تفريغ مقطع : مَنْ عَرَفَ نَفسَهُ اشتَغَلَ بِإصْلَاحِهَا عَن عُيوبِ النَّاس, وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اشتَغَلَ بِهِ عَن هَوَى نَفسِهِ

مَنْ عَرَفَ نَفسَهُ اشتَغَلَ بِإصْلَاحِهَا عَن عُيوبِ النَّاس, وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اشتَغَلَ بِهِ عَن هَوَى نَفسِهِ...

مَنْ عَرَفَ نَفسَهُ اشتَغَلَ بِإصْلَاحِهَا عَن عُيوبِ النَّاس, وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اشتَغَلَ بِهِ عَن هَوَى نَفسِهِ, وَتَأَمَّل فِي ثَمَرَةِ الإِخلَاصِ فِي هَذَا المَوقِفِ المَروِيِّ عَنِ الحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ-...

فَقَدْ ذَكَرَ المِزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي ((تَهذِيبِ الكَمَال)):

((عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْعِرَاقَ, أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ وَإِلَى الشَّعْبِيِّ, فَأَمَرَ لَهُمَا بِبَيْتٍ, وَكَانَا فِيهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ, ثُمَّ إِنَّ الْخَصِيَّ غَدَا عَلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ دَاخِلٌ عَلَيْكُمَا, فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ فَسَلَّمَ, ثُمَّ جَلَسَ مُفْطِمًا لَهُمَا, فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ قَد تَوَلَّى الخِلَافَةَ بَعدَ العَادِلِ عُمَرَ بِنِ عَبدِ العَزِيزِ .رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ.- يَكْتُبُ إِلَيَّ كُتُبًا أَعْرِفُ أَنَّ فِي إِنْفَاذِهَا الْهَلَكَةَ, فَإِنْ أَطَعْتُهُ عَصَيْتُ اللَّهَ, وَإِنْ عَصَيْتُهُ أَطَعْتُ اللَّهَ, فَهَلْ تَرَيَا لِي فِي مُتَابَعَتِي إِيَّاهُ فَرَجًا؟

 

فَقَالَ الْحَسَنُ: يَا أَبَا عَمْرو وَهِيَ كُنيَةُ الشَّعبِيِّ- أَجِبِ الْأَمِيرَ, فَتَكَلَّمَ الشَّعْبِيُّ فَانْحَطَّ فِي حَبْلِ ابْنِ هُبَيْرَةَ.

قَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ وَهِيَ كُنيَةُ الحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ-؟

فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ مَا قَدْ سَمِعْتَ.

قَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟

قَالَ: أَقُولُ: يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مَلَكٌ مِنَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ فَظٌّ غَلِيظٌ, لَا يَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَهُ, فَيُخْرِجُكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ إِلَى ضِيقِ قَبْرِكَ, يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ إِنْ تَتَّقِ اللَّهَ يَعْصِمْكَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ, وَلَنْ يَعْصِمَكَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ اللَّهِ, يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَة؛ لَا تَأْمَنْ أَنْ يَنْظُرَ اللَّهُ إِلَيْكَ عَلَى أَقْبَحِ مَا تَعْمَلُ فِي طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ نَظْرَةَ مَقْتٍ, فَيُغْلِقَ بِهَا بَابَ الْمَغْفِرَةِ دُونَكَ...

يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ لَقَدْ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانُوا وَاللَّهِ عَنْ الدُّنْيَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ أَشَدَّ إِدْبَارًا مِنْ إِقْبَالِكُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ, يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ إِنِّي أُخَوِّفُكَ مَقَامًا خَوَّفَكَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14], يَا عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ إِنْ تَكُ مَعَ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ كَفَاكَ بَائِقَةَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ, وَإِنْ تَكُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَكَلَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ.

قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ وَقَامَ بَعَبْرَتِهِ, فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا بِإِذْنِهِمَا وَجَوَائِزِهِمَا, فأَكَثَرَ مِنَ الجَائزَةِ لِلْحَسَنِ, وَكَانَ فِي جَائِزَةِ الشَّعْبِيِّ بَعْضُ الْإِقْتَارِ.

فَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُؤْثِرَ اللَّهَ عَلَى خَلْقِهِ فَلْيَفْعَلْ, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلِمَ مِنْهُ الْحَسَنُ شَيْئًا فَجَهِلْتُهُ, وَلَكِنْ أَرَدْتُ وَجْهَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَأَقْصَانِيَ اللَّهُ مِنْهُ...)).

فَيَنبَغِي أَنْ يَكُونَ العَمَلُ خَالِصًا للَّهِ مَا استَطَعنَا, وَاللَّهُ يَتَوَلَّانَا بِرَحمَتِهِ وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِين, وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفتِيشِ وَالتَّنقِيبِ, لَا بُدَّ مِنَ التَّنقِيرِ فِي أَحنَاءِ وَزَوَايَا النَّفسِ؛ مِنْ أَجلِ تَطهِيرِهَا مِمَّا شَابَهَا وَعَلَقَ بِهَا مِنْ تِلكَ الآفَاتِ المُهلِكَةِ, الَّتِي لَا يَقبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا عَمَلًا, وَلَا يَرضَى عَنْ أَحَدٍ تَلَوَّثَ بِشَيءٍ مِنْ شَوَائِبِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ رَبَّ العَالمِينَ لَا يَقبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابتُغِيَ بِهِ وَجهُهُ, إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهُ بِقَلبٍ سَلِيمٍ, بَرِيءٍ مِنَ الشِّركِ, بَرِيءٍ مِنَ البِدعَةِ, بَريءٍ مِنَ الهَوَى, فَهَذَا هُوَ القَلبُ المَقبُولُ عِندَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

قَالَ: ((وَقَامَ المُغِيرَةُ بنُ مُخَادِشٍ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الحَسَنِ فَقَالَ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَنَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِير؟

فَقَالَ الحَسَنُ: وَاللَّهِ لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى يُدْرِكَكَ أَمْنٌ؛ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ المَخَاوِف)).

وَاللَّهِ لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى يُدْرِكَكَ أَمْنٌ؛ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ المَخَاوِف.

فَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ بَحْثٌ فِي طَوَايَا النَّفْسِ, وَمَا نَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ نُحَذِّرُ مِنْهُ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ, وَإِنَّمَا وَاللَّهِ مَا نُعَالِجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا قَدْ أَحَاطَ النَّفْسَ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَيَنْصَرِفُ الهَمُّ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ مِنْهُ بَعْضٌ جَدَّ مِنْه أَبْعَاض، وَإِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!!

فَعَلَى المَرْءِ أَنْ يُسِيءَ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ رَبِّهِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَعَرَفَ نَفْسَهُ؛ بَرِئَ مِنَ الرِّيَاءِ وَالهَوَى وَالسُّمْعَة ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

لِأَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ رَبَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَسْوَى شَيْئًا, وَأَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لِرَبِّهِ، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَإِنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ سُوءٍ, وَمَأْوَى كُلِّ شَر, وَهِيَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ وَالشَّر، فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَمَل!!

وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَان, وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل, وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  لَا يُمَكَّنُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَبَدًا
  متى تعود إلينا فلسطين؟ الإجابة في أقل من دقيقه
  ولكننا من جهلنا قل ذكرنا
  أفضل أيام الدنيا أيام العشر فاجتهد في اقتناصها
  تفصيل القول في مسألة صيام العشر من ذي الحجة
  سَلِّم لرَبِّكَ تَسْلَم
  حَتَّى وَلَوْ بَكَى عِنْدَكَ حَتَّى غَسَلَ قَدَمَيْكَ بِبُكَائِهِ وَدُمُوعِهِ لَنْ يَصْنَعَ لَكَ شَيْء
  انتبه...أفِق من غفوتِك!! لا تَشغَل نفسَكَ بغَيرِكَ
  احذر أن تكون إمَّعـة في أيدى النساء
  عاشوراء وقبر الهالك الملعون أبو لؤلؤة المجوسي
  ((2))...((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  احْذَرْ مِنَ الفَارِغِين البَطَّالِين
  لحظة تراجع الرسلان عن خطأ أخطأه
  أَقُولُ لَكُم طُرْفَة –بِاللُّغَةِ إيَّها-
  هؤلاء يسكبون النِّفطَ على نارِ الإرهاب والتطَرُّف
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان