«الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ»
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَكِيمُ، وَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ -ظَاهِرَةٌ فِي خَلْقِهِ، كَمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي أَمْرِهِ، ظَاهِرَةٌ فِي شَرْعِهِ، كَمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي قَدَرِهِ-، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَكِيمُ.
وَقَدْ شَرَعَ لَنَا رَبُّنَا هَذَا الْعِيدَ السَّعِيدَ فِي يَوْمٍ تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ شَهْرَ الصِّيَامِ، وَافْتَتَحَ فِيهِ مَوْسِمَ الْحَجِّ بِأَشْهُرِهِ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، فَأَشْهُرُ الْحَجِّ: ((شَوَّالُ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ))، فَهَذِهِ أَشْهُرُ الْحَجُّ.
فَيَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ أَوَّلُ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوَّلُ يَوْمٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ هَذَا الْعِيدُ الَّذِي يَجْزِيكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ إِذَا كَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.
عِبَادَ اللهِ! فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ يُحِبُّ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُظْهِرُوا الْفَرَحَ -الْفَرَحَ الْحَقِيقِيَّ بِنِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ-، لَا بِالْإِغْرَاقِ فِي الْمَعَاصِي، لَا بِالتَّوَرُّطِ فِي السَّيِّئَاتِ؛ مِنْ مُصَافَحَةِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَمِنَ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْحُرُمَاتِ.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس 58].
افْرَحُوا بِنِعْمَةِ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ؛ أَنْ وَفَّقَكُمْ لِلصِّيَامِ، وَهَدَاكُمْ لِلْقِيَامِ، وَمَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا دَلَّكُمْ عَلَيْهَا نَبِيُّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَى السَّلَامِ-.
افْرَحُوا بِهَذِهِ النِّعْمَةِ فَرَحًا حَقِيقِيًّا، فَرَحًا يُرْضِي اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الْمُحَرَّمَاتِ، وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ تَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُوَفِّقَنَا أَجْمَعِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
فَنَحْرِصُ إِنْ شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى أَلَّا نَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ نَبِيِّنَا محمَّدٍﷺ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: التَّزَيُّنُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّجَالِ!!
وَمِنْ ذَلِكَ: التَّشَبُّهُ بِالكُفَّارِ وَالْغَرْبِيِّينَ فِي الْمَلَابِسِ, وَاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ, وَتَبَرُّجِ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اتِّخَاذِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
وَمِنَ المخَالَفَاتِ أَيْضًا: تَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ.
وَلَيْسَ مِنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَذَا الْعَمَلُ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْمَرْذُولَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ؛ لَا مِنَ الْكِتَابِ، وَلَا مِنَ السُّنَّةِ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ: ((مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ)).
هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، هَذَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ .
*الْعِبَادَةُ لَا تَنْقَطِعُ بَعْدَ رَمَضَانَ!!
عِبَادَ اللهِ! أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ رَبِّكُمْ، وَصُومُوا سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَمَا أَرْشَدَكُمْ إِلَى ذَلِكَ نَبِيُّكُمْ، وَدَاوِمُوا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْجُودِ بِإِخْلَاصٍ وَيَقِينٍ، وَإِقْبَالٍ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
المصدر:سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ