((مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ: هَجْرُ الْبِدَعِ إِلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ))
لَقَدْ دَلَّتْ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [النساء: 80].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31].
فَهَذِهِ الْآيَاتُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ سَيِّدِ الأنبياء ﷺ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْهَا:
حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى».
«أَبَى»؛ يَعْنِي: امْتَنَعَ وَرَفَضَ.
قِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
وَمِنْهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فَهُوَ رَدٌّ»؛ يَعْنِي: فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.
يَعْنِي: مَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ دِينِ اللهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»؛ يَعْنِي: فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَوَابًا مُوَافِقًا لِشَرِيعَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ.
الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مَا فِيهِ مِمَّا أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ، وَمَا نَهَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنْهُ أَمْرًا لَازِمًا وَاجِبًا فَكَانَ حَرَامًا، أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ فَكَانَ مَكْرُوهًا.
هَذِهِ الشَّرِيعَةُ بِأَوَامِرِهَا وَنَوَاهِيهَا وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ, إِذَا أَخَذَ بِهَا الْإِنْسَانُ كَانَتْ سَبَبًا فِي تَزْكِيَتِهِ، وَفِي طَهَارَةِ قَلْبِهِ وَاسْتِقَامَةِ حَيَاتِهِ، وَنَفْيِ الْقَلَقِ وَالْوَسَاوِسِ عَنْ ذِهْنِهِ وَعَنْ قَلْبِهِ وَعَنْ ضَمِيرِهِ، وَاسْتَقَامَتْ قَدَمَاهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لِمَاذَا؟
لِأَنَّ مَا شَرَعَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَوَامِرِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ مَادَّةُ التَّطْهِيرِ وَمَادَّةُ التَّزْكِيَةِ، وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الَّتِي يَخْتَرِعُهَا الْعِبَادُ، فَإِنَّهَا تَخْلُو مِنْ مَادَّةِ التَّطْهِيرِ وَمِنْ مَادَّةِ التَّزْكِيَةِ.
عِبَادَ اللهِ! ((اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ))، ((فَإِنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِي، وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ، وَلَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ)) كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَقَالَ أُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، فَتَمَسُّهُ النَّارُ أَبَدًا، وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سُنَّةٍ وَخَيْرٍ، خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ)) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((عَلَيْكَ بِالِاسْتِقَامَةِ، اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ، اتِّبِعِ الْأَثَرَ الْأَوَّلَ وَلَا تَبْتَدِعْ)) .
المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ