دَوْرُ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ

دَوْرُ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ

((دَوْرُ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 ((نِعْمَةُ الشَّبَابِ -مَرْحَلَةِ الْقُوَّةِ-))

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54].

اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ، وَأَنْشَأَكُمْ عَلَى ضَعْفِ حَالِ الطُّفُولَةِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِ ضَعْفِ الطُّفُولَةِ شَيْئًا مِنَ الْقُوَّةِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي تَتَدَرَّجُ مُتَصَاعِدَةً حَتَّى تَبْلُغُوا كَمَالَ قُوَّتِكُمْ، وَهِيَ قُوَّةُ الشَّبَابِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَ هَذِهِ الْقُوَّةِ ضَعْفَ الْكِبَرِ وَالْهَرَمِ وَضَعْفَ الشَّيْخُوخَةِ وَالشَّيْبَ، فَتَتَنَاقَصُ لَدَيْكُمْ هَذِهِ الْقُوَّةُ تَدْرِيجِيًّا حَتَّى تَصِلَ إِلَى تَمَامِ الضَّعْفِ وَنِهَايَةِ الْكِبَرِ إِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، أَوْ تُوَافِيكُمْ مَنَايَاكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ.

يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ خَلْقَهُ؛ مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَالشَّبَابِ وَالشَّيْبَةِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، الْقَدِيرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَشَاؤُهُ.

*مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةُ وَالْعَافِيَةُ فِيهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ الْوَهَّابِ:

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةُ الصِّحَّةِ، فَفِي نُصُوصِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصِّحَّةِ وَفَضْلِ الْعَافِيَةِ، وَجَلَالِ ذَلِكَ؛ لِجَمِيلِ أَثَرِهِ، وَلِعَظِيمِ قَدْرِهِ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِمِ.

لَمَّا جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ طَالُوتَ مَلِكًا مَبْعُوثًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ الْقَوْمُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَلَيْنَا بِكَثِيرِ مَالٍ، ولا بِشَيْءٍ، فَقَالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البَقَرَة: 247].

فجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمَيزَةَ مَحْفُوظَةً لَدَيْهِ بِأَنْ آتَاهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ، وَبَسْطَةً فِي الْجِسْمِ.

فَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِلْمًا، وَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَيْدًا وَقُوَّةً، آتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ صِحَّةً فِي تَمَامِ إِيمَانٍ؛ فَجَعَلَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- ذَلِكَ سَبَبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَخْبَرَنَا -أَيْضًا- أَنَّ بِنْتَ شُعَيْبٍ لَمَّا صَحِبَتْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى أَبِيهَا، قَالَتْ فِي حَيْثِيَّاتِ تَقْدِيمِهِ مُسْتَأْجَرًا عِنْدَ أَبِيهَا؛ لِكَيْ تَتَخَلَّصَ مِنَ عَنَاءِ الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَلِذَا خَرَجَتْ وَأُخْتُهَا؛ مِنْ أَجْلِ الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ، وَالْقِيَامِ عَلَى أُمُورِ الْحَيَاةِ بِطَلَبِ الْمَعَاشِ.

أَرَادَتْ أَنْ تَرْتَاحَ، فَوَجَدَتْ فِي مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بُغْيَتَهَا، فَمَا هِيَ الْحَيْثِيَّاتُ الَّتِي قَدَّمَتْهَا لِأَبِيهَا؟

قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26].

فَجَاءَتِ الْقُوَّةُ، وَجَاءَتِ الصِّحَّةُ -أَيْضًا- فِي هَذِهِ الْحَيْثِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْجَلِيلِ.

وَفِي فَضْلِ الْعَافِيَةِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَةُ وَالْفَرَاغُ)).

عِنْدَمَا يُنْعِمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ فَهُوَ لَا يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، وَلَا فِي الطَّاعَةِ، وَلَا فِي أَدَاءِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَإِنَّمَا تَتَبَدَّدُ صِحَّتُهُ فِيمَا لَا يُفِيدُ، فَإِذَا مَا سُلِبَتْ مِنْهُ نِعْمَةُ الصِّحَّةِ، وَأَرَادَ أَمْرًا؛ لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْفَرَاغِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ مِنَ الْهُمُومِ وَمِنَ الْأَحْزَانِ، فَهَذِهِ الْفَتْرَةُ مِنَ الْفَرَاغِ نِعْمَةٌ يَظْلِمُ الْعَبْدُ فِيهَا نَفْسَهُ، حَتَّى إِنَّكَ تَسْمَعُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ: إِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَ الْمَلَلِ لَا يَدْرِي كَيْفَ يُمَضِّي وَقْتَهُ، وَلَا كَيْفَ يُضَيِّعُ هَذَا الْوَقْتَ!!

وَكَثِيرًا مَا تَسْمَعُ مِنْ زَائِرٍ يَزُورُكَ أَنَّهُ إِنَّمَا زَارَكَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْوَقْتِ، فَهُوَ جَاءَ لِيُضَيِّعَ وَقْتَ نَفْسِهِ!!

فَهَذِهِ نِعْمَةٌ هُوَ لَا يُحِسُّ بِهَا، وَلَا يَدْرِيهَا.

وَالنَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ))، وَالْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي ((الصَّحِيحِ))، وَالْإِمَامُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ((سُنَنِهِ)) بِسَنَدِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النِّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي: لَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا- وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)).

وَالْعُلَمَاءُ -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ- وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِشَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، ذَكَرَ أَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ قُوَّةُ الْقَلْبِ، وَقُوَّةُ الرُّوحِ، وَعَزِيمَةُ النَّفْسِ، فَهِيَ الَّتِي تَدْفَعُ الْمَرْءَ فِي الْجِلَادِ عِنْدَ الْجِهَادِ لِأَنْ يَكُونَ سَابِقًا فِي مَوْطِنِ الْمَوْتِ، تَنُوشُهُ الرِّمَاحُ، وَتُمَزِّقُهُ السُّيُوفُ، وَلَا يَتَأَخَّرُ، وَلَا يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ.

وَلَكِنَّ جَمْهَرَةً غَالِبَةً مِنْ عُلَمَائِنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ- أَخَذُوا بِالْإِطْلَاقِ: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ)): قَوِيٌّ فِي بَدَنِهِ، قَوِيٌّ فِي إِيمَانِهِ، قَوِيٌّ فِي صِحَّتِهِ، قَوِيٌّ فِي يَقِينِهِ.

 ((الْحَثُّ عَلَى اسْتِغْلَالِ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُخْبِرُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَلَّا نَظْلِمَ أَنْفُسَنَا فِي حَالِ صِحَّتِنَا وَلَا فِي حَالِ فَرَاغِنَا وَعَدَمِ شُغُلِنَا، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنَ الصِّحَّةِ لِلْمَرَضِ، وَأَنْ نَأْخُذَ مِنَ الْفَرَاغِ لِلشُّغُلِ.

فَاحْرِصْ -أَيُّهَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ- عَلَى أَوْقَاتِكَ وَسَاعَاتِكَ؛ حَتَّى لَا تَضِيعَ سُدَى، وَاجْعَلْ لَكَ نَصِيبًا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ:  حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وشَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ». أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَاحْرِصْ أَنْ تَكُونَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

قَالَ ﷺ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟

قَالَ ﷺ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

*جُمْلَةٌ مِنَ النَّصَائِحِ الْغَالِيَاتِ لِلشَّبَابِ الْمُسْلِمِ:

أَيُّهَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ! يَجِبُ عَلَيْكَ الْإِخْلَاصُ فِي النِّيَّةِ، وَصِدْقُ التَّوْجُّهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَاحْذَرْ وَأَنْتَ تَعْمَلُ الطَّاعَاتِ مَدَاخِلَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ فَإِنَّهَا دَاءٌ خَطِيرٌ يُحْبِطُ الْعَمَلَ.

اُكْتُمْ حَسَنَاتِكَ وَأَخْفِهَا كَمَا تَكْتُمُ وَتُخْفِي سَيِّئَاتِكَ وَعُيُوبِكَ، وَاجْعَلْ لَكَ خَبِيئَةً مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ إِلَّا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ، أَوْ دَمْعَةٍ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، أَوْ صَدَقَةِ سِرٍّ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَتَقَبَّلُ إِلَّا مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَاحْرِصْ عَلَى التَّقْوَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].

أَيُّهَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ! لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَأْبَوْنَ دُخُولَ الْجَنَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ بِقَوْلِهِ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَوِّدْ نَفْسَكَ عَلَى ذِكْرِ اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَكُنْ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَحَافِظْ عَلَى الْأَدْعِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَالْأَوْرَادِ الشَّرْعِيَّةِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41-42].

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-:  {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 

ورَوَى عن رَسُولِ اللهِ ﷺ أنه قال: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ».

قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ».

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ لَكَ بَعْدَ مَوْتِكَ، مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِهَا؛ فَهُبَّ إِلَى الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَاحْرِصْ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كُلَّ يَوْمٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ الْقُرْآنِ مَا تَقَرُّ بِهِ النُّفُوسُ، وَتَهْنَأُ بِهِ الْقُلُوبُ:

فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: {الم} حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَلَى الشَّابِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتِصَمَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي هَذَا النَّجَاةُ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا فِيهِ، فَإِنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ النَّجَاةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَأَصْلُهُ، فَمَهْمَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَتَنَكَّبْهُمَا وَاسْتَدْبَرْهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَبْرَ أُذُنيْهِ وَخَلْفَ ظَهْرِهِ؛ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا.

فَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ حَقًّا وَصِدْقًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَمُوجُ بِالْفِتَنِ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَهِيَ تَتَلَاطَمُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَقَد عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ؛ فَتَسَنَّمُوا كُلَّ ذِرْوَةٍ، وَعَلَوْا كُلَّ مِنْبَرٍ، وَصَارَ صَوْتُهُمْ عَالِيًا قَوِيًّا، وَإِنَّمَا هُمْ فِي النِّهَايَةِ غُثَاءٌ، مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ وَالْحَالَ هَذِهِ؛ فَعَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

إِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ خَيْرُ مَا بُذِلَتْ فِيهِ الْأَعْمَارُ وَأُلْحِقَ فِيهِ اللَّيْلُ بِالنَّهَارِ.

الْعِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطَالِبُهُ * * * للهِ أَكْـرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
الْعِلْمُ نُورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ * * * أَهْـلُ السَّعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ

الْعِلْمُ أَعْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ * * * أُذْنٌ وَأَعْـرَبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّ الْجَهْلَ وَالْجُهَّالَ سَبَبُ الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

وَمَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ سَبَبُ الْهِدَايَةِ وَالِاهْتِدَاءِ؛ لِذَا كَانَ مِنَ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الدَّفَاعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُدَافِعَ عَنِ الشَّرِيعَةِ، إِنَّمَا يُدَافِعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ حَامِلُهَا.

ذَكَرَ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ((الْجَامِعِ)) عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَدْرِ الْعُلَمَاءِ وَقِيمَتِهِمْ: ((وَمِدَادُ مَا تَجْرِي بِهِ أَقْلَامُهُمْ أَزْكَى وَأَفْضْلُ مِنْ دَمِ الشُّهَدَاءِ   ***   يَا طَالِبِي عِلْمِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ مَا أَنْتُمْ وَسُوَاكُمْ بِسَوَاءٍ)).

وَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تُسَاهِمَ فِي أَمْرِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ مُهِمَّةُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالْمُصْلِحِينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ». أَخْرَجَاهٌ.

قَالَ الْحَسنُ-رَحِمَهُ اللهُ-: «فَمَقَامُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ أَفْضَلُ مَقَامَاتِ الْعَبْدِ».

* أَيُّهَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ! احْذَرْ أَنْ يَضِيعَ عُمُرُكَ فِي الْمَعَاصِي الْمُهْلِكَاتِ:

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَإنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِالْمَعَاصِي؛ ضَاعَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ حَيَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةُ، الَّتِي يَجِدُ غِبَّ إِضَاعَتِهَا يَوْمَ يَقُولُ: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [سُورَةُ الْفَجْرِ: 24]».

فَاحْذَرْ مَجَالِسَ الْفَارِغِينَ، وَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَفَاحِشِ الْقَوْلِ، وَاحْبِسْ لِسَانَكَ عَنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ، وَأَلْزِمْ نَفْسَكَ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ الْجَمِيلَ، وَلْيَكُنْ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَعِيشُهُ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ غَنِيمَةٌ.

عِبَادَ اللهِ! النَّبِيُّ ﷺ أَرْشَدَنَا أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنَّا مِنْ صِحَّتِهِ لِمَرَضِهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ الْإِنْسَانُ مِنَّا مِنْ شَبَابِهِ لِشَيْبَتِهِ -لِكِبَرِهِ-؛ لِأَنَّ الشَّبَابَ مَظِنَّةُ الْقُوَّةِ، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا دَامَ جَعَلَ الشَّبَابَ مَظِنَّةَ الْقُوَّةِ، وَمَظِنَّةَ الْعَافِيَةِ؛ فَالنَّبِيُّ ﷺ يُرِيدُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ حَالِ شَبَابِهِ وَقُوَّتِهِ وَعَافِيَتِهِ لِحَالِ شَيْخُوخَتِهِ، لِكِبَرِهِ وَهَرَمِهِ وَضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ، فَأَمَرَ الرَّسُولُ ﷺ بِالْأَخْذِ مِنَ الشَّبَابِ لِلشَّيْبِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ لِلْمَرَضِ.

«حَثُّ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى العَمَلِ، وَالْبِنَاءِ، وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ»

*حَثَّ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ عَلَى العَمَلِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ بِأَنَاةٍ وَرِفْقٍ، مَعَ صَبْرٍ وَكَدْحٍ:

قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: ١٠]. يَعْنِي: فَإِذَا فُرِغَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ وَمَطَالِبِ حَيَاتِكُمْ، وَمَصَالِحِ دُنْيَاكُم، وَاطْلُبُوا رِزْقَ اللهِ بِأَنَاةٍ وَرِفْقٍ، مَعَ صَبْرٍ وَكَدْحٍ، وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ رَغْبَةً فِي الْفَوْزِ بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].

اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مُنْقَادَةً سَهْلَةً مُطَوَّعَةً، تَحْرُثُونَهَا وَتَزْرَعُونَهَا، وَتَسْتَخْرِجُونَ كُنُوزَهَا، وَتَنْتَفِعُونَ مِنْ طَاقَاتِهَا وَخَصَائِصِ عَنَاصِرِهَا، فَامْشُوا فِي جَوَانِبِهَا وَأَطْرَافِهَا وَنَوَاحِيهَا مَشْيًا رَفِيقًا لِتَحْصِيلِ مَطَالِبِ الْحَيَاةِ، وَكُلُوا مِمَّا خَلَقَهُ اللهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ، وَاكْتَسِبُوا الرِّزْقَ مِمَّا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَتَذَكَّرُوا يَوْمَ الْحِسَابِ، وَإِلَيْهِ وَحْدَهُ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ وَتَنْفِيذِ الْجَزَاءِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧].

المَعْنَى: اطْلُبْ فِي تَصَرُّفِكَ فِيمَا أَعْطَاكَ اللهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ، قَاصِدًا ثَوَابَ رَبِّكَ الَّذِي لَا يَنْفَدْ فِي الْجَنَّةِ بِأَنْ تَقُومَ بِشُكْرِ اللهِ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ تُنْفِقَ الْمَالَ الَّذِي أَعْطَاكَ فِي رِضَاهُ.

وَلَا تَفْهَمُ أَنَّنَا نَنَصْحُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ مَا آتَاكَ اللهُ مُوَجَّهًا لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، بَلْ نَقُولُ لَكَ أَيْضًا: لَا تَتْرُكْ حَظَّكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللهُ لَكَ {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ}.

وَأَحْسِنْ إِلَى فُقَرَاءِ قَوْمِكَ وَمَسَاكِينِهِمْ وَذَوِي الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ فِيهِمْ بِمَالٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ بِنِعْمَتِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧-٨].

فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ عَمَلٍ نَافِعٍ مُفِيدٍ يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ؛ فَاجْتَهِدْ فِي عَمَلٍ نَافِعٍ جَدِيدٍ، وَأَتْعِب نَفْسَكَ فِيهِ، وَلَا تُخْلِي وَقْتًا مِنْ أَوْقَاتِكَ فَارِغًا، وَلَا تَرْكَنُ إِلَى الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، وَإِلَى رَبِّكَ وَحْدَهُ فَتَضَرَّعْ، وَاجَعْلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ مَطَالِبِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ، وَتَرَفَّع عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَهُوَ وَحْدَهُ الْقَادِرُ عَلَى إِجَابَتِكَ وَإِسْعَافِكَ.

*حَثَّ اللهُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالتَّعْمِيرِ فِي الْأَرْضِ؛ لِتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ:

*اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- سَخَّرَ لِلنَّاسِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْكَثِيرَ؛ رَغْبَةً فِي أَنْ يُؤْمِنُوا بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ، وَفِي أَنْ يُسْلِمُوا مُنْقَادِينَ لَهُ فِي شَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ:

قَالَ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى قَبِيلَةِ ثَمُودَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ صَالِحًا نَبِيًّا وَرَسُولًا، قَالَ: يَا قَوْم وَحِّدُوا اللهَ، وَخُصُّوهُ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ، إِنَّهُ هُوَ إِلَهُكُمُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، لَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ، هُوَ ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَجَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا وَسُكَّنَاهَا.

فَإِذَا آمَنْتُمْ بِاللهِ رَبِّكُمْ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الْحَقُّ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمِدُّكُمْ دَوَامًا بِعَطَاءَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلَكُمْ تُقِيمُونَ فِيهَا، وَتَنْتَفِعُونَ مِنْ خَيْرَاتِهَا، فَاسْأَلُوهُ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَآثَامٍ، ثُمَّ بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ ارْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ بِتَجْدِيدِ إِيمَانِكُمْ، وَتَأْدِيَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَبِهَذِهِ التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ إِلَيْهِ تَكُونُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مُجِيبٌ لِدُعَائِهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)} [إبراهيم: 32-33].

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً، فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِتُرَابِ الْأَرْضِ، أَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ، وَذَلَّلَ لَكُمُ السُّفُنَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمَاءِ وَفْقِ نِظَامِ الْطَفْوِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللهُ فِي كَوْنِهِ؛ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي جَلْبِ الرِّزْقِ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ، وَذَلَّلَ لَكُمْ الْأَنْهَارَ تَشْرَبُونَ مِنْهَا وَتَسْقُونَ زَرْعَكُمْ، وَأَشْجَارَكُمْ، وَأَنْعَامَكُمْ، وَدَوَابَّكُمْ، وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ أُخْرَى.

وَذَلَّلَ اللهُ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ تَجْرِيَانِ دَائِمًا فِيمَا يَعُودُ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ، لَا يَفْتُرَانِ عَنْ حَرَكَتِهِمَا مِنْ انْقِضَاءِ عُمُرِ الدُّنْيَا وَذَهَابِهَا، وَذَلَّلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ فِي الظُّلْمَةِ وَالضِّيَاءِ، وَالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، تَسْكُنُوا فِي اللَّيْلِ وَتَسْتَرِيحُوا، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ فِي النَّهَارِ وَتُدَبِّرُوا مَعَايَشَكُمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)} [النحل: 80-81].

اللهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الَّتِي هِيَ مِنَ الْحَجَرِ رَاحَةً وَاسْتِقْرَارًا وَمَسْكَنًا تَسْكُنُونَهُ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِي الْحَضَرِ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ -وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ- خِيَامًا يَخِفُّ عَلَيْكُمْ حَمْلُهَا فِي يَوْمِ سَيْرِكُمْ وَرَحِيلِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ، وَتَخِفُّ عَلَيْكُمْ -أَيْضًا- فِي إِقَامَتِكُمْ وَحَضَرِكُمْ، وَلَا تَثْقُلُ عَلَيْكُمْ فِي الْحَالَيْنِ.

وَتَتَّخِذُونَ مِنْ أَصْوَافِ الضَّأْنِ وَأَوْبَارِ الْإِبِلِ وَأَشْعَارِ الْمَعْزِ أَثَاثًا لِبُيُوتِكُمْ مِنَ الْفُرُشِ وَالْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبَلَاغًا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ.

اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَهَارَةِ جُلُودِ الْأَنْعَامِ الَّتِي حَلَّ أَكْلُهَا، وَطَهَارَةِ أَصْوَافِهَا وَأَوَبْارِهَا وَأَشْعَارِهَا إِذَا جُزَّ فِي الْحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ إِذَا دُبِغَ.

وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ ظِلَالِ الْأَبْنِيَةِ وَالْجُدْرَانِ وَالْأَشْجَارِ مَا تَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِدَارِ مَا تَسْتَكِنُّونَ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، كَالْأَسْرَادِ وَالْمَغَارَاتِ وَالْكُهُوفِ وَنَحْوِهَا، وَجَعَلَ لَكُمْ قُمُصًا وَثِيَابًا مِنَ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَنَحْوِ ذَلِكِ، تَمْنَعُكُمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَدُرُوعًا تَقِيكُمْ فِي الْحَرْبِ بَأْسَ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا تَصِلُ السُّيُوفُ وَالرِّمَاحُ إِلَى جَسَدِ مِنْ يُضْرَبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.

كَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ فِيمَا مَضَى، سَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ؛  فَيُمَكِّنُكُمْ مِنْ صُنْعِ أَشْيَاءَ لَا حَصَرَ لَهَا فِي الْعُصُورِ الْقَادِمَةِ بَعْدَ عَصْرِ التَّنْزِيلِ، مِمَّا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ صِنَاعَاتٍ مُذْهِلَةٍ بِإِلْهَامِ اللهِ لَهُمْ؛ رَغْبَةً فِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ، وَفِي أَنْ تُسْلِمُوا مُنْقَادِينَ لَهُ فِي شَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ.

*حُثَّ النَّبِيُّ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَالْعَمَلِ، وَإِعْمَارِ الْأَرْضِ، إِلَى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنَ الْحَيَاةِ:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا». وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.

وَ«فَسِيلَةٌ»: هِيَ النَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ.

وَهَذَا فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى غَرْسِ الْأَشْجَارِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ؛ لِتَبْقَى هَذِهِ الدَّارُ عَامِرَةً إِلَى آخِرِ أَمَدِهَا الْمَحْدُودِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ خَالِقِهَا، فَكَمَا غَرَسَ لَكَ غَيْرُكَ؛ فَانَتَفَعَتْ بِهِ، فَاغْرِسْ أَنْتَ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَكَ؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا صُبَابَةٌ، وَذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْدِ لَا يُنَافِي الزُّهْدَ وَالتَّقَلُّلَ مِنَ الدُّنْيَا.

وَالنَّبِيُّ ﷺ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي اسْتِثْمَارِ الْأَرْضِ وَزَرْعِهَا، وَالْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى الْحَضِّ عَلَى الِاسْتِثْمَارِ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكَرِيمَةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَعَنَا؛ فَإِنَّ فِيهِ تَرْغِيبًا عَظِيمًا عَلَى اغْتِنَامِ آخِرِ فُرْصَةٍ مِنَ الْحَيَاةِ فِي سَبِيلِ زَرْعِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَيَجْرَي لَهُ أَجْرُهُ، وَتُكْتَبُ لَهُ صَدَقَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَوْلُهُ: «فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»: وَهَذَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ يَتَطَلَّبُ زَمَانًا مَمْدُودًا؛ لِكَيْ يَتَحَصَّلَ الْمَرْءُ عَلَى نَتِيجَتِهِ وعَائِدِهِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَةَ يَسْتَمِرُّ نُمُوُّهَا حَتَّى إِثْمَارِهَا سَنَواتٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا».

مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا يَقِينًا حِينَئِذٍ، وَلَكِنَّهُ ص يَحُثُّ عَلَى غَرْسِ الْأَشْجَارِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ، وَعَلى الْعَمَلِ الصَّالِحِ النَّافِعِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، وَإِنْ ظَهَرَتْ نَتَائِجُهُ وَعَوَاقِبُهُ عَلَى الْمَدَى الْبَعِيدِ، وَكَانَتْ نَتَائِجُهُ وَثِمَارُهُ بَطِيئَةً جِدًّا.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ:

التَّرْغِيبُ الْعَظِيمُ عَلَى اغْتِنَامِ آخِرِ فُرْصَةٍ مِنَ الْحَيَاةِ فِي سَبِيلِ زَرْعِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَيُجْرَى لَهُ أَجْرُهُ وَتُكْتَبُ لَهُ صَدَقَتُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْحَثُّ عَلَى الطَّاعَةِ إِلَى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنَ الْحَيَاةِ.

*التَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ وَالْوَعِيدُ الْأَكِيدُ لِلْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ:

قَد قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].

المُحَارِبُونَ للهِ وَرَسُولِهِ هُمُ الذينَ بَارَزُوهُ بِالعَدَاوَةِ، وَأَفْسَدُوا في الأَرْضِ؛ بِالكُفرِ، والقَتْلِ، وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، وَإِخَافَةِ السُّبُلِ، وَالمَشْهُورُ أَنَّ هذه الآيَةَ الكَرِيمَةَ في أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الذينَ يَعْرِضُونَ للنَّاسِ في القُرَى والبَوَادِي، فَيَغْصِبُونَهُم أَمْوَالَهُم، وَيَقْتُلُونَهُم، وَيُخِيفُونَهُم فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ سُلُوكِ الطريقِ التي هُم بها، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ.

فَأَخْبَرَ اللهُ أنَّ جَزَاءَهُم وَنَكَالَهُم عند إِقَامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِم أَنْ يُفْعَلَ بهم وَاحِدٌ مِنْ هذه الأُمُورِ.

 ((انْحِرَافِ الشَّبَابِ..  الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ))

*انْتِشَارُ الْعَقَائِدِ الْكُفْرِيَّةِ وَالْإِلْحَادِ فِي هَذَا الْعَصْرِ:

إِنَّ أَعْدَاءَ دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاحِلِ الصِّدَامِ الْأُولَى مَعَهُمْ؛ لَا يُرِيدُونَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ, كَثِيرٌ مِنَ الْمِسْلِمِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دِينِهِمْ, هَكَذَا بَدَأَ؟!

لَا, وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ تَشْتِيتَ الْمُسْلِمِ فِي عَقِيدَتِهِ، وَفِي حَيَاتِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَفِي مُعَامَلَاتِهِ، وَفِي أَخْلَاقِهِ، وَفِي سُلُوكِهِ؛ لِكَيْ لَا يَصِيرَ لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا.

هُمْ يُرِيدُونَ الْمُسِلَمَ خَارِجًا مِنْ إِطَارِ إِسْلَامِهِ إِلَى شَيْءٍ لَا يَمُتُّ لِلْإِسْلَامِ بِسَبَبٍ وَثِيقٍ, وَلِذَلِكَ يَغْزُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي عَقَائِدِهِمْ وَتَنْتَشِرُ تِلْكَ الْأَفْكَارُ الْإِلْحَادِيَّةُ الْكَافِرَةُ الْفَاجِرَةُ: مِنْ (الْقَادْيَانِيَّةِ)، وَ(التِّيجَانِيَّةِ)، ومِنْ (دِينِ الرَّوَافِضِ)، وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ الْفَاسِدَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ زَيَّنُوا لِفِئَامٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ)، حَتَّى وُجِدَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ!!

فَهُمْ يُرِيدُونَ الْمُسْلِمِينَ مُشَتَّتِينَ، وَالْعِصْمُةُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ أَنْ يَعْرِفَ الْمُسْلِمُ عَقِيدَتَهُ، فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ فِي يَمِّ الْحَيَاةِ, فَالْعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ طَوْقُ النَّجَاةِ فِي يَمِّ الْحَيَاةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى وَلَا أَنْ يَلْحَقَهُ غَرَقٌ, وَلَا أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ مَا دَامَتْ عَقِيدَتُهُ مَعَهُ, وَهَذَا هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

النَّبِيُّ ﷺ يَعْلَمُ بِعِلْمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِي عَلَّمَهُ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ قَلْبٌ وَلَهُ رُوحٌ وَجَسَدٌ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لِقَلْبِهِ مُتَطَلَّبَاتٌ، وَلِرُوحِهِ كَذَلِكَ حَاجَاتٌ، وَلِجَسَدِهِ مَا يَقُوتُهُ وَيَحْيَا بِهِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونُوا وَسَطًا؛ لِأَنَّهُمْ وَسَطٌ فِي الْأُمَمِ، فَعَقِيدَتُهُمُ الْوَسَطُ الَّذِي لَا يَزِيغُ وَلَا يَنْحَرِفُ، فَلَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ، لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ.

يَسْرِي الْيَوْمَ كَسَرِيَانِ السَّرَطَانِ فِي الْجَسَدِ الْحَيِّ أَفْكَارٌ كُفْرِيَّةٌ مِنْهَا:

*مَا يَتَسَلَّلُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الطَّيِّبِينَ, يَقُولُ: الْأَدْيَانُ كُلُّهَا حَقٌّ وَكُلٌّ يَعْبُدُ رَبَّهُ, وَالْمَعْبُودُ فِي الْمُنْتَهَى هُوَ الْمَعْبُودُ, فَسَوَاءٌ كَانَ الْعَابِدُ مُسْلِمًا أَمْ كَانَ عَابِدًا عَلَى أَيِّ نِحْلَةٍ تَكُونُ؛ فَهُوَ عَابِدٌ لِخَالِقِ الْكَوْنِ، لِمَالِكِهِ، لِلَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَهُ، هَكَذَا؟!!

هَذَا كُفْرٌ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، هَذَا كُفْرٌ بِدِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَكَثِيرٌ مِنْ دُوَلِ الْعَالَمِ الْغَرْبِيِّ وَالشَّرْقِيِّ تُعَانِي مِنْ نَزْعَةٍ إِلْحَاديةٍ عَارِمَةٍ، جَسَّدَتْهَا الشُّيُوعِيَّةُ الْمُنْهَارَةُ، وَتُجَسِّدُهَا الْعَلْمَانِيَّةُ الْمُخَادِعَةُ.

وَالْإِلْحَادُ بِدْعَةٌ جَدِيدَةٌ لَمْ تُوجَدْ فِي الْقَدِيمِ إِلَّا فِي النَّادِرِ فِي بَعْضِ الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ.

الْإِلْحَادُ -فِي هَذَا الْعَصْرِ- لَهُ مَوَاقِعُ، وَلَهُ كُتُبٌ، وَلَهُ نَشْرَاتٌ، وَلَهُ مَرَاكِزُ، وَهُمْ يَرَوِّجُونَهُ بَيْنَ الشَّبَابِ، وَالشَّبَابُ قَدْ فُرِّغَ مِنْ ثَقَافِتِهِ بَلْ فُرِّغَ مِنْ عَقِيدَتِهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ هَذِهِ الشُّبَهَاتِ عَنْ نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا صَدَّقَ أَنَّهَا مِنَ الْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْجِدَالَ، مَعَ أَنَّهَا أَوْهَامٌ فِي أَوْهَامٍ.

يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تُحَصِّنَ نَفْسَكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي عَلَيْكَ كَمُسْلِمٍ سُنِّيٍّ؛ يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَنْقِذَ إِخْوَانَكَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَمْثَالَ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ، وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَفْشَّى الْآن، بَلْ يَنْتَشِرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ كَالنَّارِ فِي الْهَشِيمِ!!

نَحْنَ فِي هَذَا الْعَصْرِ نَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنْفُسِنَا؛ فَلِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يَثْبُتُوا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي فَطَرَهُمُ اللهُ عَلَيْهِ، أَوْ لِمَنْ انْحَرَفَ عَنِ الْقَصْدِ فَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ الشًّبُهَاتُ حَتَّى وَقَعَ في شُبْهَةٍ مِنَ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُخْرِجُهُ مِنَ الْجَادَّةِ إِلَى الْإِلْحَادِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.

فَالْمُسْلِمُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي يَنْطِقُ بِهَا مَنْ يَنْطِقُ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيُلْقُونَهَا فِي أَسْمَاعِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ.

*انْتِشَارُ عَقِيدَةِ الْخَوَارِجِ وَالتَّكْفِيرِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَيْنَ الشَّبَابِ:

عِبَادَ اللهِ! لَا شَكَّ أَنَّ عَقِيدَةَ الْخَوَارِجِ مُنْتَشِرَةٌ بَيْنَ الشَّبَابِ، وَانْتِشَارُ مَظَاهِرِ الْفَسَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّمَاحُ لِدُعَاةِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ بِالتَّعَدِّي وَالظُّهُورِ وَالتَّحَدُّثِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ, عَلَانِيَةً, مَعَ انْتِشَارِ مَظَاهِرِ الِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ.

هَذِهِ كُلُّهَا لَا شَكَّ شَجَّعَتْ عَلَى رُدُودِ الْفِعْلِ لَدَى الشَّبَابِ, فَوَجَبَ إِزَالَتُهَا وَالسَّعْيُ لِتَطْبِيقِ شَرِيعَةِ اللهِ, وَجَعْلُ الدِّينِ الْمُسَيْطِرِ عَلَى الْحَيَاةِ, وَبِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إِنْشَاءُ الْمُوَاطِنِ الصَّالِحِ.

*وَمِنْ أَسْبَابِ انْحِرَافِ الشَّبَابِ وَتَدْمِيرِهِمْ: الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانُ:

يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ؛ الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ، وَكُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغيِّبَ الْوَعْيَ أَوْ يُذْهِبَهُ، أَوْ يُضْعِفَ الْعَقْلَ أَوْ يَحْجُبَهُ، بَلْ يَدْخُلُ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهَا، وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهَا؛ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهُ، إِذْ يُضَيِّعُ الْمُدْمِنُ نَفْسَهُ وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَلْ يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، وَيُفرِّطُ فِي عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!

فَمِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ؛ تَضْيِيعُ شَبَابِ الْأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُّرِّيَّةِ وَالْأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ فِي حَقِّ الدِّينِ، وَحَقِّ الوَطَنِ.

*مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِيرَةِ الَّتِي أَصَابَتْ شَبَابَ الْأُمَّةِ: تَفْرِيغُ الشَّبَابِ ثَقَافِيًّا، وَتَغْرِيبُهُمْ:

إِنَّ الْأَجْيَالَ الْمُسْلِمَةَ قَدْ تَتَابَعَ عَلَيْهَا تَفْرِيغٌ ثَقَافِيٌّ، فُرِّغَتْ أَجْيَالُنَا مِنْ ثَقَافَتِهَا، مِنْ لُغَتِهَا، وَلَمْ تُتْرَكْ مُفَرَّغَةً، وَإِنَّمَا حُشِيَتْ جَهْلًا وَمُلِئَتْ مَكْرًا، وَأُحِيطَ بِهَا كَيْدَا وَسُخْرًا -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.

إِنَّ كُلَّ مَنْ آتَاهُ اللهُ فِطْرَةً سَلِيمَةً، وَحَفِظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ فِطْرَتَهُ مِنَ التَّشَوُّهِ وَالْفَسَادِ؛ يَجِدُ هَذَا الْإِحْسَاسَ؛ إِحْسَاسَ التَّمَزُّقِ بَيْنَ مَاضِيهِ وَمَوْرُوثِهِ، وَعَقِيدَتِهِ وَدِينِهِ، وَإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، وَمَا يُرَادُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ، كَمَا تَرَى فِي تِلْكَ الْمُسُوخِ الْمُشَوَّهَةِ الَّتِي مَلَأَتِ الْأَصْقَاعِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَالَّتِي مَاجَتْ بِهَا الدُّنْيَا وَفَاضَتْ بِهَا الْحَيَاةُ، وَهِيَ لَا تُغْنِي عَنْ أُمَّتِهَا شَيْئًا، وَهِيَ لَا تَعِي مِنْ مَوْرُوثِهَا وَلَا مِنْ حَضَارَتِهَا شَيْئًا؛ بَلْ إِنَّهَا لَا تَحْمَلُ لِمَوْرُوثِهَا وَلِقَدِيمِهَا وَلِدِينِهَا وَعَقِيدَتِهَا سِوَى الْحِقْدَ، وَسِوَى الِاحْتِقَارَ، وَسِوَى الِازْدِرَاء، وَحَدِّثْ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَلَا حَرَج.

أَمْرٌ مُفْجِعٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُطْوَى الْقَلْبُ عَلَى أَحْزَانِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي الْكَبِدِ النَّصْلُ الْمَسْمُومُ مَغْرُوزًا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكٍ؛ حَتَّى يَرَى الْمَرْءُ طَرِيقَهُ، وَحَتَّى تَسْتَقِيمَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ قَدَمَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ فِي حَيْرَةٍ مُطْبِقَةٍ، وَفِي ظُلْمَةٍ عَاتِيَةً إِذَّا أَخْرَجَ يَدَهُ فِيهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، ثُمَّ هُوَ مُسْتَلَبٌ مُغَيَّبٌ!!

ثُمَّ هُوَ مُفَرَّغٌ مَمْلُوءٌ فِي آنٍ، مُفَرَّغٌ مِنْ مَاضِيهِ...مِنْ تُرَاثِهِ...مِنْ انْتِمَائِهِ...مِنْ حَضَارَتِهِ...مِنْ قَدِيمِهِ...مِنْ تُرَاثِ أَجْدَادِهِ وَآبَائِهِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَمَمْلُوءٌ بِتِلْكَ النِّفَايَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ وَاسْتَقَرَّتْ فِي ضَمِيرِهِ وَنَفْسِهِ، مِنْ تِلْكَ الْمَدَنِيَّةِ الْفَاجِرَةِ الْعَاهِرَةِ الَّتِي مَاجَتْ بِهَا دِيَارُ الْغَرْبِ، وَالَّتِي لَمْ تَسْمُ بِقِيمَةٍ وَلَمْ تَرْتِفَعْ بِمِثَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّوحِ وَالْقَلْبِ وَالضَّمِيرِ.

وَإِنَّمَا هِيَ مَادِيَّةٌ مُتَبَرِجَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ عَاهِرَةٌ سَافِرَةٌ، تَتَكَالَبُ عَلَى الْمَلَذَّاتِ، مُرِيقَةٌ لِلدِّمَاءِ، لَيْسَ لَهَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّمَاءِ، مِنْ الِاتِّصَالِ الَّتِي تَسْعَى إِلَيْهِ الرُّوحِ، وَالَّذِي يَهْفُو إِلَيْهِ الضَّمِيرُ، وَالَّذِي لَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا حَقِيقِيًّا إِلَّا بِهِ، بِجُوعِ بَاطِنٍ إِلَى اتِّصَالِهِ بِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَلَقِّي وَحْيِهِ الَّذِي يُصَافِحُ فِطْرَتَهُ بِفِطْرَتِهِ؛ إِذْ هُوَ الْفِطْرَةُ مُصَفَّاةٌ مِنْ كُلِّ شَوْبٍ، مُبَرَأَّةٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ.

إِنَّ الَّذِينَ اسْتُلِبُوا وَفُرِّغُوا وَمُلِئُوا؛ فَهَؤُلَاءِ يَمْلَؤُونَ الشَّوَارِعَ وَالْأَصْقَاعَ، وَتَمُوجُ بِهِمُ النَّوَاحِي وَالْأَقْطَارُ، وَهُمُ الْغُثَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ فِي حَدِيثِهِ، فِي قُلُوبِهِمُ الْوَهْن، وَبَادِيَةٌ عَلَى أَسَارِيرِ وُجُوهِهِمْ مَذَلَّةٌ حَاضِرَةٌ، وَاسْتِخْزَاءٌ ذَمِيمٌ، وَهُمْ تَبَعٌ لِكُلِّ نَاعِقٍ فِي كُلِّ سَبِيلٍ.

*تَدْمِيرُ الشَّبَابِ بِمُحَارَبَتِهِمْ بِالْفَوَاحِشِ:

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْمُجْتَمَعَ إِذَا مَا انْهَارَتْ أَخْلَاقُهُ، وَإِذَا مَا سَقَطَتْ أَخْلَاقُهُ فِي الْحَمْأَةِ الْوَبِيلَةِ، الْمُجْتَمَعُ إِذَا ظَهَرَتْ فِيهِ الْفَاحِشَةُ؛ انْهَارَ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ عَلِمَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ فِي دَاخِلٍ وَخَارِجٍ؛ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا بِالْمُوَاجَهَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ذَا بَالٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ التَّرْكِيزُ كُلُّهُ عَلَى بَثِّ الشُّبُهَاتِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى إِثَارَةِ نَوَازِعِ الْعَصَبِيَّةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَبِإِثَارَةِ الشَّهَوَاتِ وَبَعْثِ النَّزَوَاتِ مِنْ مَكَامِنِهَا، فَإِذَا انْهَارَتِ الْأَخْلَاقُ؛ انْهَارَ الْمُجْتَمَعُ لَا مَحَالَةَ.

وَالْآنَ يَعْكُفُ النَّاسُ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-- فِي الْأَصْبَاحِ وَفِي الْأَمْسَاءِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي السَّحَرِ الْأَعْلَى، وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، عَلَى مُشَاهَدَةِ الْعُهْرِ وَالْخَنَا، وَتَبَلَّدَتِ الْأَخْلَاقُ، وَانْمَحَقَتِ الْغَيْرَةُ!!

الرَّجُلُ تَكُونُ امْرَأَتُهُ بِجِوَارِه تَتَطَلَّعُ إِلَى رَجُلٍ عَارٍ، لَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُكْشَفَ غِطَاءٌ، وَلَرُبَّمَا كُشِفَ حَتَّى تَرَى الْمَرْأَةُ مُوَاقَعَةً، وَمُبَاشَرَةً وَاقِعَةً، وزَوْجُهَا -وَقَدْ خَرَجَ لَهُ قَرْنَانِ عَظِيمَانِ- بِجِوَارِهَا يَنْظُرُ، وَرُبَّمَا يَضْحَكُ!!

وابْنَتُهُ يَأْتِي إِلَيْهَا في خِدْرِهَا بِالْخَنَا، وَيَأْتِي لَهَا فِي خِدْرِهَا مَا يُعَلِّمُهَا بِهِ الْفُجُورَ!! ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ؛ لَامَ النَّاسَ، وَلَامَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ بِظِلْفِهِ قَبْرَهُ، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ؛ حَتَّى تَتَنَزَّلَ عَلَيْنَا الرَّحَمَاتُ؛ فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ يُحْجَبُ بِهَا خَيْرٌ كَبِيرٌ.

*الْعِلَاجُ النَّافِعُ لِانْحِرَافَاتِ الشَّبَابِ الْمُسْلِمِ:

تَعَلَّمُوا -عِبَادَ اللهِ-، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وَتَمَسَّكُوا بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، احْفَظُوا مَنْطِقَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ أَنْ تُوَاقِعَ الْحَرَامَ، لَا تَجْلِسُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَمَامَ تِلْكَ الشَّاشَاتِ الَّتِي تُخَرِّبُ عَلَيْكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، تُدَمِّرُ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ، وتُفْسِدُ عَلَيْكُمْ بُيُوتَكُمْ، فَلْتَكُنْ بُيُوتُكُمْ كَبُيُوتِ الْأصْحَابِ -عِبَادَ اللهِ-.

يَا أَيُّهَا الشَّبَابُ الْمُسْلِمُ! حِمَايَتُكُمْ مِنَ الضَّلَالِ, حِمَايَتُكُمْ مِنَ الْفَسَادِ, حِمَايَةُ أَبْنَائِكُمْ مِنْ الِانْحِرَافِ, حِمَايَتُكُمْ مِنَ الشُّبُهَاتِ, حِمَايَةُ أَجْسَادِكُمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَفْتِكُ فِي أَهْلِ الْبَاطِلِ الَّذِينَ لَا تَحْجِزُهُمْ عَقِيدَةٌ سَوِيَّةٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الِانْحِرَافَاتِ الْجَسَدِيَّةِ.

حِمَايَتُكُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ, وَنَجَاتُكُمْ مِنَ الدَّمَارِ وَالضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ، وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالزَّيْغِ، وَنَجَاتُكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّارِ, كُلُّ ذَلِكَ بِأَنْ تَعْرِفُوا وَأَنْ تَعْلَمُوا وَأَنْ تُحَقِّقُوا الْعَقِيدَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ؛ نَبِيُّكُمْ ﷺ.

وَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ أَنْ يُصِيبَكَ جَهْلٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَهَذَا وَاقِعٌ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ فَلَا يُحِيطُ بِالسُّنَّةِ إِلَّا النَّبِيُّ ﷺ، لَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ، وَأَنْ نَعْرِفَ أَنَّ هُنَالِكَ أُصُولًا ثَابِتَةً وَقَوَاعِدَ رَاسِخَةً, وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَا بَصِيرًا، وَبِهَا مُلِّمًا، وَعَلَيْهَا قَائِمًا، وَلَهَا مُحَصِّلًا.

تِلْكَ الْأُنْفُسُ الطَّاهِرَةُ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ تَسْتَطِيعُ إِنْ اسْتَقَامَتْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ أَنْ تَقْلَعَ الْجِبَالَ مِنْ أَمَاكِنِهَا, وَأَنْ تُزَلْزِلَهَا مِنْ نَوَاحِيِها، وَكُلُّ ذَلِكَ بِـ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ)).

يَا لَهُ مِنْ دِينٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ.

فَتَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، وَتَحَقَّقُوا بِالِاتِّبَاعِ الْمَتِينِ خَلْفَ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ.

 يَا أُمَّتِي!

يَا أُمَّتِي الْمَرْحُومَة!

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ!

 يَا لَمَكَانِكِ بَيْنَ نُجُومِ السَّمَاءِ عَالِيًا فَوْقَ الذُّرَى!

 لَوْ عَرَفْتِ مَكَانَكِ، لَوْ حَقَّقَتِ وُجُودَكِ, لَوْ تَمَسَّكْتِ بِمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ...

تَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ وَعَلِّمُوهَا يُحْمَى الْمُجْتَمَعُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ الشَّاذَّةِ, وَالنِّحَلِ الْبَاطِلَةِ, وَالدِّيَانَاتِ الْوَافِدَةِ, فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَكَ, وَيُرِيدُونَ أَبْنَاءَكَ, وَيُرِيدُونَ حَفَدَتَكَ, وَيُرِيدُونَ إِخْوَانَكَ, وَيُرِيدُونَ جِيرَانَكَ, يُرِيدُونَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَخَاكَ وَأُخْتَكَ، وَعَمَّتَكَ وَعَمَّكَ، وَخَالَتَكَ وَخَالَكَ, يُرِيدُونَ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا وَإِنَّمَا تَائِهًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِكُلِّ ضَالٍّ فِي الْأُمَّةِ نَصِيبٌ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ إِلَى الْحَقِّ رَدًّا جَمِيلًا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الشَّبَابُ وَحَمْلُ أَمَانَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-،

وَنَمَاذِجٌ مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ))

*مِنَ الْأَنْبِيَاءِ خَيْرِ الْبَشَرِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَنْ حَمَلَ رِسَالَةَ اللهِ فِي مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ:

فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57]: أَقْسَمَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، تَاللهِ لَأُدَبِّرَنَ التَّدْبِيرَ الَّذِي فِيهِ مَكْرُوهٌ بِأَصْنَامِكُمْ بَعْدَ ذَهَابِكُمْ عَنْهَا مُنْطَلِقِينَ إِلَى عِيدِكُمْ، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ قَائِلًا إِنِّي سَقِيمٌ.

{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58].

وَحَطَّمَ إِبْرَاهِيمُ الْأَصْنَامَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ إِلَى مُجْتَمَعِهِمْ فِي يَوْمِ عِيدٍ لَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ كِسَرًا وَقِطَعًا إِلَّا صَنَمًا كَبِيرًا لَهُمْ، تَرَكَهُ وَلَمْ يُكَسِّرْهُ، وَوَضَعَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِهِ؛ رَغْبَةً فِي أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ إِذَا عَلِمُوا ضَعْفَ الْآلِهَةِ وَعَجْزَهَا.

{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 59]: فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْمُ مِنْ عِيدِهِمْ إِلَى بَيْتِ آلِهَتِهِمْ؛ رَأَوْا أَصْنَامَهُمْ مُكَسَّرَةً مُحَطَّمَةً إِلَّا صَنَمًا كَبِيرًا فِيهَا، قَالُوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا؟! إِنَّهُ فِي تَكْسِيرِهَا وَاجْتِرَائِهِ عَلَيْهَا لَمِنَ الْمُتَجَاوِزِينَ حُدُودَ الْحَقِّ الَّذِي يُؤْمِنُ قَوْمُنَا بِهِ، {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60]: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَمِعْنَا شَابًّا فَتًى يَعِيبُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ، يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، نَظُنُّ أَنَّهُ صَنَعَ هَذَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].

وَهَبْنَا لِزَكَرِيَّا يَحْيَى وَقُلْنَا لَهُ: خُذْ كِتَابَ التَّوْرَاةِ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ حِفْظِهِ وَفَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ، وَحُسْنِ الْعَمَلِ بِشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَحُسْنِ تَعْلِيمِهِ وَنَشْرِهِ، وَأَعْطَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ، وَسَدَادَ الرَّأْيِ، وَحُسْنَ الْفَهْمِ وَالْبَصِيرَةَ، وَتَصْرِيفَ الْأَمْرِ، وَالْفَصْلَ بَيْنَ الْأَقْضِيَةِ وَالْخُصُومَاتِ، وَهُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 27 )} [القصص: 26-27].

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} اتَّخَذَهُ أَجِيرًا لِيَرْعَى أَغْنَامَنَا، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} يَعْنِي: خَيْرَ مَنْ اسْتَعْمَلْتَ مَنْ قَوِيَ عَلَى الْعَمَلِ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، فَقَالَ لَهَا أَبُوهَا: وَمَا عِلْمُكِ بِقُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ؟

قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ: فَإِنَّهُ رَفَعَ حَجَرًا مِنْ رَأْسِ الْبِئْرِ لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا عَشْرَة، وَقِيلَ: إِلَّا أَرْبُعونَ رَجُلًا، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ: فَإِنَّهُ قَالَ لِي امْشِي خَلْفِي حَتَّى لَا تَصِفَ الرِّيحُ بَدَنِكِ.

((الصِّفَاتُ الْوَاجِبُ تَوْفُّرِهَا فِي الشَّبَابِ لِبِنَاءِ الْأُمَّةِ))

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ جِيلَ النَّصْرِ الَّذِي يُقِيمُ الشَّرِيعَةَ لَا بُدَّ أَنْ يُحَقِّقَ أَسْبَابَ التَّمْكِينِ وَيُحَصِّلَ مُقَوِّمَاتِهِ.

*الْهُدَى وَالْإِيمَانُ، وَالتُّقَى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ صِفَاتُ جِيلٍ يَنْصُرُ اللهُ بِهِ الْأُمَّةَ:

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].

نَحْنُ بِعَظَمَةِ رُبُوبِيَّتِنَا وَشُمُولِ عِلْمِنَا نَقْرَأُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ خَبْرَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ذَا الشَّأْنِ، مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ، إِنَّهُمْ شُبَّانٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَزِدْنَاهُمْ بِمَعُونَتِنَا وَتَوْفِيقِنَا إِيمَانًا وَبَصِيرَةٍ.

وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْيَانَ الشَّبَابَ أَسْرَعُ اسْتِجَابَةً لِنِدَاءِ الْحَقِّ، وَأَشَدُّ عَزْمًا وَتضْحِيَةً فِي سَبِيلِهِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ:

ضَرُورَةُ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الشَّبَابِ؛ لِأَنَّهُمْ أَزْكَى قُلُوبًا، وَأَنْقَى أَفْئِدَةً، وَأَكْثَرُ حَمَاسًا، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ نَهْضَةُ الْأُمَمِ.

وَقَدْ جَمَعَ الشَّبَابُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَزِيَادَةِ الْهُدَى مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ.

الَّذِي يَتَأَمَّلُ فِي كِتَابِ رَبِّهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ يَجِدُ أَنَّ سَبَبَ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، إِنَّمَا هُوَ تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ شَوْبِ الشِّرْكِ وَالِابْتِدَاعِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِتَوْحِيدِ الْمُتَابَعَةِ لِلْمَعْصُومِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ الْمُتَابَعَةِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا فَلَا تَمْكِينَ فِي الْأَرْضِ.

مَتَى مَا حَقَّقَتِ الْأُمَّةُ رُكْنَيِ الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ، وَأَتَتْ بِأَصْلَيْهِ مَكَّنَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَهَا، {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور: 55].

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «هَذَا مِنْ وُعُودِهِ الصَّادِقَةِ، الَّتِي شُوهِدَ تَأْوِيلُهَا وَعُرِفَ مَخْبَرُهَا، فَإِنَّهُ وَعَدَ مَنْ قَامَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَنْ يَسْتَخْلِفَهُمْ فِي الْأَرْضِ، يَكُونُونَ هُمُ الْخُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ، وَيَكُونُونَ الْمُتَصَرِّفِينَ فِي تَدْبِيرِهَا.

وَأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، الَّذِي فَاقَ الْأَدْيَانَ كُلَّهَا، ارْتَضَاهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهَا، بِأَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِقَامَتِهِ، وَإِقَامَةِ شَرَائِعِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ، لِكَوْنِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ مَغْلُوبِينَ ذَلِيلِينَ.

وَأَنَّهُ يُبَدِّلُهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمُ الَّذِي كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِ إِلَّا بِأَذًى كَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَكَوْنِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلِينَ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَمَاهُمْ أَهْلُ الْأَرْضِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَبَغَوْا لَهُمُ الْغَوَائِلَ، فَوَعَدَهُمْ اللهُ هَذِهِ الْأُمُورَ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهِيَ لَمْ تُشَاهِدْ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّمْكِينَ فِيهَا، وَالتَّمْكِينَ مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ، وَالْأَمْنَ التَّامَّ، بِحَيْثُ يَعْبُدُونَ اللهَ وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَخَافُونَ إِلَّا اللهَ.

فَقَامَ صَدْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا يَفُوقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَمَكَّنَهُمْ مِنَ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَفُتِحَتْ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، وَحَصَلَ الْأَمْنُ التَّامُّ وَالتَّمْكِينُ التَّامُّ».

فَمَنِ الَّذِي يُنْصَرُ؟!

صَاحِبُ الْإِيمَانِ، صَاحِبُ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَصَاحِبُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

دَعْوَةٌ لِلتَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ يُمَكِّنُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ.

*رِجَالٌ حَمَلُوا أَمَانَةَ الدِّينِ وَنَشَرُوهُ فِي مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ:

إِنَّ جِيلَ التَّأْسِيسِ الَّذِي يَحْمِلُ الرِّسَالَةَ عَلَى عَاتِقِهِ وَيَنْطَلِقُ بِهَا شَامِخًا عَالِيًا قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لَا شَيْءَ,  قَدْ جَعَلَ الدُّنيَا مَعدُومَةً فِي نَظَرِهِ، لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا وَلَا يَتَأمَّلُ فِيهَا.

مُصْعَبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ وَهُوَ أَوَّلُ سَفِيرٍ فِي الإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِ كُلَّ حَسَنَاتٍ أَتَى بِهَا مَنْ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَاعِيَةَ الإِسْلَامِ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَهُوَ كَانَ دَاعِيَةَ الإِسْلَامِ عِنْدَ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ الَّذِي تَنَزَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِتِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

وَهَذَا الصَّحَابِيُّ الَّذِي فَتَحَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ بِهِ مَدِينَةَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْقُرْآنِ الشَّرِيفِ وَحْدَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى الْمُقْرِئُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَوْفَدَهُ الرَّسُولُ ﷺ وَمَا زَالَ شَابًّا بَعْدُ؛ لِكَيْ يَكُونَ سَفِيرَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْشُرَ الْإِسْلَامَ فِي يَثْرِبَ حَتَّى سُمِّيَتْ مَدِينَةَ الرَّسُولِ ﷺ.

مُصْعَبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَاعَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا، نَعَمْ! لِأَنَّهُ صَاحِبُ رِسَالَةٍ عَلَى الوَجْهِ الْأَتَمِّ، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْفَانِي السَّاقِطِ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى طَرِيقِهِ لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً.

هَذَا هُوَ الْجِيلُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَحْمِلُ الرِّسَالَةَ عَالِيَةً شَامِخَةً فِي أَجْوَازِ الْفَضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْجِيلُ الَّذِي فَاخَرَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مَنْ جَاءَ بَعْدُ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْجِيلِ الْمُبَارَكِ الشَّرِيفِ.

هَذَا الْجِيلُ هُوَ الْجِيلُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الدَّعْوَةِ إلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَائِمًا بِحَقٍّ، وَهَذَا مُصْعَبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ أَعْطَرَ فَتًى فِي قُرَيشٍ، وَكَانَ أَنْهَدَ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وَكَانَ أَجْمَلَ فَتًى فِي قُرَيْشٍ, وَكَانَ عِطْرُهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.

وَكَانَتْ أُمُّهُ عَظِيمَةَ الْيَسَارِ، كَثِيرَةَ الْمَالِ، وَكَانِتْ لَا تَبْخَلُ عَلَيهِ بِشَيْءٍ، حَتَّى إنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ فِيهِ لَمَّا رَآَهُ: رَأَيْتُ هَذَا بَيْنَ أَبَوَيْهِ يَغْذُوَانِهِ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ بِمَكَّةَ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا أَسْلَمَ لِلهِ وَجْهُهُ وَقَلْبُهُ وَقَالَبُهُ، وَأَلْقَى الْمَقَادَةَ بَينَ يَدَيْ نَبِيِّهُ ﷺ، أَتَى بِأَطْمَارٍ بَالِيَاتٍ لَمْ يُحَصِّلْ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا، وَهَاجَر إلَى الْحَبَشَةَ مَرَّةً وَمَرَةً، ثُمَّ عَادَ إلَى جِوَارِ النَّبِيِّ ﷺ وَحُرِمَ مِنْ مُدُودِ الْيَسَارِ وَوَارِفِ الثَرْوَةِ.

حَرَمَهُ أَبَوَاهُ مِن هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ صَبَأَ بِزَعْمِهِمَا، وَتَبِعَ مُحَمَّدًا ﷺ، وَلَكِنَّ الرَّجُلَ وَمَا زَالَ شَابًّا بَعْدُ قَدْ بَاعَ وَانتَهَى الأَمْرُ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ اشْتَرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ رَابِحًا.

وَإذَنْ؛ فَلَا يَلْتَفِتُ بَعْدَهَا أبَدًا، وَإنَّمَا يَتْبَعُ نَبِيَّهُ ﷺ, عَقْلٌ رَاجِحٌ بِحَقٍّ، وَعَلَى أَمْثَالِ هَؤلَاءِ تَقُومُ الأمَمُ, لِأَنَّهُمْ هُمُ الأُسُسُ المَكِينَةُ الرَّكِينَةُ الَّتِي تَقُومُ عَلَيهَا الصُّرُوحُ وَعَلَى مِثْلِهَا تُؤَسَّسُ، عَلَى مِثْلِ هَذَا الرَّجُلَ وَمَا زَالَ شَابًّا بَعْدُ!!

وَتَتَأَمَّلُ فِي حِكْمَتِهِ فِي الدَّعْوَةِ إلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِذْ ألْقَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَمَانَةَ عَلَى عَاتِقَيهِ، وَأَوْفَدَ الرَّسُولُ ﷺ مُقْرِئًا هَؤُلَاءِ كِتَابَ اللهِ فِي يَثْربَ -كَانَت كَذَلكَ تُسَمَّى إِلَى ذَلِكَ الْحِين حَتَّى هِجْرَةَ النَّبِىِّ الْأَمِينِ ﷺ-، وَهُوَ يَأْخُذُ بِزِمَامِ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَلَا جَلَسْتَ حَتَّى تَسْمَعَ، فَإنْ كَانَ حَسَنًا قَبِلْتَهُ، وَإنْ كَانَ مَبْغُوضًا لَدَيْكَ مَكْرُوهًا عنْدَكَ؛ كَفَفْنَا عَنْكَ مَا يَسُوؤُكَ)).

فَرَكَزَ الرَّجُلُ حَرْبَتَهُ، وَقَالَ: ((أَنْصَفْتَ)).

فَجَلَسَ فَاسْتَمَعَ دَعَايَةَ الْإسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَتَلَى عَلَيْه مُصْعَبٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-  آَيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَوقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِهِ، فَتَفَجَّرَ النُّورُ فِي أَطْوَاءِ صَدْرِهِ وَحَنَايَاهُ، ثُمَّ مَا زَالَ يُشْرِقُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى عَمَّ وَجْهَهُ  وَأَرْكَانَ جَوَارِحِهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا عَادَ إِلَى الْقَوْمِ وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-  وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ، وَإِنَّمَا أَوْفَدَهُ إِلَى مُصْعَبٍ؛ لِكَيْ يَكُفَّهُ عَنْ إِغْوَاءِ السُّفَهَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَتَبَعِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

 فَلَمَّا رَآَهُ مُقْبِلًا، قَالَ: ((أُقْسِمُ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِى ذَهَبَ به)).

لَا جَرَمَ إِنَّ لِلْإِيمَانِ نُورًا يَكْسُو الْوَجْهَ إِذَا كَانَ إِيمَانًا صَادِقًا وَصَحِيحًا، ثُمَّ جَاءَ سَعْدٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَكَانَ مَا كَانَ مِنَ الدَّعْوَةِ بِالْحِكْمَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهمْ شَدِيدًا عَنِيفًا، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهمْ مُنَفِّرًا، لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِمْ مُحَذِّرًا بِغَيْرِ تَبْشِيرٍ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَيْهِمْ وَالْأَمَانَةُ -وَهُوَ شَابٌّ بَعْدُ- عَلَى عَاتقَيْهِ فَحَمَلَهَا وَكَانَ كُفْؤًا لَهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

ثُمَّ عَادَ بَعْدَ عَامٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ فِي مَكَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ فِي يَثْرِبَ بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلَّا فِيهِ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ ، إِلَّا وَقَدْ دَخَلَهُ الْإِسْلَاُمُ الْعَظِيمُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبَعِ ذَلِكَ الشَّاعِرِ الَّذِى حَجَزَ قَوْمَهُ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَبَعِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ إِلَى مَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ، فَكَانَ شُؤْمًا عَلَيْهِمْ؛ تَأْخِيرًا لِلْهِدَايَةِ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِمْ بِأَسْبَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا ابْنُ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فِإِنَّهُ لَمَّا عَادَ مِنْ عِنْدِ مُصْعَبٍ قَالَ القَوْمُ: ((نَشْهَدُ إِنَّهُ لَقَدْ عَادَ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِى ذَهَبَ بِهِ)).

فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَيُّ شَيْءٍ أَنَا فِيكُمْ؟))

قَالُوا: ((سَيِّدُنَا وَمُقَدَّمُنَا وَصَاحِبُ الرَّأْيِ فِينَا)).

فَقَالَ: ((أَمَا إِنَّ كَلَامَ نِسَائِكُمْ وِرِجَالِكُمْ وَأَطْفَالِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُسْلِمُوا لِلهِ رَبِّ العَالِمِينَ)).

فَلَمْ يُمْسُوا فِي تِلُكَ الْعَشِيَّةِ إِلَّا وَقَدْ أَسْلَمُوا الزِّمَامَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا الرَّجُلُ الْمُتَجَرِّدُ وَمَا زَالَ شَابًّا بَعْدُ، خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا، وَعَلَى مِثْلَهَا فَقِسْ.

إِنَّ جِيلَ تَأْسِيسِ الدَّعْوَةِ الصَّحِيحَةِ إِلي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ دُنْيَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ مُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ أَمًّا وَقَصْدًا، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالُ هِيَ الْغَالِبَةَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-. 

هَذَا الْأَمْرُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى التَّجَرُّدِ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَكَ بِكُلِّكَ، فَلَا يَقْبَلُ فِيكَ تَشْرِيكًا وَلَا تَبْعِيضًا، فَإِنْ لَمْ تَعُدْ إِلَيْهِ بِكُلِّكَ رَدَّكَ وَمَا أَشْرَكْتَ مَعَهُ.

عَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَقِفَ عَلَى رَأْسِ طَرِيقِنَا مُتَأَمِّلِينَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَخْتَارَ إِمَّا الدُّنْيَا وَإِمَّا الْآَخِرَةِ، وَالْجِيلُ الَّذِى يَحْمِلُ حِمْلًا صَادِقًا أَمِينًا يُؤَدِّيهَا إِلَى الْأَجْيَالِ مِنْ بَعْدُ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جِيلًا أَمِينًا بِحَقٍّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا وَلَا يُعَوِّلُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24].

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا جَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، وَالمَالُ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ بِالْفِتَنِ يُحَصِّلُونَهُ مَا يُحَصِّلُونَهُ مِنْ حَلَالٍ وَمِنْ حَرَامٍ، وَلَكِنَّ جِيلَ التّأْسِيسِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاعِيًا، الْجِيلُ الَّذِى يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُنِيرًا مُشْرِقًا.

«نِدَاءٌ إِلَى الشَّبَابِ خَاصَةً وَالْمِصْرِيِّينَ عَامَةً:

اعْمَلُوا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِكُمْ»

أَيُّهَا الْمُصْرِيُّونَ، اعْمَلُوا، وَاجْتَهِدُوا فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَا خُرُوجَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَزْمَةٍ إِلَّا بِكَلِمَتَيْنِ: أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ مِنَّا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، لَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ حَتَّى هَذِهِ لَا يَعْمَلُونَهَا، يَعْنِي هُمْ لَا يَعْمَلُونَ أَصْلًا، لَا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، هُمْ تَعَوَّدُوا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ عَطَاءٍ، وَهَذَا لَا يَرْضَاهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَا يَرْضَاهُ هَذَا الدِّينُ الْحَنِيفُ.

عِزُّكُمْ وَشَرَفُكُمْ دِينُكُمْ، حَيَاتُكُمْ وَمَمَاتُكُمْ، دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ هُوَ هَذَا الدِّينُ الْحَنِيفُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

المصدر: دَوْرُ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الْأُمَّةِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  السَّمَاحَةُ عَقِيدَةً وَسُلُوكًا
  الحَمَّادُون
  الطريق إلى محبة الله عز وجل
  حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ
  مَرَاحِلُ وَسِمَاتُ بِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  دُرُوسٌ عَظِيمَةٌ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ((الدَّرْسُ الْأَوَّلُ: رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ))
  نِعْمَةُ الْمَاءِ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا
  مَعِيَّةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَثَرُهَا فِي تَحْقِيقِ السَّلَامِ النَّفْسِيِّ
  هؤلاء يساندون التكفير والإرهاب
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان