تفريغ مقطع : تعظيم الأشهر الحُرُم

]((تعظيم الأشهر الحُرُم))

فقد أخرجَ البخاريُّ رحمه الله- عن أبي رجاءٍ العُطارديِّ؛ قال: ((كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ تَرَكْنَا الأَوَّلَ وَعَبَدْنَاهُ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا حَثَوْنَا حَثْوَةً مِنْ رَمَادٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِشَاةٍ فَحَلَبْنَاهَا عَلَى الرَّمَادِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ عَابِدِين، وَكُنَّا إِذَا دَخَلَ عَلينَا رَجَب؛ لَم نَدَعُ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلَّا نَزَعْنَاهُا مِنْهُ فَأَلْقَيْنَاهَا، وَكُنَّا نُسَمِّي رَجَبًا مُنْصِلَ الأَسَنَّةِ لأنه تُنزعُ فيه الأسَنَّة؛ لأنه شهرُ اللهِ تبارك وتعالى- الحرام-)).

اللهُ ربُّ العالمين- يصطفي مِن الأزمنةِ ما يشاء، ويصطفي مِن الأمكنةِ ما يشاء، ومن البشرِ ما يشاء، ومِن الملائكةِ ما يشاء يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريد-.

واللهُ تبارك وتعالى- خَلَقَ السمواتِ والأرضِ بالحقِّ وَكَوَّرَ الليلَ على النهارِ وكَوَّرَ النهارَ على الليل، وقضى في الناسِ أجمعين بما هو حقٌّ وخَير، فجعل اللهُ ربُّ العالمين- نظامًا للعالَمِ يسيرُ عليه من السُّننِ الكونية؛ ومن ذلك: أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى- جَعَلَ عِدَّةَ الشهور عنده -أي: عددَ الشهور-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].

اللهُ تبارك وتعالى- جَعَلَ عِدَّةَ الشهورِ عنده في كتابِ اللهِ يوم خَلَقَ السمواتِ والأرض: أي في اللوحِ المحفوظِ في كتابِ المقادير.

جعلَ عدَّةَ الشهور: أي عدد الشهور قائمًا على هذا الذي ذكرهُ اللهُ ربُّ العالمين- في مُحكمِ التنزيل، إلَّا أنَّ اللهَ ربَّ العالمين- الذي يصطفي من الأزمنةِ ما يشاء؛ اختصَ من هذه الأشهر أربعةً جعلَها حُرُمًا، وقد جعلَ اللهُ ربُّ العالمين- هذه الأشهرَ حُرُمًا؛ لا يجوز فيها القتالُ بحالٍ على ما سنعلمُ بأمرِ اللهِ ربِّ العالمين-، بل إنَّ ربَّ العالمين- عَظَّمَ فيها الذُّنوب، فمن أتى في الأشهرِ الحُرُم -التي سيأتي ذِكرُها عن قولِ النبي صلى الله عليه وسلم- مَن أتى في الأشهر الحرم بذنبٍ ضاعف اللهُ -ربُّ العالمين- له العقوبة.

كما أنَّ الله تبارك وتعالى- جعل أمكنةً شريفة، من صلَّى فيها وذَكَر اللهَ ربَّ العالمين- فيها؛ ضاعفَ اللهُ له المَثُوبة كما هو الشأنُ في المسجدِ الحرامِ مِن البلدِ الحرام، كذلك جعلَ اللهُ ربُّ العالمين- الإرادةَ للإلحادِ بظلمٍ في المسجدِ الحرام ذَنْبًا عظيمًا يستوجبُ العذابَ الأليم: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]

فمُجَرُّد تَوَجُّهِ الإرادةِ إلى الإلحادِ: أي إلى المَيْلِ بالظلمِ في المسجدِ الحرام مستوجبٌ لإذاقةِ العذابِ الأليمِ كما بيَّنَ ربُّنا الرحمنُ الرحيم.

فاللهُ تبارك وتعالى- جعلَ الأشهرَ الحُرُمِ مُعظَّمَةَ القَدْرِ عندَهُ، فمَن اتَّقَى اللهَ ربَّ العالمين- فيها؛ فقد أتى بما أوجبَ اللهُ ربُّ العالمين- عليه، ومَن أتَى فيها بما يَشين وظلمَ فيها نَفْسَهُ كما حذَّرَ مِن ذلك ربُّنا تبارك وتعالى-؛ فإنَّ اللهَ ربَّ العالمين- يُضاعِفُ له العقوبة؛ لأنه ظالمٌ لنفسهِ كما قال اللهُ تبارك وتعالى-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

والضميرُ في قوله تعالى: {فِيهِنَّ}: ينصرفُ إِمَّا إلى الأربعةِ الأشهرِ الحُرُمِ التي حرَّمَها الله ربُّ العالمين-، ويكونُ المعنى على ذلك: فلا تظلموا في الأشهرِ الحُرُمِ أنفسَكُم.

أو يتوجه إلى عِدَّةِ الشهورِ المذكورة قبل هذا: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ويكونُ الضميرُ عائدًا إلى هذه العِدَّةِ المذكورةِ ويكون ظُلْمُ النَّفْسِ مُحرَّمًا في الأشهرِ الحُرُم وفي غيرِها وهو كذلك، إلَّا أنَّ الذين ذهبوا إلى أنَّ الضمير يعودُ إلى الأشهر الحُرُمِ؛ قالوا: إنما نصَّ عليها اللهُ ربُّ العالمين- لبيان قَدْرِها، ويدلُّ ذلك على أنَّ مَن ظَلمَ نفسَه في الأشهرِ الحُرُمِ بمعصيةٍ للهِ ربِّ العالمين-؛ فقد أَتَى بظُلمٍ عظيم، وعليه فهو مستوجبٌ لعقابٍ أليم نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية-.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  هل الإنسان مسيَّر أم مخير؟
  أمسك الشمس!!
  هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (5)
  مَن عَرف ربه وعرف نفسه برِئ من الرياء والسمعة والهَوى ظاهرًا وباطنًا
  عندما يتراجع الرسلان عن نقل نقله من كتاب الظلال لسيد قطب
  هل تعلم أين تقع بورما وما الذى يحدث فيها ولماذا العالم يقف ساكتا على هذه الوحشية..؟
  حول الصحابي المسيء في صلاته رضي الله عنه
  إذا سُرِقَ من بيتهِ مالًا؛ اتهمَ الشيطانََ
  ((1))...((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))
  صار الحجابُ يَحتاج حجابًا... فقد تَبرَّجَ الحِجاب‬!!
  ((الحلقة الأُولَى)) ((الإلحاد وبداية نشأته))
  أحمد البدوى كان رافضيًا محضًا وكان عدوًا لدين الله
  كَفَّرُوهُم!! جَعَلُوهُم مُرْتَدِّينَ!! إِذَنْ حَلَالٌ دَمُهُم؛ حَرامٌ حَيَاتُهُم, حَلَالٌ أَعْرَاضُهُم؛ حَرَامٌ بَقَاؤُهُم, فَلْيَذْهَبُوا إِلَى الجَحِيمِ!!
  تَعَاهَدُوا أَبْنَائَكم
  قد يدخلك ذنب الجنة ، وقد تدخلك طاعة النار
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان