مطوية : سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ
التصنيف :
العيدين
رابط التحميل :
اضغط هنا
«سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ»
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ
اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا
بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ
مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
«أَعْيَادُ المُسْلِمِين»
عبادَ
الله؛ فإنَّ الرسولَ ﷺ
لَمَّا نَزَلَ المَدينةَ، وَجَدَهُم يَحْتَفِلُونَ بيَوميْن، فَقَالَ الرسولُ ﷺ:
«إنَّ اللهَ أَبْدَلَكُم خَيْرًا مِنْهُمَا يومَ الفِطْرِ
ويومَ الأَضْحَى».
فَهَذان
هُمَا عِيدَا الإسْلَامِ العَظيمِ، ومِنْ شَعَائِرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الفَرَح
فِيهمَا؛ لأنَّ اللهَ –تَبَارَكَ
وتَعَالَى- جَعَلَ هَذَين اليَومين، وَجَعَلَ هذَين العِيديْن بِعَقِبِ عِبَادَتَيْن
عَظِيمتَيْن وَفَرْضَيْن جَلِيلَيْن مِن فُرُوضِ الإِسْلَامِ الكَرِيمِ؛ لأنَّ عِيدَ
الفِطْرِ هو مِن أَجْلِ الفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان، يَفْرَحُ فِيهِ المُسْلِمُونَ
بِأَدَاءِ هَذَا النُّسُكِ العَظِيمِ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ مِنْ ذَبْحِ مَطَامِعِ
النَّفْسِ وَشَهَواتِهَا قُرْبَانًا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
فَبَعَدَ هَذهِ العِبَادَة العَظِيمَة؛ شَرَعَ اللهُ
–تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الفَرَحَ
فِي يَومِ الفِطْرِ: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥].
وشَرَعَ
اللهُ -جَلَّت قُدْرَتُهُ- أَيْضًا الفَرَحَ فِي أَيَّامٍ هيَ مِن أَعْيَادِ المُسْلِمِين؛
لأنَّ النبيَّ ﷺ
قَالَ: «يَومُ النَّحْرِ وَأَيَّام التَّشْرِيِقِ أَعْيَادُنَا
أَهْل الإسْلَامِ»،
وَلِذَلك لا يجوزُ أنْ يَصومَ الإنسانُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهي الحَادِي عَشر
والثَّانِي عَشر وَالثَّالِث عَشر مِن شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ؛ وأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِيدُ المُسْلِمِين الأَكْبَرُ, وهو بِعَقِبِ أَدَاءِ النُّسُكِ
الجَلِيلِ الذي يُيَسِّرُهُ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ لِمَن شَاءَ مِن عِبَادِهِ -مِنَّةً
مِنْهُ وَعَطَاءً-.
«الفَرَحُ يَوْم العِيدِ
مِن شَعَائِرِ اللهِ»
فَهَذه
الأَعْيَادُ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
فِيهَا، فَعَليْنَا أَنْ نَفْرَحَ فِيهَا، الفَرَحُ يَوْم العِيدِ مِن شَعَائِرِ اللهِ
رَبِّ العَالَمِينَ، التي يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ، وَهذا الفَرَحُ كَالحُزْنِ سَوَاءً
بِسَوَاء في دِين الإِسْلَامِ العَظِيمِ مَبْنيٌّ عَلَى قَوَاعِد، وَلَيْسَ مُرْسَلًا
مُطْلَقًا، فَالحُزْنُ الهَادِفُ وَالفَرَحُ الهَادِفُ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ
بِهِ دِينُ الإِسْلَامِ، فَلَا شَيءَ مُنْفَلِت الزِّمَامِ في دِينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِين،
سَواءٌ تَعَلَّقَ بِالمَشَاعِرِ أَمْ تَعَلَّقَ بالعَوَاطِفِ أَمْ تَعَلَّقَ بالعَقْلِ
أَمْ تَعَلَّقَ بِالجَوَارِحِ، بَلْ كُلُّ هَذهِ الأَشْيَاءِ مَضْبُوطَةٌ بِضَابِطِ
الشَّرْعِ وَمَحْكُومَةٌ بِقَيْدِ الشَّرِيعَةِ المُطَهَّرَةِ.
الرسولُ
ﷺ في عَاطِفَةِ الحُزْنِ
يَقُولُ ﷺ:
«إنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ بِدَمْعِ العَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ
القَلْبِ، وَلَكِن يُؤاخِذُ بِهَذَا أَو يَرْحَم –وَأَشَارَ
إلَى لِسَانِهِ ﷺ-».
فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-فِي
أَمثَالِ هذهِ الأَشْيَاءِ التي تُذْهِبُ اللُّبَّ وَتَذْهَبُ بِالعَقْلِ، قَيَّدَهَا
الإِسْلَامُ العَظِيمِ بِقَوَاعِد وَأُصُول، يَقُولُ: «إِنَّ القَلْبَ لَيَحْزَنَ، وَإِنَّ العَيْنَ لَتَدْمَعَ، وَلَا نَقُولُ فِي النِّهَايَةِ
إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا».
وفي
الفَرَحِ كَذَلِكَ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨].
فَإِذَنْ؛
الفَرَحُ لَا يَكُون إلَّا بَفَضْلِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَبِرَحْمَتِهِ، فَمَنْ
قَدَّمَ خَيْرًا فَليَفْرَحَ بِالخَيْرِ الذي قَدَّمَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسِيئًا؛
قَدَّمَ الإِسَاءَةَ وَعَكَفَ عَلَى السَّيِّئَةِ، وَلَم يَلْحَظْ حَظَّ نَفْسِهِ حَتى
يُنْقِذَهَا مِن النَّارِ، وَيَجْتَهِدُ في عِتْقِ رَقَبَتِهِ وَفَكَاكِهَا مِن النَّارِ
فِي هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ، فَبأيِّ شَيءٍ يَفْرَحُ؟! هَذَا غَبيٌّ، فِإنْ فَرِحَ
بِشَيءٍ فِإِنَّمَا يَفْرَحُ بِمَا فِيهِ هَلَاكُهُ، وَأَمَّا المُؤمنونَ الصَّادِقُونَ
فَيَفْرَحُونُ بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَتَعَلَمُ
أَنَّهُ لَنْ يَشْبَعَ مُؤمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى يَكونَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّة، والإِنْسانُ
لَا يَقَرُّ لَهُ قَرَارٌ وَلَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ حَتَّى يَطَأَ بِقَدِمِهِ الجَنَّةَ؛
لأَنَّ الرسولَ ﷺ
قَالَ للصَّحَابَةِ يَوْمًا عِندَمَا خَرَجَ عَليهِم فَوَجَدَهُم يَضْحَكُونَ؛ قَالَ:
«لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً
وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» الرسولُ ﷺ،
وَفِي آخرِ الحَدِيثِ وَهو حَديثٌ صَحيحٌ أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسلِمٌ فِي «صَحيحِهِ» قَالَ النبيُّ ﷺ:
«أَلَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ»
الرسولُ ﷺ.
وَهَذَا
هوَ الذِي دَعَا أَبَا بَكْرٍ –رَضيَ
اللهُ عنهُ- أَنْ يَقولَ: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ
تِبْنَةً وَلَم أَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا، يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَعْرَةً فِي جَنْبِ
عَبْدٍ مُؤمِنٍ»، وَهو صِدِّيقُ الأُمَّةِ الأَكْبَرِ، لأنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَهَمَّهُ
مَصيرُهُ، وَإِذَا أَهَمَّتْهُ نَتيجتُهُ النِّهَائيةُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا
إِلَى النَّارِ، فَإِنَّهُ يَكونُ حَرِيصًا عَلَى أَلَّا يُضيِّعَ الأَعْمَارَ، وَإِنَّما
يَكونُ حَرِيصًا غَايةَ الحِرْصِ عَلَى عُمُرِهِ وَرَأْسِ مَالِهِ، فَلَا يَضيِعُ مِنهُ
لَحْظَةً في غَيرِ مَا فَائِدَةٍ تَعودُ عَليهِ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَةٍ كَامِلَةٍ
يَجِدُهَا فِي صَحِيفتِهِ.
«سُنَنٌ ثابتةٌ يومَ العيِد»
شَرَعَ
اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ لَنَا «الفَرَحَ فِي يَومِ
العِيدِ» وَأَنْ «نَلْبَسَ الجَدِيدَ»، وَفِيِهِ سُنَّةٌ صَحيحَةٌ ثَابِتَةٌ عَن رسولِ
اللهِ ﷺ
وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ يَتَّخِذُهُ ﷺ
لِلأَعْيَادِ وَمُقَابَلَةِ الوفُودِ وَغَيرِ ذَلِكَ, فَالسُّنَّةُ فِي يَومِ العِيدِ:
أَنْ تَلْبَسَ الجَدِيدَ، وَأَنْ «تَتَطيَّبَ مَا شَاءَ
اللهُ لَكَ أَنْ تَتَطيَّبَ».
وَفِي
يَومِ الفِطْرِ: «تُفْطِرُ
عَلَى تَمْرَاتٍ رُطَبَاتٍ وِتْرًا» إِنْ أَمْكَن وَإِلَّا فَلتُفِطْرُ
عَلَى أَيِّ شَيءٍ، المُهِمُّ أَلَّا تَخْرُجَ لِصَلَاةِ العِيدِ إِلَّا وَقَدَ أَفْطَرْتَ،
بِعَكْسِ مَا يَكونُ فِي يَومِ الأَضْحَى؛ فَتَخْرُج مِن غَيْرِ مَا طَعَامٍ حَتَّى
تُصَلِّي وَتَعودَ تُضَحِّي, وَتَنْتَظِرُ حَتَّى يَكونَ أَوَّلُ مَا يَدْخُلُ فِي
جَوْفِك مَا قَد قَدَّمْتَ أُضْحيَةً وَقُرْبَانًا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
«كَانَ الرسولُ ﷺ إِذَا خَرَجَ
إِلَى المُصَلَّى يَذْهَبُ مِن طَرِيِقٍ وَيَعودُ مِن طَرِيق».
قَالَوا:
لِمَاذَا؟
قَالَ
العُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَليهِم-:
إِنَّهُ أَرَادَ تَكْثيرَ الشُّهُود يَومِ القِيَامَةِ، يَكَثِّرُ الشُّهودَ يَومَ
القِيَامَةِ الذينَ يَشْهَدُونَ لَكَ فِي سَعْيكَ مِن أَجْلِ الخَيْرِ وَمِن أَجْلِ
إِقَامَةِ شَعَائِرِ اللهِ فِي أَرْضِهِ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ:
إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطِّريقَيْن.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ المَوَاجِدِ وَالأَذْوَاقِ:
إِنَّمَا أَرَادَ الرَّسولُ ﷺ
أَنْ يَحوزَ بَرَكَتَهُ أَهْلُ كُلِّ طَرِيقٍ ﷺ.
الحَاصِلُ:
أَنَّ مِن السُّنَّةِ أَنْ تَذْهَبَ مِن طَرِيقٍ وَتَعُودَ مِن طَرِيقٍ، وَأَنْ تُفْطِرَ
عَلَى تَمْرَاتٍ أَو رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ لِصَلَاةِ العِيدِ، «وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ -رضوان اللهِ عَليهم-
وَكَذِلكَ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَانَ يَغْتَسِلُ لَيْلَةَ العِيدِ أَو فِي صُبْحِ
العِيدِ مِن أَجْلِ أَن يَتَطيَّبَ وَيَتَزيَّنَ للخُرُوجِ إِلَى هَذَا المَجْمَعِ
العَظِيمِ».
«سُنَّةُ التكبيرِ مُنفردًا في الطريقِ والمُصَلَّى بصوتٍ مُرتفع»
علينا أنْ نذهبَ
من طريقٍ وأنْ نعودَ من طريق، ونُكَبِّر في الطريقِ عند الذهابِ إلى المُصَلَّى،
نُكَبِّر بصوتٍ عالٍ، لا نستحي؛ لأنه من شعائرِ اللهِ ربِّ العالمين، لا نستحي من
التكبير، «نُكَبِّرُ بصوتٍ مرتفع, وأنت سائرٌ في
الطريق إلى أنْ تجلسَ في المُصلَّى»، و«إذا
دخلتَ المُصلَّى؛ لا تُصَلِّي لأنه لا صلَاةَ في المُصَلَّى»–يعني
قبلَ صلاة العيد-.
النبيُّ ﷺ يذهبُ
من طريقٍ ويعودٍ من طريقٍ مُكَبِّرًا: «اللهُ
أكبرُ...اللهُ أكبرُ...لا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ...اللهُ أكبرُ ولله الحمد».
وصيغُ التكبير
كثيرة:
«اللهُ أكبرُ...اللهُ
أكبرُ...اللهُ أكبر ولله الحمد، اللهُ أكبرُ وأَجَلُّ، اللهُ أكبرُ على ما هَدَانَا»،
هذه صيغةٌ مِن صيغ التكبير، فأيُّ صيغةٍ من صيغِ التكبير الواردة: «اللهُ أكبرُ...اللهُ أكبرُ...اللهُ أكبرُ كبيرًا»،
هذه صيغة من صيغِ التكبيرِ الواردة، بشرط أن تكونَ واردة عن أصحاب رسولِ ﷺ.
«إذا ما جلسَ الإنسانُ
في المُصلَّى عليه أنْ يُكَبِّرَ وحدَهُ»، وأمَّا أن يكونَ هناك قائد
يأخذ المُكَبِّر –مُكبِّر الصوت- ويقول: الله أكبر وهُم يسيرون خَلْفَه
مِثل المايسترو مع فِرقتِهِ؛ فهذا غير وارد وليس من السُّنَّة، كلُّ واحد يُكَبِّر
وحدَه مع ربِّهِ –وحدَه-، وأمَّا التكبيرُ على صورةٍ واحدة على نظامٍ
واحدٍ في نَفَسٍ واحدٍ بصوتٍ واحدٍ فهذا بدعةٌ.
«صَلَاةُ العِيدِ فِي
المُصَلَّى»
«وَمِن السُّنَّةِ التي لَا خِلَافَ عَليْهَا أَنْ تَكونَ صَلَاةُ
العِيدِ فِي المُصَلَّى»، وَلَم يُصَلِّهَا الرَّسولُ ﷺ
فِي المَسْجِدِ أَبَدًا، لَا فِي عِيدِ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى مَعَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبيِّ
ﷺ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ
صَلَاةٍ، فَانظُر إِلَى الذينَ يَظلِمُونُ أَنْفَسَهُم وَيَتَمَسَّكُونَ وَعُقُولُهم
كَالحِجَارَةِ بِعَادَاتٍ وَتَقَاليدٍ بَاليَةٍ, وَالوَاحِدُ مِنْهُم لَا يُريدُ أَنْ
يَخْرُجَ عَن مَأْلُوفِ عَادَاتِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَقَانُونُهُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣]، ﴿إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] في الآيةِ
الأُخْرَى.
لَا
يُريدونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِن التَّحَجُّرِ وَيَتْبَعُوا سُنَّةَ الرَّسولِ ﷺ،
وَهؤلاءِ هُم الذينَ أَخَّرُوا الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمينَ، وَهُم الذينَ يُؤخِّرُونُ
الدِّينَ، هؤلاء المُتَمَسِّكُونُ بِأَمْثَالِ هَذه الأَشْيَاءِ وَلَا يُريدونَ أَنْ
يَنْصَاعُوا للحَقِّ، مَاذَا يَصنعُ أَهْلُ العِلْمِ مَعَ هؤلاء؟
أَنَظَلُّ
العُمُرَ كُلَّهُ فِي صِدَامٍ وَصِرَاعٍ حَوْلَ أَمْثَالِ هَذه الفُروعيَّات.
يَا أَخِي الدَّليلُ وَاضِحٌ كَالشَّمْسِ، وَمَنْطقيٌّ
جِدًّا يَقْبلُهُ كُلُّ عَقْلٍ إِلَّا مَن لَا عَقْلَ لَهُ، لَم يُصَلِّهَا فِي المَسْجِدِ
أَبَدًا، لِمَاذَا تُصَلِّي في المَسْجِدِ؟ هذه وَاحِدَة.
الثَّانيةُ:
لَو أَنَّكَ فَكَّرْتَ قَليلَ تَفَكُّرٍ: أَيَتْرُك مَسْجِدِهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ
بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَيَذْهَبُ إِلَى الخَلَاءِ لِغَيرِ شَيء! لِغَيرِ مَصْلَحَة؟!
لِمَاذَا
إِذن يَتْرُك مَسْجِدَهُ ﷺ
وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاة؟!
لَو
صَلَّى فِيهِ العِيدَ كَأَنَّمَا صَلَّى فِيهِ أَلْفَ عِيدٍ، وَمَعَ ذَلكَ يَتْرُك
مَسْجِدَهُ ﷺ
وَلَا يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ، أَهُجِرَ المَسْجِدُ؟!
لَم
يُهْجَر، المَسْجِدُ لَا يُهْجَرُ بِهَذه الصُّورة؛ لأنَّهُ لَم يُبْنَ لِصَلَاةِ العِيدِ
فِيهِ، فِإذَا لَم تُصَلَّ فِيهِ؛ فَهَذَا هو الوَضْعُ الطَّبيعيُّ للمَسْجِدِ، وَأَمَّا
إِذَا صُلِّيَتْ فِيهِ فَهيَ مُخَالَفَةٌ لِمَا بُنِيَ لَهُ، فَإِذَا مَا تُرِكَ وَأُغْلِقَ
وَأُحْكِمَ رِتَاجُهُ فَهي السُّنَّةُ، وَأَمَّا أَنْ يَظَلَّ بَعْضُ أَهْلِ الجُمُودِ
والتَّحَجُّرِ عَلَى أَمْثَالِ هَذهِ الخُزَعْبَلاتِ البَاليةِ فَهَذَا أَمْرٌ وَاللهِ
لَو أَنَّ الإِنْسَانَ بَكَى مِنهُ دَمًا لَمَا كَانَ لَهُ كَافيًا، وَإِنَّا للهِ
وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُون.
الحَاصِلُ:
أَنَّ «الرَّسولَ
ﷺ كَانَ يُصَلِّي العِيدَ فِي المُصَلَّى، وَلَم يُصَلِّهِ أَبَدًا فِي
المَسْجِدِ ﷺ».
وَأَيضًا «كَانَ
يَأمرُ النِّسَاءَ بِالخُروجِ إِلَى المُصَلَّى -جَميعَ النِّسَاءِ-»، يَخْرُجُ
الجَميعُ -جَمِيع النِّسَاء-، المَرْأَةُ الحَائِضُ تَخْرُجُ إِلَى المُصَلَّى، الحَائِضُ
التي لَا صَلَاةَ عَليْهَا وَالتي إِذَا خَرَجَت لَم تُصَلِّ؛ تَخْرُجُ أَيْضًا إِلَى
المُصَلَّى، يَخْرُجُ الحُيَّضُ -يَخْرُجْنَ إِلَى المُصَلَّى-، يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى،
يَقِفْنَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ بَعيدًا؛ يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى، يَشْهَدْنَ الخَيْرَ
وَجَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ الرَّسولُ
ﷺ.
وَالمَرْأَةُ
التي لَا تَجِدُ ثَوْبًا لَائِقًا تَخْرُجُ بِهِ لِصَلَاةِ العِيدِ أَو لِشُهودِهِ
إِنْ كَانت حَائِضًا؛ تُعِيرُهَا أُخْتُهَا فِي الإِسْلَامِ مِن ثِيَابِهَا، التي لَا
ثَوْبَ لَهَا لِكَي تَخْرُجَ بِهِ إِلَى المُصَلَّى؛ تُعِيرُهَا أُخْتُهَا ثَوْبًا،
وَالرِجَالُ يُصَلُّونَ فِي المَسَاجِدِ؟!!
الرَّسولُ
ﷺ يَأمُرُ المَرْأَةَ بأَنْ
تَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي المُصَلَّى وَلَو كَانَت حَائِضًا, وَلَو كَانَت لَا
ثَوْبَ لَهَا، انظُر مَعَ أَنَّ صَلاةَ المَرْأةِ فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ مِن صَلَاتِهَا
فِي مَسْجِدِ الرَّسولِ ﷺ؛
إِلَّا فِي صَلَاةِ العِيدِ، يَأمُرُ الجَميعَ بِالخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى, والنِّسَاءُ
وَلَو كَانَت الوَاحِدَةُ مِنهُنَّ حَائِضًا!!
وَمَعَ
ذَلكَ أُهْلُ التَّحَجُّرِ مِن أَصْحَابِ العقولِ المُتَحَجِّرَةِ، يُصِرُّونَ عَلَى
الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ وَلَو كَانَ صَفًّا وَاحِدًا، وَإِنَّا للهِ وَإنَّا إِليهِ
رَاجِعون، وَهذا هَدْمٌ لهذهِ السُّنَّةِ العَظيمةِ التي مَبْنَاهَا عَلَى كَثْرَةِ
الجَمْعِ، التي مَبْنَاهَا عَلَى اجتمَاعِ أَهْلِ المَحَلَّةِ فِي كُلِّ مَكَان، اجتمَاعُ
أَهْلِ البَلَدِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، يَخْرُجُونَ جَميعًا حَتَّى النِّسَاء والأَطْفَال،
يَخْرُجُ الجَميعُ مِنْ أَجْلِ صَلَاةِ العِيدِ فِي المُصَلَّى، وَلَكِنْ مَا تَقُولُ؟!
نَسْألُ اللهَ العَافيةَ والسَّلامَةَ.
«كيفية صلاة العيد»
وهي ركعتان:
تدخلُ فيها كسائرِ
الصلوات، تدخلُ مُكَبِّرًا بتكبيرةِ الإحرامِ، ثم تُكَبِّرُ فيها سَبْعَ تكبيرات،
وفي الركعةِ الثانية: تأتي بتكبيرةِ الانتقال، ثم تأتي بخَمْسِ تكبيرات، ثم تقرأ
بعد التكبيرات في الأولى الفاتحة وسورة نصَّ عليها النبيُّ ﷺ في سُنَّتِهِ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: 1]، وفي
الثانية: بعد التكبيرات أيضًا تأتي بالفاتحة والغاشية، وقِيل: غَير ذلك مِثل ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق: 1] في إحدى الركعتين، و﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: 1]
في الركعة الثانية.
*ومَن فاتتهُ
صلاةُ العيدِ جماعةً يُصلِّي ركعتين.
«حُكْمُ صلاةِ العيديْن»
صلاة العيدين؛
الحقيقة إنَّ بعضَ الناس يقول هي فرضُ كفاية، الحقيقة إنَّ النبيَّ ﷺ لم يتركها
قط، وكان يخرج ويأمرُ النساء بالخروج –النساء العواتق
يخرجن حتى الحُيَّض, ويأمرُ الحُيَّض باعتزالِ المُصَلَّى؛ يَشهَدنَ الخيرَ ودعوة
المسلمين، حتى أمرَ مَن لا جِلبَاب لهَا أنْ تُلبِسَها صاحِبتُها من جِلبَابِها-،
فالعلماء قالوا: ليست بفرضِ كفاية وإنما هي واجبةٌ, والدليل على الوجوب شيء ظاهر
جدًّا أنها مُسْقِطةٌ لصلاةِ الجُمُعة إذا جاء العيدُ في يوم الجُمعة كما كان
النبيُّ يفعل ﷺ وكما قال.
فإذا وقعت صلاة
العيد –يعني لو جاء العيد- يوم الجُمعة؛ فأنت ليسَ عليك إلَّا
صلاة العيد، إنْ صليت العيد ليس عليكَ جُمعة، وإنْ أردتَ أنْ تُجَمِّعَ فخير،
ولكنْ لا عليك، أنت تُصلِّي العيد، فإذا كانت العيد مُسقِطة للجُمعة إذا جاء
العيدُ في يومِ الجُمعة، فمعنى ذلك أنها واجبة أَمْ
فرض كفاية؟
أنها واجبة
بفضلِ اللهِ ربِّ العالمين.
*وصلاة العيد كما تعلم في يومِ عيدِ الفطر تتأخر حتى
يؤديَ زكاةَ الفطرِ مَن لم يُؤدِّها، وأمَّا في عيد الأضحى؛ يتعَجَّلُ بها الإمام حتى
ينصرفَ الناس من أجلِ يُضحُّوا بأُضحياتِهم.
*ليس لها أذانٌ
ولا إقامة ولا قَوْل: الصلاة جامعة كما كانوا يصنعون.
«خطبةُ العيد»
*الخُطبة تكون
بعد الصلاة، تبدأ بالحمدِ وليس بالتكبير، وهناك تخيير
في حضور الخطبة، كان النبيُّ ﷺ إذا صلَّى؛ انصرف إلى القوم؛ فقال: «إنَّا نخطُب، فمَن أراد أن يسمع الخطبة –أن
يجلس فليجلس ومن أراد أن ينصرف فلينصرف-، إنَّا نخطب
فمَن أحبَّ أن يجلسَ للخطبةِ فليجلس، ومن أحبَّ أن يذهبَ فليذهب».
«مخالفات مشتهرة يوم العيد»
ونحرصُ إن شاء
الله –تبارك وتعالى- على ألَّا نأتي بشيءٍ من الأشياء
المُخالِفة لهدْي نبيِّنا ﷺ من المُنكرات التي تحدثُ في يومِ العيد؛ مِن
التَّزيُّنِ بحَلْقِ اللحية وهو الأمرُ الذي عليه أكثر الرجال، ومصافحةِ النساء
الأجنبيات, والتَّشَبُّهِ بالكُفار والغربيين في الملابسِ, واستماعِ المعازفِ,
وغيرِ ذلك من اتخاذِ المُنكرات، فإنَّ النبيَّ ﷺ يقول: «مَن تشبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنهُم».
والنبيُّ ﷺ
يريدُ هذه الأُمة أنْ تكونَ متميزةً في كلِّ شيءٍ، وكذلك من المُنكرات: تَبَرُّج
النساء.
«تخصيص يوم العيد بزيارةِ القبور بدعة»
وكذلك تخصيص يوم
العيد بزيارةِ القبور، يوم العيد تجدُ الناس يذهبون إلى القبورِ وهذا لا يجوز، هذا
الذي يحدثُ في يومِ العيدِ من ذهابِ النساء والرجال –وهو
أفحش؛ أن تخرجَ المرأةُ إلى المقابر في يومِ العيد هذا أفحش-، فخروجُ الرجال
والنساء إلى المقابرِ في يومِ العيد هذا ليس مِن هَدي رسول الله، بل هو بدعة من
البدعِ المَرذُولَة وليس عليها دليل؛ لا مِن الكتاب ولا من السُّنَّة.
«حديثٌ مُشتهر لا يَصِحُّ»
البدع التي
يفعلها كثير من المتمشيخين بدعوى التقرُّب إلى اللهِ –تبارك
وتعالى- فهذا كله من الأشياء التي لا تجوز،لأن الحديث الذي يُقال إنه قاله النبيُّ
ﷺ حديث موضوع غير ثابت وهو: مَن أحيَا ليلة الفطر والأضحى؛ لم يمُت قلبُه يوم تموت
القلوب، هذا حديثٌ موضوع، هذا ليس بحديث أصلًا وإنما هو كذبٌ مُختلَقٌ على رسول
الله: مَن أحيا ليلة الفطر والأضحى؛ لم يمُت قلبُه يوم تموت القلوب؛ لا تجوزُ
نسبتهُ إلى رسول الله ﷺ.
«التهنئةُ يوم العيد»
التهنئةُ يوم
العيد –كما تعلم- يقولُ بعضُهم لبعض: «تقبلَّ اللهُ منَّا ومنكُم»،
إذا لقيت أَخَاكَ تقول له: «تقبلَّ اللهُ
مِنَّا ومِنكُم».
«مُختَصَر مِن محاضرة: أحكامُ العيدِ والصَّلاةُ في المُصَلَّى» و«محاضرة: جُملة من أحكام
العيدين»
مزيد من المطويات الدعوية