فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْلَامُهَا


«فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْلَامُهَا»

*فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ:

ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ يُوسُفَ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ [يوسف: 99].

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: 21].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: 30].

وَالْمَدِينَةُ: مَنْفُ، وَالْعَزِيزُ: رَئِيسُ وُزَرَاءِ مِصْرَ حِينَئِذٍ.

وَقَالَ تَعَالَى:  ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].

وَهِي مَنْفٌ مَدِينَةُ فِرْعَوْنَ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: 20].

 هِيَ مَنْفٌ أَيْضًا.

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ وَافْتِخَارِهِ بِمِصْرَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].

وَقَالَ تَعَالَى حِينَ وَصَفَ مِصْرَ، وَمَا كَانَ فِيهِ آلُ فِرْعَوْنَ مِنَ النِّعْمَةِ، وَالْمُلْكِ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ مَشْرِقًا وَلَا مَغْرِبًا، وَلَا سَهْلًا وَلَا جَبَلًا، وَلَا بَرًّا وَلَا بَحْرًا: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين﴾ [الدخان: 25-27].

وَالْمَقَامُ الْكَرِيمُ: مِصْرُ، فَقَدْ كَرَّمَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَوَصَفَهَا بِالْكَرَمِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

فَهَلْ يُعْلَمُ أَنَّ بَلَدًا مِنَ الْبُلْدَانِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَثْنَى عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّنَاءِ، أَوْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ هَذَا الوَصْفِ، أَوْ شَهِدَ لَهُ بِالْكَرَمِ غَيْرَ مِصْرَ؟

*فَضْلُ مِصْرَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ في «الصَّحِيحِ» عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرُ، فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَكُم مِنْهُمْ صِهْرًا وَذِمَّةً».

وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

فَأَمَّا الرَّحِمُ: فَإِنَّ هَاجَرَ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِنَ الْقِبْطِ مِنْ قَرْيةٍ نَحْوَ (الْفَرَمَا)، يُقَالَ لَهَا -أَيْ: لِهَاجَرَ-: أُمُّ الْعَرَبِ.

وَأَمَّا الذِّمَّةُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ تَسَرَّى مِنَ الْقِبْطِ (مَارِيَةَ) أُمَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ ، وَهِيَ مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الصَّعِيدِ.

*الْأَعْلَامُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأُدَبَاءِ وَالْمُلُوكِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ:

وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَحْبَارِ وَالزُّهَّادِ, وَمَنْ دَخَلَهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ وَالْخَطَابَةِ، وَكُلُّ مَنْ بَرَعَ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ، أَوْ نَجَمَ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ، فَيَتَّسِعُ عَلَى الْحَاصِرِ حَصْرُهُ.

ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالرِّوَايَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مِصْرَ فِي فَتْحِهَا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ مِئَةُ رَجُلٍ وَنَيِّفٌ.

وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: «وَقَفَ عَلَى إِقَامَةِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ، مِنْهُمُ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَأَبُو ذَرٍّ, وَرَبِيعَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ بْنُ حَسَنَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَمْرُو ابْنُ عَلْقَمَةَ.

وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ، وَقَفُوا عَلَى قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ -مَسْجِدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بِأَفْرِيقِيَّةَ».

وَأَمَّا مَن كَانَ بِهَا مِنَ الفُقَهَاءِ والعُلَمَاءِ، فَمِنْهُم: يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَاللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَهُ مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الرَّشِيدَ مِنْ يَمِينِهِ الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا فُقَهَاءُ الدُّنْيَا.

 وَمِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ يَفُوقُ بِتَصْنِيفِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ، وَلَهُ مِنْ تَصْنِيفِهِ نَحْوُ مِئَةِ جُزْءٍ.

 وَمِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، لَهُ مَنْزِلَةٌ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأَخْبَارِ، وَمِنْهُمْ أَشْهَبُ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْمُزَنِيُّ.

وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ بَرَعَ فِي مَذْهَبِهِ، وَنَجَمَ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ نَظِيرِهَا سَائِرُ أَهْلِ الدُّنْيَا.

 

 

المصدر :  حب الوطن الإسلامي، وفضل الدفاع عنه، ومنزلة الشهادة في سبيل الله

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدِّفَاعُ عَنْ وَطَنِنَا الْإِسْلَامِيِّ جِهَادٌ شَرْعِيٌّ
  قِبْلَةُ المُسْلِمِينَ خَيْرُ القِبَلِ وَعِظَمُ شَرَفِ مَكَّةَ
  أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ
  مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ لِوَحْدَتِهَا
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  دَرَجَاتُ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ
  مِنْ أَسْمَى الْخِصَالِ الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةِ
  سِيرَةُ النَّبِيِّ ﷺ كَامِلَةٌ شَامِلَةٌ
  سُؤَالُ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ
  فَضْلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْقُرْآنِ
  عَدَمُ مُبَالَاةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ!!
  ثَمَرَاتُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وَصُوَرٌ مِنْ مُحَاسَبَةِ السَّلَفِ أَنْفُسَهُمْ
  نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ
  آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان