((شُرُوطُ الزَّكَاةِ))
عِبَادَ اللهِ! تَعَلَّمُوا الدِّينَ، وَاعْرِفُوا مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهِ؛ حَتَّى يُبَارِكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَكُمْ فِي يَقِينِكُمْ، وَحَتَّى يُثَبِّتَ عَلَى الْحَقِّ أَقْدَامَكُمْ، وَحَتَّى يَنْصُرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الْأُمَّةَ الَّتِي تَنَاوَشَتْهَا الرِّمَاحُ فِي كُلِّ جَانِبٍ.
تَعَلَّمُوا دِينَ اللهِ، وَانْشُرُوهُ بَيْنَكُمْ، وَادْعُوا إِلَيْهِ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهِ.
*شُرُوطُ الزَّكَاةِ؛ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ نَفْسِهِ:
1- شُرُوطُ الزَّكَاةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي هِيَ: الْإِسْلَامُ, وَالتَّكْلِيفُ, وَالْحُرِّيَّةُ, وَالنِّيَّةُ.
2- وَالشُّرُوطُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ نَفْسِهِ هِيَ: الْمِلْكُ التَّامُّ لِلْمَالِ, وَنَمَاءُ الْمَالِ, وَبُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا, وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ عَلَى الْمَالِ, وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ كَالْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَآلَاتِ الْحِرْفَةِ.
«وَمَنْ لَهُ مَالٌ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مُمَاطِلٍ؛ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ , وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ؛ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ كُلَّ عَامٍ .
وَمَا أُعِدَّ مِنَ الْأَمْوَالِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ كَدُورِ السُّكْنَى, وَثِيَابِ الْبَذْلَةِ, وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ, وَالسَّيَّارَاتِ, وَالدَّوَابِّ الْمُعَدَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ.
وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ -لِلْكِرَاءِ أَيْ: لِلتَّأْجِيرِ-؛ كَالسَّيَّارَاتِ وَالدَّكَاكِينِ وَالْبُيُوتِ فَلَا زَكَاةَ فِي أَصْلِهِ, وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أُجْرَتِهِ إِذَا بَلَغَتِ النِّصَابَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِضَمِّهَا إِلَى غَيْرِهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ .
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ إِخْرَاجِهَا؛ وَجَبَ إِخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ, فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ , فَيُخْرِجُهَا الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ; لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ, فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ, وَهِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ يَجِبُ إِبْرَاؤُهُ مِنْهَا» .
((أَجْنَاسُ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا أَوْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ «هَدْيَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الزَّكَاةِ أَكْمَلُ هـَدْيٍ، فِي وَقْتِهَا، وَقَدْرِهَا، وَنِصَابِهَا، وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَصْرِفِهَا.
وَقَدْ رَاعَى فِيهَا مَصْلَحةَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَمَصْلَحَةَ الْمَسَاكِينِ، وَجَعَلَهَا اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- طُهْرَةً لِلْمَالِ وَلِصَاحِبِهِ، وَقَيْدَ النِّعْمَةِ بِهَا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَمَا زَالَتِ النِّعْمَةُ بِالْمَالِ عَلَى مَنْ أَدَّى زَكَاتَهُ، بَلْ يَحْفَظُهُ عَلَيْهِ وَيُنَمِّيهِ لَهُ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا بِهَا الْآفَاتِ، وَيَجْعَلُهَا سُورًا عَلَى الْمَالِ، وَحِصْنًا لَهُ، وَحَارِسًا لَهُ.
لَقَدْ جَعَلَ اللهُ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ الْمَالِ، وَهِيَ أَكْثَرُ الْأَمْوَالِ دَوَرَانًا بَيْنَ الْخَلْقِ وَحَاجَتُهُمْ إلَيْهَا ضَرُورِيَّةٌ»
1*أَجْنَاسُ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا:
1- فَأَوَّلُهَا النَّقْدَانِ: وَهُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ, وَمَا يَقُومُ بِهِمَا مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ, وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ الْمَالِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((الْعَجْمَاءُ -وَهِيَ الْبَهِيمَةُ- جَرْحُهَا جُبَارٌ -أَيْ هَدَرٌ- , وَالْبِئْرُ جُبَارٌ, وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ, وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
2- مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: الْأَنْعَامُ؛ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا؛ إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا, وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا, كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ)), مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
3- مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: الثَّمَرُ وَالْحُبُوبُ:
وَالْحُبُوبُ: هِيَ كُلُّ مُدَّخَرٍ مُقْتَاتٍ؛ مِنْ شَعِيرٍ وَقَمْحٍ وَفُولٍ وَعَدَسٍ وَذُرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالثَّمَرُ: هُوَ التَّمْرُ وَالزَّيْتُونُ وَالزَّبِيبُ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].
وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا -وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ دُونَ سَقْيٍ- الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ -أَيْ بِالسَّقْيِ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ بِنَهْرٍ عَلَيْهِ سَاقِيَةٌ, يَعْنِي بِالْمَجْهُودِ- نِصْفُ الْعُشْرِ)). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ .
وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَهَذِهِ هِيَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: النَّقْدَانِ وَمَا يَقُومُ بِهِمَا مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ, وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ الْمَالِيَّةِ, فَكُلُّ هَذَا تَابِعٌ لِلنَّقْدَيْنِ.
كَذَلِكَ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: الْأَنْعَامُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ, وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْحُبُوبُ أَوِ الثَّمَرُ وَالْحُبُوبُ, هَذِهِ هِيَ الْأَجْنَاسُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنَ الْأَمْوَالِ.
2*وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ فَهِيَ:
1- الْفَوَاكِهُ وَالْخُضْرَوَاتُ؛ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي زَكَاتِهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ, بَيْدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِعْطَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْجِيرَانِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].
2- مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ: الْعَبِيدُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ : ((لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ﷺ أَخَذَ الزَّكَاةَ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ.
3- الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا؛ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ صَاحِبُهُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذُوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
الذُّوْدُ: مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشْرَةٍ.
4- كَذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ: الْعُرُوضُ الَّتِي لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ؛ كَالْفُرُشِ وَنَحْوِهَا.
فَهَذَا إِجْمَالُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا لَا تَجِبُ فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ.
المصدر: فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ وَأَثَرُهَا فِي التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ