رَحْمَةُ الْإِسْلْامِ فِي فُتُوحَاتِهِ وَنَبْذُهُ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ


 ((رَحْمَةُ الْإِسْلْامِ فِي فُتُوحَاتِهِ وَنَبْذُهُ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ))

فَالْحَقُّ - عِبَادَ اللهِ- أَنَّ الْإِسْلَامَ انْتَصَرَ عَلَى السَّيْفِ، انْتَصَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى السَّيْفِ الَّذِي رُفِعَ عَلَيْهِ مِنْ بِدَايَةِ الدَّعْوَةِ مِنْ بِدَايَةِ الطَّرِيقِ، انْتَصَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى السَّيْفِ وَلَمْ يَنْتَصِرْ بِالسَّيْفِ.

انْتَصَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى السَّيْفِ فِي بَطْشِ السَّيْفِ وَظُلْمِهِ وَسُوءِ تَوْظِيفِهِ؛ فَكَانَ السَّيْفُ رَحْمَةً حَيْثُ كَانَ، وَانْتَصَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى السَّيْفِ الَّذِي سُلِّطَ عَلَى رِقَابِ أَتْبَاعِهِ مُنْذُ أُعْلِنَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى.

لَقَدْ تَحَمَّلَ الْمُسْلِمُونَ الْأَوَائِلُ صُنُوفَ الِاضْطِهَادِ كَافَّةً؛ طُورِدُوا، وَشُرِّدُوا، وَعُذِّبُوا، وَقُتِّلُوا حَتَّى إِنَّ رَجُلًا كَأَبِي جَهْلٍ يَعْتَدِي أَقْبَحَ اعْتِدَاءٍ عَلَى امْرَأَةٍ ضَعِيفَةٍ مُسْتَضْعَفَةٍ، هِيَ سُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَيَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي مَوْطِنِ الْعِفَّةِ مِنْهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَهِيَ أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ.

وَمَعَ ذَلِكَ الِاضْطِهَادِ وَالْعُنْفِ أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِكَفِّ الْأَيْدِي، وَبِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَى الْعُدْوَانِ، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [النساء: 77].

وَلَمَّا أُذِنَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ كَانَ التَّعْلِيلُ فِي الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ وَاضِحًا، قَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39-40].

فَهَذَا ذَنْبُهُمْ عِنْدَ أَعْدَائِهِمْ، لَمْ يَرْفَعُوا سَيْفًا وَلَمْ يَبْسُطُوا يَدًا.

*أَحْدَاثُ التَّارِيخِ تُثْبِتُ انْتِصَارَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّيْفِ وَنَبْذَهُمْ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ:

الْيَوْمَ مَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ يَنْتَشِرُ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ سَيْفٌ.

فَانْتِشَارُ الْإِسْلَامِ الْآنَ مَا هُوَ؟

وَأَيْنَ السَّيْفُ الْمُسلَّطُ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ حَتَّى تَدْخُلَ هَذِهِ الْأُلُوفُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ وَفِي أَعْوَامِنَا هَذِهِ وَفِي عَصْرِنَا هَذَا فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا؟!

وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا سَادَةَ الْهِنْدِ لِمُدَّةِ أَلْفِ عَامٍ، وَلَكِنْ حَدَثَ عِنْدَمَا نَالَتْ شِبْهُ الْقَارَّةِ الْهِنْدِيَّةِ اسْتِقْلَالَهَا فِي عَامِ (سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ 1947م) أَنْ حَصَلَ الْهُنْدُوسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مِسَاحَةِ الْهِنْدِ وَحَصَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى رُبُعِ مِسَاحَةِ الْهِنْدِ فَقَطْ.

لِمَاذَا حَدَثَ ذَلِكَ؟

لَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ خِلَالَ أَلْفِ عَامٍ مِنْ سَيْطَرَتِهِمْ عَلَى أَرَاضِي الْهِنْدِ لَمْ يُجْبِرُوا الْهُنْدُوسَ عَلَى اعْتِنَاقِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ اعْتِمَادًا عَلَى السَّيْفِ وَلَمْ يَفْعَلِ الْمُسْلِمُونَ هَذِهِ الْفَعْلَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي إِسْبَانيَا وَلَا فِي الْهِنْدِ؛ وَلَمْ يَكُنِ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّحَلِّي بِفَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ فَحَسْبُ، وَلَكِنْ كَانَ ذَلِكَ نُزُولًا عَلَى مُقْتَضَيَاتِ أَمْرٍ إِلَهِيٍّ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، إِذْ يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].

وَلَقَدْ أَدْرَكَ الْمُسْلِمُونَ الْمُنْتَصِرُونَ وَأَيْقَنُوا بِمُوجَبِ هَذَا الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَكُنْ لِيَتَّسِقَ مَعَ الدِّينِ الصَّحِيحِ لِلْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ، الْإِكْرَاهُ لَا يَتَلَاءَمُ وَلَا يَتَّسِقُ مَعَ الدِّينِ الصَّحِيحِ لِلْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ:

*يَعْتَمِدُ الدِّينُ الصَّحِيحُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِرَادَةِ، وَسَيَفْقِدُ الْإِيمَانُ وَسَتَفْقِدُ الْإِرَادَةُ كُلَّ مَعْنًى لَوْ تَمَّ فَرْضُ الدِّينِ عَلَى النَّاسِ بِالْقُوَّةِ الْغَاشِمَةِ.

*الْقُوَّةُ الْغَاشِمَةُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَهْزِمَ وَتَقْهَرَ، وَلَكِنَّهَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ كَافِيَةً لِيَتَحَوَّلَ إِنْسَانٌ بِحَقٍّ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ.

*الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، وَالرُّشْدُ وَالْغَيُّ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالُ، قَدْ تَمَّ تَوْضِيحُ كُلٍّ مِنْهَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَيُّ رَيْبٍ أَوْ أَيُّ شَكٍّ فِي عَقْلِ أَيِّ إِنْسَانٍ يُخْلِصُ النِّيَّةَ فِي التَّوَجُّهِ الصَّحِيحِ نَحْوَ حَقَائِقِ أُسُسِ الْإِيمَانِ.

*رِعَايَةُ اللهِ وَعِنَايَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْبَشَرِ، وَلَقَدْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُرْشِدَنَا فِي غَيَاهِبِ الظَّلَامِ لِنَحْصُلَ عَلَى أَوْضَحِ أَنْوَارِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى قَهْرٍ أَوْ إِجْبَارٍ.

وَفِيمَا عَدَا بَعْضَ الْمُمَارَسَاتِ الْقَلِيلَةِ الْخَاطِئَةِ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، نَجِدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا قَدِ امْتَثَلُوا لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ فِي كُلِّ الْأَرَاضِي الَّتِي خَضَعَتْ لِفُتُوحَاتِ الْمُسْلِمِينَ.

*أَيْنَ الْعُنْفُ وَالْعُنْصُرِيَّةُ فِي فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ لِلْبِلَادِ الَّتِي فَتَحُوهَا؟!!

هَؤُلَاءِ النَّصَارَى بِـ(مِصْرَ)؛ لِمَاذَا بَقَوْا عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ؟!!

لِمَاذَا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُقْتَلُوا؟!!

وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّمَا كَانَتِ الْحَرْبُ فِي جِهَادِ الطَّلَبِ مِنْ أَجْلِ إِزَالَةِ الْأَنْظِمَةِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَكَلِمَةِ اللهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ هَذِهِ الشُّعُوبُ كَلِمَةَ اللهِ فَذَلِكَ، إِخْوَانُنَا فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنْ آثَرَتْ أَنْ تَبْقَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَهُمْ دِينُهُمْ، ثُمَّ الْجِزْيَةُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُمْ حُقُوقُهُمْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

وَالنَّبِيُّ؛ بَقِيَ (الْيَهُودُ فِي الْمَدِينَةِ) عَلَى دِينِهِمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ (نَصَارَى نَجْرَانَ)، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ (الْمَجُوسِ)، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ (الرُّومُ).

وَمَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ الْخُصُومُ عَنْ أَقْطَارٍ لَمْ يَضَعْ فِيهَا جُنْدِيٌّ مُسَلَّحٌ مُسْلِمٌ قَدَمَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؟

(إِنْدُونِسْيَا)...الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ (مِئَةِ مُلْيُونِ إِنْدُونِسِيٍّ) إِنَّمَا هُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَطَأْ أَقْدَامُ أَيِّ جَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ الْأَرْضَ فِي أَكْثَرِ مِنْ أَلْفَيْ جَزِيرَةٍ فِي إِنْدُونِسْيَا، فَأَيْنَ السَّيْفُ هَاهُنَا؟!

وَهَذِهِ أَكْبَرُ بَلْدَةٍ أَوْ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ.

(مَالِيزيَا)...الْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِنْ سُكَّانِ مَالِيزيَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَطَأْ قَدَمُ جُنْدِيٍّ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ أَرَاضِي مَالِيزيَا.

(إِفْرِيقِيَّةُ)...أَغْلَبِيَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فَوْقَ أَرَاضِي السَّوَاحِلِ الشَّرْقِيَّةِ فِي إِفْرِيقِيَّةَ، حَتَّى مُوزَنْبِيقَ إِنَّمَا هُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَوْقَ أَرَاضِي السَّوَاحِلِ الْغَرْبِيَّةِ فِي إِفْرِيقِيَّةَ أَيْضًا نَجِدُ أَنَّ أَغْلَبِيَّةَ السُّكَّانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّ التَّارِيخَ لَمْ يُسَجِّلْ أَيَّ غَزَوَاتٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَقْطَارِ الْإِفْرِيقِيَّةِ جَاءَتْ إِلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَكَانٍ.

مَا السَّيْفُ؟! وَأَيْنَ كَانَ السَّيْفُ؟!

إِنَّ الَّذِي اسْتَخْدَمَ الْقُوَّةَ الْغَاشِمَةَ هُمُ الْغَرْبُ وَلَيْسُوا الْمُسْلِمِينَ.

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ حَمَلُوا الْحُرِّيَّةَ الَّتِي تَعْتِقُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ، وَحَمَلُوا الْكَرَامَةَ وَالْمُسَاوَاةَ، وَحَمَلُوا الْقِيَمَ الْعُلْيَا الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ إِلَى كُلِّ أَرْضٍ وَطِأَتْهَا أَقْدَامُهُمْ.

وَفِي (السَّوَاحِلِ الْغَرْبِيَّةِ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ) يَنْتَشِرُ الْإِسْلَامُ بِقِيَمِهِ وَمُثُلِهِ وَبِتَعَالِيمِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ.

إِنَّ جِهَادَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَانْتِصَارَهُ عَلَى جُيُوشِ أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ الْأَشْرَارِ قَدْ جَعَلَتْ مُحَرِّرِي ((دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ)) يُعْلِنُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ هُوَ أَعْظَمُ الشَّخْصِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ نَجَاحًا فِي التَّارِيخِ -فَهَذَا كَلَامُهُمْ-.

كَيْفَ يَحِقُّ إِذَنْ لِخُصُومِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَعْتَبِرُوا أَنَّ انْتِصَارَاتِ مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيُّ هَدَفٍ أَوْ أَيُّ قِيمَةٍ سِوَى أَنَّهَا قَدْ أَتَاحَتْ لَهُ أَنْ يَنْشُرَ دِينَهُ الْإِسْلَامِيَّ اعْتِمَادًا عَلَى السَّيْفِ، وَغَلَبَتِ الْجُيُوشَ وَالرِّمَاحَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ؟

هَلْ فَرَضَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْإِسْلَامَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ بِأَنْ قَطَعَ رِقَابَ النَّاسِ؟!

الْمُسْلِمُونَ كُثُرٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْبِلَادِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ بِقَطْعِ رِقَابِ النَّاسِ؟!

وَهَذِهِ شَهَادَاتٌ لِرِجَالٍ غَرْبِيِّينَ مُسْتَشْرِقِينَ بَاحِثِينَ فِي حَضَارَةِ الْإِسْلَامِ لَا يُشَكُّ فِي تَحَيُّزِهِمْ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ يَنْطِقُ فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مَا فِيهِ.

يَقُولُ (دِي لَاسِي أُولِيرِي) مَا نَصُّهُ: ((إِنَّ التَّارِيخَ يُؤَكِّدُ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لَأَيِّ شَكٍّ أَنَّ خُرَافَةَ الِاجْتِيَاحِ الْبَرْبَرِيِّ لِمِسَاحَاتٍ شَاسِعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِجْبَارِ النَّاسِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِقُوَّةِ السِّلَاحِ فَوْقَ رِقَابِ الشُّعُوبِ الْمَغْلُوبَةِ عَلَى أَمْرِهَا؛ إِنَّمَا هِيَ خُرَافَةٌ خَيَالِيَّةٌ مُضْحِكَةٌ عَارِيَةٌ تَمَامًا مِنَ الصِّحَّةِ وَبَعِيدَةٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِيقَةِ عَلَى نَحْوٍ نَادِرِ الْمِثَالِ فِي دُنْيَا التَّارِيخِ وَفِي عَالَمِ الْمُؤَرِّخِينَ)).

كِتَابُ ((الْإِسْلَامُ فِي مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ - لَدَي لَاسِي أُولِيرِي طَبْعَةُ لَنْدَن سَنَةَ 1923 الصَّفْحَةُ 8)).

*أَيْنَ عُنْصُرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي إِسْبَانِيَا -الْأَنْدَلُسِ-؟!!

وَلَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَكُونَ مُؤَرِّخِينَ مِثْلَ (أُولِيرِي) لِكَيْ نَعْرِفَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَدْ حَكَمُوا إِسْبَانيَا لِمُدَّةِ 736 عَامٍ، وَبَعْدَ قُرَابَةِ ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ تَمَّ إِقْصَاءُ وَإِبْعَادُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ إِسْبَانيَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ يُقِيمُ الْأَذَانَ مُعْلِنًا وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اسْتَخْدَمُوا الْقُوَّةَ عَسْكَرِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا فِي إِسْبَانيَا بَعْدَمَا فَتَحُوهَا لَمَا بَقِيَ فَوْقَ أَرْضِ إِسْبَانيَا أَيُّ نَصْرَانِيٍّ لِيَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرْدِ الْمُسْلِمِينَ خَارِجَ إِسْبَانيَا.

فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَّهِمَ أَحَدٌ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَخْدَمُوا السَّيْفَ لِكَيْ يُحَوِّلُوا الْإِسْبَانِيِّينَ إِلَى مُسْلِمِينَ يَعْتَنِقُونَ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ خَوْفًا مِنْ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ.

*يَقُولُ (بَاندِكْت جييانا نيترا ديب شاستري) أَثْنَاءَ لِقَاءٍ تَمَّ عَقْدُهُ فِي جورافور بِالْهِنْدِ سَنَةَ (ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ 1928)، يَقُولُ:

((إِنَّ مُنْتَقِدِي مُحَمَّدٍ ﷺيَرَوْنَ النَّارَ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُشَاهِدُوا النُّورَ، وَيَسْتَسِيغُونَ الْقُبْحَ بَدَلًا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَمَالِ، إِنَّهُمْ يُخَرِّفُونَ، وَيَعْتَبِرُونَ كُلَّ فَضِيلَةٍ وَمَيْزَةٍ وَكَأَنَّهَا رَذِيلَةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ.

إِنَّ ذَلِكَ إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْ نِعْمَةِ التَّمْيِيزِ وَحُسْنِ الْإِدْرَاكِ؛ إِنَّ مُنْتَقِدِي مُحَمَّدٍ ﷺ إِنَّمَا هُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُمْيَانِ-كَلَامُهُ- إِنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ أَنَّ السَّيْفَ الْوَحِيدَ الَّذِي شَهَرَهُ وَشَرَعَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ إِنَّمَا كَانَ هُوَ سَيْفُ الرَّحْمَةِ وَسَيْفُ التَّعَاطُفِ وَالصَّدَاقَةِ وَالتَّسَامُحِ إِنَّهُ السَّيْفُ الَّذِي يَهْزِمُ الْأَعْدَاءَ وَيُنَظِّفُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْغَضَبِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْكَرَاهِيَةِ.

لَقَدْ كَانَ سَيْفُهُ أَمْضَى مِنَ السَّيْفِ الْمَصْنُوعِ مِنَ الْحَدِيدِ الصُّلْبِ، لَقَدْ فَضَّلَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْهِجْرَةَ عَلَى قِتَالِ أَبْنَاءِ بَلَدِهِ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا تَجَاوَزَ الْعُدْوَانُ كُلَّ حُدُودِ إِمْكَانَاتِ التَّسَامُحِ؛ امْتَشَقَ سَيْفَهُ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَيَّ دِينٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ نَشْرُهُ بِالسَّيْفِ إِنَّهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَمْقَى، لَا يَعْرِفُونَ الطُّرُقَ السَّلِيمَةَ لِنَشْرِ الدِّينِ، وَلَا يَعْرِفُونَ فِيمَا تُسْتَخْدَمُ السُّيُوفُ، وَلَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ شُئُونِ الدُّنْيَا بِوَجْهٍ عَامٍّ إِنَّهُمْ مَزْهُوُّونَ فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ الْخَاطِئِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الْحَقِّ بِمَسَافَاتٍ كَبِيرَةٍ شَاسِعَةٍ)).

قَالَ هَذَا الْكَلَامَ صَحَفِيٌّ مِنْ طَائِفَةِ السِّيخِ فِي جَرِيدَةٍ تَصْدُرُ فِي دِلْهِي فِي 17 نُوفَمْبِر سَنَةَ 1947م.

 

 

المصدر: نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيِ الْإِرْهَابِ وَكَيْفِيَّةِ مُوَاجَهَتِهِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى التَّوْحِيدِ
  مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ؟
  مِنْ عَلَامَاتِ رِقَابَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ: الْخَوْفُ مِنَ النِّفَاقِ
  ثَمَرَاتُ الْمَاءِ الْعَظِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ
  الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  سُؤَالُ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ
  لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ
  دَلَائِلُ أَهَمِّيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حَمْلِ أَمَانَةِ دِينِهِ وَأُمَّتِهِ
  الحُبُّ الفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  أَمْرُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ فِي كِتَابِهِ
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان