((الدَّرْسُ السَّادِسُ: احْذَرُوا عَوَاقِبَ الذُّنُوبِ!))


 ((الدَّرْسُ السَّادِسُ:

احْذَرُوا عَوَاقِبَ الذُّنُوبِ!))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَسْتَنْزِلُ النِّقْمَةَ، وَأَنَّ شُؤْمَ الْمَعْصِيَةِ يَظَلُّ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ رُفِعَتِ النِّقْمَةُ.. نَعَمْ، كَمَا ظَلَّتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ مِنْ آثَارِ النِّقَمِ بَاقِيَةً فِي دُنْيَا اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ آثَارِ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

 

فَإِنَّ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَمَرَ بِرَفْعِ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ؛ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِقَلْبِهَا، فَقُلِبَتْ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا حِجَارَةً تَتَهَادَى، فَجَمَعَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَيْنِ.

وَكَمَا جَمَعَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ الْعَذَابَيْنِ لَمَّا كَذَّبُوا، فَأَغْرَقَهُمْ، فَالْأَجْسَادُ لِلْغَرَقِ، وَالْأَرْوَاحُ لِلْحَرَقِ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

فَكُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْمُهْلَكِينَ السَّابِقِينَ قَبَضْنَا عَلَيْهِمْ قَبْضَ إِهْلَاكٍ؛ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ الشَّنِيعِ الَّذِي اقْتَرَفَهُ، فَمِنْهُمُ الَّذِينَ رُمُوا بِالْحَصَى الصِّغَارِ، وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ فِي أَرْضِ (سَدُومَ)، وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَّبْنَاهُ وَأَهْلَكْنَاهُ بِالصَّرْخَةِ الشَّدِيدَةِ، وَهُمْ ثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَّبْنَاهُ وَأَهْلَكْنَاهُ بِالْخَسْفِ، فَغَاصَ فِي الْأَرْضِ هُوَ وَدَارُهُ وَمَالُهُ؛ كَقَارُونَ وَأَصْحَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَّبْنَاهُ وَأَهْلَكْنَاهُ بِالْإِغْرَاقِ، وَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.

وَمَا كَانَ اللهُ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ لِيَظْلِمَهُمْ بِالْهَلَاكِ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِالْإِشْرَاكِ، وَارْتِكَابِ الْجَرَائِمِ الْعُظْمَى.

وَلَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى دِيَارِ ثَمُودَ؛ أَمَرَ بِأَنْ يَمُرُّوا مُسْرِعِينَ، وَأَلَّا يَدْخُلُوا دِيَارَ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ؛ لِشُؤْمِ النِّقْمَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ.

وَكَانَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَدْ أَخَذَ مَاءً مِنْ بَعْضِ الْآبَارِ مِنْ دِيَارِ الْقَوْمِ الْمُهْلَكِينَ الْمُعَذَّبِينَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، فَعُجِنَ بِهِ بَعْضُ الدَّقِيقِ، فَصَارَ عَجِينًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَلَّا يُسْتَقَى مِنْ آبَارِهِمْ، وَأَلَّا يُشْرَبَ مِنْ أَمْوَاهِ دِيَارِهِمْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعْلَفَ بِهَذَا الْعَجِينِ الَّذِي قَدْ خَالَطَهُ الْمَاءُ الَّذِي أُخِذَ مِنْ آبَارِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ.. أَنْ تُعْلَفَ بِهِ النَّوَاضِحُ -جَمْعُ نَاضِحٍ: وَهِيَ النَّاقَةُ، أَوِ الْبَعِيرُ يُسْتَسْقَى بِهِ الْمَاءُ مِنَ الْبِئْرِ-، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ لِشُؤْمِ الْمَعْصِيَةِ الَّذِي مَا زَالَ قَائِمًا؛ حَتَّى فِي الْمِيَاهِ، فِي الْآبَارِ، فِي الدِّيَارِ!! أَلَّا تَمُرُّوا عَلَى دِيَارِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا مُسْرِعِينَ مُسْتَغْفِرِينَ مُوَحِّدِينَ مُهَلِّلِينَ؛ حَتَّى لَا يَنْزِلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْءٌ، وَقَدْ بَادُوا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ وَلَكِنْ شُؤْمُ الْمَعْصِيَةِ بَاقٍ فِي أَرْضِ اللَّهِ.

فَيَا للَّهِ كَمْ تَفْعَلُ الْمَعْصِيَةُ بِشُؤْمِهَا فِي أَرْضِ اللَّهِ؟!!

فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟!!

وَاضِحٌ صَرِيحٌ، كُلُّ مَا يُعَانِيهِ النَّاسُ؛ مِنْ أَلَمٍ، وَمِنْ هَمٍّ، وَمِنْ غَمٍّ، وَمِنْ حَزَنٍ، وَمِنْ نَصَبٍ، وَمِنْ وَصَبٍ؛ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.

أَوَيَحْسَبُ الْخَلْقُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ -فَاضِلًا وَغَيْرَ فَاضِلٍ، مُطِيعًا وَعَاصِيًا- الْمَرْحُومَةِ أَنَّهُمْ -أَبْعَاضًا وَمَجْمُوعًا- خَيْرٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟!!

لَمَّا عَصَوْا أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنْزَلَ بِهِمُ الْكَسْرَةَ، وَأَعْقَبَهُمْ فِي عَرَصَاتِ أُحُدٍ الْحَسْرَةَ، وَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ لَمَّا أَخَذُوا يَتَدَاوَلُونَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ مُتَعَجِّبِينَ؛ أَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟!! أَلَيْسُوا بِالْكَافِرِينَ؟!! أَلَيْسُوا بِعَابِدِي الْأَوْثَانِ، وَالسَّاجِدِينَ لِلْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ؟!!

أَلَيْسُوا.. أَلَيْسُوا؟! كُلُّ ذَلِكَ كَانَ..

أَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟!!

أَلَيْسَ بِالرَّسُولِ الْأَمِينِ ﷺ؟!!

كُلُّ ذَلِكَ كَائِنٌ؛ فَكَانَ مَاذَا؟!!

قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وَمَا أَصَابَكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- مِنْ مُصِيبَةٍ مَكْرُوهَةٍ عَامَّةٍ تَشْمَلُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ، أَوْ قَوْمًا مِنَ الْأَقْوَامِ؛ فَبِسَبَبِ مَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؛ جَزَاءً، أَوْ تَرْبِيَةً، أَوْ تَذْكِيرًا بِالْجَزَاءِ الْأَكْبَرِ، وَيَمْحُو مِنْ سِجِلِّ الْمُؤَاخَذَةِ كَثِيرًا مِنَ الذُّنُوبِ.

وَقَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

وَضَعَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي تَدَابِيرِ تَقْدِيرِهِ وَقَضَائِهِ بِمُجَازَاةِ عِبَادِهِ مُجَازَاةً تَأْدِيبِيَّةً تَحْذِيرِيَّةً مَثَلًا وَاقِعِيًّا قَرِيبًا، هَذَا الْمَثَلُ مَا أَنْزَلَهُ بِأَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَةِ رَسُولِ رَبِّهِمْ؛ بَلْ آذَوْهُ، وَقَاوَمُوا دَعْوَتَهُ؛ كِبْرًا وَعِنَادًا.

وَكَانَتْ مَكَّةُ ذَاتَ أَمْنٍ، لَا يُهَاجُ أَهْلُهَا، وَلَا يُغَارُ عَلَيْهِمْ، قَارَّةً بِسُكَّانِهَا، لَا يَحْتَاجُونَ لِلِانْتِقَالِ عَنْهَا، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا وَاسِعًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَكَفَرَ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ بِسَائِرِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَقَابَلُوا نِعَمَهُ بِالْجُحُودِ وَالْكُفْرِ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَكَذَّبُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ جُوعًا عَامًّا وَخَوْفًا شَامِلًا كَانَا عَلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ كَاللِّبَاسِ الشَّامِلِ لِجَسَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَهَذَا التَّعْذِيبُ بِالْمَصَائِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ كُفْرِيَّاتٍ وَ      جَرَائِمَ بِتَعْذِيبِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَلْنَحْذَرْ مِنَ الذُّنُوبِ وَعَوَاقِبِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ عَلَى مَنْ أَتَى بِأَسْبَابِ الْعِقَابِ، وَهُوَ الْكُفْرُ، وَالذُّنُوبُ؛ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَتَعَدُّدِ مَرَاتِبِهَا؛ قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} [الطلاق: 8-10].

((وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مُجَمَّعَاتٍ سَكَنِيَّةٍ عَصَوْا وَطَغَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَأَمْرِ رُسُلِهِ، فَحَاسَبْنَاهُمْ حِسَابًا شَدِيدًا بِالتَّدْقِيقِ وَالِاسْتِقْصَاءِ لِكُلِّ ذُنُوبِهِمْ، فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُ شَيْئًا، وَعَذَّبْنَاهُمْ عَذَابًا مُنْكَرًا فَظِيعًا.

فَتَجَرَّعُوا سُوءَ مَآلِ أَمْرِهِمْ، وَجَزَاءَ كُفْرِهِمْ، وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ خُسْرَانًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ بَاعُوا نَعِيمَ الْآخِرَةِ بِخَسِيسٍ فِي الدُّنْيَا قَلِيلٍ)) .

هَيَّأَ اللهُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ عَذَابًا شَدِيدًا يَنْزِلُ بِهِمْ كَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ؛ فَاتَّقُوا اللهَ، وَاحْذَرُوا سَخَطَهُ وَعِقَابَهُ، وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ يَا ذَوِي الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ الْوَاعِيَةِ الدَّرَّاكَةِ الَّتِي تَعْقِلُ الْمَعَارِفَ فَتُمْسِكُ بِهَا، وَتَعْقِلُ النُّفُوسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ، الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ، وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ، قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- بِمَا أَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ ﷺ ذِكْرًا تَذْكُرُونَهُ آنًا فَآنًا، وَتَتَدَبَّرُونَ آيَاتِهِ، وَتَتَفَكَّرُونَ فِي مَعَانِيهِ، وَتَعْمَلُونَ بِأَحْكَامِهِ وَوَصَايَاهُ.

وَقَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11].

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَجَحَدُوا الْحَقَّ، وَأَنْكَرُوهُ؛ لَنْ تَدْفَعَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ شَيْئًا إِنْ وَقَعَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَنْ تَدْفَعَهُ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

وَأُولَئِكَ الْبُعَدَاءُ الْمُنْحَطُّونَ إِلَى جِهَةِ الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ هُمْ حَطَبُ جَهَنَّمَ، تَشْتَعِلُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

إِنَّ عَادَةَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فِي تَكْذِيبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَجُحُودِ الْحَقِّ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ كَعَادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ سَبَقُوا فِرْعَوْنَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ؛ مِثْلَ عَادٍ، وَثَمُودَ، وَغَيْرِهِمْ، كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الْكَوْنِيَّةِ، وَالْبَيَانِيَّةِ، وَالْإِعْجَازِيَّةِ، وَالْجَزَائِيَّةِ الْعِقَابِيَّةِ، فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ أَخْذَ إِهْلَاكٍ شَامِلٍ مَقْرُونٍ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ.

وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ جَحَدَ الْحَقَّ وَأَنْكَرَهُ، وَكَذَّبَ رُسُلَهُ.

إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَعُدِ النَّاسُ إِلَى رَبِّ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ؛ سَامَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُوءَ الْعَذَابِ؛ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ} [الزمر: 7].

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر: دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ-الجزء الأول

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَعْظَمُ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
  اتَّقُوا اللهَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ!
  مِنْ ثَمَرَاتِ بِرِّ الْأُمِّ: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وَالْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: الصِّيَامُ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَرْبِيَةُ الْأَبْنَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
  حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَأَدِلَّتُهَا
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَوَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ
  خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ أَخِيهِ
  أَدَبُ خَفْضِ الصَّوْتِ
  التَّحْذِيرُ مِنْ بِدْعَةِ التَّكْبِيرِ الْجَمَاعِيِّ
  أَثَرُ كَلَامِ الرَّحْمَنِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: تَرْبِيَتُهُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ
  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الْمَشْرُوعُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان