تفريغ مقطع : أفضل أيام الدنيا أيام العشر فاجتهد في اقتناصها

النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ)).

وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- : ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ اْلأَيَّامِ -يَعْنِي العَشْرَ الأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِيِ الحِجَّة-)) فَقَالَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- وَقَدْ اسْتَشْكَلُوا ذَلِكَ بَعْضَ الاسْتِشْكَالِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَفْهَمُوا مَقْصِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟!

يَعْنِي: لَوْ أَنَّ عَمَلًا دُونَ الجِهَادِ وَقَعَ فِي هَذِهِ الأَيَّام، هُوَ خَيْرٌ مِنَ الجِهَادِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَيَّامِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَهَذَا وَجْهٌ عِنْدَ شُرَّاحِ الحَدِيث.

وَوَجْهُ آخَر وَهُوَ: أَنَّ الجِهَادَ فِي هَذِهِ الأَيَّام يُفَوِّتُ الحَجَّ، وَالجِهَادُ فِي غَيْرِهَا لَا يُفَوِّتُهُ, فَظَنَّ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِم- أَنَّ الجِهَادَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَيَّامِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الجِهَادِ فِي هَذِهِ الأَيَّام؛ إِذْ يُفَوِّتُ الحَجّ عَلَى المُجَاهِدِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))

ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَالَةً هِيَ خَارِجُ المُقَارَنَةِ، قَالَ: ((إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)), وَفِي رِوَايَةٍ: ((إِلَّا مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ)), وَهِيَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الأُولَى ((فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عِظَمَ قَدْرِ العَمَلِ الصَّالِحِ فِي الأَيَّامِ العَشْرِ الأُولَى مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّة, وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا لَا يُضَارِعُهَا أَمْثَالُهَا تَقَعُ فِي غَيْرِهَا بِحَالٍ.

وَالعُلَمَاءُ قَدْ وَقَعُوا فِي مَسْأَلَةِ المُقَارَنَةِ بَيْنَ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ, وَالعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِوُقُوعِ لَيْلَةِ القَدْرِ فِيهِنَّ.

وَتَوَسَّطَ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ فَقَالَ: ((إِنَّ أَيَّامَ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَيَالِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ لَيَالِي العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ)).

وَالمُحَقِّقُونَ مِنَ العُلَمَاءِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُم يَقُولُونَ: إِنَّ الأَيَّامَ إِذَا أُطْلِقَت دَخَلَت فِيهَا اللَّيَالِي، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ اْلأَيَّامِ))؛ فَأَطْلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَدَخَلَت اللَّيَالِي تَبَعًا.

وَمَوْطِنُ المُقَارَنَة: أَنَّ العَشْرَ الأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فِيهَا يَوْمُ التَّرْوِيَة -وَهُوَ اليَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ- حَيْثُ يَتَرَوَّى الحَجِيجُ قَبْلَ ذِهَابِهِم إِلَى (مِنَى)، أَوْ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِنَّمَا سُمِّيَ بَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُم كَانُوا يَأْتُونَ فِيهِ بِالمَاءِ عَلَى ظُهُورِ الرَّوَايَا -جَمْعُ رَاوِيَةُ، وَهِيَ النُّوقُ يُؤْتَى بِالمَاءِ عَلَى ظُهُورِهَا مَحْمُولًا فِي القِرَبِ مِنَ الآبَارِ، وَحَيْثُ هُوَ-, فَكَانُوا يَتَزَوَّدُونَ بِالمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى (مِنَى) فِي هَذَا اليَوْم، وَهُوَ اليَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فَسُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَيَذْهَبُ فِيهِ الحَجِيجُ إِلَى (مِنَى) يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ قَصْرًا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ, وَيُصَلُّونَ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ قَصْرًا لِلعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ، ثُمَّ يَبِيتُونَ (بِمِنَى).

ثُمَّ إِذَا مَا طَلَعَت الشَّمْسُ -وَقَدْ صَلَّوا الفَجْرَ- تَوَجَّهُوا إِلَى عَرَفَاتٍ فِي اليَوْمِ التَّاسِعِ, وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ فَضْلُهُ كَبِيرٌ أَجْرُ مَنْ صَامَهُ للَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-, حَيْثُ بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))، وَأَخْرَجَهُ غَيْرُهُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ أَنَّ: ((صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً بَاقِيَةً))، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: ((يَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ كَفَّرَ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ عَنْهُ ذُنُوبَ سَنَةٍ مَضَتْ وَذُنُوبَ سَنَةٍ بَقِيَت)).

وَفِي هَذَا اليَوْمِ -كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَتْ ذَلِكَ عَنْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))-، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ فِيهِ اللَّهُ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة)).

فَهَذَا هُوَ أَكْبَرُ مَوْسِمٍ يُعْتِقُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ فِيهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ, وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مَذْكُورُونَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَرَكُوا دِيَارَهُم, وَخَلَّفُوا أَهْلِيهِم وَأَحِبَّائِهِم وَرَاءَهُم وَخَرَجُوا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ مُلَبِّينَ, وَتَجَمَّعُوا فِي صَعِيدِ عَرَفَاتٍ يَدْعُونَ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مُخْلِصِينَ.

يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، يَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤلَاءِ؟)).

وَصِفَةُ الدُّنُوِّ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهَا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي تَلِيقُ بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَيُعْتِقُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنْ خَلْقِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُسْلِمِينَ الْمُنِيبِينَ الْمُخْبِتِينَ مَا لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي أَيَّامِ الْعَامِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

فَفِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَفِيهَا: يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ جِدًّا، وَفِيهَا: يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَفِيهِ يَنْحَرُ الْحَجِيجُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعُوا مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى (مِنًى) بَعْدَ أَنْ تُسْفِرَ الشَّمْسُ يَظَلُّونَ فِي الدُّعَاءِ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَتَّى إِذَا مَا دَنَا الْإِسْفَارُ جِدًّا دَفَعُوا إِلَى (مِنًى)؛ لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ -جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى- وَعِنْدَهَا تَنْقَطِعُ التَّلْبِيَةُ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ أَعْمَالٌ لِلْحَجِّ هِيَ مُعْظَمُ مَا فِي الْحَجِّ مِنْ أَعْمَالٍ.

فَالَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى الْأَيَّامِ، قَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَفِيهَا لَيْلَةٌ لَا تُقَاوَمُ فِي فَضْلِهَا, هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لِمَنْ قَامَهَا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، مُتَبَتِّلاً، مُنِيبًا، خَاشِعًا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى فَضْلِهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3].

فَلِذَلِكَ وَقَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْعَشْرَيْنِ: الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالَّذِي فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِطْلَاقٌ لَا تَقْيِيدَ فِيهِ؛ فَدَخَلَتِ اللَّيَالِي فِي الْأَيَّامِ تَبَعًا.

فَهَذَا مَوْسِمٌ عَظِيمٌ جِدًّا، بَلْ هُوَ أَكْبَرُ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ فِي العَامِ, وَهُوَ العَشْرُ الأَوَائِلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّة.

وَسَعِيدُ بنُ جُبَيْرِ الَّذِي رَوَى الحَدِيثَ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ؛ اجْتَهَدَ فِي العِبَادَةِ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ, وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ وَتَلَقَّاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالصِّيَامُ وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَتِلَاوَةُ القُرآنِ, وَالعَطْفُ عَلَى المَسَاكِينِ وَالأَيْتَامِ وَصِلَةُ الأَرْحَامِ وَمُذَاكَرَةُ العِلْم وَبَثُّهُ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ.

فَكُلُّ مَا هُوَّ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَشْرُوعٌ إِذَا أَتَى بِهِ العَبْدُ وَقَدْ تَوَفَّرَ فِيهِ شَرْطَا قَبُولِ العَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا مَا وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ فَهُوَ أَحَبُّ العَمَلِ إِلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَالعَمَلُ لَا يُتَقَبَّلُ عِنْدَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِلَّا إِذَا كَانَ للَّهِ خَالِصًا؛ فَلَمْ تَخَالِطُهُ سُمْعَةٌ وَلَا شَهْوَةٌ بِإِرَاءَةِ النَّاسِ العَمَل وَإِطْلَاعِهِم عَلَيْهِ، وَهُوَ الرِّيَاءُ، وَكَذَلِكَ التَّسْمِيعُ حَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ يَسْمَعُ بِمَا أَتَى مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَالتَّسْمِيعُ لِلسَّمْعِ، وَالرِّيَاءِ لِلرُّؤْيَا.

فَإِذَا جَاءَ العَمَلُ خَالِصًا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ لَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ فِيهِ شَيْء, وَتَوَفَّرَ فِيهِ الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ مُتَابَعَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ.

فَهَذِهِ الفُرْصَةُ اللَّائِحَةُ إِذَا مَرَّت قَدْ لَا تَعُودُ؛ لِأَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عُمُرَهُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ لَهُ مَضْرُوبًا عَلَيْهِ بِالأَجَلِ الحَتْمِ اللَّازَمِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ.

فَإِذَا آتَى اللَّهُ رَبُّ العَالمِينَ مُسْلِمًا هَذِهِ الفُرْصَة؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اقْتِنَاصِهَا وَاهْتِبَالِهَا, وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَثِيثَ السَّعْيِ لِتَحْصِيلِهَا وَعَدَمِ تَفْوِيتِهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِبَلَ عَلَى اللَّهِ رَبِّ العَالمِينَ بِالتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ، وَأَنْ يَنْخَلِعَ وَيَنْسَلِخَ مِنَ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَأَنْ يَرُدَّ المَظَالِمَ إِلَى أَرْبَابِهَا، وَأَنْ يَسْتَرْضِيَ الخُصُوم، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَكُونَ مُخْلِصًا للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ, مُتَّبِعًا لِنَبِيِّهِ الكَرِيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  لا تتكلم فيما لا يعنيك، وَفِّر طاقةَ عقلِك وطاقةَ قلبِك, واحفظ على نفسِك وقتَك
  دفع البهتان حول عبارة (فيواطئ الهوى الهوى)
  رمضان وشياطين الجن والإنس
  مَن عَرف ربه وعرف نفسه برِئ من الرياء والسمعة والهَوى ظاهرًا وباطنًا
  احذر الذنوب ونظف طريقك من الدخـلاء المدسوسين
  تَحذِيرٌ هَامٌّ لطُلَّابِ العِلْمِ: احْذَرُوا هَذَا الخُلُق العَفِن!!
  الحكمُ بما أنزل الله
  كان يُدافِع عن الله وعن الرسول وعن الدين، ثم صار يسب الله ويسب الرسول ويهاجم الدين!!
  التفصيل الرائع لحرمة المظاهرات
  وضعُ اليدين عند السجود قبل الرُّكبتين هو قولُ أصحابِ الحديث
  لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها
  ومِن ثِمَارِهم تَعرفونَهم
  يوم عرفة وفضل صيامه
  ملخص لكل ما يخص الأُضحية
  حرب العاشر من رمضان مفخرة المسلمين فى هذا العصر
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان