وَسَائِلُ لِتَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ


((وَسَائِلُ لِتَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ))

*مِنَ الْوَسَائِلِ النَّافِعَةِ؛ لِيَكُونَ الْمُسْلِمُ إِيجَابِيًّا نَافِعًا فِي مُجْتَمَعِهِ: تَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ:

*فَأَوَّلُ تِلْكَ الْوَسَائِلِ: هُوَ أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ الْإِخْلَاصِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ، وَالْإِخْلَاصُ هُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّقْوَى الَّتِي أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27].

*وَمِنَ الْوَسَائِلِ: تَعَلُّمُ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ:

عِبَادَ اللهِ! تَعَلَّمُوا وَعَلِّمُوا عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ، وَهِيَ سَفِينَةُ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، أَحْسِنُوا فِيمَا هُوَ آتٍ، أَحْسِنُوا فِيمَا بَقِيَ؛ حَتَّى يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ مَا مَضَى، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أُخِذْتُمْ بِمَا بَقِيَ وَمَا مَضَى عَلَى السَّوَاءِ.

فَالتَّوْحِيدُ مَلْجَأُ الطَّالِبِينَ، وَمَفْزَعُ الْهَارِبِينَ، وَنَجَاةُ الْمَكْرُوبِينَ، وَغِيَاثُ الْمَلْهُوفِينَ، وَحَقِيقَتُهُ إِفْرَادُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ.

*وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْعَظِيمَةِ لِتَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ: الْعُكُوفُ عَلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:

لِنُوَجِّهْ أَنْفُسَنَا إِلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَلْنُوَجِّهْ أَهْلِينَا إِلَيْهِ،  فَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِتَرْكِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لِلنَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.

وَعَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُدَاوِمُوا عَلَى ذِكْرِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُذِيبُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ إِلَّا ذِكْرُ اللهِ، وَلَا يَتَأَتَّى الرِّزْقُ فِي أَحْسَنِ أَحْوَالِهِ إِلَّا بِإِدَامَةِ ذِكْرِ اللهِ.

*مِنْ أَعْظَمِ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْإِيجَابِيَّةِ بِلُزُومِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ:

عِبَادَ اللهِ! كَمْ لِلْإِيمَانِ الصَّحِيحِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالثَّمَرَاتِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ فِي الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالرَّاحَةِ، وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَكَمْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ الْإِيمَانِيَّةِ مِنَ الثِّمَارِ الْيَانِعَةِ، وَالْجَنَى اللَّذِيذِ، وَالْأُكُلِ الدَّائِمِ، وَالْخَيْرِ الْمُسْتَمِرِّ؛ أُمُورٌ لَا تُحْصَى، وَفَوَائِدُ لَا تُسْتَقْصَى.

وَمُجْمَلُهَا: أَنَّ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَدَفْعَ الشُّرُورِ كُلِّهَا مِنْ ثَمَرَاتِ هَذِهِ الشَّجْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ إِذَا ثَبَتَتْ وَقَوِيَتْ أُصُولُهَا، وَتَفَرَّعَتْ فُرُوعُهَا، وَزَهَتْ أَغْصَانُهَا، وَأَيْنَعَتْ أَفْنَانُهَا؛ عَادَتْ عَلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى غَيْرِهِ بِكُلِّ خَيْرٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ.

*مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: أَنَّ صَاحِبَ الْإِيمَانِ يَهْدِيهِ اللهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيَهْدِيهِ فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، يَهْدِيهِ إِلَى عِلْمِ الْحَقِّ، وَإِلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَإِلَى تَلَقِّي الْمَحَابِّ وَالْمَسَارِّ بِالشُّكْرِ، وَتَلَقِّي الْمَكَارِهِ وَالْمَصَائِبِ بِالرِّضَا وَالصَّبْرِ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9].

*وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: حُصُولُ الْفَلَاحِ، الَّذِي هُوَ إِدْرَاكُ غَايَةِ الْغَايَاتِ، فَإِنَّهُ إِدْرَاكُ كُلِّ مَطْلُوبٍ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ مَرْهُوبٍ، وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْوَسَائِلِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى -بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، وَالْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، اللَّتَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْظَمِ آثَارِ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، فَهَذَا هُوَ الْهُدَى التَّامُّ، وَالْفَلَاحُ الْكَامِلُ.

*وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ: الِانْتِفَاعُ بِالْمَوَاعِظِ وَالتَّذْكِيرُ بِالْآيَاتِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 77].

*وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِيمَانَ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الشُّكْرِ فِي حَالَةِ السَّرَّاءِ، وَالصَّبْرِ فِي حَالَةِ الضَّرَّاءِ، وَكَسْبِ الْخَيْرِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ.

كَمَا ثَبَتَ فِي ((الصَّحِيحِ)) عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ، فَكَانَ خَيرًا لهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ)).

وَالشُّكْرُ وَالصَّبْرُ هُمَا جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، فَالْمُؤْمِنُ مُغْتَنِمٌ لِلْخَيْرَاتِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ، رَابِحٌ فِي كُلِّ حَالَاتِهِ.

فَالْإِيمَانُ الصَّادِقُ الصَّحِيحُ يَصْحَبُهُ الْحَيَاءُ مِنَ اللهِ، وَالْحُبُّ لَهُ، وَالرَّجَاءُ الْقَوِيُّ لِثَوَابِهِ، وَالْخَوْفُ مِنْ عِقَابِهِ، وَالنُّورُ الَّذِي يُنَافِي الظُّلْمَةَ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ لَا رَيْبَ أَنَّهَا تَأْمُرُ صَاحِبَهَا بِكُلِّ خَيْرٍ، وَتَزْجُرُهُ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ.

*وَمِنْ وَسَائِلِ تَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ: الْعِلْمُ:

قَالَ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَزِيدَ الْعِلْمِ، وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا لِلْعِلْمِ أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ)).

*وَمِنْ وَسَائِلِ تَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ: التَّوَكُّلُ وَالْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ:

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ تَوَكَّلْتُم عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمُ اللَّهُ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَعُودُ بِطَانًا».

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَاعِدَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ فِي أَصْلِ هَذَا الدِّينِ:

*الْأُولَى: هِيَ قَاعِدَةُ التَّوَكُّلِ.

*وَالثَّانِيَةُ: قَاعِدَةُ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ.

وَالْحَدِيثُ يُفْهَمُ فَهْمًا مَضْبُوطًا، وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي فَهْمِهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْمَغْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ بِنَفْسِهِ فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ؛ فَإِنَّ الطَّيْرَ فِي الْوُكُنَاتِ وَفِي الْأَعْشَاشِ لَا تَبْقَى فِي أَعْشَاشِهَا، وَإِنَّمَا تُبَكِّرُ فِي الذَّهَابِ لِالْتِقَاطِ رِزْقِهَا.

يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلْتُم عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمُ اللَّهُ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو...»: وَالْغُدُوُّ: هُوَ الْخُرُوجُ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ، فَتَغْدُو هَذِهِ الطُّيُورُ مِنْ أَعْشَاشِهَا وَوُكُنَاتِهَا مِنْ أَجْلِ الْتِقَاطِ رِزقِهَا، مُبَكِّرَةً مَعَ خُيُوطِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، سَاعِيَةً فِي أَرْضِ اللهِ، لَكِنَّهَا لَا تَحْمَلُ لِرِزْقِهَا هَمًّا، وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَرْزُقُهَا كَمَا رَزَقَهَا الْحَيَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ رِزْقٍ.

وَالْحَيَاةُ وَالْأَجَلُ يَرْتَبِطَانِ بِالرِّزْقِ ارْتِبَاطًا مُبَاشَرًا، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَحْيَا كَائِنٌ حَيٌّ بِغَيْرِ رِزْقٍ، يَقُولُ النَّاسُ: «فُلَانٌ حَيٌّ يُرْزَقُ»، وَلَنْ تَجِدَ أَبَدًا أَنَّ فُلَانًا حَيٌّ لَا يُرْزَقُ، فَارْتِبَاطُ الْأَجَلِ بِالرِّزْقِ أَمْرٌ حَتْمِيٌّ بِصَيْرُورَةٍ تَمْضِي إِلَى الْمَوْتِ، وَحِينَئِذٍ لَا أَجَلَ وَلَا رِزْق.

فَالنَّبِيُّ ﷺ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الطُّيُورَ تَغْدُو مُبَكِّرَةً مِنْ أَعْشَاشِهَا، تَطْلُبُ رِزْقَهَا، تَلْتَقِطُهُ فِي جَنَبَاتِ الْأَرْضِ، لَا تَحْمِلُ لَهُ هَمَّا، «خِمَاصًا»: جَمْعُ أَخْمَصٍ، وَهَذَهِ الْحَوَاصِلُ الْخُمْصُ قَدِ الْتَزَقَتْ لُحُومُهَا بِبَعْضِهَا، بِحَيْثُ إِنَّهَا لَا تَحْوِي شَيْئًا، «تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَعُودُ بِطَانًا»؛ وَقَدِ امْتَلَأَتْ بُطُونُهَا وَحَوَاصِلُهَا، مِنْ أَيْنَ؟!!

مِنْ رِزْقِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

هَلْ قَدَّرَتْ لِذَلِكَ تَقْدِيرًا؟!!

هَلْ وَضَعَتْ لَهُ خُطَّةً لِلْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ اكْتِسَابِهِ؟!!

إِنَّمَا أَخَذَتْ بِالْأَسْبَابِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى رَبِّ الْأَسْبَابِ، بِحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ مِنْ قَيْدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ، وَيَدْخُلُ فِي أَسْرِ الْعُبُودِيَّةِ، فَهَذَا هُوَ التَّوَكُّلُ، أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، لَا يَدَّعِي رِزْقًا، وَلَا يَدَّعِي حَوْلًا وَلَا حِيلَةً؛ لِأَنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُهُ وَهُوَ رَازِقُهُ، وَهُوَ مَالِكُ أَمْرِهِ، وَنَاصِيتُهُ بِيَدِهِ.

وَهُوَ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ فِيهِ، وَلَا رَادَّ لِحُكْمِهِ فِيهِ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ فَهَذَا مَوْكُولٌ إِلَى الْعَبْدِ، وَلَا يُعَوِّلُ الْمَرْءُ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَأْخُذُونَ كَثِيرًا بِالْأَسْبَابِ وَلَا يُحَصِّلُونَ شَيْئًا مِنَ النَّتَائِجِ.

*وَمِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ تَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ تِجَاهَ الْمُسْلِمِينَ: أَنْ يُحِبَّ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ:

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَادِمِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ: نَفْيُ بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ وَنِهَايَتِهِ, كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ((لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ)).

وَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ ﷺ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى هَذِهِ الْخَصْلَةِ, فَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ الْقَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟)).

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: ((فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).

فِي الْجُمْلَةِ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ, وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ رَأَى فِي أَخِيهِ الْمُسْلِمَ نَقْصًا فِي دِينِهِ اجْتَهَدَ فِي إِصْلَاحِهِ.

هَلْ تَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ-؟!!

إِذَا رَأَى فِي أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَقْصًا فِي دِينِهِ اجْتَهَدَ فِي إِصْلَاحِهِ, أَيْ فِي إِصْلَاحِ هَذَا النَّقْصِ, وَإِنْ رَأَى فِي غَيْرِهِ فَضِيلَةً فَاقَ بِهَا عَلَيْهِ تَمَنَّى لِنَفْسِهِ مِثْلَهَا, فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ دِينِيَّةً كَانَ حَسَنًا. يَعْنِي: أَنْ يَتَمَنَّى ذَلِكَ، وَقَدْ تَمَنَّى النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) لِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.

فَبَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا عَظِيمًا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ بِهِ, وَتَكْمُلُ بِهِ خِصَالُهُ الْوَاجِبَةُ, أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءُ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا, وَيَكْرَهُ لَهُ مَا يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُخُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ.

 

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدرس السادس : «الأَمَانَةُ»
  عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
  مَبْنَى الْحَيَاةِ عَلَى الِابْتِلَاءِ
  مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ لِرَفْعِ شَأْنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ
  الْأَهْدَافُ السِّيَاسِيَّةُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ فِي الْقُدْسِ
  الْوَفَاءُ لِلْوَطَنِ
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  رِسَالَةُ نَبِيِّنَا ﷺ عَلَّمَتِ الْعَالَمَ السَّلَامَ وَالْقِيَمَ
  الشَّائِعَاتُ سِلَاحُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُغْرِضِينَ
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ سَبَبَا قُوًّةِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَنَصْرِهَا
  حَثُّ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  حُكْمُ الشَّرْعِ فِي تَعَدُّدِ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْأُمَّةِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيِ الْإِرْهَابِ وَكَيْفِيَّةِ مُوَاجَهَتِهِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان