مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

((مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((حِكْمَةُ اللهِ فِي اسْتِخْلَافِهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ))

فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَكَرَّمَهُ وَسَخَّرَ لَهُ مَا خَلَقَهُ، وَأَنَاطَ بِهِ مُهِمَّةَ عِمَارَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَخْلَفَهُ فِيْهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وَهَذَا الْخَلِيْفَةُ هُو آدَمُ وَبَنُو آدَمَ.

وَقَال تَعَالَى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]؛ أَيْ جَعَلَكُمْ فِيْهَا؛ لِتَعْمُرُوهَا، وَمَكَّنَكُمْ بِمَا آتَاكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

وَهَذَا التَّسْخِيرُ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ كُلَّ مَظَاهِرِ التَّكْريِمِ لِهَذَا الْإِنْسَانِ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الْأَرْضِ لِعِمَارَتِهَا، وَعِمَارَتُهَا بِعِبَادَةِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهَا، وَبِالْقِيَامِ عَلَى مَا يُصْلِحُهَا.

وَقَدْ زَوَّدَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذَا الْإِنْسَانَ بِكُلِّ وَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ، وَسَلَّحَهُ بِكُلِّ أَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى قِيَادَةِ دِفَّةِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَإِدَارَةِ دَوَالِيبِ الْعَمَلِ فِيهَا.

وَلِكَيْ لَا يَضِلَّ وَلَا يَشْقَى بَعَثَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَيْهِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، فِيْهَا الشَّرَائِعُ وَالْحَقُّ الْمُبِينُ.

وَعَلَّمَهُمْ أُصُولَ التَّعَايُشِ وَمَبَادِئَ التَّعَامُلِ، وَلَفَتَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى ضَرُورَةِ الِالْتِزَامِ بِآدَابِ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ، وَلَم يُبِحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ طَائِعًا مُخْتَارًا.

وَأَشْعَرَهُمْ عِظَمَ الْمَسْئُولِيَّةِ عَنِ الْإِخْلَالِ وَالتَّقْصِير، فَقَالِ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ إِنَّمَا هُوَ مُلْكٌ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، لَم يَخْلُقْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَبَثًا، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي الْبَاطِلِ، وَلَنْ يَتْرُكَهُ سُدًى، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حُرًّا فِي تَصَرُّفَاتِهِ يَتَصَرَّفُ فِي نَفْسِهِ كَيْفَمَا يَشَاءُ.

بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَصُونَهَا مِنْ كُلِّ أَوْجُهِ الْهَلَاكِ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهَا كُلَّ مَظَاهِرِ الْإِضْرَارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].

((تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ))

 حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْخَبَائِثَ الَّتِي تُؤْذِيهِ، وَأَبَاحَ لَهُ كُلَّ مَا يَنْفَعُهُ وَيَحْمِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

وَأَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هَذَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَأْكُلَ، وَأَنْ يَشْرَبَ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ، وَأَنْ يَزْدَانَ بِمَا خَلَقَ الْلَّهُ لَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الْمُتَعِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].

 فَأَبَاحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ النَّفْسِ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ فِي عُضْوٍ مِنْهُ.

أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ النَّفْسِ، وَبِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَبِحِفْظِ الْمَالِ، وَبِحِفْظِ الْعِرْضِ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ الدِّينِ، وَبِهِ يُحْفَظُ هَذَا كُلُّهُ.

وَلَا صْلَاحَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ إِلَّا بِالْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الضَّرُورَاتِ، وَمَا وَرَاءَهَا؛ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَاجِيَّاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّحْسِينِيَّاتِ.

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدِّيَاتِ قَائِمَةً مَنْصُوصًا عَلَيْهَا مِن قِبَلِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِ النَّفْسِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا نُصَّ فِيهِ عَلَى الدِّيَةِ؛ حِفْظًا لِلنَّفْسِ، وَحِفْظًا لِلْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ أَنْ يُمْتَهَنَ أَوْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ.

أَمَرَ الْلَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَمَنَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَنَهَى عَنْهَا؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَجَعَلَ لَنَا دِينُنَا الْأَغَرُّ الْوَسْائِلَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الشَّرِّ مُحَرَّمَةً كَهُوَ، فَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى شَرٍّ وَحَرَامٍ فَهُوَ شَرٌّ وَحَرَامٌ، وَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ فَهُوَ خَيْرٌ وَبِرٌّ.

فَجَعَلَ لِلْوَسَائِلِ مَا لِلْمَقَاصِدِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَنَهَى الدِّينُ الْحَنِيفُ عَنْ كُلِّ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْإِضْرَارِ بِالْإِنْسَانِ؛ لِكَيْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقُومَ الْإِنْسَانُ بِوَظِيفَتِهِ الَّتِي لِأَجْلِهَا خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ إِعْمَارَ هَذِهِ الْأَرْضِ إِنَّمَا هُوَ بِتَوْحِيدِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-، وَبِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَبِإِقَامَةِ الدِّينِ.

لَا تَعْمُرُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّورَ كُلَّهُ وَالْخَيْرَ كُلَّهُ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَمَدٌ مِنْ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، فَمَهْمَا سَطَعَتْ أَنْوَارُ شَمْسِ الرِّسَالَةِ فِي مَكَانٍ عَمَّهُ الْخَيْرُ وَالْفَلَاحُ، وَالْبَرَكَةُ وَالنَّجَاحُ، وَمَهْمَا غَابَتْ شَمْسُ الرِّسَالَةِ عَنْ مَكَانٍ فَهُوَ ظُلْمٌ كُلُّهُ، وَجَوْرٌ كُلُّهُ، وَهُوَ هَلَكَةٌ مُفْضِيَةٌ إِلَى هَلَكَةٍ.

فَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِكُلِّ مَا يُعِينُ الْإِنْسَانَ عَلَى أَدَاءِ وَظِيفَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ الْإِنْسَانَ مُسْتَخْلَفًا فِي الْأَرْضِ؛ لِكَيْ يَقُومَ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدِينِ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحِيَاطَةِ شَرْعِهِ، وَعِبَادَةِ مَوْلَاهُ الَّذِي أَنْشَاهُ وَبَرَاهُ، وَأَمَدَّهُ بِمَا أَمَدَّهُ بِهِ مِنْ أَلْوَانِ التَّسْخِيرِ فِي هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاقِعًا عَبَثًا، وَلَا كَائِنًا سُدًى، وَإِنَّمَا هُوَ لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَحِكْمَةٍ بَاهِرَةٍ مِنْ لَدُنْ رَبِّنَا الْحَكِيمِ الْقَدِيرِ.

 ((حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَأَدِلَّتُهَا))

الْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَأَبْطَلَهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ ﷺ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) .

((وَكُلُّ شَيْءٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)) ، وَذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى السُّكْرِ.

كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْعِنَبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- تَحْتَجُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ : ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) عَلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ.

كَمَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ الْبَاذَقِ -وَهُوَ الْخَمْرُ إِذَا طُبِخَ-، فَقَالَ: ((سَبَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)). خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.

فَكُلُّ مَا اسْتُجِدَّ مِمَّا يَخْمُرُ الْعَقْلَ -أَيْ يُغَيِّبُهُ وَيَسْتُرُهُ يَعْنِي مِمَّا يُسْكِرُ- فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ إِذَا كَانَ كَثِيرُهُ مُسْكِرًا كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ  فَحَرَامٌ قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ الْخُمُورِ وَالْأَشْرِبَةِ لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ، فَعِنْدَنَا هَاهُنَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي سُئِلَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ الْبَاذَقِ -وَهُوَ الْخَمْرُ إِذَا طُبِخَ-، قَالَ: ((سَبَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)).

قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: ((وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمُسْكِرُ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ مَشْرُوبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَدْخَلُوا فِي ذَلِكَ الْحَشِيشَةَ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ وَرَقِ الْقِنَّبِ -وَبِالضَّمِّ أَيْضَا- تُعْمَلُ مِنْ وَرَقِ الْقُنَّبِ، وَالْقُنَّبُ: نَبَاتٌ حَوْلِيٌّ زِرَاعِيٌّ لَيْفِيٌّ مِنَ الْفَصِيلَةِ الْقُنَّبِيَّةِ، تُفْتَلُ لِحَاؤُهُ حِبَالًا، وَالْقُنَّبُ الْهِنْدِيُّ نَوْعٌ مِنَ الْقُنَّبِ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْمُخَدِّرُ الضَّارُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَشِيشِ وَالْحَشِيشَةِ)) .

لَقَدْ نَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنِ الْخَمْرِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْمُفَتِّرَاتِ كَمَا أَنَّه يَشْمَلُ الْمُخَدِّرَاتِ؛ لَأَنَّ ذَلِكَ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ بِسِوَاهَا.

 

يُحَرِّمُ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُسْكِرَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الْعَسَلِ أَوِ الذُّرَةِ أَوِ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْكِرُ، يُحَرِّمُونَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُنَجِّسُونَهُ، وَيُوجِبُونَ بِهِ الْحَدَّ.

الْخَمْرُ مُحَرَّمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

*أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخُمُورِ وَالْمُخَدِّرَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:

*الْخَمْرُ وَالْمُخَدِّرَاتُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90-91].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ {إِنَّمَا الْخَمْرُ}: وَهِيَ كُلُّ مَا خَامَرَ العَقْلَ وَغَطَّاهُ؛ مَشْرُوبًا كَانَ أَوْ مَأْكُولًا أَوْ مَشْمُومًا {وَالْمَيْسِرُ}: هُوَ الْقِمَارُ، وَيَشْمَلُ كُلَّ كَسْبٍ بِطَرِيقِ الْحَظِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُصَادَفَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ {وَالْأَنْصَابُ}: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَنْصِبُونَهَا لِلْعِبَادَةِ، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا تَقَرُّبًا لِلْأَصْنَامِ {وَالْأَزْلَامُ}: هِيَ الْأَقْدَاحُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ أَوِ الْإِحْجَامِ عَنْهُ.

إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجَسٌ مَعْنَوِيٌّ فِي السُّلُوكِ أَوْ الْاعْتِقَادِ مِنْ دَرَكَةِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، أَوْ مِنْ دَرَكَةِ الْإِشْرَاكِ بِاللهِ، وَهِيَ مِنْ تَزيِينِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ.

فَإِذَا كَانَ تَنَاوُلُ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ رِجْسًا وَمِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَكُونُوا عَلَى جَانِبٍ مِنْهَا بِالْابْتِعَادِ الْكُلِيِّ عَنْ مَوَاقِعِهَا؛ رَغْبَةً أَنْ تَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ، الْفَائِزِينَ بِالْجَنَّةِ.

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}

إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَكُمُ الشَّيْطَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَعِبَ الْقِمَارِ؛ إِرَادَةَ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ الْمُعْلَنَةَ، وَالبَغْضَاءَ الْمُسْتَكِنَّةَ فِي الْقُلُوبِ، بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَلِيَشْغَلَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ.

وَإِذَا كُنْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ مَضَارَّ، وَمَا يُؤدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنْ شَحْنَاءَ وَبَغْضَاءَ، وَمَا يُفْسِدَانِ بِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَأَنْتُم بَعْدَ ذَلِكَ مُنْتَهُونَ عَنْهُمَا تَارِكُونَ لَهُمَا أَمْ أَنَّكُم مَا زِلْتُم فِي غَيِّكِمْ تَعْمَهُونَ سَادِرِينَ عَنْ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالمَيِنَ؟!!

فَانْتَهُوا عَمَّا أَنْتُم فِيهِ.

*مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ تَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالِاتِّجَارُ فِيهَا:

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].

يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ؛ الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ، وَكُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغيِّبَ الْوَعْيَ أَوْ يُذْهِبَهُ، أَوْ يُضْعِفَ الْعَقْلَ أَوْ يَحْجُبَهُ.

بَلْ يَدْخُلُ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهَا، وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهَا؛ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهُ.

*حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَتْلَ النَّفْسِ، أَوْ إِلْقَاءَهَا إِلَى الْهَلَكَةِ، وَحَرَّمَ كُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29-30].

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبَخْعِ كَمَا تَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْهِنْدِ، أَوْ بِإِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ صَحِيحًا أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاص تَأَوَّلَهُ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ .

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} بِارْتِكَابِ مَا يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِيْنِهِمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

{إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}: أَي أَمَرَ بِمَا أَمَرَ وَنَهَى عَمَّا نَهَى؛ لِفَرْطِ رَحْمَتِهِ بِكُمْ.

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}: أَيْ لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّكُمْ أَهلُ دِينٍ وَاحِدٍ، فَأَنْتُمْ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- .

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ)).

فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟))

الْمَاءُ حَاضِرٌ وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِرٌ، وَلَكِنَّهُ خَشِيَ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى بِهِمْ إِمَامًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟!))

قَالَ: ((فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَقُلْتُ -أَيْ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِالَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الِاغْتِسَالِ- وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا)).

هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَانْفَرَدَ بِه،  وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ عَمْرًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ هَلَاكَ نَفْسِهِ، لَا نَفْسِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ .

*أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ -وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْهِيبِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا، وَعَصْرِهَا، وَحَمْلِهَا، وَأَكْلِ ثَمَنِهَا، مَعَ التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ التَّرْغِيبِ فِي تَرْكِهِ، وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ:

مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) .

 هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَذْمُومَةُ فِي هَذِهِ الْحَدِيثِ لَا تُزِيلُ إِيمَانًا وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهَا التَّغْلِيظُ؛ لِيَهَابَ اَلنَّاسُ الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرَ الْحَدِيثُ أَنَّهَا تَنْفِي الْإِيمَانَ وَتُجَانِبُهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَادُ بِهَا أَنَّهَا تَنْفِي مِنَ الْإِيمَانِ حَقِيقَتَهُ وَإِخْلَاصَهُ، فَلَا يَكُونُ إِيمَانُ مَنْ يَرْتَكِبُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ خَالِصًا حَقِيقِيًّا كَحَقِيقَةِ إِيمَانِ مَنْ لَا يَرْتَكِبُهَا.

لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَشُرُوطٌ أُلْزِمُوهَا، يَنْطِقُ بِهَا الْقُرْآنُ وَالْآثَارُ، فَإِذَا نُظِرَ إِلَى مَنْ خَالَطَ إِيمَانَهُ هَذِهِ الْمَعَاصِي، قِيلَ: لَيْسَ مِمَّا وُصِفَ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، فَنُفِيَتْ  عَنْهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ وَتَمَامُهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ الْإِيمَانِ بِالذُّنُوبِ، إِمَّا لِغَرَضِ التَّغْلِيظِ، وَإِمَّا لِبَيَانِ أَنَّ النَّفْيَ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ، لَا لِأَصْلِهِ.

فَحِينَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ.. )) . الْحَدِيثَ. فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ حَالَ وُقُوعِهِ فِي هَذَا الذَّنْبِ.

وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّتِي تَكُونُ لِنَفْيِ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَكَمَالِهِ، أَوْ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ وَالْأَقْوَالِ الْبَغِيضَةِ الَّتِي لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ بِالْكُلِيَّةِ، وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا مُخْرِجًا مِنَ الْمِلَّةِ.

فَإِنَّ الْكُفْرَ الْوَارِدَ فِي النُّصُوصِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ.

وَالْإِيمَانُ عَلَى نَوْعَيْنِ: كَامِلٌ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ، وَنَاقِصٌ وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ.

فَهُمْ يَنْفُونَ عَنْهُ إِذَا وَقَعَ فِي الزِّنَا أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَمَا أَشْبَهَ، يَنْفُونَ عَنْهُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ، وَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ.

يَجْتَمِعَانِ -يَعْنِي الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ وَمُطْلَقَ الْإِيمَانِ- فِي حَقِّ كَامِلِ الْإِيمَانِ، وَيَنْفَرِدُ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ نَاقِصِ الْإِيمَانِ.

فَلَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَخْلِطَ بَيْنَ نَوْعَيِ الْكُفْرِ، وَتُعْطِيهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا، وَلَا بَيْنَ نَوْعَيِ الْإِيمَانِ، فَتُعْطِيهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا، بَلِ التَّفْصِيلُ عَلَى مَا رَأَيْتَ هُوَ طَرِيقُ الْإِنْصَافِ وَالصَّوَابِ فِي الْبَحْثِ، وَذَلِكَ بِتَنْزِيلِ النُّصُوصِ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي تَلِيقُ بِهَا.

فَالْإِيمَانُ الْمَنْفِيُّ هَاهُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ.

الَّذِي نُفِيَ هَاهُنَا لَيْسَ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَالُ الْإِيمَانِ.

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) .

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)).

وَخَرَّجَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ: ((كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)) .

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((كُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)).

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: ((وَمَا هِيَ؟))

قَالَ: ((الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ)).

فَقِيلَ لِأَبِي بُرْدَةَ: ((مَا الْبِتْعُ؟))

قَالَ: ((نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ)).

فَقَالَ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) .

خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: ((قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَا وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ شَرَابًا يَصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَبَائِعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)) .

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مِثْلَ مَا قَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ)) .

فَلَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً؛ الَّذِي يَشْرَبُ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ، وَلَكِنَّ الْعَاصِرَ، وَالْمُعْتَصِرَ، وَالْحَامِلَ، وَالسَّاقِي، وَالْبَائِعَ، وَآكِلَ الثَّمَنِ، وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ، وَالْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرَى لَهُ.

كُلُّ أُولَئِكَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَالَّذِي يَشْرَبُ وَاحِدٌ -أَيْ مِنَ الْعَشْرَةِ- وَلَكِنَّ الْخَمْرَ لُعِنَ فِيهَا عَشْرَةٌ.

فَكُلُّ مَا كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَمِثْلِهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْأَمْرِ، فَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى شَيْءٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمَقْصِدِ، الْوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَى هَذَا، وَأَنْ نَتَوَسَّلَ بِالْوَسِيلَةِ الصَّحِيحَةِ إِلَى الْغَايَةِ الصَّحِيحَةِ، لَا يَكْفِي أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْغَايَةَ الَّتِي نَنْشُدُهَا غَايَةٌ شَرِيفَةٌ، وَإِنَّنَا مَا دُمْنَا نَسْعَى إِلَى غَايَةٍ شَرِيفَةٍ فَلَيْسَ مُهِمًّا أَنْ نَسْلُكَ إِلَيْهَا غَايَةً غَيْرَ شَرِيفَةٍ!!

هَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَا مِنْ طَرِيقَةِ الْمُرْسَلِينَ، هَذَا مَذْهَبُ مِيكَافِيلِّي، وَهَذِهِ هِيَ النَّفْعِيَّةُ أَوِ الْبَرَجْمَاتِيَّةُ كَمَا يَقُولُونَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَصِّلُ مَا يُحَصِّلُهُ مِنْ أَيِّ وَسِيلَةٍ، كَانَتْ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لَعَنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَاعِلَهَا!! وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)) .

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اتِّخَاذِ الْوَسِيلَةِ الصَّحِيحَةِ إِلَى الْغَايَةِ الصَّحِيحَةِ الشَّرِيفَةِ، وَاللهُ ضَبَطَ لَنَا الْوَسِيلَةَ كَمَا ضَبَطَ لَنَا الْغَايَةَ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْوَسَائِلَ الْمُوصِلَةَ إِلَى الْغَايَاتِ إِلَى أَهْوَائِنَا وَلَا إِلَى اجْتِهَادَاتِنَا مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

النَّبِيُّ ﷺ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً، وَالَّذِي تُصِيبُهُ الْخَمْرُ بِالسُّكْرِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشْرَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَسَائِرُهُمْ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا إِنَّمَا اشْتَرَكُوا فِي هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ.

فَكُلُّ مَنْ كَانَ جُزْءًا فِيهَا وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا فَهُوَ مَلْعُونٌ، كَمَا لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الرِّبَا كَذَلِكَ حَتَّى الْكَاتِبَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَتَبَ الصَّكَّ بَيْنَ الْآخِذِ وَالْمُعْطِي فِي الرِّبَا كَتَبَهُ حِسْبَةً!! يَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ -بِزَعْمِهِ- إِلَى اللهِ، وَيَحْسَبُهُ عَمَلًا صَالِحًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ، بَلْ إِنَّ الشَّاهِدَ عَلَى ذَلِكَ مَلْعُونٌ كَمَا لَعَنَهُ الرَّسُولُ  ﷺ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: ((يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْقَاهَا -أَيْ الَّذِي يُسْقَى تِلْكَ الْخَمْرُ-)) .

كُلُّ أُولَئِكَ مَلْعُونُونَ بِلَعْنَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْكَبِيرِ)) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِغَيْرِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْرَبِ الْخَمْرَ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ)) ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَارِبًا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ  أَنْ يَزُولَ الْإِنْسَانُ عَنِ الْمُنْكَرِ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُزِيلَهُ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: ((إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُزِيلَ الْمُنْكَرَ فَزُلْ عَنْهُ))، يَعْنِي لَا يَكْفِي أَنْ تَبْقَى وَتَقُولُ: أَنَا مُنْكِرٌ لَهُ بِقَلْبِي، وَتَبْقَى فِي مَجْلِسِ الْمُنْكَرِ، إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُغَيِّرَهُ بِيَدِكَ -إِنْ كَانَ لَكَ تَغْيِيرٌ بِالْيَدِ- فَغَيِّرْ بِلِسَانِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ.

فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُغَيِّرَ بِلِسَانِكَ فَغَيِّرْ بِقَلْبِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُغَيِّرًا لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِكَ وَأَنْتَ بَيْنَ الَّذِينَ يَأْتُونَ الْمُنْكَرَ إِذَا كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَزُولَ عَنِ الْمَكَانِ -يَعْنِي أَنْ تَتْرُكَهُمْ فِي مُنْكَرِهِمْ وَأَنْ تَذْهَبَ عَنْهُمْ، أَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعًا فَأَنْتَ حِينَئِذٍ يُكْتَفَى مِنْكَ أَنْ تَكُونَ مُنْكِرًا بِقَلْبِك، وَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ)).

*حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالِاتِّجَارَ فِيهَا: فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)).

فَقِيلَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟))

قَالَ: ((لَا، هُوَ حَرَامٌ)).

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: ((قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)). خَرَّجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

وَأَجْمَلَ الشَّحْمَ وَجَمَّلَهُ: أَيْ أَذَابَهُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ)).

كُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَثَمَنُهُ حَرَامٌ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ، وَلَا الِاتِّجَارُ فِيهِ.

أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ -ثَلَاثًا-، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، فَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ)).

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ؛ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.

 ((مَخَاطِرُ إِدْمَانِ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))

*مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ عَلَى فِي الدُّنْيَا:

لَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَصُدُّ بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ يَزُولُ عَقْلُهُ أَوْ يَخْتَلُّ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَذْكُرَ اللهَ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ، وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: ((إِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ تَمُرُّ عَلَيْهِ سَاعَةٌ لَا يَعْرِفُ فِيهَا رَبَّهُ)) .

وَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ؛ لِيَعْرِفُوهُ، وَيَذْكُرُوهُ، وَيَعْبُدُوهُ، وَيُطِيعُوهُ، فَمَا أَدَّى إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ وَحَالَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَعْرِفَةِ رَبِّهِ وَذِكْرِهِ وَمُنَاجَاتِهِ كَانَ مُحَرَّمًا وَهُوَ السُّكْرُ.

وَهَذَا بِخِلَافِ النَّوْمِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَبَلَ الْعِبَادَ عَلَيْهِ، وَاضْطَرَّهُمْ إِلَيْهِ وَلَا قِوَامَ لِأَبْدَانِهِمْ إِلَّا بِالنَّوْمِ، إِذْ هُوَ رَاحَةٌ لَهُمْ مِنَ السَّعْيِ وَالنَّصَبِ، فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْعُمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ.

فَإِذَا نَامَ الْمُؤْمِنُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَمُنَاجَاتِهِ وَدُعَائِهِ كَانَ نَوْمُهُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((إِنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي)).

وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

إنَّ مُرَوِّجِي الْمُخَدِّرَاتِ يُدَمِّرُونَ عَلَى النَّاسِ طَاقَاتِهِمْ، يَسْتَلِبُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيُدَمِّرُونَ عَلَى الْأُمَّةِ إِسْلَامَهَا وَدِينَها؛ حَتَّى تَصِيرَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْمَهَازِيلِ لَا تَسْتَطِيعُ دِفَاعًا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَقُومَ بِمَسْئُولِيَّةٍ.

وَالمُدْمِنُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ، وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ؛ بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!!

لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْخَمْرَ سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ، وَأَنَّهَا عَائِقٌ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].

وَقَالَ ﷺ: ((الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ)) .

فَجَعَلَهَا أُمًّا وَأَسَاسًا لِكُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ.

وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى مَضَرَّتِهَا الْأَطِبَّاءُ، وَقَدْ وَجَدُوا أَنَّهَا سَبَبٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِرَةِ الْمُسْتَعْصِيَةِ.

حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْخَمْرَ، وَبَيَّنَ مَا تَجُرُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَطُولُ عَدُّهُ، وَيَصْعُبُ حَصْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَمْرِ إِلَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ؛ لَكَفَى سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَكَيْفَ يَشْرَبُ الْمَرْءُ تِلْكَ الْآثِمَةَ الَّتِي تُزِيلُ عَقْلَهُ، حَتَّى يَكُونَ ضُحَكَةً لِلصِّبْيَانِ، وَحَتَّى يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْمَجَانِينِ؟!!

فَدَاءٌ هَذَا بَعْضُ أَمْرَاضِهِ، كَيْفَ يَرْضَاهُ عَاقِلٌ لِنَفْسِهِ؟!!

وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّهُ لَمْ يَذُقْهَا قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ)). 

فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، أَخْبَرَ: ((أَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا تُذْهِبُ مُرُوءَةَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ عَقْلَهُ)) .

وَهُوَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَكَانَ يَضِنُّ بِعَقْلِهِ، فَامْتَنَعَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَبْلَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ.

*وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ مِنْ أَسْبَابِ تَدْمِيرِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي خَمْسًا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ؛ إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ)) .

وَأَكْثَرُ هَذَا قَدْ ظَهَرَ فِي الْأُمَّةِ -نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ- فَقَدْ ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، فَيَلْعَنُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَتَلَاعَنُونَ، ((إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ))، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَيَّدَ التَّلَاعُنَ بِالظُّهُورِ، فَكَيْفَ إِذَا فَشَا؟!!

((إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ)): هُمْ يَشْرَبُونَهَا!!

((وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ)): وَقَدْ ظَهَرَ هَذَا أَيْضًا، فَقَدْ ظَهَرَ مَا يُسْمَّى الْيَوْمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ! يَأْتِي بِهِ بَعْضُ الْمَخَابِيلِ، وَيُرَوِّجُهُ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَيَقُولُ: هِيَ تَصِيرُ مِلْكَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ نَفْسَهَا قَيْنَةً عِنْدَ رَجُلٍ يَتَمَلَّكُهَا، فَأَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُظْهِرَ هَذَا كُلَّهُ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَعَلَيْهُمُ الدَّمَارُ)).

((وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ)): الشَّوَاذُّ يُرِيدُونَ حَقَّهُمْ كَمَا هُوَ فِي الدُّوَلِ الْغَرْبِيَّةِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ!! بَلْ إِنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ!! وَلَا رَجُلَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا رَجُلَ، وَأَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَأَنْ يَكْتَفِي الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ!!

هُمْ يُبِيحُونَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَمَنِ اعْتَرَضَ وَقَعَ تَحْتَ طَائِلَةِ الْقَانُونِ؛ لِأَنَّ الْقَانُونَ مُبِيحٌ لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَإِذَا اعْتَرَضْتَ فَلَا بُدَّ أَنْ تُحَاسَبَ!!

مَا لَنَا وَلِهَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ الْكَفَرَةِ؟!!

لَنَا دِينُنَا وَلَهُمْ دِينُهُمْ، وَلَكِنَّا نَسْتَقِي دِينَنَا مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا بِفَهْمِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا ﷺ.

فبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ الدَّمَارِ بِالْأُمَّةِ -وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ-.

*الْخَمْرُ وَالْمُخَدِّرَاتُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ فِي الدُّنْيَا:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)) .

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ: ((أَلَا تُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِأَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)) .

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَاسًا جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلُونِي إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي ((أَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ)).

فَأَتَيْتُهُمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا، مِنْهُمْ -كَمَا تَرَى فِي كَلَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ-، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ غَضَاضَةٌ أَنْ يَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا، لَا بَأْسَ.

جَلَسُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَعْظَمِهَا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، يَعْنِي لَمْ يَسْمَعُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، لَعَلَّ عِنْدَهُ عِلْمًا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُمْ ((بِأَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ)).

فَلَمَّا أَخْبَرَهُمُ الَّذِي أَرْسَلُوهُ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَارِهِ، ذَهَبُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، يُرَاجِعُونَهُ، يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ مِنْ أَيْنَ؟!! هَذَا شَيْءٌ لَا نَعْلَمُهُ، نُنْكِرُهُ.

فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى -إِنْ أَبَى أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا، خَيَّرُوهُ بَيْنَ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَالزِّنَا، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، اخْتَرْ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَتَلُوهُ- فَاخْتَارَ الْخَمْرَ.

وَإِنَّهُ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ))؛ يَعْنِي لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ قَتَلَ النَّفْسَ، وَزَنَا، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ ذَهَبَ، فَوَقَعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ.

كَذَلِكَ الْخَمْرُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ ..

وَمَا فِي حُكْمِهَا كَمِثْلِهَا مِنْ تِلْكَ الْمُخَدِّرَاتِ الذَّائِعَةِ الْمُنْتَشِرَةِ بَيْنَ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ غَسِيلُ أَمْوَالٍ لِكَثِيرٍ مِنَ السَّارِقِينَ الْمُجْرِمِينَ، فَيَتُاجِرُونَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَيُدْخِلُونَهَا إِلَى دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِإِفْسَادِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، وَتَدْمِيرِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ يَعْرِفُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَرْجُو رِضَاهُ، حَتَّى يَصِيرَ كَعَابِدِ الْوَثَنِ، لَا يُبَالِي؛ لِأَنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- وَأَدْمَنَهَا يَبِيعُ عِرْضَهُ، يُفَرِّطُ فِي شَرَفِهِ، لَا يَتَمَسَّكُ بِشَيْءٍ، لَيْسَ مَعَهُ عَقْلُهُ!!

قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ لَنَا حِينَئِذٍ -هَذَا مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، يَقُولُهُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَ لَهُمُ الْمِثَالَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ : ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْربُهَا فَتُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَا يَمُوتُ وَفِي مَثَانَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا حُرِّمَتْ بِهَا عَلَيْهِ الْجَنَّةُ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) .

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْقِلُونَ، يَتَهَافَتُونَ عَلَى الْخَمْرِ؛ لِتُذْهِبَ عُقُولَهُمْ، وَأَدْيَانَهُمْ، وَأَعْرَاضَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَصِحَّتَهُمْ!!

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُذْنِبِينَ أَجْمَعِينَ.

*مَخَاطِرُ إِدْمَانِ الْخُمُورِ وَالْمُخَدِّرَاتِ عَلَى الْمُدْمِنِ فِي الْآخِرَةِ:

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)).

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ)) .

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).

 ((وَهَذَا وَعِيدٌ بِأَلَّا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ)) ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَا يُحْرَمُ شَرَابَهَا، فَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ.

فَإِذَا قِيلَ: ((حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)): لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُ قَدْ يُحْرَمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَهُولٌ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ، يَعْنِي لَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَقْرَبْهَا، لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا.

فَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)): هَذَا وَعِيدٌ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْخَطَابِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- .

وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ)).

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ؛ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)) .

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الدَّيُّوثُ وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ)) .

الرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ: يَعْنِي الَّتِي تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، هَذِهِ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ، وَتَنْزِيلُ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ يَتَطَلَّبُ تَوَفُّرَ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ، يَعْنِي الرَّسُولُ ﷺ أَخْبَرَ عَنْ ((صِنْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَرَهُمَا، أَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ بِأَيْدِيهِمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَأَخْبَرَ عَنْ نِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ))، يَقُولُ: ((لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا)) .

فَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ.

فَإِذَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَاسِيَةً عَارِيَةً، مَائِلَةً مُمِيلَةً، وَرَأَيْنَا رَأْسَهَا كَسَنَامِ الْبُخْتِيِّ -وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجِمَالِ، قَالُوا: لَهُ سَنَامَانِ، وَقَالُوا: سَنَامٌ وَاحِدٌ- وَلَكِنَّهَا تَجْعَلُ رَأْسَهَا جُمَّةً كَأَنَّهَا سَنَامُ الْبَعِيرِ.

فَإِذَا رَأَيْنَا امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ؛ لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَ لَهَا عَقْدُ الْإِسْلَامِ بَاقِيًا، وَلَمْ تَمُتْ، فَلَا تَدْرِي لَعَلَّهَا تُحْدِثُ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ تَوْبَةً.

وَمِنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى أَحَدٍ بِنَارٍ وَلَا لِأَحَدٍ بِجَنَّةٍ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ، لَا يَجُوزُ، حَتَّى إِنه لا يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

النَّبِيُّ ﷺ سُئِلَ: ((الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟))

قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)) .

هَذَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ، فَالَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَمُوتُ، فَهُوَ الشَّهِيدُ، مَنْ أَدْرَانَا أَنَّهُ كَانَ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟!! لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْكُمَ بِذَلِكَ.

وَمَنْ أَدْرَاكَ أَنَّهُ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ؟!!

لَا يُحْرَمُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا فَاعِلُ الْكَبَائِرِ الْمُسْتَحِلُّ لَهَا.

أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ فِي مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ، فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ .

إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُخَالِفُونَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْكَبِيرَةِ وَيُخَلِّدُونَ بِهَا فِي النَّارِ .

مَنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ فَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِتَكْذِيبِهِ.

قَالَ ﷺ: ((شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)) .

وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ قَدْ كَفَرُوا، فَإِنَّهُ لَا شَفَاعَةَ فِي الْكَافِرِينَ، فَكَذَّبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، بَلْ كَذَّبَهُمُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي قَوْلِهِ : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاء : 48].

هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ أَيْنَ هُمْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أُرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي بَعْدِي ، فَشَقَّ عَلَيَّ وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَلِّيَنِي شَفَاعَةً فِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَفَعَلَ)) ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .

هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ وَأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ عُصَاةٌ لَيْسُوا بِكُفَّارٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا عَلَى الضِّدِّ مِمَّا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ الْغُلَاةُ.

وَعَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ((أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَ الذَّنْبَ شِرْكًا؟))

قَالَ: «لَا ، إِلَّا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ».

إِذًا فَاعِلُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرًا مُخْرِجًا مِنَ الْمِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِهِمْ فُسَّاقٌ بِكَبَائِرِهِمْ، وَهَذَا حُكْمُ الْفَاسِقِ الْمِلِّيِّ.

قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ فِي ((شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ)) : «أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ، إِذْ لَوْ كَفَرَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ لَكَانَ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَلَا تَجْرِي الْحُدُودُ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ .

وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ».

 فَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ قُطِعَ ، وَمَنْ زَنَا حُدَّ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ كُفَّارٌ، إِذَنْ تُعَطَّلُ الْحُدُودُ، لَيْسَ هُنَاكَ حُدُودٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي كَبِيرَةٍ تَسْتَوْجِبُ حَدًّا فَقَدْ كَفَرَ وَسَارَ مُرْتَدًّا عِنْدَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ، وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ رِدَّةً، لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ رِدَّةً، فَأَيُّ فَسَادٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ!!

هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ مَعَ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَوْلُهُمْ بَاطِلٌ أَيْضًا، إِذْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا إِنَّمَا هُوَ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ لَا هُوَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا هُوَ مَعَ الْكَافِرِينَ! هَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.

وَالْخَوَارِجُ قَالُوا خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِي الْكُفْرِ .

*شَارِبُ الْخَمْرِ مُتَوَعَّدٌ بِالشُّرْبِ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ!!

عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ -وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ- فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟))

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَإِنَّ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ أَوْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟

قَالَ: ((عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)) .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللهُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللهُ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا)) .

وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا -وَهَذَا شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَهُوَ مِنْ آيَاتِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ- يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُضْرَبُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ اللهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ)) .

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ)) .

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّمَا كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهِ فَسُلِبَهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُكْرًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)).

قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟

قَالَ: ((عُصَارَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ))  

سَقَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ، مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْبَرُّ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ.

الْفَرْقُ؛ وَهُوَ إِنَاءٌ وَاسِعٌ يَسَعُ شَيْئًا عَظِيمًا مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ ، «لَوْ أَسْكَرَ هَذَا الْفَرْقُ رَجُلًا لَكَانَ مِلْأُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» .

وَهِيَ قَاعِدَةُ سَدِّ الذَّرَائِعِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَأْتِي لَكَ قَصْدًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُكَ مُطْلَقَ عَاصٍ، وَبِهَذَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ نَفْسِكَ وَالْمَعْصِيَةِ الَّتِي يَؤُزُّكَ عَلَيْهَا شَيْطَانُكَ.

فَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ مُلِحَّةً عَلَى مَعْصِيَةٍ بِذَاتِهَا فَهَذِهِ مِنَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ كَالطِّفْلِ، إِنْ أَهْمَلْتَهُ شَبَّ عَلَى حُبِّ الرَّضَاعِ، وَإِنْ فَطَمْتَهُ فُطِمَ.

فَالنَّفْسُ تُرِيدُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَتَهْلِكُ دُونَهُ كَالطِّفْلِ يَتَمَسَّكُ بِلُعْبَةٍ بِعَيْنِهَا، تَقُولُ لَهُ: خُذْ هَذِهِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا، يَأْبَى إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الدُّونَ، وَكَذَلِكَ النَّفْسُ.

وَأَمَّا الشَّيْطَانُ فَإِنَّمَا يَأْتِيكَ مِنْ بَابٍ، فَإِنْ أَوْصَدْتَهُ دُونَهُ؛ أَتَى مِنْ بَابٍ آخَرَ، وَلِذَلِكَ يَتَوَرَّطُ الْمَرْءُ فِي أُمُورٍ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ كُنْتُ أَبْعَدَ الْخَلْقِ عَنْ هَذَا، فَمَا الَّذِي وَرَّطَنِي فِيهِ؟!!

لِأَنَّكَ اتَّبَعْتَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، فَشَيْءٌ مِنْ بَعْدِ شَيْءٍ، وَخُطْوَةٌ مِنْ بَعْدِ خُطْوَةٍ حَتَّى يَقَعَ الرَّجُلُ فِي سَوَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، ثُمَّ إِذَا مَا أَفَاقَ، قَالَ: كَيْفَ؟!!

اتَّبَعْتَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا أَجْمَعِينَ.

هَذَا بَعْضُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّرْهِيبِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي اجْتِنَابِهَا.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنَا هَذَا الْمُنْكَرَ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْخَمْرَ لِعِظَمِ خَطَرِهَا، وَكَثْرَةِ ضَرَرِهَا؛ حَارَبَتْهَا دُوَلٌ كَثِيرَةٌ فِي الْعَالَمِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْعِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا زَادَ النَّاسُ إِقْبَالًا عَلَيْهَا.

وَمَا أَمْرُ تَجْرِيمِ أَمِرِيكَا لَهَا -مَعَ مَا بَذَلَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعُدَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ؛ مِنْ أَجْلِ مَنْعِ الْخَمْرِ، مَعَ الْفَشَلِ الذَّرِيعِ- وَمَا أَمْرُ ذَلِكَ بِخَافٍ.

1*مُحَارَبَةُ الْإِدْمَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

فِي دِينِنَا؛ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَرَّمَ فِيهِ الْخَمْرَ بِكَلِمَةٍ: {فَاجْتَنِبُوهُ}، فَاجْتَنَبُوهُ وَلَمْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ بَعْدُ.

إِنَّ الْأَجْسَادَ تَتَفَاعَلُ مَعَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَتَحَوَّلَ إِلَى شَيْءٍ جَدِيدٍ، فَالْإِيمَانُ يُغَيِّرُ النُّفُوسَ وَالْقُلُوبَ وَالْأَجْسَادَ وَالْأَرْوَاحَ.

فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمَّا تَدَرَّجَ بِهِمْ فِي أَمْرِ الْخَمْرِ حَتَّى حَرَّمَهَا {فَاجْتَنِبُوهُ}؛ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ذَهَبَ الِاعْتِمَادُ مِنَ الْخَلَايَا الْعَصَبِيَّةِ، مِنْ خَلَايَا الْمُخِّ، فَصَارُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَقَامُوا لِتَوِّهِمْ، لِسَاعَتِهِمْ، لِفَوْرِهِمْ، فَأَرَاقُوهَا وَأَمَرُوا بِإِرَاقَتِهَا فِي الشَّوَارِعِ -شَوَارِعِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ-.

فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَصْبَحَ وَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا مَضَى فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا مَطَرٌ بِلَيْلٍ؛ لِكَثْرَةِ مَا أُرِيقَ مِنَ الْخَمْرِ فِي شَوَارِعِهَا، بِكَلِمَةٍ!

كَيْفَ تُحَوِّلُ الْكَلِمَةُ هَذَا الِاعْتِمَادَ فِي الْخَلَايَا الْمُخِّيَّةِ، فِي الْخَلَايَا الْعَصَبِيَّةِ، كَيْفَ تُحَوِّلُهَا إِلَى لَا شَيْء؟

كَيْفَ تُعِيدُهُ إِلَى السَّوَاءِ نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا وَعَصَبِيًّا، حَتَّى تَصِيرَ كَمَا أَرَادَ اللهُ؟

إِنَّهُ الْإِيمَانُ...

وَيْحَ النَّاسِ مَاذَا دَهَاهُمْ؟!!

إِنَّهُ دِينُ اللهِ، يُعِيدُ صِيَاغَةَ الْحَيَاةِ عَلَى: قَالَ اللهُ، قَالَ رَسُولُهُ، عَلَى الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ، لَا عَلَى الْفِكْرِ الْمَوْهُومِ.

2*تَعْلِيمُ الشَّبَابِ التَّوْحِيدَ وَالسُّنَّةَ، وَتَوْجِيهُهُم إِلَى القُرْآنِ:

اتَّقُوا اللهَ... {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، تَعَلَّمُوا وَعَلِّمُوا عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ، وَهِيَ سَفِينَةُ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.

فَلْنُوجِّهْ أَهْلِينَا، وَلْنُوَجِّهْ أَنْفُسَنَا إِلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِتَرْكِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لِلنَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.

3*تَطْبِيقُ وَلِيِّ الأَمْرِ لِحَدِّ الحِرَابَةِ عَلَى مُرَوِّجِي المُخَدِّرَاتِ:

مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ-: تَضْيِيعُ شَبَابِ الأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُرِّيَّةِ وَالأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ في حَقِّ الدِّينِ، وَحَقِّ الوَطَنِ.

كُلُّ هَذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَ حَدُّ الْحِرَابَةِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، كَمَا بَيَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَكَمَا طَبَّقَهُ النَّبِيُّ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّهُ.

4*رِعَايَةُ الشَّبَابِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنْ خَطَرِ الْمُخَدِّرَاتِ:

اتَّقُوا اللهَ، وَالْتَفِتُوا إِلَى الشَّبَابِ، حَذِّرُوهُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ.

5*عِلَاجُ مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْإِدْمَانِ بِالْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالطِّبِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ:

مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ تَوَرَّطَ فِي هَذَا؛ فَلَا يُعَامَلُ مِثْلُ هَذَا بِالتَّعْنِيفِ، وَإِنَّمَا يُعَامَلُ بِوَسَائِلِهِ، قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْلِيلِ النِّسْبَةِ الدَّائِرَةِ في الدِّمَاءِ، هَذَا أَمْرٌ آخَرُ؛ فَلْتُسْلَكْ لَهُ مَسَالِكُهُ، مَعَ تَخْوِيفِه، وَإِنْذَارِهِ، وَتَرْهِيبِهِ وَتَرْغِيبِهِ، وَالدُّعَاءِ لَهُ، وَحِيَاطَتِهِ، وَإِبْعَادِهِ عَنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.

 ((أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! احْذَرُوا الْخُمُورَ وَالْمُخَدِّرَاتِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْخَمْرَ هِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ؛ لِأَنَّ شَارِبَهَا يَسْعَى بِشُرْبِهَا لِإِلْحَاقِ نَفْسِهِ بِالْمَجَانِينِ، فَيَحْصُلُ نَتِيجَةً لِذَلِكَ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ حَرَامٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْاعْتِدَاءُ عَلَى الْمَحَارِمِ، وَهِيَ تَجْلِبُ كُلَّ شَرٍّ، وَتُوقِعُ فِي كُلِّ بَلَاءٍ، وَلِهَذَا أُطْلِقَ عَلَى الْخَمْرِ أُمُّ الْخَبَائِثِ.

إِنَّ مَنْ سَكِرَ اخْتَلَّ عَقْلُهُ، فَرُبَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى أَذَى النَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَرُبَّمَا بَلَغَ إِلَى الْقَتْلِ، وَالْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَمَنْ شَرِبَهَا قَتَلَ النَّفْسَ، وَزَنَى، وَرُبَّمَا كَفَرَ.

اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَاحْذَرُوا الْمَدَنِيَّةَ الْغَرْبِيَّةَ بِمُنْتَجَاتِهَا، وَفُسُوقِهَا، وَفُجُورِهَا.

فَإِنَّ الْبَشَرِيَّةَ لَمْ تَعْرِفْ مَدَنِيَّةً أَفْسَقَ، وَلَا أَفْجَرَ، وَلَا أَكْثَرَ كُفْرًا وَشِرْكًا مِنَ الْمَدَنِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ، لَقَدْ أَفْسَدَتِ النَّاسَ، وَدَمَّرَتِ الْأَخْلَاقَ، وَأَذْهَبَتِ الْحَيَاءَ، وَغَزَتِ الْبُيُوتَ، وَالْقُلُوبَ، وَذَهَبَتْ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ.

إِنَّهُمْ فَسَقَةٌ فَجَرَةٌ، مُشْرِكُونَ كَافِرُونَ مُلْحِدُونَ، يُرِيدُونَ تَدْمِيرَكُمْ فَاتَّقُوهُمْ، وَاتَّقُوا مُنْتَجَاتِهِمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِ وَالنَّفْسِ، وَالْفِكْرِ وَالرُّوحِ.

أَمَّا مَا جَعَلُوهُ مِنْ وَسَائِلِ تَرْقِيَةِ الْحَيَاةِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى لَأْوَائِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ.

اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَعُودُوا إِلَى دِينِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَنْفُسِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُلْحِقَنَا بِالصَّالِحِينَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر: مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  مَفْهُومُ الشَّهَادَةِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  عَوَامِلُ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ وَعَوَامِلُ سُقُوطِهَا
  رَكَائِزُ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  الْقِيَمُ الْإِنْسَانِيَّةُ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ
  تَضَرُّعٌ وَمُنَاجَاةٌ
  الرد على الملحدين: من الأدلة العقلية على وجود الخالق
  خُطُورَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الإسلام رحمة في السلم والحرب
  التَّضْحِيَةُ لِأَجْلِ الْوَطَنِ سَبِيلُ الشُّرَفَاءِ وَالْعُظَمَاءِ الْأَوْفِيَاءِ
  خَيْرِيَّةُ الْأُمَّةِ وَخَيْرِيَّةُ نَبِيِّهَا ﷺ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان