مطوية : أَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ
التصنيف :
العيدين
رابط التحميل :
اضغط هنا
«أَحْكَامُ
زَكَاةِ الفِطْرِ»
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ
اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا
بَعْدُ:
فَقَد شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي خِتَامِ شَهرِنَا هَذَا –شَهْرُ رَمَضَان- أَنْ
تُؤَدَّى زَكَاةُ الفِطرِ قَبْلَ صَلَاةِ العِيد.
* فَأَمَّا حُكْمُهَا:
فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ
عَلَيهِ- عَلَى المُسلِمِينَ، وَمَا فَرَضَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَعَلى آلِهِ وَسلَّمَ- أَوْ أَمَرَ بِهِ؛ فَلَهُ حُكمُ مَا فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى
أَوْ أَمَرَ بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن
تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر:7].
وَزَكَاةُ الفِطْرِ فَرِيضَةٌ
عَلَى الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَالحُرِّ وَالعَبدِ مِنَ المُسلِمِينَ.
قَالَ عَبدُ اللهِ بنِ عُمَر - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا -: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطرِ مِنْ رَمَضَانَ
صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ عَلَى العَبدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ
وَالأُنثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنْ المُسلِمِين». وَالحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَين».
*وَلَا تَجِبُ عَن الحَمْلِ
الذِي فِي البَطنِ إِلَّا أَنْ يُتَطَوَّعَ بِهَا عَنهُ فَلَا بَأس؛ فَقَد كَانَ أَميرُ
المُؤمِنِينَ عُثمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ - يُخرِجُهَا عَنِ الحَملِ.
*وَيَجِبُ إِخرَاجُهَا
عَن نَفسِهِ، وَعَمَّن تَلزَمُهُ مَئُونَتُهُم مِن زَوجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ؛ إِذَا لَمْ
يَستَطِيعُوا إِخرَاجَهَا عَن أَنفُسِهِم، فَإنْ استَطَاعُوا فَالأَولَى أَنْ يُخرِجُوهَا
عَن أَنفُسِهِم؛ لِأَنَّهُم المُخَاطَبُونَ بِهَا أَصلًا.
*وَلَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى
مَن وَجَدَهَا فَاضِلَةً زَائدَةً عَمَّا يَحتَاجُهُ مِن نَفَقَةِ يَومِ العِيدِ وَلَيلَتِهِ،
فَإِنْ لَمْ يَجِد إِلَّا أَقَلَّ مِن صَاعٍ أَخرَجَهُ؛ لِقَولِهِ تَعَالَى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، وَلِقَولِ
رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: «إذَا أَمَرتُكُم بِأَمرٍ فَأَتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم»كَمَا
فِي «الصَّحِيحَين».
* وَحِكمَةُ صَدَقَةِ الفِطْرِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا:
*فَفِيهَا إِحسَانٌ إِلَى الفُقَرَاءِ، وَكَفٌّ لهُم عَن السُّؤالِ
فِي يَومِ العِيدِ؛ لِيُشَارِكُوا الأَغنِيَاءَ فِي فَرَحِهِم وَسرُورِهِم بِهِ، وَلِيَكُونَ
عِيدًا لِلجَمِيعِ.
*وَفِيهَا الاتِّصَافُ بِخُلُقِ الكَرَمِ وَحُبِّ المُوَاسَاة.
*وَفِيهَا تَطهِيرُ الصَّائمِ مِمَّا يَحصُلُ فِي صِيَامِهِ مِنْ
نَقصٍ وَلَغوٍ وَإِثمٍ.
*وَفِيهَا إِظهَارُ شُكرِ نِعمَةِ اللهِ بِإِتمَامِ صِيَامِ شَهرِ
رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ، وَفِعلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.
عَن ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً
لِلمَسَاكِين؛ فَمَنْ أدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَنْ
أدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». أَخرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَابنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
* وَجِنسُ الوَاجِبِ فِي الفِطرَةِ –أَيْ: فِي صَدَقَةِ الفِطرِ-: هُوَ طَعَامُ الآدَمِيِّينَ مِن تَمرٍ، أَوْ بُرٍّ، أَوْ أُرْزٍ،
أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ أَقِطٍ -وَهُوَ اللَّبَنُ المُجَفَّف الَّذِي لَمْ تُنزَع زُبدَتُهُ-
إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ.
فَعَن ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ صَاعًا مِن تَمرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ
-وَكَانَ الشَّعِيرُ يَومَ ذَاكَ مِن طَعَامِهِم-» كَمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدرِيُّ
-رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: «كُنَّا نُخرِجُ يَومَ الفِطرِ فِي
عَهدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِن طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا
الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالأقِط وَالتَّمرَ». وَهَذَا أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ
فِي «الصَّحيح».
الصَّاع: أَربَعَةُ أَمدَادٍ، وَأَمَّا المُدُّ: فَحَفنَةٌ بِكَفَّيِ الرَّجُلِ المُعتَدِلِ
الكَفَّينِ.
أَربَعَةُ أَمدَادٍ صَاعٌ؛ فَالصَّاعُ أَربَعَةُ أَمدَادٍ.
المُدُّ أَنْ تَأخُذَ بِكَفَّيكَ مِلأَهُمَا؛ فَهَذَا مُدٌّ -أَربَعَةُ
أَمدَادٍ صَاعٌ -.
*لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ طَعَامِ
البَهَائِمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَهَا طُعمَةً
لِلمَسَاكِينِ لَا لِلبَهَائِمِ.
*وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا
مِنَ الثِّيَاب وَالفُرُشِ وَالأَوَانِيِ وَالأَمتِعَةِ وَغَيرِهَا مِمَّا سِوَى طَعَامِ
الآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَهَا مِنَ
الطَّعَامِ؛ فَلَا تَتَعَدَّ مَا عَيَّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
*وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُ
قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَقَد ثَبَتَ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
أخرَجَهُ مُسلِمٌ فِي «الصَّحِيحِ».
وَرَدٌّ أَيْ: مَردُودٌ؛
لِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة مُخَالِفٌ لِرَسُولِ اللهِ، وَمُخَالِفٌ لِأَصحَابِ رَسُولِ
اللهِ؛ فَقَد كَانُوا يُخرِجُونَهَا صَاعًا
مِن طَعَامٍ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ
مِن بَعدِي».
وَلِأَنَّ زَكَاةَ الفِطرِ
عِبَادَةٌ مَفرُوضَةٌ مِنْ جِنسٍ مُعَيَّنٍ؛ فَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا مِنْ غَيرِ
الجِنسِ المُعَيَّنِ، كمَا لَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا فِي غَيرِ الوَقتِ المُعَيَّنِ؛
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَهَا مِن أَجنَاسٍ
مُختَلِفَةٍ، وَأَقيَامُهَا مُختَلِفَةٌ غَالِبًا؛ فَلَوْ كَانَت القِيمَةُ مُعتَبَرَةً
لَكَانَ الوَاجِبُ صَاعًا مِنْ جِنسٍ وَمَا يُقَابِلُ قِيمَتُهُ مِنَ الأَجنَاسِ الأُخرَى.
وَلِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة يُخرِجُ الفِطرَةَ عَن كَونِهَا شَعِيرَةً
ظَاهِرَةً إِلَى كَونِهَا صَدَقَةً خَفِيَّةً؛ فَإِنَّ إِخرَاجُهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ
يَجعَلُهَا ظَاهِرَةً بَينَ المُسلِمِينَ، مَعلُومَةً لِلصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، يُشَاهِدُونَ
كَيلَهَا وَتَوزِيعَهَا، وَيَتَبَادَلُونَهَا بِينَهُم، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَت
دَرَاهِمَ يُخرِجُهَا الإِنسَانُ خُفيَةً بَينَهُ وَبَينَ الآخِذ.
* مِقدَارُ الفِطرَةِ –وَالفِطرَةُ هِيَ صَدَقَةُ الفِطرِ-:
صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
- الذِي يَبلُغُ وَزنُهُ بِالمَثَاقِيلِ أَربَعَ مِئةٍ وَثَمَانِينَ مِثقَالًا مِنَ
البُرِّ الجَيِّدِ، وَبِالجِرَامَاتِ يَبلُغُ كِيلُوَينِ اثنَين وَأَربَعِينَ جِرَامًا
مِنَ البُرِّ الجَيِّدِ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعرِفَ الصَّاعَ النَّبوِيَّ فَلَيَزِن
كِيلُوَينِ وَأَربَعِينَ جِرَامًا مِنَ البُرِّ، وَيَضَعَهَا فِي إِنَاءٍ بِقَدرِهَا
بِحَيثُ تَملَؤهُ ثُمَّ يَكِيلُ بِهِ.
يَكِيلُ بِهِ بَعدَ ذَلِكَ مَا يُخرِجُهُ مِنْ أُرزٍ، أَوْ مِنْ
أَقِطٍ، أَوْ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ مَا أَشبَهَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَم؛ المُهِم أَنَّهُ
صَارَ عِندَهُ صَاعُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
* وَوَقتُ
وُوُجوبِ الفِطرَةِ:
غُرُوبُ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ العِيد؛ فَمَن كَانَ مِن أَهلِ الوُجُوبِ
حِينَذَاك وَجَبَت عَلَيهِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَعَلَى هَذَا فِإِذَا مَاتَ قَبْلَ الغُرُوبِ وَلَوْ بِدَقَائقَ؛
لَمْ تَجِب صَدَقَةُ الفِطر عَلَيهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَوْ بِدَقَائقَ؛
وَجَبَ إِخرَاجُ فِطرَتِه.
*وَلَوْ وُلِدَ شَخصٌ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَوْ بِدَقَائقَ؛ لَمْ تَجِب
فِطرَتُهُ، وَلَكِن يُسَنُّ إِخرَاجُهَا كَمَا فَعَلَ عُثمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ
- وَلَوْ وُلِدَ قَبلَ الغُرُوبِ وَلَوْ بِدَقَائقَ؛ وَجَبَ إِخرَاجُ الفِطرَةِ عَنهُ.
وَإِنَّمَا كَانَ وَقتُ وُجُوبِهَا غُرُوبَ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ
العِيدِ؛ لِأَنَّهُ الوَقتُ الذِي يَكُونُ بِهِ الفِطرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ مُضَافَةٌ
إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: زَكَاةُ الفِطرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَكَانَ مَنَاطُ
الحُكمِ ذَلِكَ الوَقت.
* وَأَمَّا زَمَنُ دَفعِهَا: فَلَهُ وَقتَان، وَقتُ
فَضِيلَةٍ، وَوَقتُ جَوَازٍ.
*أَمَّا وَقتُ الفَضِيلَة: فَهُوَ صُبحُ يَوم العِيدِ قَبلَ الصَّلَاة؛ لِمَا رُوِيَ عَن أَبِي
سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-:
«كُنَّا نُخرِجُ يَومَ الفِطرِ فِي عَهدِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِن طَعَامٍ».
وَفِيهِ أَيضًا مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا
-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ بِزَكَاةِ
الفِطْرِ قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ». رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قَالَ ابنُ عُيَينَةَ فِي تَفسِيرِهِ:
عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ عَن عِكرِمَةَ قَالَ: يُقَدِّمُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ يَومَ الفِطرِ بَينَ يَدَيْ صَلَاتِهِ؛
فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى﴾ [الأعلى15،14]، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الأَفضَلِ تَأخِيرُ صَلَاةِ
العِيدِ يَومَ الفِطر؛ لِيَتَّسِعَ الوَقتُ لِإِخرَاجِ الفِطرَةِ؛ فَهَذَا وَقتُ الفَضِيلَة.
*وَأَمَّا وَقتُ الجَوَازِ: فَهُوَ قَبلَ العِيدِ بَيَومٍ أَوْ يَومَين.
عِندَ البُخَارِيِّ فِي
«الصَّحِيحِ» عَن نَافعٍ قَال: «كَانَ ابنُ عُمَرَ يُعطِي
عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُعطِي عَن بَنِيَّ، وَكَانَ يُعطِيهَا الَّذِينَ يَقبَلُونَهَا، وَكَانُوا
يُعطُوْنَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَوْ بِيَومَين».
وَلَا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا
عَن صَلَاةِ العِيد؛ فَإِنْ أَخَّرَهَا عَن صَلَاةِ العِيدِ بِلَا عُذرٍ لَمْ تُقبَلْ
مِنهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «مَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن
أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».
إِنْ أَخَّرَهَا لِعُذرٍ فَلَا بَأَس، كَأَنْ يُصَادِفَهُ العِيدُ
لَيسَ عِندَهُ مَا يَدفَعُ مِنهُ، أَوْ لَيسَ عِندَهُ مَنْ يَدفَعُ إِلَيهِ، أَوْ يَأتِي
خَبَرُ ثُبُوتِ العِيدِ مُفَاجِئًا بِحَيثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِن إِخرَاجِهَا قَبلَ
الصَّلَاةِ, أَوْ أَنْ يَكُونَ مُعتَمِدًا عَلَى شَخصٍ فِي إِخرَاجِهَا فَيَنْسَى أَنْ
يُخْرِجَهَا؛ فَلَا بَأسَ أَنْ يُخرِجَهَا وَلَوْ بَعدَ العِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَعذُورٌ
فِي ذَلِكَ، وَالوَاجِبُ أَنْ تَصِلَ إِلَى مُستَحِقِّهَا أَوْ وَكِيلِهِ فِي وَقتِهَا
قَبلَ الصَّلَاةِ.
* وَمَكَانُ دَفعِهَا:
تُدفَعُ إِلَى فُقَرَاءِ المَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقتَ الإِخرَاجِ؛
سَوَاءٌ كَانَ مَحَلّ إِقَامَتِهِ أَوْ غَيرهِ مِنْ بِلَادِ المُسلِمِينَ، لَا سِيَّمَا
إِنْ كَانَ مَكَانًا فَاضِلًا كَمَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، أَوْ كَانَ فُقَرَاؤُهُ أَشَدَّ
حَاجَةً؛ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَيسَ فِيهِ مَنْ يَدفَعُ إِلَيهِ، أَوْ كَانَ لَا
يَعرِفُ المُستَحِقِّينَ فِيهِ؛ وَكَّلَ مَنْ يَدفَعُهَا عَنهُ فِي مَكَانٍ فِيهِ مُستَحِق.
* وَالمُستَحِقُّونَ لِزَكَاةِ الفِطرِ: هُم الفُقَرَاءُ -الفقراءُ المَسَاكِينُ كَمَا بَيَّنَهُم رَسُولُ
اللهِ فَقَالَ: «طُعمَةً لِلمَسَاكِين»، فَلَا
تُدفَعُ عَلَى حَسَبِ مَصَارِفِ زَكَاةِ المَالِ، وَإِنَّمَا لَهَا مَصرِفٌ وَاحِدٌ
وَهُمْ المَسَاكِينُ وَالفُقَرَاءُ؛ فَيَدفَعُ زَكَاةَ الفِطرِ إِلَيهِم.
«مِن خُطبة: في وداع رمضان»
لا يجوزُ إخراجُ زكاةِ الفِطْرِ نَقْدًا:
وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُ قِيمَةِ الطَّعامِ -كَمَا هُوَ الشَّائعُ
فِي هَذهِ الأَيَّام- لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ قِيمَةِ الطَّعامِ.
لَا يُجزِئُ: يَعنِي مَن أَخرَجَهَا مِنَ القِيمَةِ فَعَلَيهِ أَنْ يُعيدَ ذَلِكَ، وَأَنْ
يُخرِجُهَا مَرَّةً أُخرَى مِنَ الطَّعَامِ كَمَا فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ قِيمَةِ الطَّعامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ
مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَد ثَبَتَ
عَن الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَولُهُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
وَالحَدِيثُ عِندَ مُسلِمٍ فِي «الصَّحِيحِ» مِن رِوَايَةِ
عَائشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- وَأَخرَجَهُ البُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَجزُومًا بِهِ،
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي «الصَّحِيحَينِ» فَهِيَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمرِنَا هَذَا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ».
فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ، وَرَدٌّ
يَعنِي: مَردُودٌ؛ فَهُوَ مَردُودٌ عَلَيهِ.
فَإِذَن: إِذَا خَالَفَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ- فِيمَا فَرَضَ؛ فَهَذَا مَردُودٌ عَلَيهِ، وَلَا يُجزِئُ حِينَئذٍ عَنهُ
بِإِسقَاطِ الفَرضِ الذِي هُوَ مُطَالَبٌ بِهِ.
إِخرَاجُ القِيمَة مُخَالِفٌ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ
عَنهُم- حَيثُ كَانُوا يُخرِجُونَهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ، وَقَد قَالَ النَبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ
مِنْ بَعْدِي».
وَزَكَاةُ الفِطرِ عِبَادَة، وَهِيَ عِبَادَةٌ مَفرُوضَةٌ مِنْ جِنسٍ
مُعَيَّنٍ؛ فَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا مِنْ غَيرِ الجِنسِ المُعَيَّنِ، كَمَا لَا يُجزِئُ
إِخرَاجُهَا فِي غَيرِ الوَقتِ المُعَيَّنِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«وَمَنْ أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ
الصَّدقاتِ»، فَلَمْ تُجزِئ عَنهُ، وَلَمْ تُسقِط الفَرضَ الذِي قَصَّرَ
فِي أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاة.
لَهَا وَقت، وَكَذَلِكَ لَهَا جِنسٌ، وَلَابُدَّ مِن التِزَامِ هَذَا
وَهَذَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آتِياً بِمَا كُلِّفَ بِهِ؛ فَالعِبَادَاتُ
تَوقِيفِيَّةٌ لَابُدَّ فِيهَا مِنَ الوُقُوفِ عِندَ حُدُودِ النَّصِّ، وَمَن خَرَجَ
عَن الوَارِدِ عَن نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَد أَسَاءَ
وَتَعَدَّى وَظَلَمَ.
وَصَلَّى
اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أجمَعِين.
مزيد من المطويات الدعوية