يَا أَبْنَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ! احْمِلُوا رَحْمَةَ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعَالَمِ أَجْمَعِ


 ((يَا أَبْنَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ! احْمِلُوا رَحْمَةَ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعَالَمِ أَجْمَعِ))

عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ». هَذَا الْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

قَوْلُهُ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ»: بِالرَّأْفَةِ بِهِمْ وَالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُغِيثُ الْمَلْهُوفَ، وَيُطْعِمُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعُرْيَانَ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ؛ فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَهَائِمُ وَالْمَمْلُوكُ مَنْها وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ، وَيَدْخُلُ فِي الرَّحْمَةِ التَّعَاهُدُ بِالْإِطْعَامِ وَالسَّقْيِ، وَفِيهَا التَّخْفِيفُ فِي الْحِمْلِ وَتَرْكُ التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ».

بَيَانُ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَأُمِرَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَنْ تَكُونَ فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةٌ لِإِخْوَانِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، لِذَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].

أَذِلَّةٍ: يَعْنِي مُتَوَاضِعِينَ وَرَاحِمِينَ لَهُمْ، وَعَاطِفِينَ عَلَيْهِمْ وَمُحِبِّينَ إِلَيْهِمْ، فَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِمْ رَحْمَةٌ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَادَلًا وَمُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، مَنْ تَعَارَفُوا وَمَنْ لَمْ يَتَعَارَفُوا، أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَرْحَمُ بَعْضًا، وَيُوَقِّرُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَيَرْحَمُ كَبِيرُهُمْ صَغِيرَهُمْ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ  لِلْمُؤْمِنِينَ مَثَلًا بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، أَنْ يَكُونَ مِنْ أَخْلَاقِهِمُ الرَّحْمَةُ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّوْقِيرُ، وَالتَّعَاطُفُ، وَالْمَحَبَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهَذِهِ صِفَاتُ أَهْلِ الْإِيمَانِ.

*رِسَالَةُ الْمُسْلِمِينَ: دَعْوَةُ الْعَالَمِ إِلَى التَّوْحِيدِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ:

إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَتَبَ كُتُبَهُ، وَطَيَّرَ رَسَائِلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي الْأَرْضِ: ادْخُلُوا فِي دِينِ اللهِ، لَا تَحُولُوا دُونَ النُّورِ وَأْقَوامِكُمْ وَشُعُوبِكُمْ، كُفُّوا عَنِ التَّضْلِيلِ، وَانْزِعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، آمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ، وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ.

هَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ السَّوَاءُ، فَسَّرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو بِهَا الْمُلُوكَ، وَيُرْسِلُ بِهَا الْكُتُبَ، وَيَخُطُّ بِهَا الرَّسَائِلَ، وَيَدْعُو بِهَا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِلَى تَوْحِيدِهِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الدَّعْوَةَ إِلَى تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادٌ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَبِيدٌ، هُوَ الَّذِي يُشَرِّعُ لَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِمْ، لَا يَسْتَغِلُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَعْتَدِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِنَّمَا الْحُكْمُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ خَيْرُ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةُ النَّبِيِّينَ، لَمْ يُحِلَّ لَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا- الظُّلْمَ بِحَالٍ أَبَدًا -حَاشَا وَكَلَّا-، لَمْ  يُبِحْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَحَدٍ، كَيْفَ وَقَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!!

((إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا)) .

عِبَادَ اللهِ! دِينُكُمْ لَحْمُكُمْ وَعَظْمُكُمْ، دِينُكُمْ حَيَاتُكُمُ الدُّنْيَا وَآخِرَتُكُمْ، دِينُكُمْ شَرَفُكُمْ وَعِرْضُكُمْ، عَقِيدَتُكُمْ فِيهَا نَجَاتُكُمْ وَفِيهَا عِزُّكُمْ، وَلَا تَحْتَاجُونَ -أَيُّتَهَا الْأُمَّةُ- إِلَى مَنْ يَرْسُمُ لَكِ الطَّرِيقَ، فَقَدْ رَسَمَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَهُوَ طَرِيقُ اللهِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ.

وَنَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا نَتَحَلَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ))، وَلَا نَكْتَفِي بِهِ، بَلْ نَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى يَمِينًا وَيَسَارًا، نَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا فِي التَّشَهُّدِ؛ نَقُولُ: ((السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ)).

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ السَّلَامَ بِشَرَائِطِهِ، بِأَحْكَامِهِ وَقَوَاعِدِهِ، لَيْسَ بِالْمَذَلَّةِ يُسْتَجْلَبُ وَلَا بِالذُّلِّ وَالْعَارِ، وَمَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ كُلَّهُ قِيَمَ الْخَيْرِ، قِيَمَ الصِّدْقِ، الْقِيَمُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا بِحَقٍّ، وَلَوْلَا هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ مَا عُرِفَ شَرَفٌ وَلَا رُوعِيَ عِرْضٌ.

أَيُّ قِيَمٍ عِنْدَ الْآخَرِينَ يُمْكِنُ أَنْ نَتَحَصَّلَ عَلَيْهَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ؟!!

إِنَّ الْحَقَّ وَالْخَيْرَ، وَالْهُدَى وَالْعَدْلَ، وَالحَقَّ وَالسَّلَامَ فِي دِينِ نَبِيِّ السَّلَامِ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَى السَّلَامِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.

النَّبِيُّ ﷺ بُعِثَ بِدِينِ السَّلَامِ، بِدِينِ الرَّحْمَةِ، بِالدِّينِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُؤَلِّفُ وَيُجَمِّعُ، وَلَا يُنَفِّرُ وَلَا يُفَرِّقُ، هُوَ دِينُ الْحَقِّ دِينُ اللهِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَفْهُومُ الْجِهَادِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  الْخُلُقُ الْكَــرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَشَفَقَتُهُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَرْضَى
  حَالُ الْمُسْلِمِ فِي شَهْرِ الْحَصَادِ
  بِنَاءُ الْوَعْيِ لِمُوَاجَهَةِ الْإِشَاعَاتِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: اجْتِنَابُ الْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ
  جُمْلَةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِيدِ
  نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَاسْتِقْبَالِ آخَرَ
  وَطَنُنَا إِسْلَامِيٌّ، وَحُبُّهُ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  أَصْنَافُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُقُوقُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  الْأَمَلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: بَيَانُ مَكَانَةِ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْإِسْلَامِ
  أَمْرُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ فِي كِتَابِهِ
  جُمْلَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ
  بِدَعٌ وَضَلَالَاتٌ مُخْتَرَعَةٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان