تفريغ مقطع : أمسك الشمس!!

((مِنْ أَرْوَعِ مَا أَنْتَ سَامِعٌ فِي قَضِيَّةِ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ!!))

إِنَّمَا هُوَ عُمُرُكَ يُؤَدِّي بِكَ إِلَى إِحْدَى نَتِيجَتَيْنِ؛ إِمَّا إِلَى السَّعَادَةِ وَإِمَّا إِلَى الشَّقَاوَةِ، احْرِصْ عَلَى وَقْتِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ فَوَّتْهُ فَأَنْتَ مَمْقُوتٌ، فَاتَّقِ اللهَ وَأَقْبِلْ عَلَى رَبِّكَ، وَاشْغَلْ وَقْتَكَ بِالْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَالذِّكْرِ وَبِالتَّعَلُّمِ وَالْعَمَلِ، وَبِالتَّعْلِيمِ إِنْ كُنْتَ لَهُ أَهْلٌ.

وَاتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي نَفْسِكَ وَفِيمَنْ حَوْلَكَ، وَكُنْ كَمَا كَانَ سَلَفُكَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمُهْتَدِينَ الرَّبَانِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَابِقُونَ السَّاعَاتِ وَيُبَادِرُونَ اللَّحَظَاتِ ضَنًّا مِنْهُمْ بِالْوَقْتِ وَحِرْصًا عَلَى أَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُمُ الْوَقْتُ هَدَرًا.

عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْس -وَهُوَ أَحَدُ التَّابِعِينَ الزُّهَّادِ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: كَلِّمْنِي.

فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ: ((أَمْسِكِ الشَّمْسَ))؛ لِأَنَّهَا إِنْ أَمْسَكَهَا تَوَقَّفَ الزَّمَانُ، فَلَا يَضِيعَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ عُمُرِهِ شَيْءٌ.

فَقَالَ لَهُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ، مُبَاسِطًا إِيَّاهُ، مُزْجِيًا لِأَوْقَاتِ الْفَرَاغِ لَيَذْبَحَهَا عَلَى مَذَابِحِ الشَّيْطَانِ قُرْبَانًا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِطَائِلٍ إِلَّا بِالْخُسْرَانِ.

فَقَالَ لَهُ: كَلِّمْنِي.

قَالَ: أَمْسِكِ الشَّمْسَ!!

يَعْنِي أَوْقِفْ الشَّمْسَ وَاحْبِسْهَا عَنِ الْمَسِيرِ حَتَّى أُكَلِّمَكَ، فَإِنَّ الزَّمَنَ مُتَحَرِّكٌ دَائِمُ الْمُضِيِّ لَا يَعُودُ بَعْدَ مُرُورِهِ، فَخَسَارَتُهُ خَسَارَةٌ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُهَا وَاسْتِدْرَاكُهَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ مَا يَمْلَؤُهُ مِنَ الْعَمَلِ، هُوَ وَاجِبُ الْوَقْتِ، احْرِصْ عَلَيْهِ وَلَا تُضَيِّعْهُ، فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُنْقَضِيَةٌ، وَإِنَّ الْعُمُرَ ذَاهِبٌ، ثُمَّ تَلْقَى نَفْسَكَ أَمَامَ رَبِّكَ -جَلَّ وَعَلَا- وَهُوَ مُسَائِلُكَ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ-: ((مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ عَمَلِي)).

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا)).

إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ ضَعْفًا فِي بَدَنِكَ، وَانْحِنَاءً فِي ظَهْرِكَ، وَشَيْبًا فِي رَأْسِكَ، وَضَعْفًا فِي قُوَّتِكَ، وَعَشًى فِي بَصَرِكَ، وَثِقَلًا فِي سَمْعِكَ، إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا!!

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَإِذَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ)).

وَقَالَ أَيْضًا: ((أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ مِنْكُمْ حِرْصًا عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ)).

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ)) فِي تَرْجَمَةِ حَمَادِ بْنِ سَلَمَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ النَّحَوِيُّ الْحَافِظُ الْقُدْوَةُ شَيْخُ الْإسْلَامِ، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ (91هـ) وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمَائَةٍ (167هـ)، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ التَّصَانِيفَ مَعَ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَكَانَ بَارِعًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَقِيهًا فَصِيحًا مُفَوَّهًا صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَكَانَ عَابِدًا مِنَ الْعُبَّادِ.

قَالَ تِلْمِيذُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ: لَوْ قِيلَ لِحَمَّاد بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّكَ تَمُوتُ غَدًا، مَا قَدَرَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعَمَلِ شَيْئًا.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذِكِيِّ: لَوْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي مَا رَأَيْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ضَاحِكًا لَصَدَقْتُ.

كَانَ مَشْغُولًا، إِمَّا أَنْ يُحَدِّثَ أَوْ يَقْرَأَ أَوْ يُسَبِّحَ أَوْ يُصَلِّيَ، وَقَدْ قَسَّمَ النَّهَارَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ يُونُسُ المُؤَدِّبُ: ((مَاتَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً-)).

فَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ أَدْرَكُوا أَعْمَارَهُمْ، فَصِرْنَا الْيَوْمَ نَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَاتِ بِذِكْرِهِمْ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ((عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ)).

هَؤَلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَصْحَابَ أَقْدَامٍ السَّبْقِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، إِنَّمَا حَرِصُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ وَلَمْ يُضَيِّعُوهَا، وَلَمْ يَشْغَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى بِالْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَكُونُ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.

وَهَذَا هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ: ((مَا اغْتَبْتُ أَحَدًا مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ)).

((مَا اغْتَبْتُ أَحَدًا قَطُّ مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ)).

وَطُلَّابُ الْعِلْمِ لَيْسَ وَرَاءَهُمْ سِوَى الْغِيبَةِ، وَهُمْ فِيهَا بَارِعُونَ، قَدْ جَوَّدُوهَا تَجْوِيدًا، وَيُؤَدُّونَهَا الْأَدَاءَ الْحَسَنَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ عِنْدَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ!!

قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَمَادَّةُ مَعِيشَتِهِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهُوَ يَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ.

فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ للهِ وَبِاللهِ فَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ خَيْرَ مَا قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ وَالْبَطَالَةُ؛ فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ)).

إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ؛ ذَهَبَ بَعْضُكَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  الخوارجُ قديمًا وحديثًا ﻻ يقاتلونَ الكُفَّار
  الحلقة الرابعة: بيان بعض أساليب الملحدين الماكرة
  ((6)) هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ...
  أَهَمُّ شَيْءٍ في الحياةِ: هو دِينُ الله
  حال المؤمن عند الأمر وعند الإخبار
  ليس كل مَن نهى عن الخروج على ذي سلطان يكونُ مقرًّا فعلَه ولا راضيًا بأمره ولا مقرًّا لحُكمِه!!
  جاهِدْ نفسكَ وﻻ تَغتر
  لماذا لا تتغير؟! ألا توقن أنك ستموت؟!
  الحلقة الثالثة: أسباب انتشار الإلحاد في العصر الحديث
  القول على الله بلا علم سيضيعُ الأمة...اصمتوا رحمكم الله!!
  لقد غزت الإباحية مخادعكم معشر المسلمين
  السبب وراء النزاعات القائمة بين أهـل السنة!!
  الظالم والمظلوم
  مختصر أحكام الأضحيَّة
  القِصَّةُ الكَامِلَةُ لِمَقْتَلِ الحُسَيْن –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان