لِمَاذَا يُدَمِّرُونَ دِمَشْقَ الْخِلَافَةَ؟!!


((لِمَاذَا يُدَمِّرُونَ دِمَشْقَ الْخِلَافَةَ؟!!))

عِبَادَ اللهِ! لِمَاذَا يُدَمِّرُونَ الْحَوَاضِرَ الْعَرَبِيَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ؟!!

لِمَاذَا يُسَوُّونَهَا بِالْأَرْضِ؟!!

لِمَاذَا يَتْرُكُونَهَا يَبَابًا بَلْقَعًا، وَخَرَابًا قَدْ سُوِّيَتْ بِالْأَرْضِ أَطْلَالُهُ؟!!

هَذَا أَمْرٌ قَدِيمٌ.

الْأَمْرِيكَانُ أَرَادُوا أَنْ يُسَوُّوا بَغْدَادَ -دَارَ الْخِلَافَةِ الْعَتِيدَةِ- بِالْأَرْضِ، وَأَنْ يَتْرُكُوهَا لِيَنْعَقَ الْبُومُ عَلَى أَطْلَالِهَا؛ لِيَدَعُوهَا أَثَرًا مِنْ بَعْدِ عَيْنٍ، لِمَاذَا؟!!

لِيُنْشِئُوا عَلَى أَنْقَاضِهَا الْبَائِدَةِ مَدِينَةً أَمْرِيكِيَّةً جَدِيدَةً، تُعَبِّرُ تَعْبِيرًا فَصِيحًا عَنِ الْعَبْقَرِيَّةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ، وَالْفَنِّ الْأَمْرِيكِيِّ، وَالْجَمَالِ الْأَمْرِيكِيِّ، وَالرِّقَّةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ!!

يَعْمُرُهَا يَوْمَئِذٍ شَعْبٌ أَمْرِيكِيٌّ أَصِيلٌ كَرِيمُ الْمَحْتِدِ، يَخْدُمُهُ شَعْبٌ عَرَبِيٌّ مُسْتَأْنَسٌ مُرَوَّضٌ تَرْوِيضًا حَسَنًا عَلَى إِلْفِ الْعَادَاتِ الْأَمْرِيكِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَالْفُجُورِ الْأَمْرِيكِيِّ الْخَالِدِ، يَرْتَدِي الْجِينْز وَيَأْكُلُ الْبِيتزَا! وَيَصِيرُ أَمْرِيكِيًّا إِلَى النُّخَاعِ!!

وَلَيْسَ الَّذِي حَدَثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ((الْجَزَائِرِ)) عَنْكَ بِبَعِيدٍ، أَلَمْ يَخْتِلُوا الشَّعْبَ الْجَزَائِرِيَّ الْعَرِيقَ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ، لِسَانُهُ الْعَرَبِيَّةُ الشَّرِيفَةُ، وَدِينُهُ الْإِسْلَامُ الْحَنِيفُ، أَلَمْ يَخْتِلُوهُ عَنْ لُغَتِهِ، حَتَّى تَطَلَّبَ الْأَمْرُ بَعْدَ الْجَلَاءِ جُهْدًا مُضْنِيًا، وَعَذَابًا شَاقًّا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُودَ اللِّسَانُ الْجَزَائِرِيُّ مِنْ فَرَنْسِيَّتِهِ الْحَادِثَةِ إِلَى عَرَبِيَّتِهِ التَّالِدَةِ، وَمَا كَادَ يَعُودُ، وَمَا زَالَتِ اللُّكْنَةُ بِالْأَلْسِنَةِ عَالِقَةً، وَمَا زَالَتِ الْعَادَاتُ الْفَرَنْسِيَّةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّوَاحِي غَالِبَةً؟!!

هَذَا هُوَ الْخَبِيءُ، وَهُوَ الَّذِي يَحْدُثُ الْيَوْمَ فِي طَرَابُلْسِ الْغَرْبِ، يُرِيدُونَهَا غَرْبِيَّةً، لَا غَرْبِيَّةً نِسْبِيَّةً -أَيْ: هِيَ غَرْبِيَّةٌ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ-، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَهَا غَرْبِيَّةً بِإِطْلَاقٍ، صَلِيبِيَّةً مُلْحِدَةً وَثَنِيَّةً كَافِرَةً، وَلَنْ يَكُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَهَذَا مَا يُرِيدُونَ إِلَى الْيَوْمَ فِي الْحَوَاضِرِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي كَانَتِ الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْهَا تُسَاسُ، كَمَا فَعَلُوا فِي بَغْدَادَ، كَمَا فَعَلُوا فِي بَغْدَادِ الرَّشِيدِ الَّتِي كَانَتِ الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْهَا تُدَارُ، بَغْدَادُ الْعِلْمِ، وَالْحَضَارَةِ، وَلَا يَجْرُؤُونَ عَلَى الْمُوَاجَهَةِ، جُبَنَاءُ!! يُفْزِعُهُمْ أَدْنَى صَوْتٍ!! وَإِنَّمَا شَدَّ مِنْ أَزْرِهِمْ وَأَقَامَ أَوَدَهُمْ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ مَنْتُوجٍ حَدِيٍثٍ هَدَى إِلَيْهِ الْعَقْلُ فِي الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ، حَرْبُ الْأَزْرَارِ يَا صَاحِبِي، لَا شَجَاعَةَ فِيهَا!!

الرَّجُلُ هُنَالِكَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَهُوَ يُصَوِّبُ عَلَى الْآمِنِينَ الْمُسَالِمِينَ الْعُزَّلِ مِنَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، مِنَ الصُّوَّمِ الْقَائِمِينَ، مِنْ غَيْرِ مُوَاجَهَةٍ، بِلَا شَجَاعَةٍ وَلَا إِقْدَامٍ.

وَكُنْتَ تَرَى كَمَا رَأَتِ الْجَمَاهِيرُ الْعَرَبِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ، وَكَمَا رَأَتِ الْجَمَاهِيُر الْأَعْجَمِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ فِي طِبَاقِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، رَأَتْ ضَرْبَ بَغْدَادَ بِالصَّوَارِيخِ وَالْقَنَابِلِ مِنْ بَعِيدٍ وَقَرِيبٍ، وَكَيْفَ كَانَتِ الْأَضْوَاءُ بِلَيْلٍ وَالتَّصْوِيرُ قَائِمٌ، كَأَنَّهَا الْأَلْعَابُ النَّارِيَّةُ!!

وَالْأَطْفَالُ يُشَاهِدُونَ كَأَنَّهُمْ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى مُسَلْسَلٍ مِنْ مُسَلْسَلَاتِ الرُّعْبِ، فَيَصِيحُيونَ وَيَعْبَثُونَ وَحَاضِرَةُ حَوَاضِرِهِمْ تُدَمَّرُ، وَأَبْنَاءُ جِلْدَتِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ يُقَتَّلُونَ وَيُذَبَّحُونَ وَيُشَرَّدُونَ، وَيُدْفَنُونَ تَحْتَ الْأَنْقَاضِ، وَيُسْتَعْمَلُ مَعَهُمْ كُلُّ عُنْصُرٍ مُشِعٍّ مِمَّا تُحَرِّمُهُ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ وَالْقَوَانِينِ.

وَهُوَمَا يُدَبَّرُ لِكُلِّ حَاضِرَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وَيُنَفَّذُ تَنْفِيذًا، وَهُوَ قَائِمٌ الْيَوْمَ فِي طَرَابُلْسِ الْغَرْبِ، الْأَغْتَامُ الْأَعْجَامُ الْأَعَاجِمُ الْكَفَرَةُ الصَّلِيبِيُّونَ، مَا لَهُمْ وَلَنَا! يُنْجِدُونَ الْعُزَّلَ! فَلِمَ أَهْلَكْتُمُوهُمْ فِي الْعِرَاقِ؟!!

لِمَ دَمَّرْتُمُوهُمْ فِي أَفْغَانِسْتَان؟!!

لِمَ تَتَبَّعْتُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟!!

لِمَ ضَيَّقْتُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي ثَرْوَاتِهِمْ وَفِي دِيَارِهِمْ وَفِي أَحْوَالِهِمْ وَفِي مَعَائِشِهِمْ؟!!

لِمَ تَتَبَّعْتُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ صَقْعٍ وَنَجْعٍ؟!!

لِمَ خَرَّبْتُمْ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ؟!!

وَلِمَاذَا اسْتَلَبْتُمْ ثَرْوَاتِهِمْ لُصُوصًا فَجَرَةً؟!!

وَلَكِنْ يَا صَاحِبِي لَا تَلُمْ لِصًّا تَمَكَّنَ مِنْ ثَرْوَةٍ عَظِيمَةٍ نَامَ عَنْهَا حَارِسُهَا، لَا تَلُمْ ذِئْبًا ضَارِيًا عَلَى الشِّيَاةِ نَامَ عَنْهَا وَغَفَلَ حَارِسُهَا، لَا تَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَكَ!!

أُمَّةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَيْقِظَ!!

أَلِهَؤُلَاءِ تَارِيخٌ؟!

هَؤُلَاءِ لَا تَارِيخَ لَهُمْ أَصْلًا! هَؤُلَاءِ الْوُحُوشُ كَانُوا كَالذِّئَابِ الضَّارِيَةِ

فَانْظُرْ كَيْفَ اسْتُبِيحَتْ بَغْدَادُ؟!! بَغْدَادُ الرَّشِيدِ، بَغْدَادُ الْحَضَارَةِ، بِالثَّارَاتِ الْقَدِيمَةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُدَمَّرَ الْحَضَارَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْعَرَبِيَّةُ، بَلْ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُدَمَّرَ الْحَضَارَةُ الْعِرَاقِيَّةُ الْقَدِيمَةُ عَلَى وَثَنِيَّتِهَا وَكُفْرِهَا، وَلَكِنْ حَتَّى تَصِيرَ أُمَّةً بِلَا تَارِيخٍ.

وَلَوْ أَنَّكَ نَظَرْتَ فِي الدُّوَلِ الَّتِي ضُرِبَتْ بِمَا سُمِّيَ بِالرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ، تُونُسُ قُرْطَاج، مِصْرُ الَّتِي هَزَمَتِ الصَّلِيبِيِّينَ وَالتَّتَارَ وَهِيَ تُدَافِعُ عَنِ الْإِسْلَامِ مَا أَمْكَنَ، صَخْرَةٌ تَنْحَسِرُ عِنْدَ أَقْدَامِهَا أَمْوَاجُ الْعُتَاةِ وَالْعُصَاةِ وَالْغُزَاةِ.

وَقَدْ حَاوَلُوا أَيْضًا فِي الْمَغْرِبِ وَأْدَ حَضَارَتِهَا، وَكَذَلِكَ فِي سُورِيَّةَ فِي دِمَشْقَ رَمْزِ الْحَضَارَةِ؛ حَضَارَةِ الْأُمَوِيِّينَ، وَكَانَتْ عَرَبِيَّةً خَالِصَةً مَعَ مَا شَابَهَا، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

 

المصدر:فَضْلُ الدِّفَاعِ عَنِ الْأَوْطَانِ وَالْعَمَلُ عَلَى وَحْدَةِ صَفِّهَا

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْحَلِيمُ الْوَدُودُ
  وَسَائِلُ سَلَامَةِ الْقَلْبِ
  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  خُطُورَةُ الشَّائِعَاتِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  الدرس الرابع والعشرون : «سَلَامَةُ الصَّدْرِ»
  أَفْضَلُ الصُّوَّامِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ
  الْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  وَسَائِلُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ السَّعِيدَةِ
  آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  وُجُوبُ الْتِزَامِ النِّظَامِ الْعَامِّ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ
  سَبِيلُ نَجَاتِكَ إِمْسَاكُ لِسَانِكَ إِلَّا عَنْ خَيْرٍ!
  رَحْمَةُ اللهِ بِمَنْ يَقْضِي حَاجَةَ كَلْبٍ؛ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِكُمْ؟!!
  أَمْرُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ فِي كِتَابِهِ
  حُسْنُ مُعَامَلَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْوُفُودِ وَحَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ
  اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِالْفَرْحَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان