِ أَبْنَاءِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ, وَفِي تَعَادِي أَبْنَاءِ الْقُطْرِ الْوَاحِدِ, وَفِي اسْتِنْزَافِ طَاقَاتِ وَقُوَّاتِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِأَبْنَائِهِ، النَّتِيجَةُ: ((وَيُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا!!))

 حَفِظَهَا اللهُ وَسَلَّمَهَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

لَوْ تَأَمَّلْتَ فِي هَذَا؛ دَلَّكَ عَلَى وُجُوبِ الْتِزَامِ الصَّبْرِ وَالْحِكْمَةِ, وَعَلَى إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ الدِّينُ تُكَأَةً مِنْ أَجْلِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ, وَوُقُوعِ الْفَوْضَى؛ فَكُلُّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كِتَابِ اللهِ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

وَمَنْ وَقَعَ فِيهِ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِأَعْدَاءِ اللهِ, مُنَفِّذٌ لِخُطَطِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِمْ قَيْنًا وَعَبْدًا مِنَ الْأُمَمِيِّينَ الَّذِينَ لَا يَرْقُبُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً.

 فَعَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ وَاعِيًا لِدِينِهِ، مُحَافِظًا عَلَى يَقِينِهِ، مُلْتَزِمًا لِأَمْرِ اللهِ، مُتَّبِعًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنْ يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْ إِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَالشَّرِّ, وَأَنْ يَكُونَ بِمَبْعَدَةٍ عَنْ تَقْرِيبِ مَا هُوَ بَعِيدٌ عَلَى أَعْدَائِنَا حَتَّى يَصِيرَ دَانِيًا, فِيهِ قُرَّةُ الْعَيْنِ لَهُمْ, وَفِيهِ مَا تَرَى مِمَّا يُتَوَعَّدُ بِهِ أَهْلُ مِصْرَ, حَفِظَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَعَاهَا وَسَائِرَ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ.

هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ, فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنَ التَّخَالُفِ, وَالتَّهَارُجِ, وَالتَّنَاوُشِ, وَالتَّقَاتُلِ, وَالتَّصَارُعِ, وَأَنْ نَكُونَ إِخْوَانًا فِي اللهِ مُتَحَابِّينَ, لَا مُتَدَابِرِينَ, وَلَا مُتَقَاطِعِينَ, دَاعِينَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ, حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِمَا يَشَاءُ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ .

وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي فَهُوَ: نِعْمَةُ الْمَاءِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا عَلَى هَذَا الْبَلَدِ بِمَا أَجْرَى فِيهَا مِنَ النَّهْرِ الْمُبَارَكِ، يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ, وَأَلَّا يُسْرِفُوا فِيهَا مُبَدِّدِينَ إِيَّاهَا.

هَلْ يَجِفُّ النَّهْرُ حَقًّا؟!!

عِبَادِ اللهِ! كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَدُورُ عِنْدَ مَنْبَعِ النِّيلِ, فَيُؤَثِّرُ عَلَى مَصَبِّهِ, أَنَّ ذَلِكَ مُخَطَّطٌ لَهُ تَوْرَاتِيًّا عَلَى حَسَبِ النُّبُوءَةِ, كَمَا فِي الْمَوْضِعِ نَفْسِهِ.

((وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ)): فَيُحَارِبُونَ؛ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ, وَكُلُّ وَاحِدٌ صَاحِبَهُ, وَتَقَعُ الْفَوْضَى فِي الْقُطْرِ الَّذِي نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهُ بِحِفْظِهِ الْجَمِيلِ.

((مَدِينَةٌ مَدِينَةٌ, وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةٌ, وَيُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا)).

 ثُمَّ يَأْتِي الشِّقُّ الثَّانِي:

((وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ))؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إِذَا قَلَّ عِنْدَ الْمَصَبِّ, وَهُوَ يَصُبُّ -أَيِ النَّهْرُ- فِي الْبَحْرِ, كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ, تَتَحَقَّقُ هَذِهِ النُّبُوءَةُ فِي سِفْرِ إِشْعَيَاءَ, فِي الْأَصْحَاحِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ رَقْمِ ثَلَاثَةٍ إِلَى رَقْمِ سَبْعَةٍ، ((وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ!!))

وَهُمْ يُحَاوِلُونَ تَحْوِيلَ الْمَجْرَى عِنْدَ الْمَنْبَعِ بِأَنْ يَصُبَّ النَّهْرُ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ, وَأَلَّا يَمْضِيَ فِي طَرِيقِهِ كَمَا هُوَ مَعْهُودٌ مَرْسُومٌ لَهُ -بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.

 حَاوَلُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُفْلِحُوا, ثُمَّ يُحَاوِلُونَ مَا يُحَاوِلُونَ؛ حَتَّى لَا يَصِلَ إِلَى هَذِهِ الدِّيَارِ الَّتِي نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهَا, وَأَنْ يُبَارِكَ فِي أَبْنَائِهَا, وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ قُلُوبِ أَهْلِهَا حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ؛ حَتَّى يَكُونُوا جَمِيعًا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَاتِّبَاعِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ.

 فَتَقِلُّ الْمِيَاهُ, وَحِينَئِذٍ تَقَعُ النُّبُوءَةُ, وَهُمْ قَوْمٌ عَمَلِيُّونَ, لَيْسُوا بِخَيَالِيِّينَ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يُنَفِّذُونَ, وَيُخَطِّطُونَ قَبْلَ التَّنْفِيذِ, وَيُحْسِنُونَ التَّنْفِيذَ بَعْدَ التَّخْطِيطِ؛ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى تَحْقِيقِ النُّبُوءَةِ, وَهِيَ عِنْدَهُمْ مَعْصُومَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا!!

((وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ, وَيَجِفُّ النَّهْرُ))؛ يَعْنِي نَهْرَ مِصْرَ, نَهْرَ النِّيلَ.

((وَيَيْبَسُ وَتَنْتَنُ التُّرَعُ, وَتَضْعُفُ, وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ, وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالْأَسَلُ)).

*سَدُّ النَّهْضَةِ الْإِثْيُوبِيُّ وَالْمُؤَامَرَةُ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى مِيَاهِ النِّيلِ:

وَمِنَ الْمُؤَامَرَاتِ عَلَى مِيَاهِ النِّيلِ فِي مِصْرَ: اقْتَرَبَتْ أَنَّ دَوْلَةَ إِثْيُوبِيَا مِنْ إِتْمَامِ الْبِنْيَةِ الرَّئِيسَةِ لِلسَّدِّ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ ((سَدِّ النَّهْضَةِ))، بِسِعَةِ أَرْبَعَةٍ وَسَبْعِينَ مِنَ الْأَمْتَارِ الْمُكَعَّبَةِ مِنَ الْمِيَاهِ (74 مِلْيَار م3) تُحْجَزُ وَرَاءَ ذَلِكَ السَّدِّ.

وَقَدْ بَدَأَتْ (أَدِيس أَبَابَا) فِعْلِيًّا فِي بِنَاءِ هَيْكَلِهِ، مَعَ ازْدِيَادِ وَاشْتِدَادِ الْأَزْمَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالْحَرْبِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِالْإِرْهَابِ، فَانْشَغَلَتِ الْحُكُومَةُ عَنْ مَلَفِّ الْمِيَاهِ الْمُتَعَلِّقِ مُبَاشَرَةً بِأَمْنِهَا الْقَوْمِيِّ، بَلْ بِوُجُودِ مِصْرَ نَفْسِهَا.

تَنْقَسِمُ مَصَادِرُ الْمِيَاهِ فِي مِصْرَ إِلَى مَصَادِرَ تَقْلِيدِيَّةٍ:

*مِيَاهٍ مُتَجَدِّدَةٍ سَطْحِيَّةٍ وَجَوْفِيَّةٍ.

*وَمَصَادِرَ غَيْرِ تَقْلِيدِيَّةٍ، وَهِيَ حَصَادُ الْأَمْطَارِ وَالسُّيُولِ.

وَتَعْتَمِدُ بِلَادُنَا بِشَكْلِ مُبَاشِرٍ كَامِلٍ عَلَى الْمِيَاهِ السَّطْحِيَّةِ الْقَادِمَةِ مِنْ نَهْرِ النِّيلِ بِنِسْبَةٍ تَتَجَاوَزُ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ بِالْمِئَةِ (95%).

وَاسْتِهْلَاكَاتُ مِيَاهِ الشُّرْبِ تَتَجَاوَزُ تِسْعَةَ مِلْيَارِ مِتْرٍ مُكَعَّبٍ مِنَ الْمِيَاهِ (9 مِلْيَار م3) سَنَوِيًّا، فِيمَا تَزِيدُ اسْتِهْلَاكَاتُ مِيَاهِ الرَّيِّ عَنْ ثَلَاثَةِ وَسِتِّينَ مِلْيَارِ مِتْرٍ مُكَعَّبٍ (63 مِلْيَار م3) سَنَوِيًّا، أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ مِلْيَارًا مِنَ الْأَمْتَارِ الْمُكَعَّبَةِ (84 مِلْيَار م3) مِنَ الْمِيَاهِ تَأْتِي لِمِصْرَ عَنْ طَرِيقِ نَهْرِ النِّيلِ، مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلْيَارِ مِتْرٍ مُكَعَّبٍ (72 مِلْيَار م3) مِنْ إِثْيُوبِيَا وَحْدَهَا، وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِنَ الْمِلْيَارَاتِ مِنَ الْأَمْتَارِ الْمُكَعَّبَةِ (48 مِلْيَار م3) مِنَ الْمِيَاهِ تَأْتِي مِنَ النِّيلِ الْأَزْرَقِ الْمُقَرَّرِ إِقَامَةِ السَّدِّ عَلَيْهِ.

وَامْتِلَاءُ بُحَيْرَةِ سَدِّ النَّهْضَةِ عَلَى الْمُسْتَوَى الْمُتَوَسِّطِ سَيَتَسَبَّبُ فِي اسْتِنْزَافِ بُحَيْرَةِ السَّدِّ الْعَالِي بِأَكْمَلِهَا؛ لِتَعْوِيضِ النَّقْصِ الْحَادِثِ فِي مِيَاهِ النِّيلِ، وَالْمُتَرَتِّبِ عَلَى حَجْزِ مِلْيَارَاتِ الْأَمْتَارِ الْمُكَعَّبَةِ خَلْفَ السَّدِّ الْإِثْيُوبِيِّ.

هَذِهِ النَّتَائِجُ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى تَشْرِيدِ مِلْيُونَيْ أُسْرَةٍ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَفِقْدَانِ مَا يَزِيدُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ بِالْمِئَةِ (12%) مِنَ الْإِنْتَاجِ الزِّرَاعِيِّ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى تَلَوُّثِ الْمِيَاهِ، وَزِيَادَةِ نِسْبَةِ الْمُلُوحَةِ فِي الْأَرْضِ، وَالْعَجْزِ فِي سَدِّ احْتِيَاجَاتِ مِيَاهِ الشُّرْبِ، عِلَاوَةً عَلَى فَقْدٍ فِي الطَّاقَةِ الْكَهْرُبَائِيَّةِ سَيَصِلُ إِلَى إِنْتَاجِ صِفْرِيٍّ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِمَلْءِ الْبُحَيْرَةِ الْإِثْيُوبِيَّةِ خَلْفَ السَّدِّ.

إِقَامُةُ سَدِّ النَّهْضَةِ بِتَصْمِيمِهِ الْحَالِي، وَاسْتِكْمَالِ الْمَشْرُوعِ الْهَادِفِ إِلَى بِنَاءِ أَرْبَعَةِ سُدُودٍ أُخْرَى عَلَى النَّهْرِ الْأَزْرَقِ، تَتَسَبَّبُ جَمِيعُهَا فِي جَفَافِ مَجْرَى نَهْرِ النِّيلِ خِلَالَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا عَلَى الْأَكْثَرِ.

لِكَيْ يَتَحَقَّقُ مَا يَقُولُهُ الْيَهُودُ فِي كِتَابِهِمْ: ((وَيَجِفُّ النَّهْرُ، وَتُنْتِنُ التُّرَعُ، وَلَا يَبْقَى فِي مِصْرَ إِلَّا الْقَصَبُ، إِلَّا الْأَسَلُ، وَيَنْحَازُ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى خَمْسِ مُدَنٍ حَقِيرَةٍ!!))

*جَرِيمَةُ الْإِخْوَانِ وَالتَّكْفِيرِيِّينَ بِإِلْهَاءِ الْحُكُومَةِ الْمِصْرِيَّةِ عَنْ مُشْكِلَةِ الْمِيَاهِ:

مَا الَّذِي يَشْغَلُ عَنِ الْجِدِّيَّةِ الْجَادَّةِ فِي مُعَالَجَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَصِيرِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمِصْرَ وَالْمِصْرِيِّينَ الَّذِي يَمَسُّ وُجُودَهُمْ فِي الصَّمِيمِ، يَمَسُّ وُجُودَ مِصْرَ كَمِصْرَ، لَا كَحُكُومَةٍ، وَلَا كَمُؤَسَّسَاتٍ، وَإِنَّمَا كَوُجُودٍ، مَا الَّذِي يَشْغَلُ عَنْ هَذَا؟!!

مَا يَصْنَعُهُ أُولَئِكَ الْمُجْرِمُونَ مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ فِي هَذَا الَّذِي يَعْبَثُونَ بِهِ بِمَصِيرِ هَذَا الْبَلَدِ -وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى-.

إِنَّ جَرِيمَةَ إِلْهَاءِ الدَّوْلَةِ عَمَّا يَنْبَغِي أَنْ تَتَصَدَّى لَهُ مِنَ الْمَشَاكِلِ الْعَظِيمَةِ جَرِيمَةٌ هِيَ مِنَ الْخِيَانَةِ الْعُظْمَى بِمَكَانٍ سَحِيقٍ، إِنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي يُؤْتِينَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ النِّيلِ يُتَآمَرُ عَلَيْهَا؛ حَتَّى تَتَصَحَّرَ أَرْضُنَا، وَحَتَّى تَمْلَأَ الْجُرْذَانُ الْفِجَاجَ كُلَّهَا وَالدُّورَ، وَحَتَّى يَصِيرَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى مَجَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، يَمُوتُ فِيهَا مَنْ يَمُوتُ، وَيَأْكُلُ فِيهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا!!

إِنَّ هَذِهِ الْجَرِيمَةَ إِنَّمَا أَسَّسَ لَهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ قَامُوا بِالْفَوْضَى فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ يَنَايَر، وَمَا زَالُوا يَقُومُونَ بِالْفَوْضَى إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، وَمَا كَانَتْ إِثيُوبِيَا لِتَسْتَطِيعَ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا لَوُ كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْمِصْرِيَّةُ مُتَمَاسِكَةً قَوِيَّةً عَزِيزَةً، وَلَكِنْ لَمَّا انْشَغَلَتِ الدَّوْلَةُ بِأَبْنَائِهَا، وَانْشَغَلَ أَبْنَاءُ الدَّوْلَةِ بِالدَّوْلَةِ يُرِيدُونَ إِسْقَاطَ نِظَامِهَا، لَمَّا انْشَغَلَ أُولَئِكَ بِأُولَئِكَ؛ وَقَعَ مَا وَقَعَ وَمَا زَالَ يَقَعُ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا.

هَذِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْمَخَاطِرِ، أَلَا يَفْهَمُونَ؟!!

لَنْ تَجِدَ الْأَجْيَالُ الْقَادِمَةُ -بَلْ هَذَا الْجِيلُ لَوْ امْتَدَّ بِهِ الْعُمُرُ نَحْوًا مِنْ الِامْتِدَادِ- لَنْ يَجِدَ الْمَاءَ، سَيَكُونُ أَعَزَّ عِنْدَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَلَنْ يَجِدْهُ -إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا-، وَالْمَاءُ شُرْيَانُ الْحَيَاةِ.

وَكَمَا قَالَ (هِيرُودُوت) قَدِيمًا وَهُوَ يُؤَرِّخُ فِيمَا يُؤرِّخُ لَهُ: ((إِنَّ مِصْرَ هِبَةُ النِّيلِ))، وَيُتَآمَرُ عَلَيْهِ الْآنَ؛ لِأَنَّ الدَّوْلَةَ تُشْغَلُ فِي الدَّاخِلِ وَفِي الْخَارِجِ بِالزَّيْتِ وَالسُّكَّرِ وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْأَزْمَاتِ الْمُفْتَعَلَةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّا يَحْدُثُ فِي الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ فِي إِيجَادِ مَا يُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْبَدِيلِ.

وَهِيَ الْمُؤَامَرَةُ الْإِخْوَانِيَّةُ الْحَمَاسِيَّةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ الصُّهْيُونِيَّةُ الصَّلِيبِيَّةُ؛ بِمَا يُسَمَّى بِالْوَطَنِ الْبَدِيلِ مِنَ الْأَرْضِ الْمِصْرِيَّةِ مَعَ ضَيَاعِ الْقُدْسِ، مَعَ ضَيَاعِ الْمُقَدَّسَاتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْمُؤَامَرَاتِ، وَهِيَ مَكْشُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ.

تُشْغَلُ الدَّوْلَةُ بِأُولَئِكَ الْخَوَنَةِ الْأَغْرَارِ، وَمَنْ يُسَانِدُهُمْ وَيَخْرُجُ مَعَهُمْ مِنَ الْأَغْمَارِ الْمُغَفَّلِينَ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ الْحَقِيقَةَ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى مَآلَاتِ الْأُمُورِ؛ فَيَخْرُجُونَ، وَكُلٌّ يُغَنِّي عَلَى لَيْلَاهُ!! وَيَجْمَعُهُمْ فِي الْمُنْتَهَى هَذَا الْخُرُوجُ، الَّذِي يُضْعِفُ الدَّوْلَةَ وَيُسْقِطُ هَيْبَتَهَا، فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُدَافِعَ عَنْ حُدُودِهَا الْغَرْبِيَّةِ مِنْ تَسَلُّلِ الْمُتَسَلِّلِينَ مِنَ التَّكْفِيرِيِّينَ وَالْإِرْهَابِيِّينَ.

وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ مَاءِ النِّيلِ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَقَدَّمَ فِي النُّمُوِّ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا لِتَرْقِيَةِ التَّنْمِيَةِ فِي أَيِّ مَجَالٍ مِنَ الْمَجَالَاتِ، مَعَ الْإِفْسَاحِ لِذَهَابِ هَيْبَةِ الدَّوْلَةِ بِالْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ، فَتَتَعَمَّقُ الْفَجْوَةُ بَيْنَ النِّظَامِ وَبَيْنَ الشَّعْبِ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْشَأُ مَا يَنْشَأُ مِنْ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ وَسَوْفَ تَرَوْنَهُ -إِنْ لَمْ يَلْطُفْ بِنَا رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا--.

عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ وَاعِينَ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَنَا فِي التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ, وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ, يُرْفَعُ النِّزَاعُ, وَيَضْمَحِلُّ الْخِلَافُ, وَتَأْتَلِفُ الْقُلُوبُ, وَيَتَّحِدُ الصَّفُّ كُلُّهُ صَفًّا وَاحِدًا.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا, وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَوَادِي الشَّرِّ كُلِّهَا بَادِيهَا وَخَافِيهَا, ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 وَصَلَّي اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .   

 

المصدر:نِعْمَةُ الْمَاءِ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا وَالْإِنْفَاقُ فِي رَمَضَانَ مِثَالٌ!!
  خَوَارِجُ الْعَصْرِ وَتَكْفِيرُ الْمُجْتَمَعَاتِ
  فَضْلُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ
  رِعَايَةُ اللهِ لِيَتَامَى مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ
  مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الْعِيدِ: اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ
  حُقُوقُ الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْعَمَلُ وَالتَّخْطِيطُ لِلْمُسْتَقْبَلِ الدِّينِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  مَظَاهِرُ خُطُورَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  رِقَابَةُ السِّرِّ وَالضَّمِيرِ مِنْ سُبُلِ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  فَضْلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالنَّهْيُ عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا خَاصَّةً
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَاسْتِقْبَالِ آخَرَ
  يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ
  عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ لِإِهْمَالِ النَّظَافَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان