((احْتِرَامُ دِمَاءِ النَّاسِ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَةِ الإِسْلَامِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اِحْتِرَامَ دِمَاءِ النَّاسِ، وَاِحْتِرَامَ أَمْوَالِهِمْ أَمْرٌ قَرَّرَتْهُ شَرِيعَةُ الإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ شَرَائِعُ اللهِ كُلُّهَا، وَأَكْمَلُهَا شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَعْظِيمُ أَمْرِ القَتْلِ، وَبَيَانُ خَطَرِهِ فِي الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ:
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30].
وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وَقَالَ ﷺ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ -أَيْ: نَصِيبٌ- مِنْ دَمِهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».
وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ رَسُولِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِلخَضِرِ:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} [الكَهْف: 74].
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [القصص: 15- 16].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [البقرة: 84].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
فَالْأَصْلُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْرَاضَهَمْ مُحَرَّمَةٌ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ, لَا تَحِلُّ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْ اللهِ ورَسُولِهِ.
النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا خَطَبَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
وَقَالَ ﷺ: ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ, دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا؛ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ)).
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟
قَالَ: ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)).
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)).
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)).
وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا؛ سَفْكُ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغِيْرِ حِلِّهِ)).
وَالْوَرْطَاتُ: جَمْعُ وَرْطَةٍ، وَهِيَ الشَّيْءُ الَّذِي قَلَّ مَا يَنْجُو مِنْهُ أَوْ هِيَ الْهَلَاكُ، ((إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا -أَيْ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا- سَفْكُ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ -أَيْ: بِغَيْرِ حَقٍّ يُبِيحُ الْقَتْلَ-)).
فَهَذَا كُلُّهُ تَشْدِيدٌ فِي الدِّمَاءِ وَبَيَانٌ عَظِيمٌ لِحُرْمَتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
المصدر: نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ