تفريغ خطبة من أحداث الهجرة

من أحداث الهجرة

((من أحداث الهجرة))

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلي الله عليه وعلى آله وسلم-.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فيقولُ اللهُ جلَّ وعلا-:  {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

والأربعةُ الحُرُمُ التي ذكرَهَا اللهُ ربُّ العالمين في هذه الآيةِ العظيمة: ثلاثةٌ سَرْدٌ وواحدٌ فردٌ، فأمَّا الثلاثةُ السَّردُ: فذو القِعدةِ وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّم، وأمَّا الفردُ: فهو رَجَب بين جُمادَى وشعبان.

وهذه الآيةُ العظيمةُ تدلُّ على وجوبِ الأخذِ بالحسابِ العربيِّ الهِجريِّ الذي اختارَهُ اللهُ ربُّ العالمين لهذه الأُمَّةِ الخاتِمَةِ، وتدلُّ على عدمِ اعتبارِ تقاويم وحساباتِ غيرِ هذه الأُمَّةِ العربيةِ المُسْلِمة، واللهُ ربُّ العالمين قد جعلَ هذا الأمرَ كذلك؛ لأنَّ اللهَ جلَّ وعلا- بَعَثَ مُحمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- في أُمةٍ أُميَّةٍ لا تكتبُ ولا تَحْسِب.

وجعلَ اللهُ ربُّ العالمين -رحمةً بهذه الأُمة- علامةً على الشهرِ آيةً كونيةً تظهرُ بحيثُ لا يُماري في رؤيتِها أحد وهي القمر، فربطَ اللهُ ربُّ العالمين تقويمَ هذه الأُمَّة بهذه الآيةِ الكونيةِ الظاهرةِ، وأخذَ العلماءُ سلفًا وخَلَفًا بهذا الأمرِ، فلم يفارقهُ منهم أحد، وكُتُبُ الفقهاءِ مشحونة وكذلك أحكامُ الحُكامِ والقُضاة بتلكَ الأحكامِ التي ارتبطت بهذا التقويمِ الهجريِّ الذي اختارَهُ اللهُ ربُّ العالمين لهذه الأُمَّةِ الخَاتِمَة، فجعلَ اللهُ ربُّ العالمين إلى ذلك ما يتعلقُ بالكفَّارات وما يتعلقُ ببعضِ انقضاءِ العِدَد، وَجَعَلَ اللهُ ربُّ العالمين ذلك دائرًا في هذه الأُمةِ على ألسنةِ فقهائِها وقُضَاتِها سواءً.

وقد كان مِن شأنِ بدءِ التاريخِ لهذه الأُمةِ المرحومة أنَّ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه- في السنةِ السادسةَ عشرةَ أو السابعةَ عشرةَ مِن هجرةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- جمع الأصحابَ فتشاوروا بأيِّ سنةٍ نبدأُ تاريخَنا الإسلاميَّ العربيَّ؟

فاختلفوا بينهم؛ فقال قائلٌ: نبدأُ بسنةِ ميلادِ النبي الأُميِّ العربيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

وقال قومٌ: بل نبدأُ تاريخَنَا ببَعثةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

وقال قومٌ: بل نبدأ التاريخَ بهجرةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم-.

وقال فريقٌ: بل نبدأُ التاريخَ بوفاةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

فَرَجَّحَ عُمَرُ رضوان الله عليه- بَدْأَ التاريخِ الإسلاميِّ بهِجرةِ النبيِّ الأُميِّ العربيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-؛ لأنَّ هجرةَ الرسولِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- وَقَعَت في أولِ سنةٍ قامَ فيها كِيانُ أُمَّةٍ مُسْلِمةٍ وفي أَوَّلِ عامٍ مِن أعوامِ هجرةِ النبي -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- قامَ على الأرضِ أوَّلُ كِيانٍ لأُمَّةٍ مُسْلِمة، فمِن أَجْلِ هذا البُعدِ الزمانيِّ والبُعدِ المكانيِّ معًا بهذه الأوَّليَّةِ؛ بأوَّليَّةِ الأُمةِ زمانًا ومكانًا بكيانٍ مُستقلٍّ مُتَحَقَقِ الوجود، مِن أجلِ ذلك رَجَّح عُمَر رضوان الله عليه- أنْ يكونَ بَدْءُ تاريخِ هذه الأُمَّةِ المُسلمةِ هجرةَ النبيِّ الكريمِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

ثمَّ شاورَ عُمَرُ رضوان الله عليه- أصحابَهُ؛ قال: فبأيِّ شهرٍ نبدأُ السنة؟

فقال بعضُهم: نبدأُ السنةَ بشهرِ ربيعٍ الأول، ففيه كانت هجرةُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، ولم يُهاجِر النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- في شهرِ المُحرَّمِ، وإنما بدأت هِجْرَتُهُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- الفعلية في يومِ السابعِ والعشرين مِن شهرِ صَفَر مِن السنةِ الرابعةَ عشرةَ مِن النبوة، ثم نزلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- قُباءَ في يومِ الثامنِ مِن ربيعٍ الأول، ثمَّ أقامَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- أربعةَ أيامٍ بقُباء، ثم نَزَلَ طَيْبَةَ وهو الطيِّبُ المُطَيَّبُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

فاختارَ قومٌ مِن أصحابِ عُمَرَ رضوان الله عليه- أنْ يكونَ أولُ شهرٍ في سنةِ أُمَّةِ الإسلامِ وفي تاريخِ المسلمين هو شهرُ ربيعٍ الأول، واختارَ آخرون شهرَ رمضان؛ ففيه أُنْزِلَ القرآن، وأمَّا عُمَرُ رضوان الله عليه- فرَجَّحَ شهرَ اللهِ المُحرَّم؛ لأنه شهرٌ حَرَام، ولأنَّ في هذا الشهرِ العظيم أَخَذَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- بكثيرٍ مِن جَلائلِ الأعمال ولأنَّ هذا الشهرَ العظيم يَعْقُبُ الشهرَ الذي يؤدي فيه المسلمونَ مَنَاسِكَهُم بأداءِ فريضةِ الحَجِّ، وفريضةُ الحجِّ هي آخرُ فرضٍ مِن الفروضِ الخمسة التي فَرَضَهَا اللهُ ربُّ العالمين على أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، ولأنَّ شَهْرَ اللهِ المُحَرَّمِ يَعْقُبُ شهرَ ذي الحِجَّة، وفيه أخذَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- البيعةَ على الأنصار، ولا يَخْفَى أنَّ أَخْذَ البيعةِ على الأنصارِ كان مُقَدِّمَةً ثابتةً مضطردة مِن أجلِ هجرةِ النبي الكريم -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

وإذن؛ فهذا الشهرُ الكريم هو الذي اختارَهُ عُمَرُ وعثمانُ وعليٌّ وجمهرةٌ صالحةٌ كبيرةٌ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- لكي يكونَ أولَ شهرٍ في سنةِ المسلمين التي بدأَهَا عُمَرُ رضوان الله عليه- بحادثِ الهجرةِ الفَذِّ العجيب، فاللهم صلى وسلم على مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلم، واللهم ارض عن الصحابةِ أجمعين.

اللهُ جل وعلا- جعلَ لنا بدايةَ اليومِ مِن غروبِ الشمسِ، فبدايةُ اليومِ لا مِن الزوالِ كما هو مألوفٌ معهودٌ معروف؛ بل بدايةُ اليومِ عند المسلمين تبدأُ مِن غروبِ الشمسِ، وذلك لأنَّ أوَّليَّةَ الشهرِ إنما تكونُ برؤيةِ الهلالِ بعد الغروبِ في المغربِ، فإذا رُؤيَ الهلالُ فَقَدْ دخلَ شهرٌ وانسلخَ شهر، فهذا أولُ شهرٍ ونهاية شهر، وعليه فأولُ اليومِ عند المسلمينَ بالغروبِ لا بالزوال، وأولُ الشهرِ برؤيةِ الهلالِ، وأولُ التاريخِ عند المسلمين هو بهجرةِ النبي الكريم -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

وهذا الشهرُ العظيمُ له فضيلةٌ عظيمةٌ بيَّنَهَا النبيُّ الكريم -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فقال فيما يرويه أبو هريرة يرفعهُ وأخرجه مسلم أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- قال: ((أفضلُ الصيامِ بعدَ صومِ رمضانَ صومُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ وأفضلُ الصلاةِ بعد المكتوبة قيامُ الليل)).

فأضافَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- المُحَرَّمَ إلى الله، فقال: ((شهرُ اللهِ المُحَرَّم))، وهذه إضافةُ تشريفٍ وتكريمٍ ورِفعةٍ وتفضيل، واللهُ ربُّ العالمين لا يضيفُ إليه ولا يُضيفُ إليه نبيُّهُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- إلَّا خواصَّ مخلوقاتِهِ كما أضافَ مُحَمَّدًا إليه بالعبودية -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، وكذا أضافَ إليه إبراهيم والأنبياءَ والمرسلين، وأضافَ إليه البيتَ والناقةَ تشريفًا وتعظيمًا ورِفعة، فهذا الشهرُ أضافَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- إلى اللهِ ((شهرُ اللهِ المُحَرَّم)).

وشيءٌ آخر: هو أنَّ الصيامَ الذي ذكرَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- واقعًا في شهرِ اللهِ المُحرَّم، هذا الصيامُ مُضافٌ أيضًا إلى اللهِ ربِّ العالمين بإضافةِ اللهِ ربِّ العالمين إياهُ إليه، إذ يقولُ اللهُ جلَّ وعلا- في الحديثِ القدسيِّ الصحيح: ((كلُّ عملُ ابنِ آدمَ إلَّا الصوم فإنه لي))، وإذن؛ فإنَّ الصيامَ في شهرِ اللهِ المُحرَّم تجتمعُ فيه إضافتان؛ إضافةُ الصيامِ إلى اللهِ كما أضافَ اللهُ ربُّ العالمين الصيامَ إليه، وإضافةُ اللهِ ربِّ العالمين الشهرَ إليه بإضافةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم- الشهرَ إلى ربِّهِ.

فالصومُ في هذا الشهرِ له موقعٌ جليلٌ عند اللهِ ربِّ العالمين لا يعدلُهُ صيامٌ إلَّا ما وقعَ في رمضان، وقد يكونُ المعنى في حديثِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: أفضلُ الصيامِ بعدَ الفريضةِ في رمضان صومُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ: بمعنى أنَّ الإنسان إذا ما صام الشهرَ كلَّهُ تطوعًا، وأمَّا تبعيضُ بعضِ أيامِهِ وخصُّها بصيامٍ فلا تقعُ فاضلةً مُفضلَّةً فوق ما يَثْبُتُ مِن الفضيلةِ والأفضليةِ ليومِ عرفة وللعشرِ الأُوَلِ مِن شهرِ ذي الحِجَّة ولِمَا يكونُ مِن سِتِّ شوال.

فعلى العبدِ الذي يرقبُ اللهَ ربَّ العالمين ويتلمسُ مواقعَ رضاهُ أنْ يُجْهِدَ نفسَهُ وأنْ يجتهدَ في الوقوعِ على خيرِ صيامٍ يحبهُ اللهُ ربُّ العالمين ويرضاه بعد صومِ الفريضةِ في رمضان.

عبادَ اللهِ؛ إنَّ هجرةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- حَدَثٌ فَذٌّ مَتَفِردٌ في تاريخِ البشريَّة، إذ فَرَقَ اللهُ ربُّ العالمين بها بين عهديْن؛ بين عهدٍ كان فيه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- والمُستضعَفونَ معه في حالِ استضعافٍ وخَوْف وفي حالِ مُطاردةٍ وإيذاء إلى حالِ عِزٍّ ومَنَعَة، وأَخَذَ اللهُ ربُّ العالمين بأيدي المؤمنين إلى مَصافٍّ لا ترْقَى إليها النجوم، ورفعَ اللهُ ربُّ العالمين ذِكْرَ نبيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- وأعَزَّهُ وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ، ورفعَ اللهُ العالمين كلمةَ الدين حتى أصبحت كلمةُ الكُفرِ صاغرة كما هي في الحقيقةِ وعلى الدوام.

وإنَّ هجرةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- التي بدأَهَا الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- في السابعِ والعشرينَ مِن شهرِ صَفَر مِن السنةِ الرابعةَ عشرة مِن النبوة مِن البعثة- بتَحَرُّكِهِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- مِن بيِتِهِ إلى بيتِ صاحبِهِ أبي بكرٍ رضوان الله عليه-، هذه الهجرةُ الفَذَّةُ العظيمةُ مازالت ممتدةً في الأُمَّةِ إلى يومِ يُبعثون، يقولُ النبيُّ الكريمُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: ((والمُهاجرُ مَن هجرَ ما نهَى اللهُ ربُّ العالمين عنه))، ولذلك كان السابقونَ الصالحونَ السالفونَ عليهم رحمةُ الله أجمعين-، كان هؤلاء بالهجرةِ العظيمةِ إلى اللهِ ربِّ العالمين مِن الذنوبِ إلى الطاعةِ ومِن المعصيةِ إلى الإنابةِ كانوا موفقينَ حقًّا.

وانظُر إلى هجرةِ واحدٍ من هؤلاء؛ لم يكُن صحابيًّا وإنما جاءَ بعدُ، كيف أخذَ مِن معاني الهجرةِ ما أخذَ، فكان يهجرُ تَرَفًا إلى شظَف وكان يتركُ دَعَةً وخَفْضًا إلى يُبوسةِ عيْشٍ وقسوةِ معيشة، وهو الذي تملَّكَ الدنيا جميعًا كما قال مالكُ بن دينارٍ رحمةُ اللهِ عليه- يدعوني الناسُ بالزاهد، ووالله ما أنا بزاهدٍ، إنما الزاهدُ عُمَرُ بن عبد العزيز الذي جاءتهُ الدنيا فرَفَضَها، حجَّ عُمَرُ بن عبد العزيز رحمة الله عليه- مع سليمانَ بن عبد الملك أمير المؤمنين، فلمَّا كانوا في بعضِ الطريق أصابَهُم ريحٌ عاصفٌ وأجرى اللهُ ربُّ العالمين عليهم رعدًا قاصفًا وبرْقًا خاطفًا وهولًا وكربًا شديديْن، فكادت القلوبُ أنْ تنخلع، فأقبلَ سليمانُ على عُمَرَ بن عبد العزيز فقال: ((يا أبا حفص؛ هل رأيتَ مِثْلَ هذا الهولِ قطُّ أو سَمِعْتَ به؟))

فقال: ((يا أميرَ المؤمنين؛ هذا صوتُ رحمةِ الله، فكيف لو سَمعتَ صوتَ عذابِ الله؟!))

فلمَّا أنْ كانوا بعرفات في الموقفِ العظيمِ؛ نظرَ سليمانُ إلى الناسِ فعَجِبَ مِن كثرتِهِم، فقال: ((ما أكثرَ الناسِ يا عُمَر!!))

فقال: ((يا أميرَ المؤمنين؛ هؤلاء اليوم رَعيَّتُك، وَهُم غدًا خُصمائُكَ بين يدي اللهِ ربِّ العالمين))، فبَكَى سُليمان.

تقولُ فاطمةُ بنتُ عبد المَلِك زوجُ عُمرَ بن عبد العزيز-: ((قد يكونُ في الناس مَن هو أكثرُ صلاةً وصيامًا مِن عُمَرَ بن عبد العزيز، ولكنْ لا والله ما علمنا قط أحدًا أكثرَ فَرَقًا أي: خشيةً وخوفًا- مِن عُمَرَ بن عبد العزيز، إنْ كان ليُصلِّي العشاءَ الآخرة ثُمَّ يدخلُ مُصَلَّاه فيَمُدُّ يديْه داعيًا اللهَ ربَّ العالمين مُتضرِعًا باكيًا بأحَرِّ عَبْرةٍ وأسخنِ دمعةٍ، فما يزالُ كذلك حتى تغلبَهُ عيناه، فإذا ما انتبه؛ عادَ إلى الدعاءِ رافعًا يديه باكيًا بين يدي سيدِهِ ومولاهُ حتى تغلبَهُ عيناه، فإذا انتبهَ رَفَعَ يديْه مادًّا إياهُما إلى اللهِ ربِّ العالمين باكيًا مُتضرِعًا إلى اللهِ ربِّ العالمين بأسخنِ دمعٍ وأحرِّ بكاء وذلك ليلَهُ أجمع)), ولذلك لمَّا خرجَ مِن عنده الطبيب، قيل له: هل به مِن مرض؟

قال: والله إنَّ به لداءًٌ ليس له مِن شفاء.

قالوا: وما هو؟

قال: قطَّعَ الخوفُ نياطَ قلبِهِ.

الخوفُ مِن اللهِ ربِّ العالمين سبحانه، هذا صوتُ رحمتِهِ، فكيف لو سمعتَ صوتَ عذابِهِ.

اللهم قد أريتَنَا قُدرتَك، فأرِنَا رحمتَك، وأنت على كلِّ شيءٍ قدير وأنت أرحمُ الراحمين.

إنَّ هجرة النبيِّ فيها هذا المعنى الموصول في كلِّ مسلمٍ يؤمنُ بالرسولِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، ويَرْقى إلى اللهِ ربِّ العالمين على معارجِ الوصول بسُلَّمِ الأصول تابِعًا الرسول -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

((المُهاجرُ مَن هجرَ ما نهى اللهُ ربُّ العالمين عنه))، والنبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- وقعَ لأصحابِهِ في هذه الهجرةِ النبويةِ الشريفةِ الطاهرةِ أشياءُ هي مِن العجبِ بالمحلِّ الأسمى وبالمَقام الأسنى، يكادُ الخيالُ لا يُصَدِّقَهَا ولا يتملاها، فكيف بعينِ حقيقةٍ وعينِ يقين!!

انظر إلى أبي بكرٍ رضوان الله عليه- لمَّا جاءَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، وقد كان قبْلُ يقولُ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: يا رسول الله؛ ائذن لي بالهجرة.

فيقولُ: ((يا أبا بكر تلبَّث عسى اللهُ أنْ يجعلَ لك صاحبًا)).

فكان هو الصاحِب -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

فلمَّا جاءَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- إلى أبي بكرٍ فبَشَّرَهُ بأنَّ اللهَ ربَّ العالمين قد أَذِنَ له بالهجرةِ، وقد اختارَهُ لنبيِّهِ صاحبًا ولنبيِّهِ رفيقًا ولنبيِّهِ مُرافِقًا -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، بَكَى مِن شِدَّةِ الفَرَحِ، تقولُ عائشة: ((وما عَلِمْنَا أحدًا قبلها يبكي مِن شدَّةِ الفرحِ حتى رأينا أبا بكرٍ يبكي يؤمئذٍ مِن شدةِ الفرح رضي اللهُ عنه وأرضاه-))، أنْ يكونَ صاحبًا للنبيِّ في الرحلةِ المصيريةِ المَخوفةِ، إذ يخرجُ مُفتديًا نبيَّهُ بنفسِه صلى الله عليه وسلم- بعدما افتدى نبيَّهُ بمالِهِ أجمع إذ أخذَ جميعَ المالِ معه ستةَ آلافِ درهم- فأخذَهَا معه رضوان الله عليه-، وأبقى لبناتِهِ وبنيه مِن بعدِه اللهَ ورسولَهُ كما قالَ للنبيِّ بعدُ في طَيْبَةَ الطيِّبَة التي أنارَهَا اللهُ ربُّ العالمين بجلالِ الرسالةِ ومَقدمِ الحبيبِ الطيبِ المُطيَّبِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

ثُمَّ انظر إليه إذ يدخلُ الغارَ مُستبرئًا ويقولُ: يا رسول الله؛ لبِّث قليلًا حتى أستبرئ الغارَ لك))، ثم يدخلُ ويُقَطِّعُ رِدَائَهُ وَيَجْعَلُ حَشْوَ الجحورِ مِن مِزَقِ رِدَائِهِ حشْوًا؛ مَخَافَةَ أنْ تخرجَ حيَّةٌ أو ينسابَ عقربٌ فيؤذيَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، ويدخلُ الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- قريرَ العينِ لا يُبالي بأمْرِ هؤلاء الصعاليك المفاليك مِن المُطاردِين للنبيِّ الكريمِ وصاحبِهِ، لم يُبالي مِن أَمْرِ هؤلاء شيء، ويضعُ رأسَهُ على فَخِذِ أبي بكرٍ وينامُ، ويلتفتُ أبو بكرٍ رضوان الله عليه- إلى جُحْرٍ هنالك لم يكُن قد سَدَّهُ، فيجعلُ فيه عَقِبَهُ ويشاءُ اللهُ ربُّ العالمين بحكمتِهِ أنْ يُلدغَ أبو بكر في عَقِبِهِ رضوان الله عليه- مِن ذلك الجُحرِ بعينِهِ، ورأسُ نبيِّهِ على فَخِذِهِ، فلا يستطيعُ مع شدةِ الألمِ أنْ يتحركَ أُنملَةً واحدةً ولا أدنى منها، ولكنه لا يملكُ مع شدةِ الألم ومع لسعِ لدغِ وسريان السُّمِّ فيه، لا يملكُ مِن أمرِ بكائِهِ ولا مِن دمعتِهِ شيئًا، فتنسابُ الدموعُ على خدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، فيقولُ: ((ما دهاكَ يا أبا بكر؟))

فيقولُ: ((لُدِغْتُ يا رسول الله)).

فيقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم-: ((أَرِينَهَا، فَيَبْصُقُ فيها؛ فإذا هو قَد عُوفيَ رضوان الله عليه-)).

ثم يتحركُ أمامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم- في الطريق ومِن خلفِهِ وعن يمينِهِ وعن شمالِهِ، يقول: ((يا رسول الله أذكرُ الرَّصَد فأكونُ أمامَك، وأخافُ الطلب فأكونُ خَلْفَك، وأَذكرُ مفاجآت الطريق فأكونُ عن يمينِك وشِمَالِك، يا رسول الله إنك إنْ هَلَكت؛ فهُلكُ أُمَّة، وأمَّا أنا إنْ هَلَكتُ؛ فَهُلكُ واحدًا لا أزيد، أمَّا أنت يا رسول الله لئن أصابتكَ شَوكة فهو لخَطْبٌ جليل تتحركُ منه الجبالُ الراسيات، وأمَّا أنا يا رسول الله فروحي لك الفداء يا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-)).

وهناك في ظِلِّ النخلةِ وقد خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم- مُهاجرًا في آخرِ شهورِ الصيف، في قيظٍ قائظٍ وحرٍّ شديدٍ لاهب وصحراءَ مُحْرِقة لو وُضِعَ عليها اللحمُ النَّيِّئُ لأَنْضَجَتْهُ مِن شِدَّةِ حرارتِها، ونزلَ النبيُّ في الظهيرةِ في حَمَّارَةِ القَيْظ  وما انفثأت بعدُ، نزلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم- في ظِلِّ نخلة بمَبعدةٍ مِن قُباء، وإذ يراهُ القومُ ولا يرَوْنَهُ؛ لأنهم كانوا يخرجونَ مِن أنصارِهِ وأحبائِهِ يتوقعونَ مَقْدَمَهُ ولا يرَوْنَ شيئًا إلَّا الآلُ والسَّرابُ يلوحُ مِن بعيد وليس به مِن حقيقةِ وجود حتى جاءَ الرسولُ الكريم -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- ونزلَ هناك -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- في ظِلِّ نخلةٍ وما ظِلُّ نخلةٍ- وما يبلغُ أن يكونَ، وخرجَ يهوديٌّ على أُطُمٍ لهم هنالك؛ فرَأى النبيَّ وأبا بكر، فقال: يا بني قَيْلَة هذا جَدُّكُم، هذا رجُلُكم الذي تنتظرون، فخرَجوا إلى النبيِّ يتسابقون -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فلم يُفَرِّق بينه وبين أبي بكر، وسَلَّمُوا عليهما جميعًا حتى تحولَّ الظِلُّ فقامَ أبو بكر يُظِلُّ النبيَّ بردائِهِ ويَضْحَى هو، فيقفُ هو في الشمسِ، ويُظِلُّ النبيَّ برِدائِهِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

وانظُر إلى موقفِ امرأةٍ لا موقفِ رَجُل، ولكنَّها بملءِ الأرضِ رجال مِن أشباهِ الرجالِ ولا رجال، انظُر إلى أسماءَ بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما-؛ لمَّا أنْ جاء إليها أبو جهل، فدَخلَ عليها بعد الهجرة وبعد أنْ مَرَّ النبيُّ بسلام، لمَّا خرجَ فأخذَ التراب، وقد ألقى اللهُ على القومِ النوم، فوَضَعَ الترابَ على الرؤوسِ، يقولُ: ((شاهت الوجوه شاهت الوجوه))، ومَرَّ سالِمًا غانمًا -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فلمَّا عَلِموا بِصُبْحٍ وكان النبيُّ قد مَرَّ إلى غارِ ثَوْرٍ صلى الله عليه وسلم- وآواهُ اللهُ ربُّ العالمين إلى كَنَفٍ مكينٍ وظِلٍّ ظليلٍ وواحةٍ آمنةٍ مُطمئنةٍ وإنْ كانت في جبلٍ جَهْمٍ ذي حجارةٍ وأحجارٍ باديةِ الأسنانِ كأنيابِ الغُولِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم- في أعلى القِمَّةِ كما هو دائمًا وكما ينبغي أنْ يكون-، وَنَزَلَ النبيُّ الغار ومعه صاحبُه، وأفلتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم- ومعه صاحبُهُ رضي الله عنه وأرضاه-، وجاءَ أبو جهل وكان خبيثًا فاحشًا كما تقولُ أسماء؛ فقال: يا ابنةَ أبي بكرٍ أين ذهبَ أبوكِ؟

قالت: لا أدري أين هو وكانت مُحِقَّةً صادقةً رضي الله عنها-.

فلطَمَها لَطْمَةً أطاحَ منها أي مِن اللَّطْمَةِ بِقُرطِها-، ألَا شُلِّت يمينُهُ -وَقَد شُلِّت-، وألَا شاهَ وجهُهُ -وقد شَاه-، أَلَا لَعَنَ اللهُ ربُّ العالمين جميعَ ما فيه ولا رَحِمَ اللهُ ربُّ العالمين فيه مَغرزَ إِبْرَةٍ، وقد فعلَ ربُّك وما ربُّكَ بظلَّامٍ للعبيد.

فلمَّا جاءَ أبو قُحافة جَدُّها لأبيها-؛ فقال: علمتُ أنَّ أباكِ قد ذهبَ مع مُحمَّد وما أُرَاهُ إلَّا قد فَزعَكُم بمالِهِ كما قد فَزَعَكم بنَفسِهِ يعني أنَّ أبا بكرٍ قد أخذ المالَ جميعًا وذهبَ مُهاجرًا مع مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم-، فعَمَدَت وكان قد كُفَّ بصرُهُ- إلى كُوَّةٍ هناك كان أبو بكر يَضَعُ فيه مالَهُ، فوضعَت فيها حجارةً لطيفةً وأتت بكساءٍ فوضعَتْهُ فوقَ الحجارة، وأَخَذَت بيدِ جَدِّها تَمُرُّ بها على الحجارةِ مِن تحت الكساء، وتقولُ: يا أبت انظر إلى المالِ الذي خَلَّفَ لنا أبونا، فيقولُ: إنه إذن لمُصيبٌ مُحْسِنٌ رضي الله عنهم أجمعين-.

وانظُر إليها إذ تذهبُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم- وإلى أبيِهَا حَامِلَةً عَتَادًا وزادًا مَاءً وَزَادًا- تحملُهُ، فلمَّا أنْ مَرَّت غيرَ بعيدٍ بليلٍ وهي حَامِلٌ في شهورِها الأخيرةِ على مَبعدةِ خمسةِ أميالٍ مِن مكَّةَ المُكَرَّمة في جبلٍ وَعْرٍ في ليلٍ بَهيم، تحملُ الزادَ والماءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم- وإلى أبي بكرٍ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ-، فلمَّا مَرَّت غيرَ بعيد؛ وجدَت أنه لا عِصَامَ لقِربتِها، لا عِصامَ لزادِها، لا تستطيعُ أنْ تحملَهُ مِن غيرِ عصامٍ تجعلُهُ فيه، فما كان إلَّا أنْ عَمَدَت إلى نِطاقِهَا فقسَمَتْهُ قِسميْن، فجَعَلَت على وَسطِها نِطاقًا نِصْفًا وجعلت النصفَ الآخرَ عِصامًا لقِربتِها وزادِها، فسُمِّيَت بـ((ذاتِ النِّطاقيْن)) رضي الله عنها وأرضاها-.

وانظُر إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- وهو يأخذُ بالأسبابِ جميعًا مع أنه يعلمُ أنَّ اللهَ ربَّ العالمين سيعصمهُ وأنَّ اللهَ ربَّ العالمين لم يكُن ليُسلِمَهُ، فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- لمَّا أرادَ الهجرة؛ خرجَ إلى أبي بكرٍ في وقتِ القيلولةِ، وما كان يذهبُ إلى أبي بكرٍ في مِثلِ هذا الوقتِ قَط، فدخلَ بيتَ أبي بكر، ثُمَّ خَرَجَ مِن خَوْخَةٍ هناك مع أبي بكر، فلو كان هناك رَقبٌ ولو كان هناك استخباراتٌ مِن قُريش تَرقبُ مُحمَّدًا وصاحبَهُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- و-رضي الله عنه-؛ فما كانت لتعلمَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم- سيدخلُ مِن بابِ أبي بكر ويخرجُ مِن ظهرِ بيتِ أبي بكر مِن بابٍ هناك في ظهرِ البيت مِن خَوْخَةٍ هناك-، فخرجَ منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم-، إلى أين؟

القومُ يتوقعونَ أنَّ النبيَّ سيذهبُ إلى الشَّمال -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- يعني إلى يثرب وكانت تُسَمَّى كذلك- إلى المدينةِ النبويةِ، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم- خالفَ توقعات القومَ وأصعدَ بهم إلى الجنوب -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- خمسةَ أميال هناك في غارِ ثَوْرٍ في جبلِ ثَوْر، ونزلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- بعدما كانت أَوَامِرُهُ وأوامرُ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنه وأرضاه- لأسماء بأنْ تأتيَ بالزادِ؛ لأنَّ عينَ القومِ ربما لم تَلْحَظْهَا، ولأنَّ عينَ القومِ ربما لم تذهب إلى أنها في يومٍ مِن الأيام يُمكن أن تخرُجَ بزادٍ وماء وهي الحاملُ في شهورِها الأخيرة- إلى مُحَمَّدٍ صلى اله عليه وسلم-، وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم- عينًا عليهم عبد الله بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما-، فهو أقدرُ على هذه المُهمَّة، فيأتي بالأخبارِ ثُمَّ يذهبُ بليلٍ إلى النبيِّ المُختار -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- هناك في الغار، فيُخبرُ النبيَّ صلى اله عليه وسلم- بنبأِ القومِ.

وأمَّا عامرُ بن فُهيرة فيأتي بأغنامٍ له، فإذا ما ذهب عبدُ الله بن أبي بكرٍ وذهبَت أسماءُ رضي اللهُ عنهم أجمعين-؛ جاءَ بالأغنامِ وراءَ آثارِ الأقدام حتى تُعَفِّي على آثارِ الأقدام، فكذلك يكونُ العمل.

ثُمَّ ظَلَّ النبيُّ في الغارِ ثلاثةَ أيام، لم يتعجل بالخروجِ حتى يَخِفَّ الطلب، ولم يخرُج النبيُّ صلى الله عليه وسلم- بعد الثلاثةِ أيام، ولم يُطِل في الغارِ المُكْث؛ لأنَّ النبيَّ لو ظَلَّ لكان ذلك أَدْعَى إلى معرفةِ ما تفعلُ أسماء وما يفعلُ عبدُ الله بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما أجمعين-.

ثُمَّ انظُر إلى التأييد وما كان مِن نُصرةِ اللهِ ربِّ العالمين: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].

فاللهم نصرَكَ الذي وعدتَ أُمَّةَ نبيِّك -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم.

﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وسَلَّمَ- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ الرسولَ الكريمَ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- لمَّا نزلَ المدينةَ بَنَى مَسجدَهُ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، ثُمَّ إنَّ الرسولَ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- آخَى بين المهاجرينَ والأنصار، ثُمَّ وقعَ أمرٌ جعلَ فاتحة ما سيكونُ بين الإسلامِ واليهود جعلَ فاتحةَ ذلك- خيرًا بفضلِ اللهِ ربِّ العالمين.

فإنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- أنباءُ مَقدمِهِ إلى هذا العالَمِ وأخبارُ نبوتِهِ ودلائلُ رسالتِهِ، كلُّ ذلك في كُتُبِ أهلِ الكتاب، فَأمَّا سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه وأرضاه- فَقَد كان على دين عيسى منتظرًا لقدومِ مُحمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فلمَّا أنَّ أَهَلَّ زمانُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- بِقُربِ الرسالة وانبلاجِ صُبحِ النبوة، كان سلمانُ رضوان الله عليه- كأنما هو على دينِ الفطرة وحُقَّ له أنْ يكون.

لمَّا نَزَلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- بقُباء؛ جاءَهُ سلمان وكان يعرفُ علامةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم- في كُتُبِ أهلِ الكتابِ مِن قَبْل، فجاءَ بصدقةٍ فجعلها بين يدي النبي؛ وقال: هذه صدقةٌ؛ فكُلُوا منها.

فقال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: ((دُونَكُم ما أتى به هذا الرَّجُل فَكُلُوه، فإنَّ الصدقةَ لا تَحِلُّ لي))، وقبضَ يدَهُ صلى الله عليه وسلم-.

فقال سلمانُ: هذه واحدة.

فلمَّا كان الغَد أتى بهدية؛ فجعلَهَا بين يدي خيرِ البريَّة -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فقال: هذا هدية.

فمَدَّ النبيُّ يدَهُ وقال: ((كُلُوا بسم الله))، وأكلَ معهم صلى الله عليه وسلم-.

فقال سلمانُ: وهذه واحدة؛ لأنه يعلمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم- يأكلُ مِن الهدية ولا يأكلُ مِن الصدقة.

وبقيَت علامةٌ عنده يريدُ أنْ يتحققَ منها وأنْ يَخبُرَ خبرَهَا، فدارَ مِن خَلْفِ النبي، فعَلِمَ النبيُّ قصدَهُ، فأَرْخَى عن عاتقيْه رِدَاهُ، فنَظِرَ سلمانُ إلى خَاتمِ النبوةِ بين كتفي النبي، فدارَ بين يديْه، فقال: أشهدُ أنك رسولُ اللهِ حَقًّا، أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنك رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

ولمَّا أنْ مَكَثَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم- يسيرًا بالمدينةِ جاءَهُ عبد الله بن سلام؛ فقال: إني سائلُك عن أمورٍ لا يعلمُها إلّا نبيٌّ.

فقال: ((سَل عمَّا بَدَى لك)).

قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ, وَمَا أَوَّلُ ما يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ, وَلِمَا يَكُونُ الْوَلَدُ نَازِعًا أَحيَانًا إِلَى أَبِيهِ وَأحيَانًا إِلَى أُمِّهِ.

فَقَالَ لَهُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: ((جَاءني بِهَا جِبْرِيلُ آنِفًا، فَأَمَّا الأولَى فإنَّ أَوَّلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ تَخْرُجَ نَارٌ مِن قِبَلِ الْمَشْرِقِ تَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى الْمَغْرِبِ تسوقُهُم سَوْقًا-)).

فقال: صدقت.

فقالَ له النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: ((وَأَمَّا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ)).

فقال: صدقت.

 فقالَ: ((وَأَمَّا أنْ ينزعَ الْوَلَدُ أحيانًا إلى أبيه وأحيانًا إلى أُمِّهِ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ إلى أبيه، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إلى أُمِّهِ)).

فقال: صدقت، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وأنا سيِّدُهُم وابنُ سيِّدِهِم وعالِمُهُم وابنُ عالِمِهم، فلو عَلِموا بإسلامي؛ لقالوا فيَّ قولًا قبيحًا، فأرْسِل إليهم يا رسول الله واجعلني وراءَ سِتار، ثُمَّ كَلِّمهُم عنِّي واستشهدهُم عن خبيئةِ أمري، فإذا ما استنطقتَهُم الشهادة؛ خرجتُ أنا مِن السِّترِ فأعلنتُ الشهادةَ بين أيديهم وشهدتُ أنك رسولُ اللهِ حقًّا وصِدقًا.

فأرسلَ النبيُّ إلى اليهود -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، فجاءَ أحبارُهُم وعلمائُهُم، فجلسوا بين يديْه.

فقال: ((يا معشر اليهود أمَا آنَ لكم وأنتم تعلمونني حقًّا أكثرَ مِمَّا تعلمونَ أبنائَكُم وأكثرَ ممَّا تعلمونَ أزواجَكُم، تعلمونني بشارتي وشيمتي وعلامتي التي تقرءونها في كتابِكم وتعلمون أني صادقٌ حقًّا وأني غيرُ كاذبٌ أبدًا، أمَا آن لكم أن تؤمنوا باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبي نبيًّا ورسولًا)).

فقالوا: إنَّ اللهَ ربَّ العالمين لم يُرْسلك -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

  فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: ((فما تقولون في عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟))

قَالُوا: سيدُنا وابنُ سيِّدنا وكبيرُنا وابنُ كبيرِنا وعالمُنا وابنُ عالمِنا.

فخرجَ عبدُ الله بن سلام مِن وراء الستارِ؛ فقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، فنَخَرَ أحبارُهُم وقال يعضُهم لبعضٍ بمَحضرِ النبي: هو قَزْمُنا وابنُ قَزمِنا وسفيهُنا وابنُ سفيهِنَا وجاهلُنا وابنُ جاهلِنا.

قال: يا رسول الله ألم أقُل لك؛ إنَّ اليهودَ قومٌ بُهْت.

وأمَّا هو فآتاهُ اللهُ ربُّ العالمين أجرَهُ مرتين، وإذا كان فيما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم- آيةً بيِّنَةً لا يعلمهُا إلَّا نبيٌّ كما قالَ عبدُ الله بن سلام في قولِهِ -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-: ((إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدُ إلى أبيه، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إلى أُمِّهِ))، إذا كان ذلك مفهومًا على نحوٍ مِن الأنحاءِ في العصورِ السالفاتِ الخالياتِ الماضية، فإنه اليوم لآيةٌ وعلامةٌ صادقةٌ على أنَّ هذا الكلام لا يقولهُ إلَّا نبيُّ صلى الله عليه وسلم-، فإنَّ حاملات الوراثة وحاملات الصفات وتلك المُسميات للكروموسومات كما قال العلوجُ مِن الإفرنجة المتبوعين في كلِّ علومِ الدنيا كما قالوا: هذه الحاملات للوراثةِ لِمَا تحملُهُ، منها ما يحملُ ما هو مسئولٌ بأمرِ اللهِ عن الجنسِ وتحديدِهِ ذَكَرًا كان أَمْ أُنثى، ولا يكونُ ذلك إلَّا بسَبْقٍ واستعلاء بصفةٍ سائدةٍ وصفةٍ مُتنحية، فإذا كان حاملُ الكروموسومات الذكريةِ هو الذي هنالك؛ فهو سائدٌ وقد عَلَى ماءُ الرُّجُلِ يعني علَى ماءُ التذكيرِ على ماءِ التأنيث، يعني صفة الذكورة تكونُ هنالك سائدة لأنها متى ما بَدَت ووُجِدَت فهي سائدة-، وأمَّا صفةُ الأنوثة فهي دائمًا متنحية، فإذا ما جاءت صفةُ الأنوثة وكذلك تكونُ عند المرأةِ في البويضةِ أبدًا، وأمَّا عند الرَّجُل فحيوانُهُ المنويُّ يكونُ حاملًا إمَّا لِمَا يدعو إلى التذكير وإمَّا إلى ما يدعو إلى التأنيث، ولذلك ما يذهبُ إليه الجُهَّال مِن أنَّ المرأةَ مسئولةٌ عن الإنجابِ بذكورةٍ أو أنوثة أمرٌ خاطئٌ خَطَّئَهُ العلمُ الحديث، وهو حقيقةٌ لازمةٌ لكلِّ مَن كان عنده عقل أو ألقى السمعَ وهو شهيد، وقد قرَّرَها النبيُّ الكريم -صَلَّى اللهُ عَليه وعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

ألَا إنَّ في أحداثِ الهجرةِ عبادَ الله- ما يدعونا إلى أنْ نكونَ مهاجرينَ مِن اللحظةِ وفي التَّوِّ مهاجرينَ مِن الذنوب إلى الطاعات ومِن الآثامِ والمعاصي إلى الارتماءِ على جَنَبَاتِ الرَّحَمَاتِ وإلى العودةِ إلى ربِّ الأرضِ والسماوات، عسى اللهُ ربُّ العالمين أنْ يجعلَ لنا مِن اتباعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم- أَوْفَى نصيب إنه على كلِّ شيءٍ قدير.

اللهم تُب علينا واغفر لنا وارحمنا.

اللهم أخرجنَا مِن ذُلِّ المعصيةِ إلى عِزِّ الطاعةِ.

وَصَلَّى اللهُ وسَلَّم على نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وعلى آلِهِ وَسَلَّم.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  الرد على الملحدين:دلالة الآيات الكونية على خالقها ومبدعها
  الْجيْشُ الْمِصْرِيُّ الْأَبِيُّ وَشَيْخُ الْحَدَّادِيَّةِ
  الْقَضِيَّةُ الْفِلَسْطِينِيَّةُ وَأَحْدَاثُ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ سِبْتَمْبِر
  عقيدة أهل الإسلام في حقوق الحكام
  مَاذَا بَعْدَ الْحَجِّ؟
  الْأَمَانَةُ صُوَرُهَا وَأَثَرُهَا فِي تَحْقِيقِ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  التَّاجِرُ الْأَمِينُ
  زكاة الحبوب والثمار
  الصائمون المفلسون
  الْحِفَاظُ عَلَى الْمَالِ وَحَتْمِيَّةُ مُوَاجَهَةِ الْفَسَادِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان