مَنْهَجُ الْإِخْوَانِ وَالْجَمَاعَاتِ الضَّالَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ


((مَنْهَجُ الْإِخْوَانِ وَالْجَمَاعَاتِ الضَّالَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ))

الْغَرْبِيُّونَ وَأَتْبَاعُهُمْ، وَالْإِخْوَانُ الْمُسْلِمُونَ وَالضُّلَّالُ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ يَقُولُونَ: تُرِيدُونَ تَقْدِيسَ الْبَشَرِ وَعِبَادَتَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، إِنَّمَا الرَّئِيسُ، أَوِ الْإِمَامُ، أَوِ وَلِيُّ الْأَمْرِ، أَوِ الْحَاكِمُ عِنْدَ -هَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ الْمُنْحَرِفِينَ- مُوَظَّفٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحَاسَبَ وَأَنْ يُرَاجَعَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ.

فَلَيْسَ بِوَلِيِّ أَمْرٍ!! وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلِيُّ أَمْرٍ وَقَدْ غَابَ!!

((وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)).

هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا بُدَّ أَنْ نُعَامِلَهُ مُعَامَلَةً دَقِيقَةً، وَأَنْ يُحَاسِبَهُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الغَرْبِيُّونَ وَالْخَوَارِجُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَسَارَ عَلَى ذَلِكَ خَوَارِجُ الْعَصْرِ -عَامَلَهُمُ اللهُ بِعَدْلِهِ-.

*مَفَاسِدُ مُخَالَفَةِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ:

هَذَا النَّهْيُ لَيْسَ تَعْظِيمًا لِذَوَاتِ الْأُمَرَاءِ -النَّهْيُ عَنْ سَبِّهِمْ، عَنِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، عَنِ الطعن فيهم؛ عَنْ شَتْمِهِمْ، عَنْ إِهَانَتِهِمْ- النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ تَعْظِيمًا لِذَوَاتِ الْأُمَرَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِعِظَمِ الْمَسْئُولِيَّةِ الَّتِي وُكِلَتْ إِلَيْهِمْ فِي الشَّرْعِ، وَالَّتِي لَا يُقَامُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مَعَ وُجُودِ سَبِّهِمْ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ سَبَّهُمْ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ طَاعَتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِلَى إِيغَارِ صُدُورِ الْعَامَّةِ عَلَيْهِمْ، مِمَّا يَفْتَحُ مَجَالًا لِلْفَوْضَى الَّتِي لَا تَعُودُ عَلَى النَّاسِ إِلَّا بِالشَّرِّ الْمُسْتَطِيرِ، كَمَا أَنَّ نَتِيجَتَهُ وَثَمَرَتَهُ سَبُّهُمْ، وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ، وَقِتَالُهُمْ، وَتِلْكَ هِيَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى وَالْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ((وَلَعَلَّهُ لَا يُعْرَفُ طَائِفَةٌ خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ؛ إِلَّا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ)).

وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَقَلَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الْخَيْرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى يَزِيدَ بِالمَدِينَةِ، وَكَابْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْعِرَاقِ.

وَكَابْنِ الْمُهَلَّبِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى ابْنِهِ بِخُرَاسَانَ، وَكَأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِم بِخُرَاسَانَ أَيْضًا، وَكَالَّذِينَ خَرَجوا عَلَى الْمَنْصُورِ بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ)).

وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ إِلَى هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَصْحَابِ ((الرَّبِيعِ الْمَاسُونِيِّ)) الَّذِي ضَرَبَ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي مَقْتَلٍ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَهَا مِنْ هَذَا بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ((وَلِهَذَا كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالَهَمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ظُلْمٌ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الْحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ بِدُونِ قِتَالٍ وَلَا فِتْنَةٍ، فَيُدْفَعُ أَعْظَمُ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا)).

وَقَدْ نَبَّهَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى خُطُورَةِ مُخَالَفَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، فَقَالَ فِي ((إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ)): ((الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

وَقَدِ اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي قِتَالِ شِرَارِ الْأَئِمَّةِ؛ فَقَالَ: ((مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ))؛ أَيْ: لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَلَاةَ.

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟

قَالَ: ((لَا؛ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا عَنْ طَاعَةٍ)).

وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ؛ رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ؛ فَطَلَبَ إِزَالَتَهُ؛ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ)).

فَهَذِهِ حُقُوقُ وَلِيِّ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ أَوِ الْحَاكِمُ أَوِ الرَّئِيس أَوِ السُّلْطَانُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَاتِّحَادِ الْمُسَمَّى، حُقُوقٌ أَحَقَّهَا اللهُ وَشَرَعَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَنْ خَالَفَهَا فَهُوَ ضَالٌّ آثِمٌ، وَإِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَادَى وَأَنْ يُبْغَضَ فِي اللهِ، وَأَنْ يُدَلَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُحَارَبَ بِكُلِّ سَبِيلٍ، وَأَلَّا يُتْرَكَ لِكَيْ يَعِيثَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، فَإِنَّ الْخَطَرَ النَّاجِمَ عَنْهُ أَكْبَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يُتَصَوَّرُ، كَمَا وَقَعَ وَشَاهَدَهُ النَّاسُ، وَمَا زَالُوا يُعَانُونَ مِنْ آثَارِهِ.

فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

 

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ
  رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الطَّاعَاتِ وَتُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ
  مَفْهُومُ الْحَيَاةِ وَالِابْتِلَاءِ
  ثُبُوتُ سُنَّةِ صِيَامِ التِّسْعِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ: تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  ضَرُورَةُ مُرَاقَبَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  نَمَاذِجُ مِنْ وَرَعِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَالتَّابِعِينَ
  الْوَفَاءُ بِعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي كَوْنِ الرَّحْمَنِ
  دَلَائِلُ أَهَمِّيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  دَلَائِلُ عَدْلِ وَرَحْمَةِ الْإِسْلَامِ بِالْعَالَمِ
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: الصَّدَقَاتُ وَالْجُودُ
  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  وَسَائِلُ الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَحِمَايَتِهِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان