تفريغ مقطع : الرد على العقلانيين -الرد على من أدخل العقل في العبادات

كذلك في العبادة، لو أنَّ الإنسانَ تأمَّل؛ لوجدَ كثيرًا من الحِكَمِ الظاهرة، ولكنَّ اللهَ لم يتعبدنَا عند الأخذِ بالعبادةِ أنْ نكونَ عالمينَ بالحكمةِ مِن فَرْضِها، مع أنَّ الأمرَ الذي سُألت عنه عائشة –رضي اللهُ عنها- أمرٌ تظهرُ فيه الحكمة: المرأةُ إذا حاضت في نهار رمضان –في رمضان-، فإنها تحيضُ عدَّةَ أيام قد تصلُ إلى ثمانيةِ أيام أو إلى عشرةِ أيامٍ أو تكونُ أقلَّ من ذلك ولكنَّها مُدَّةٌ محدودة، ثم إنَّ رمضان يأتي كلَّ عام؛ فإذا أُمِرَت بإعادةِ الصيام؛ فهذا أمرٌ يسيرٌ بالنسبةِ لها، وأمَّا الصلاة فهي خمسٌ في اليومِ والليلة، فلو حاضت ثمانيةَ أيام؛ فعليها أنْ تُصليَ أربعينَ فرْضًا إذا ما طَهُرَت، وهذا قد يشقُّ عليها، خاصةً إذا كانت مشغولةً بعملِها في بيتِها أو بتربيةِ أبناءِها أو بحَمْلِها أو بغيرِ ذلك مِمَّا يشغلُ المرأة، فلم يطالبها اللهُ –تبارك وتعالى- عند الطُّهرِ بالصلاةِ التي فاتتها وهي حائض، ولكنْ طالبَهَا بالصيامِ.

الحكمةُ ظاهرة، ومع ذلك لم تلتفت إليها عائشةُ –رضي اللهُ عنها-، بل استنكرت السؤالَ في أصلِهِ وقالت: ((أحروريةٌ أنتِ؟))

حرورية: نسبة إلى حروراء؛ وهي قريةٌ بالعراق انحاز إليها الخوارج الذين حاربَهم بعد ذلك عليٌّ –رضي الله تبارك وتعالى عنه- وحاربوه؛ فقَتَلَهُم.

فقالت لها عائشة: ((أحروريةٌ أنتِ؟ -أخارجيَّةٌ أنتِ-؟)).

قالت: لا، ولكنِّي أسأل.

فقالت قولةً عجيبة رضي اللهُ عنها-؛ قالت: ((كان ذلك يُصيبُنَا على عهدِ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم-، فنُؤمرُ بقضاءِ الصيامِ ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاةِ)).

فجعلت الأمرَ الحكمة والحكمةَ الأمر، وهذا شأنُ المؤمن؛ لأنَّ الإنسانَ لا يمكنُ أنْ يعرفَ الحكمةَ الإلهيةَ ولا يمكنُ أنْ يُحيطَ بشيءٍ مِن عِلمِ اللهِ –تبارك وتعالى- إلَّا بما شاءَ اللهُ –جلَّ وعلا-، فكيف بأمثالِ هذه الأمور العبادية، بل أنتَ عندما يكونُ عندكَ خادمٌ، لا أقولُ يكونُ عندك عَبْد وإنما يكونُ عندك خادم –عندك أجير-، فإنك تستأجرُهُ من أجلِ أنْ يقومَ بخدمةٍ في وقتٍ معلومٍ نظيرَ أجرٍ معلوم، لو أنك كلَّما كلَّفْتَهُ بأَمْر؛ قال: لا أفعلهُ حتى تُبيِّنَ لي من وجهِ الحكمةِ من فِعْلِهِ، تقولُ له: اذهب فاشتري كذا أو بِع كذا، أو نادي لي فلانًا، أو افعل هذا الأمر.

فيقول: لا أفعلُ شيئًا حتى تُبيِّنَ لي وَجْهَ الحكمة.

ستطردُهُ، هذا لا يصْلُحُ أنْ يكونَ أجيرًا، فكيف إذا كان عَبْدًا عندك، مع أنك لم تخْلقهُ ولم ترزقهُ، وأنت وهو عند اللهِ –تبارك وتعالى- في أصلِ الخَلْقِ ترجعان إلى أصلٍ واحد، وقد يكونُ أفضلَ مِن سيِّدِهِ، قد يكونُ العبدُ أفضلَ عند اللهِ مِن سيِّدِه، يكونُ تقيًّا نقيًّا زاهدًا في الدنيا مُقبِلًا على الآخرة وقد قَنَعَ بما أصابَهُ مِن أَمْرِ الرِّقِّ والعبودية، وأمَّا سيِّدُهُ فقد يكونُ جبارًا غَشُومًا ظلومًا، فيكونُ هذا العبدُ خيرًا عند اللهِ مِن سيِّدِهِ.

ومع ذلك؛ فهذا الأمرُ، إذا ما وقعَ على هذا النحوِ؛ فأنت لا تَقْبلُهُ.

أفتقبلُ لربِّكَ مِن نَفْسِكَ ما لا تقبلُ لنفسِكَ من ولدِكَ ولا مِن أجيركَ ولا مِن عبدِكَ؟!!

يقول النبيُّ –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كلُّ أمتي يدخلونَ الجنَّة إلَّا مَن أَبَى –أي: إلَّا مَن امتنعَ ورَفضَ-)).

قيل: ومَن يأْبَى يا رسول الله –مَن يأْبَى أنْ يدخلَ الجنَّة-؟

قال: ((مَن أطاعني دخلَ الجنة ومَن عصاني فقد أَبَى)).

ابتلى اللهُ الخَلْقَ بمُحمَّدٍ؛ لأبتليَك وأبتليَ بِك، يأمرُكَ وينهاك، هذا ابتلاء، فإذا ما أطعتَ الأمرَ وجانبتَ النهيَ؛ فأنت مِن أهلِ السعادةِ دنيا وآخرة، وأمَّا إذا كان الأبعدُ واقعًا في ما نُهِيَ عنه، مُخالفًا لِمَا أُمِرَ به؛ فهو مِن أهلِ الشقاوةِ في الدنيا وفي الآخرة، إنما بعثتُكَ لأبتليَك وأبتليَ بك

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  حَوْلَ زِلْزَالِ تُرْكِيَا وَسُورِيَّا
  مختصر أحكام الأضحيَّة
  فمتى نتوب؟!!
  الناس في حيرة يتلددون
  ليس الإحسان إلى الزوجة أن تكف الأذى عنها وإنما الإحسان إلى الزوجة أن تتحمل الأذى منها
  لا يُقال المدينة المنورة
  مَن الذِي يَتَمَسَّكُ بِالإسلَامِ إِنْ تَرَكَهُ أَهلُه؟!
  كيف تعرفُ أنَّ الفتنةَ أصابَتْك
  أين يوجد قبر الحسين بن علي؟ وما هي حقيقة وجود رأسه في مصر وفي دمشق وفي العراق؟
  من حقوق الحاكم: توقيره وعدم سَبِّهِ وإهانتهِ
  لِمَاذَا تَتَطَوَّعُ بِالوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ؟
  حال المؤمن عند الأمر وعند الإخبار
  ((4))... ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  من أعظم المقاطع فى الرد على المهرطقين أمثال البحيرى وناعوت وابراهيم عيسى ..!
  الحلقة الخامسة: تتمة بيان بعض أساليب الملحدين الماكرة
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان