((انْتِصَارُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر))
هَذِهِ الْأُمَّةُ تَصَدَّتْ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ لِلْيَهُودِ، مِنْ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَصَيْحَتُهُمْ: «اللهُ أَكْبَرُ».
فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَامِ فِي السَّادِسِ مِنَ الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْفٍ مِنَ التَّارِيخِ النَّصْرَانِيِّ (6/10/1973)، لمَّا رُفِعَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ، وَعَلَتْ كَلِمَةُ التَّكْبِيرِ؛ نَصَرَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ المُسْلِمِينَ.
وَلَم يُنْصَرُوا إِلَّا بِالْإِسْلَامِ العَظِيمِ، وَلَنْ يُنْصَرَ المُسْلِمُونَ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَلَا فِي أَيِّ زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ، وَلنْ تَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ، وَلَنْ تُسمَعَ لهُمْ كَلِمَةٌ، وَلَنْ تُرْفَعَ لَهُمْ رَايَةٌ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَبِالتَّوْحِيدِ الكَرِيمِ.
فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ رَدَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى المُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَعَلَى المِصْرِيِّينَ وَجُنْدِ الشَّامِ خَاصَّةً بَعْضَ الكَرَامَةِ السَّلِيبَةِ، وَأَعَزَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- دِينَهُ، وَنَصَرَ جُنْدَهُ لمَّا فَاءَ النَّاسُ إِلَى الحَقِّ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ.
أَبَى اللهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَ عَلَى أَرْضِ الكِنَانَةِ دِينَهَا، وَعَلَى أَبْنَائِهَا إِسْلَامَهُمْ، وَأَنْ يُعِزَّهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِدِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ، وَتَحَطَّمَتِ الأُسْطُورَةُ أُسْطُورَةُ الشَّعْبِ الَّذِي يَدُهُ طُولَى، فَمَهْمَا أَرَادَ أَنْ يَصِلَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ وَصَلَ.
أَرَادَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُحَطِّمَ أُسْطُورَةَ الجَيْشِ الَّذِي لَا يُقْهَرُ، فَسِيمَ العَذَابَ، وَسَارَ كَالدَّجَاجِ لَا يَجِدُ مَأْوًى، وَقَدْ عَدَتْ عَلَيْهِ السِّبَاعُ.
وَنَصَرَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ المِصْرِيِّينَ وَجُنْدَ الشَّامِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَحَاقَ بِيَهُودٍ مَا كَانُوا يُوْعَدُونَ.
وَلَهَا أَخَوَاتٌ إِذَا عَادَ المُسْلِمُونَ إِلَى دِينِ الحَقِّ، وَفَاؤُوا إِلَى طَرِيقِ الرُّشْدِ، وَرَفَعُوا رَايَةَ التَّوْحِيدِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ».
وَكَذَبَ مَنْ قَالَ: «إِنَّ يَهُودَ لَمْ تَكُنْ تَخْشَى المُسْلِمِينَ بَعْدَ النَّكْبَةِ»، فَهَذَا وَهْمُ وَاهِمٍ وَخَيَالُ عَابِثٍ، إِنَّمَا كَانُوا مِنْهُمْ عَلَى الرَّهْبَةِ، وَالدَّلِيلُ مَا كَانَ؛ فَهَذَا مَانِعٌ مَائِيٌّ عَظِيمٌ، سُلِّطَتْ عَلَيْهِ أَنَابِيبُ النَّابَالْمِ، حَتَّى إِذَا مَا بَدَأَ المِصْرِيُّونَ فِي العُبُورِ لِذَلِكَ المَانِعِ المَائِيِّ اشْتَعَلَتِ القَنَاةُ نَارًا، فَأَعَدُّوا ذَلِكَ!
ثُمَّ أَعَدُّوا السَّدَّ التُّرابِيَّ، وَاجْتِيَازُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بشِبْهِ مُعْجِزَةٍ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ مَنْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، إِلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ «خَطِّ بَارْلِيفَ».
وَوَضَعُوا العَسْكَرِيَّةَ عَلَى المَحَكِّ؛ لِيَنْظُرَ العَالَمُ كُلُّهُ إِلَى هَذَا الجُنْدِ المُسْلِمِ مِنْ أَرْضِ الكِنَانَةِ، وَقَدْ صَدَّ قَبْلُ أَمْوَاجَ الهَمَجِيَّةِ التَّتَرِيَّةِ، وَأَمْوَاجَ الفَوْضَى الصَّلِيبِيَّةِ، وَكُلُّ غَازٍ أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ إِلَى دِيَارِ الإِسْلَامِ تَحَطَّمَ عَلَى صَخْرَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ المُبَارَكَةِ، وَبِسَواعِدِ أَبْنَائِهَا، تُحَرِّكُهَا عَزَمَاتُ إِيمَانِهَا بِقُلُوبِهَا، بِأَنَّهُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، وَأَنَّنَا إِنَّمَا نَدُورُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، وَهُمَا حُسْنَيَانِ مَعًا: ((إِمَّا النَّصْرُ، وَإِمَّا الشَّهَادَةُ))، فَجَازُوا تِلْكَ المَوَانِعَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَقِفْ فِي وَجْهِهِمْ شَيْءٌ، وَلَا صَدَّهُمْ عَنْ بُغْيَتِهِمْ.
فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ نَصَرَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ جُنْدَهُ، وَصَارَ إِخْوَانُ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ كَعَجُوزٍ تَلْطِمُ مُوَلْوِلَةً، تَسْتَجْدِي أُمَمَ الكُفْرِ العَتَادَ وَالسِّلَاحَ وَالمَؤُونَةَ، وَهَؤلَاءِ يَرْفَعُونَ شِعَارًا وَاحِدًا: «اللهُ أَكْبَرُ».
اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
اللهُ أَكْبَرُ مِنْ مَوَانعِ المَاءِ، وَمِنْ مَوَانِعِ التُّرَابِ وَسَوَاتِرِهَا.
اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ خَطِّ دِفَاعٍ.
اللهُ أَكْبَرُ مِنَ الطَّائِرَاتِ وَالدَّبَّابَاتِ، وَالمَدَافِعِ وَالصَّوَارِيخِ.
اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ عَادٍ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ.
اللهُ أَكْبَرُ مِنْ أُمَمِ الكُفْرِ كُلِّهَا.
فَكَانَ النَّصْرُ، وَهُوَ دَرْسٌ مَطْرُوحٌ كَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَمَا زَالَ دَرْسًا مَطْرُوحًا إِلَى اليَوْمِ، وَسَيَظَلُّ.. فَهَلْ مِنْ مُسْتَفِيدٍ؟!!
كَانَتْ مَوْقِعَةً مِنَ المَوَاقِعِ الظَّافِرَةِ، تُعِيدُ إِلَى العَالَمِ نَسَائِمَ المَاضِي البَعِيدِ، نَسَائِمَ يَوْمِ بَدْرٍ، نَسَائِمَ يَومِ عَيْنِ جَالُوتَ، تُعِيدُ إِلَى الأُمَّةِ نَسَائِمَ تُرَطِّبُ القُلُوبَ، وَتَحْنُو عَلَى الأَفْئِدَةِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الغَلَّابِ.
نَصَرَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ جُنْدَهُ، وَكَانَتِ الأُمَّةُ -وَكُنَّا حَاضِرِيهَا- عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَتَعْجَبُ.. كَيْفَ زَالَتِ الأَحْقَادُ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ؟!!
كَيْفَ انْمَحَقَتِ الأَحْسَادُ فِي ثَانِيَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا؟!!
كَيْفَ صَارَ النَّاسُ قَلْبًا وَاحِدًا نَابِضًا يَضْرَعُ إِلَى اللهِ بِأَكُفِّ ضَرَاعَةٍ نَقِيَّةٍ تَقِيَّةٍ، لَا سَارِقَةٍ، وَلَا غَاصِبَةٍ، وَلَا مُرْتَشِيَةٍ، وَلَا مُلَوَّثَةٍ بِدِمَاءِ تَعْذِيبِ البَشَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ خَاضِعَةٌ للهِ نَقِيَّةٌ، وَهِيَ ذَلِيلَةٌ للهِ تَقِيَّةٌ؟!!
كَيْفَ تَحَوَّلَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى قَلْبٍ تَقِيٍّ نَابِضٍ بِالصِّدْقِ، وَرُوحٍ مُوَحِّدَةٍ نَاطِقَةٍ بِالْحَقِّ؟!!
كَيْفَ تَكَاتَفَ النَّاسُ؟!!
كَيْفَ تَآزَرَ النَّاسُ؟!!
كَيْفَ تَعَاوَنُوا وَتَعَاضَدُوا؟!!
كَيْفَ فَزِعُوا جَمِيعًا إِلَى اللهِ لِيَنْصُرَ جُنْدَهُ؟!
وَكَانَ الجُنْدُ بَيْنَ النَّكْبَةِ وَالنَّصْرِ قَدْ رُبُّوا عَلَى مَعْرِفَةِ الحَقِّ، وَسَارَتْ فِيهِمْ دُعَاةٌ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ الهُدَى وَإِلَى دِينِ الحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَعَلَّمُوهُمْ مَعَانِيَ الجِهَادِ، وَعَرَفُوا مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَحَلَاوَةَ الِاسْتِشْهَادِ، وَلَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ عَنْ أَرْضٍ بِلَا هُوِيَّةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَرْضٌ إِسْلَامِيَّةٌ، إِذَا مَاتَ مُدَافِعٌ عَنْهَا فَقَدْ مَاتَ شَهِيدًا، فَهِيَ أَرْضُ الإِسْلَامِ.
هِيَ هَذِهِ الكِنَانَةُ.. كِنَانَةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ.
تِلْكَ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَتَحَطَّمُ عَلَيْهَا أَمْوَاجُ الغُزَاةِ بِفَضْلِ اللهِ.
وَهُمْ مِنْ أَرَقِّ النَّاسِ قُلُوبًا، ومِنْ أَخْشَعِهِمْ نُفُوسًا، وَمِنْ أَتْقَاهُمْ أَفْئِدَةً إِذَا عَرَفُوا الحَقَّ وَلَزِمُوهُ، وَقَدْ وَصَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَاصًّا بِقُطْرٍ وَلَا شَعْبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِعُمُومِ الأُمَّةِ بِجَمِيعِ أَجْنَاسِهَا، وَبِكُلِّ النَّاطِقِينَ بِلُغَتِهِمْ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ»، وَكَانَ نَصْرًا عَزِيزًا!
هُوَ دَرْسٌ يُسْتَلْهَمُ.
هُوَ: إِذَا تَمَسَّكْتُمْ بِدِينِ اللهِ نُصِرْتُمْ، وَإِذَا خَفَّتْ قَبْضَتُكُمْ عَلَى دِينِ رَبِّكُمْ كُسِرْتُمْ وَهُزِمْتُمْ.
وَلَنْ يَعُودَ إِلَيْكُمْ مَجْدُكُمْ، وَلَنْ يَحْتَرِمَكُمُ الْعَالَمُ.. إِلَّا بِتَمَسُّكِكُمْ بِدِينِكُمْ.
وَاحْتِرَامُ العَالَمِ لَكُمْ مَطْلُوبٌ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَحْتَرِمُوكُمْ فَلَنْ يَسْمَعُوا دَعْوَتَكُمْ، وَأَنْتُمْ أُمَّةٌ دَاعِيَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ، إِلَى الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، لَيْسَ لَكُمْ قِيمَةٌ إِلَّا بِهِ، فَقِيمَتُكُمْ بِإِسْلَامِكُمْ.
قِيمَتُكُمْ بِدِينِكُمْ..!
قِيمَتُكُمْ بِتَوْحِيدِكُمْ..!
المصدر:دَرَجَاتُ الْعَطَاءِ وَمَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ