حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ اجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَتَوْفِيقِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ وَحُسْنَهَا أَمْرٌ شَخْصِيٌّ جِدًّا، وَأَمْرٌ فِي غَايَةٍ مِنَ السِّرِّيَّةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِيهَا، فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي فَجْأَةً، وَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَيُمْهِلَ الَّذِينَ يَتَجَبَّرُونَ يَتَكَبَّرُونَ يَخْدَعُونَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتْ!! فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ خَادِعُهُمْ وَهُمْ يُخَادِعُونَهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَرَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يُغَالَبُ وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.
فَهَذَا أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَرْءُ عَلَى أَنَّهُ مُشْكِلَةٌ شَخْصِيَّةٌ، وَشَخْصِيَّةٌ جِدًّا وَخَاصَّةٌ إِلَى أَبْعَدِ الْحُدُودِ؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ..
وَحْدَهُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدَعَ نَفْسَهُ..
وَحْدَهُ الَّذِي يَدْرِي خُبْرَهُ، وَيَدْرِي سَرِيرَتَهُ..
وَحْدَهُ الَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى خَبِيئَةِ نَفْسِهِ، وَمَخْبُوءِ ضَمِيرِهِ، وَمَكْنُونِ فُؤَادِهِ، وَمُتَوَارِي سَرِيرَتِهِ..
فَهِيَ مُشْكِلَةٌ شَخْصِيَّةٌ جِدًّا، وَسِرِّيَّةٌ إِلَى أَبْعَدِ الْمَدَى، الْمَرْءُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ هَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الْجَادَّةِ أَمْ هُوَ مُنْحَرِفٌ عَنْهَا، وَحْدَهُ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقِفَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْظُرَ وَازِنًا الْأُمُورِ بِمِيزَانِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَهَذَا لِأَجْلِهِ أَمْ هَذَا لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ، أَهَذَا لِوَجْهِ الْحَقِّ أَمْ هُوَ لِقَفَاهُ؟!!
عِبَادَ اللهِ! تَذَكَّرُوا دَائِمًا وَأَبَدًا قَوْلَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُوصِيًا إِيَّاكُمْ بِأَنْ تَأْخُذُوا بِأَسْبَابِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَأَنْ تَجْتَهِدُوا مُجْتَنِبِينَ سُوءَ الْخَاتِمَةِ بِأَسْبَابِهَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
وَهَلْ يَمْلِكُ الْمَرْءُ أَلَّا يَمُوتَ إِلَّا مُسْلِمًا، أَخْذًا بِحَقِيقَةِ الدِّينِ وَثَبَاتًا عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَبُعْدًا عَنِ التَّهَارُجِ وَالتَّهَارُشِ، وَبَحْثًا بِارْتِدَادٍ يَسِيرٍ إِلَى الْخَلْفِ هُنَالِكَ فِي أَطْوَاءِ النَّفْسِ بِانْكِفَاءٍ عَلَيْهِ انْكِفَاءَ يَسِيرًا مِنْ أَجْلِ التَّفْتِيشِ وَالتَّنْقِيبِ وَالْبَحْثِ فِي طَوِيَّةِ ذَاتِ النَّفْسِ مِنْ أَجْلِ مَعْرِفَةِ الضَّمِيرِ لِتَحْقِيقِ الْحَقِيقَةِ وَتَخْلِيصِ الْخَلَاصِ بِالْإِخْلَاصِ، مِنْ أَجْلِ الْعَوْدَةِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ نَظِيفًا كَمَا خَلَقَكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
وَعَلَى الْمَرْءِ أَلَّا يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ عَمَلًا مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ ﷺ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي عِنْدَ الْمَوْتِ أَيَأْتِيهِ التَّثْبِيتُ أَمْ يُخْذَلُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَيَكْفُرُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَالْمَوْتُ لَهُ سَكَرَاتُهُ، وَلَهُ غُصَصُهُ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ يَمُوتُ: ((سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ))، فَمَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ فَخَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِيمَانِ فَهُوَ السَّعِيدُ حَقًّا، وَمَنْ خَذَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ فَجَعَلَهُ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ، وَيَتَخَطَّفُهُ الشَّيَاطِينُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ الْمَخْذُولُ الْمَحْرُومُ حَقًّا.
وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْزِمَ بِمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَالُهُ عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَهُوَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؟
هَذَا أَمْرٌ لَا يَعْلَمُ عِلْمَهُ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ –جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنْ يُلْهِمَنَا الرُّشْدَ، وَأَنْ يُحْسِنَ لَنَا الْخِتَامَ.
اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر:حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّوْفِيقِ