((الْأُسْرَةُ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((صَلَاحُ الْبُيُوتِ صَلَاحٌ لِلْأُمَّةِ))
((فَإِنَّ صَلَاحَ الْبُيُوتِ صَلَاحٌ لِلْأُمَّةِ، وَصَلَاحُ الْأُمَّةِ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ لِعِزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا.
وَلَا تَصْلُحُ الْأُمَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْبُيُوتِ، وَلَا تَصْلُحُ الْبُيُوتُ إِلَّا بِصَلَاحِ الزَّوْجَيْنِ وَاسْتِقَامَتِهِمَا عَلَى أَمْرِ اللهِ؛ فَهُنَاكَ تَقِلُّ الْمُشْكِلَاتُ أَوْ تَتَلَاشَى، وَهُنَاكَ تَتَنَزَّلُ السَّكِينَةُ، وَتَعُمُّ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ.
وَفِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَتَخَرَّجُ رِجَالَاتُ الْأُمَّةِ وَنِسَاؤُهَا وَعُظَمَاؤُهَا؛ ذَلِكَ أَنَّ رَابِطَةَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ أَعْظَمِ الرَّوَابِطِ؛ فَمَتَى سَارَتْ هَذِهِ الرَّابِطَةُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ عَظُمَ شَأْنُ الْأُمَّةِ، وَهِيبَ جَنَابُهَا.
وَمَتَى أُهْمِلَتْ هَذِهِ الْحُقُوقُ تَفَصَّمَتْ تِلْكَ الرَّابِطَةُ؛ فَشَقِيَتِ الْبُيُوتُ، وَحَلَّ بِالْأُمَّةِ التَّفَكُّكُ وَالدَّمَارُ.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِمُرَاعَاةِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ، وَتَقْوِيمِهَا، وَتَمْكِينِهَا، وَإِحَاطَتِهَا بِمَا يَحْفَظُ وُجُودَهَا، وَيُعْلِي مَنَارَهَا.
وَالَّذِي يُدِيرُ النَّظَرَ وَيُرْجِعُ الْبَصَرَ فِي حَيَاةِ النَّاسِ يَرَى خَلَلًا كَبِيرًا وَتَفْرِيطًا كَثِيرًا فِي شَأْنِ تِلْكَ الرَّابِطَةِ؛ مِمَّا يُفْقِدُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ سَعَادَتَهَا وَأُنْسَهَا وَإِيتَاءَهَا ثِمَارَهَا الطَّيِّبَةَ، وَعَوَاقِبَهَا الْحَمِيدَةَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَفْرِيطَ بَعْضِ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْإِسْلَامِ لَا تَعُودُ تَبِعَتُهُ عَلَى الدِّينِ، وَإِنَّمَا وِزْرُهَا وَتَبِعَتُهَا عَلَى الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ، وَالدِّينُ بَرَاءٌ مِمَّا يُلْصَقُ بِهِ)).
((الْأُسْرَةُ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ))
إِنَّ الْأُسْرَةَ أَسَاسُ الْمُجْتَمَعِ وَنَوَاةُ بِنَائِهِ، وَبِتَمَاسُكِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا يَكُونُ تَمَاسُكُ الْمُجْتَمَعِ وَاسْتِقْرَارُهُ؛ لِذَلِكَ عُنِيَ الْإِسْلَامُ بِبِنَاءِ الْأُسْرَةِ عِنَايَةً كَبِيرَةً بِمَا يُحَقِّقُ السَّكَنَ وَالْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ بَيْنَ جَمِيعِ أَفْرَادِهَا، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]: مِنْ جِنْسِكُمْ؛ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقِيلَ: خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} أَيْ: وُدًّا وَتَرَاحُمًا وَشَفَقَةً، فَجَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، فَهُمَا يَتَوَادَّانِ وَيَتَرَاحَمَانِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رَحِمٍ بَيْنَهُمَا؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِي عَظَمَةِ اللهِ وَفِي قُدْرَتِهِ.
وَمِنْ نِعْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنْ جَعَلَ اللهُ الزَّوْجَةَ سَكَنًا وَمَأْوًى لِزَوْجِهَا، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا الْأُنْسَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهِيَ آدَمُ (سلم)، وَجَعَلَ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ زَوْجَهَا، تُشَارِكُهُ فِي الْخَصَائِصِ وَالطَّبَائِعِ الْبَشَرِيَّةِ؛ لِيَأْنَسَ بِهَا وَيَأْوِيَ إِلَيْهَا.
وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالزَّوَاجِ سِتْرًا وَدِفْئًا وَحِفْظًا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187].
هُنَّ كَاللِّبَاسِ السَّاتِرِ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ كَاللِّبَاسِ السَّاتِرِ لَهُنَّ؛ لِمَا يَكُونُ بَيْنَكُمَا -أَيُّهَا الزَّوْجَانِ- مِنْ مُبَاشَرَةِ الْجَسَدِ بِالْجَسَدِ وَتَلَاصُقِهِمَا وَتَدَاخُلِهِمَا، وَإِحَاطَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَطُولِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ، مَعَ مَا فِي كُلٍّ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ مِنْ سَتْرٍ وَدِفْءٍ وَحِفْظٍ.
((سُبُلُ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ))
إِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي مَجَالِ الْأُسْرَةِ: تَحْقِيقَ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
وَكَذَلِكَ نَبَّهَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ إِلَى أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ: أَنْ يَسْكُنَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ وَرَحْمَةٌ وَتَآلُفٌ، وَتَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
فَاهْتَمَّتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ أَيَّمَا اهْتِمَامٍ بِتَحْقِيقِ هَذَا الْمَقْصِدِ وَتَفْعِيلِهِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَيرُكُم خَيرُكُم لِأَهلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لِأَهلِي».
وَقَالَ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلبَانِيُّ.
وَقَالَ ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ؛ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُلَاطَفَةُ النِّسَاءِ وَالْإِحسَانُ إِلَيْهِنَّ، وَالصَّبْرُ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ، وَاحْتِمَالُ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ، وَكَرَاهِيَةُ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ، وَأنَّهُ لَا يُطْمَعُ بِاسْتِقَامَتِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ».
وَقَالَ ﷺ: «لا يَفْرِكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أَيْ: يَنْبَغِي أَلَّا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يَكْرَهُهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يَرْضَاهُ، بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الأَخلَاقِ؛ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ، أَوْ عَفِيفَةٌ، أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ».
كُلُّ هَذِهِ الْآدَابِ الرَّاقِيَةِ وَالتَّوْجِيهَاتِ النَّبَوِيَّةِ السَّامِيَةِ تَهْدُفُ إِلَى تَحْقِيقِ عَلَاقَةٍ شَفِيفَةٍ تَتَحَقَّقُ بِهَا الْمَوَدَّةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالسَّكَنُ وَالِاطْمِئْنَانُ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ، وَإِقَامَةِ بُنْيَانِهَا عَلَى أَسَاسٍ مُحْكَمٍ؛ حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنَ الْقِيَامِ بِمُهِمَّةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّنْشِئَةِ فِي ظِلَالٍ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْأَمَانِ.
((مِنْ سُبُلِ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ:
حُسْنُ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ))
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ: حُسْنَ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ فَـ((بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ بَابٌ عَظِيمٌ تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ تَطْبِيقَهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ تَطْبِيقَهُ تَدُومُ بِهِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَنَّ تَطْبِيقَهُ يَحْيَا بِهِ الزَّوْجَانِ حَيَاةً سَعِيدَةً.
وَلِأَنَّ تَطْبِيقَهُ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَسُنَتِ الْعِشْرَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ازْدَادَتِ الْمَحَبَّةُ، وَإِذَا ازْدَادَتِ الْمَحَبَّةُ ازْدَادَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَبِالْجِمَاعِ يَكُونُ الْأَوْلَادُ، فَالْمُعَاشَرَةُ أَمْرُهَا عَظِيمٌ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: (( ((عِشْرَةُ النِّسَاءِ)): الْمُرَادُ بِالْعِشْرَةِ هُنَا: الْمُعَامَلَةُ وَالِالْتِئَامُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
«النِّسَاءِ»: الْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ هُنَا: الزَّوْجَاتُ، وَلَيْسَ عُمُومَ الْإِنَاثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} أَيْ: الزَّوْجَاتِ، {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] أَيْ: الزَّوْجَاتِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، فَالْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ هُنَا: الْإِنَاثُ، وَعَلَى هَذَا فَكَلِمَةُ «النِّسَاءِ» تَارَةً يُرَادُ بِهَا: الزَّوْجَاتُ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهَا: عُمُومُ النِّسَاءِ، عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ.
اعْلَمْ أَنَّ مُعَامَلَتَكَ لِزَوْجَتِكَ يَجِبُ أَنْ تُقَدِّرَ كَأَنَّ رَجُلًا زَوْجًا لِابْنَتِكَ؛ كَيْفَ يُعَامِلُهَا؟
فَهَلْ تَرْضَى أَنْ يُعَامِلَهَا بِالْجَفَاءِ وَالْقَسْوَةِ؟
الْجَوَابُ: لَا.
إِذَنْ؛ لَا تَرْضَ أَنْ تُعَامِلَ بِنْتَ النَّاسِ بِمَا لَا تَرْضَى أَنْ تُعَامَلَ بِهِ ابْنَتُكَ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَهَا كُلُّ إِنْسَانٍ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((الْمُسْنَدِ)) : ((أَنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا!
فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: «ادْنُهْ»، فَدَنَا حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟».
قَالَ: لَا.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟».
قَالَ: لَا.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟».
قَالَ: لَا.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟».
قَالَ: لَا.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟».
قَالَ: لَا.
قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ».
قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»،... الْحَدِيثَ.
فَهَذَا مِقْيَاسٌ عَقْلِيٌّ وَاضِحٌ جِدًّا، فَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْضَى أَنْ تَكُونَ ابْنَتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ يُقَصِّرُ فِي حَقِّهَا وَيُهِينُهَا، وَيَجْعَلُهَا كَالْأَمَةِ يَجْلِدُهَا جَلْدَ الْعَبْدِ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُعَامِلَ زَوْجَتَهُ بِهَذَا، لَا بِالصَّلَفِ وَالِاسْتِخْدَامِ الْخَارِجِ عَنِ الْعَادَةِ.
وَعَلَى الزَّوْجَةِ -أَيْضًا- أَنْ تُعَامِلَ زَوْجَهَا مُعَامَلَةً طَيِّبَةً أَطْيَبَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
وَلِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- سَمَّى الزَّوْجَ سَيِّدًا، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سُورَةِ يُوسُفَ: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25].
وَلِأَنَّ النَّبِيَّﷺ سَمَّى الزَّوْجَةَ أَسِيرَةً، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ».
«وَعَوَانٌ»: جَمْعُ عَانِيَةٍ، وَهِيَ الْأَسِيرَةُ.
فَعَلَى كُلِّ حَالٍ؛ الْوَاجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً سَعِيدَةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً أَنْ يُعَاشِرَ زَوْجَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ.
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا؛ وَإِلَّا ضَاعَتِ الْأُمُورُ، وَصَارَتِ الْحَيَاةُ شَقَاءً، ثُمَّ هَذَا -أَيْضًا- يُؤَثِّرُ عَلَى الْأَوْلَادِ؛ فَالْأَوْلَادُ إِذَا رَأَوُا الْمَشَاكِلَ بَيْنَ أُمِّهِمْ وَأَبِيهِمْ؛ سَوْفَ يَتَأَلَّمُونَ وَيَنْزَعِجُونَ، وَإِذَا رَأَوُا الْأُلْفَةَ فَسَيُسَرُّونَ، فَعَلَيْكَ -أَيُّهَا الْأَخُ الْحَبِيبُ- بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وَهَذَا أَمْرٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
فَأَثْبَتَ أَنَّ عَلَيْهِنَّ عِشْرَةً، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.. كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُعَاشِرَ الْآخَرَ بِالْمَعْرُوفِ.
«بِالْمَعْرُوفِ» يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: مَا عَرَفَهُ الشَّرْعُ وَأَقَرَّهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ وَعَرَفُوهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، مَا عَرَفَهُ الشَّارِعُ وَأَقَرَّهُ، وَمَا اعْتَادَهُ النَّاسُ وَعَرَفُوهُ، فَلَوِ اعْتَادَ النَّاسُ أَمْرًا مُحَرَّمًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ وَلَوْ كَانَ عَادَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُقِرُّهُ.
وَمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّرْعُ وَلَكِنَّ الْعُرْفَ يُلْزِمُ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ، إِذِ الْعُقُودُ الْجَارِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ تَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا يَسْتَلْزِمُهُ هَذَا الْعَقْدُ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا.
وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ فِي مُعَاشَرَتِهِ لِزَوْجَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ أَلَّا يَقْصِدَ السَّعَادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُنْسَ وَالْمُتْعَةَ فَقَطْ، بَلْ يَنْوِي مَعَ ذَلِكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- بِفِعْلِ مَا يَجِبُ، وَهَذَا أَمْرٌ نَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرًا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي مُعَاشَرَتِهِ لِزَوْجَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ قَصْدُهُ أَنْ تَدُومَ الْعِشْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَيَغِيبُ عَنْ ذِهْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَهَذَا كَثِيرًا مَا نَنْسَاهُ، يُنْسِينَا إِيَّاهُ الشَّيَاطِينُ.
وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْوِيَ بِهَذَا أَنَّكَ قَائِمٌ بِأَمْرِ اللهِ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فَهَذَا أَمْرٌ، وَأَنْتَ إِذَا عَاشَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّكَ تَكُونُ مُمْتَثِلًا لِهَذَا الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْكَرِيمِ، وَإِذَا نَوَيْتَ ذَلِكَ حَصَلَ لَكَ الْأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ دَوَامُ الْعِشْرَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ الطَّيِّبَةِ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ.
وَكَذَا كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ أَنْ يَنْوِيَ امْتِثْالَ الْأَمْرِ؛ لِيَكُونَ عِبَادَةً، فَفِي الْوُضُوءِ -مَثَلًا-: إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَوَضَّأَ نَقْصِدُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، لَا بُدَّ مِنَ الْقِيَامِ بِهِ، وَنَسْتَحْضِرُ أَنَّنَا نَقُومُ بِأَمْرِ اللهِ -تَعَالَى- فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
قَدْ نَذْكُرُ ذَلِكَ أَحْيَانًا؛ وَلَكِنَّنَا نَنْسَاهُ كَثِيرًا، وَهَلْ عِنْدَمَا نَفْعَلُ هَذَا نَشْعُرُ بِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَأَنَّهُ أَمَامَنَا، وَأَنَّنَا نَقْتَدِي بِهِ، فَنَكُونَ بِذَلِكَ مُتَّبِعِينَ؟!
هَذَا قَدْ نَفْعَلُهُ أَحْيَانًا؛ وَلَكِنَّهُ يَفُوتُنَا كَثِيرًا، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ حَازِمًا لَا تَفُوتُهُ الْأُمُورُ وَالْأُجُورُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْغَفْلَةِ.
فَإِذَا عَاشَرَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ طَاعَةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي قَوْلِهِ وَأَمْرِهِ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَوْ رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
مَا أَبْلَغَ الْقُرْآنَ! لَمْ يَقُلْ -جَلَّ وَعَلَا-: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوهُنَّ، بَلْ قَالَ: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ، فَقَدْ يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ صَاحِبِهِ، وَيَجْعَلُ اللهُ فِي هَذَا الذَّهَابِ خَيْرًا كَثِيرًا، وَقَدْ يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا، وَيَشْتَرِي هَذَا الشَّيْءَ وَهُوَ كَارِهٌ، فَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.
وَكَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ».
وَنَبَّهَ الرَّسُولُ ﷺ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا».
وَالْمَرْأَةُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- نَاقِصَةُ عَقْلٍ وَدِينٍ، وَقَرِيبَةُ الْعَاطِفَةِ، كَلِمَةٌ مِنْكَ تُبْعِدُهَا عَنْكَ بُعْدَ الثُّرَيَّا، وَكَلِمَةٌ تُدْنِيهَا مِنْكَ حَتَّى تَكُونَ إِلَى جَنْبِكَ؛ فَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُرَاعِيَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ.
وَلَكِنْ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ-؛ الْآنَ لَمَّا كَانَ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ؛ صَارَ أَقَلُّ شَيْءٍ يُوجَدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَأَقَلُّ غَضَبٍ؛ وَلَوْ عَلَى أَتْفَهِ الْأَشْيَاءِ تَجِدُهُ يَغْضَبُ، وَيُطَلِّقُ.
كُلُّ هَذَا مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَقِلَّةِ التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَلَّا يَغْضَبَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قُصُورٌ، حَتَّى الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ مُقَصِّرٌ، وَلَيْسَ صَحِيحًا أَنَّهُ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهِيَ -أَيْضًا- أَوْلَى بِالتَّقْصِير.
وَأَيْضًا: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَقِيسَ الْمَسَاوِئَ بِالْمَحَاسِنِ، فَبَعْضُ الزَّوْجَاتِ إِذَا مَرِضَ زَوْجُهَا قَدْ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، وَتُطِيعُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ إِذَا فَارَقَهَا فَمَتَى يَجِدُ زَوْجَةً؟!!
وَإِذَا وَجَدَ؛ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَسْوَأَ مِنَ الْأُولَى؛ لِهَذَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُقَدِّرَ الْأُمُورَ؛ حَتَّى يَكُونَ سَيْرُهُ مَعَ أَهْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ انْضَبَطَ، وَبِذَلِكَ يَسْتَرِيحُ.((
قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُعَامَلَةً تَلِيقُ بِأَمْثَالِهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْكُمْ مَا يُسْتَنْكَرُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا، وَذَلِكَ بِإِعْطَائِهِنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ، وَالتَّلَطُّفِ بِهِنَّ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَالصَّبْرِ عَلَى عِوَجِهِنَّ، وَعَدَمِ إِيذَائِهِنَّ، فَإِنْ كَرِهْتُمْ عِشْرَتَهُنَّ وَصُحْبَتَهُنَّ، وَآثَرْتُمْ فِرَاقَهُنَّ؛ فَاصْبِرُوا عَلَيْهِنَّ مَعَ الْفِرَاقِ.
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ خَيْرًا كَثِيرًا؛ فَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ لَمْ تَأْتِ عَلَى مِزَاجِ الزَّوْجِ وَلَا عَلَى ذَوْقِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا سُوءُ خُلُقٍ، أَوْ ضَعْفُ دِينٍ، أَوْ قِلَّةُ أَمَانَةٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَعَاشَرَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَغَاضَى عَنِ الْجَوَانِبِ الَّتِي لَا تَمِيلُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ فِيهَا، فَجَعَلَ اللهُ مِنْهَا خَيْرًا كَثِيرًا، فَكَانَتْ مُعِينَةً لَهُ، وَحَافِظَةً لَهُ وَلِمَالِهِ وَلِوَلَدِهِ، وَأَنْجَبَتْ لَهُ ذُرِّيَّةً صَالِحَةً يَسْعَدُ بِهَا.
وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ يَتَكَشَّفُ لِلرَّجُلِ فِي الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ بِإِحْدَى حَالَتَيْنِ:
إِمَّا بِالنَّظَرِ الثَّاقِبِ الَّذِي يَتَغَلَّبُ فِيه الْعَقْلُ عَلَى الْهَوَى، وَإِمَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ، فَيَعْرِفُ الْخَيْرَ الَّذِي فَاتَهُ بِفِعْلِهِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ حِينَئِذٍ، وَيَكُونُ النَّدَمُ الْمَرِيرُ.
وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ لَا تَسْتَوْجِبُ فِي حَقِيقَتِهَا مُتْعَةً دَائِمَةً كَالَّتِي تَكُونُ فِي الْجِنَانِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَالْمَرْأَةُ -وَالزَّوْجَةُ- سِوَى الْحَبِيبَةِ!! فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرَى مِمَّنْ يُحِبُّهَا إِلَّا مَا يُحِبُّ، وَالْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَشَيْءٌ آخَرُ، يَعْرِفُ عُيُوبَهَا، وَتَعْرِفُ عُيُوبَهُ، وَتَطَّلِعُ عَلَى أَخْلَاقِهِ، وَيَطَّلِعُ عَلَى أَخْلَاقِهَا، وَهُنَا لَا بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْمُسَامَحَةِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ سَخِطَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ)).
فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ، وَأَلَّا يَلْتَفِتَ إِلَى مَا هُوَ مَفْقُودٌ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَاوَتَ بَيْنَ الطِّبَاعِ، وَنَوَّعَ بَيْنَ الْأَخْلَاقِ، وَالْمَرْأَةُ مَا دَامَتْ مُحَافِظَةً عَلَى نَفْسِهَا، مُحَافِظَةً عَلَى بَيْتِهَا؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا أَتَى مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ التَّغَاضِي وَالتَّسَامُحُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي فَرْضَهَا، وَتَصُومُ شَهْرَهَا، وَتُطِيعُ بَعْلَهَا، وَتُحَافِظُ عَلَى نَفْسِهَا؛ فَمَا الَّذِي يُطْلَبُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا؟!!
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)) ﷺ.
وَالْقَانُونُ: أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَأَنَّ حُسْنَ مُعَامَلَتِهَا لَا يَكُونُ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْهَا، وَإِنَّمَا بِتَحَمُّلِ الْأَذَى مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ مَا أَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ إِلَّا كَرِيمٌ، وَمَا أَسَاءَ إِلَيْهِنَّ إِلَّا لَئِيمٌ.
وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ: أَلَّا يَكُونَ لِلْمَرْءِ وُجُودٌ فِي بَيْتِهِ، لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَلَّا تكُونَ لَهُ الْكَلِمَةُ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: ((دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ)).
فَقَالَ لِي: ((يَا حُمَيْرَاءُ! أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟)).
فَقُلْتُ: «نَعَمْ».
فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ، فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى عَاتِقِهِ، فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «حَسْبُكِ».
فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَعْجَلْ».
فَقَامَ لِي، ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكِ».
فَقُلْتُ: «لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَتْ: «وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ».
فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ الْمَرْءُ لِكُلِّ حَالٍ لَبُوسَهَا، وَلَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يَتَّخِذْ أُمُورَ الْمُدَارَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعَاشِ -وَالْمُدَارَاةُ سِوَى الْمُدَاهَنَةِ، الْمُدَاهَنَةُ أُخْتُ النِّفَاقِ، أَوْ هِيَ هُوَ.
وَأَمَّا الْمُدَارَاةُ فَشَيْءٌ آخَرُ؛ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، فَالْإِنْسَانُ يُغْضِي عَلَى الْأَذَى، وَيُغْضِي عَلَى الْقَذَى، وَلَا يَقِفُ مُتَصَلِّبًا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَاسِبَ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يُؤَاخِذَ عَلَى كُلِّ مَوْقِفٍ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا تَسْتَقِيمُ بِهِ حَيَاةٌ، وَإِنَّمَا لَا بُدَّ مِنَ الْمُدَارَاةِ، كَمَا قِيلَ: ((إِنَّ الْحَيَاةَ وَمُعَامَلَةَ النَّاسِ كَكُوبٍ ثُلُثَاهُ مِنَ الْمُدَارَاةِ)).
فَلَا بُدَّ مِنْ بَعْضِ الْإِغْضَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَعْضِ الْمُسَامَحَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَعْضِ الْمُدَارَاةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ؛ وَإِلَّا فَإِنَّهَا لَنْ تَسْتَقِيمَ بِحَالٍ أَبَدًا.
لَيْسَ الْغَبِيُّ بسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ *** لَكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي
فَيَرَى الشَّيْءَ وَيُمِرُّهُ، وَيَحْسَبُ مَنْ حَوْلَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَهَيْهَاتَ!! إِنَّمَا اطَّلَعَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَنَفَذَ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى جَوْهَرِه؛ وَلَكِنْ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ تَتَّسِعُ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْمَاءُ إِذَا جَاوَزَ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَاسَةً وَلَا أَذًى، فَكَذَلِكَ نَفْسُ الْعَبْدِ إِذَا كَانَتْ مُتَّسِعَةً طَهُورًا فَإِنَّهَا تَنْغَمِرُ فِيهَا أَمْثَالُ هَذِهِ الصَّغَائِرِ، وَمَا أَكْثَرَ الصَّغَائِرَ فِي الْحَيَاةِ!!
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَنَا ((أَنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكُرَمَاءَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجَوَدَةَ، يُحبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا)) .
وَالسَّفْسَافُ: هُوَ الْغُبَارُ الْمُتَطَايِرُ، وَالْعِثْيَرُ الَّذِي يَتَطَايَرُ بِسَبَبِ السَّيْرِ فِي الطَّرِيقِ.
فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا يَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُرَاعِيَهَا.
عَلَى الْمَرْءِ أَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَوْ تَكَلَّفَ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ بِهِ السُّنُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوَاجِ، ثُمَّ تَكَلَّفَ أَنْ يُعِدَّ طَعَامًا، وَأَنْ يُنَظِّفَ بَيْتًا وَثِيَابًا، وَأَنْ يَقُومُ عَلَى شَأْنِ أَطْفَالٍ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْمِلَهُنَّ فِي بَطْنِهِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَى إِرْضَاعِهِنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الْعَسِرَةِ.
وَالْمَرْأَةُ إِذَا وَضَعَتْ رُبَّمَا طَرَدَهَا زَوْجُهَا مِنْ مَخْدَعِهِ مَعَ رَضِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لِهَذَا الرَّضِيعِ قَرَارٌ، وَهُوَ فِي صُرَاخٍ وَبُكَاءٍ، وَأَمَّا هِيَ فَلَوْ كَانَتْ فِي النَّهَارِ بِطُولِهِ فِي حَالِ تَعَبٍ وَعَمَلٍ وَمَسْغَبَةٍ، ثُمَّ جَاءَ اللَّيْلُ؛ لَا يَهْدَأُ لَهَا خَاطِرٌ، وَلَا يَنْعَمُ لَهَا جَفْنٌ بِنَوْمٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَذَمُّرَ وَلَا مَوْجِدَةَ، وَلَا ضَجَرَ وَلَا غَضَبَ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا خَلَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ عَلَيْهِ مُفَاوِتًا فِي خِلْقَتِهِمْ، وَخَلَقَ كُلَّ مَخْلُوقٍ لِمَا جَعَلَهُ مَنُوطًا بِهِمْ مِنَ الْوَظِيفَةِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
وَلِلنِّسَاءِ حُقُوقٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ مِنَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ، وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَمِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مِنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ، وَحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَى شُئُونِ الْأُسْرَةِ بِالْوَجْهِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فِي الشَّرْعِ.
وَلِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ مَنْزِلَةٌ وَرِفْعَةٌ بِالْقِوَامَةِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ، وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالتَّغَاضِي عَنِ الْأَخْطَاءِ وَالْهَفَوَاتِ.
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ تَجْعَلُ لَهُ حُقُوقًا، وَتَجْعَلُ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٍ أَكْثَرَ -يَعْنِي الزَّوْجَ-.
فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ طِيبَ الْحَيَاةِ وَمُتْعَتَهَا يَتَحَقَّقَانِ فِي حَيَاةٍ زَوْجِيَّةٍ سَعِيدَةٍ، وَسَعَادَةُ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى خُلُقٍ سَجِيحٍ، وَعَقْلٍ رَجِيحٍ، وَأَدَبٍ فَاضِلٍ، وَيَجْمَعُ إِلَى ذَلِكَ صَفَاءَ الْوُدِّ، وَخَالِصَ النُّصْحِ لِصَاحِبِهِ؛ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا.
وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ يُمَثِّلَانِ فِي تَقَارُنِهِمَا شَطْرَيِ الْبَيْتِ مِنَ الشِّعْرِ، وَالْبَيْتُ مِنَ الشِّعْرِ لَا يَحْسُنُ وَقْعُهُ فِي النُّفُوسِ، وَلَا تَتَهَادَاهُ الْأَلْسُنُ وَالْأَسْمَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَطْرَاهُ مُنْسَجِمَيْنِ، يُسْعِدُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَيُسَاعِدُهُ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى الَّذِي صِيغَا مِنْ أَجْلِهِ.
وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ لَا تَزْدَهِي حَيَاتُهُمَا إِلَّا إِذَا انْسَجَمَا، وَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَظَلَّا يَعِيشَانِ فِي مَنْزِلٍ ظَهَارَتُهُ الْمَهَابَةُ، وَبِطَانَتُهُ الصِّيَانَةُ.
((مِنْ سُبُلِ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ:
إِنْفَاقُ الزَّوْجِ عَلَى أُسْرَتِهِ))
مِنَ السُّبُلِ الْمُهِمَّةِ لِتَحْقِيقِ الِاسْتِقْرَارِ الْأُسَرِيِّ وَالسَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ: قِيَامُ الزَّوْجِ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى أُسْرَتِهِ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233].
وَيَقُولُ –سُبْحَانَهُ-: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7].
وَيَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)).
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِلَّا النَّاشِزَ مِنْهُنَّ.
وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ)).
((مِنْ أَسْبَابِ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ:
حِفْظُ الْأَسْرَارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ))
مِنْ أَسْبَابِ تَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ: حِفْظُ الْأَسْرَارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِِ، فَكِلَا الزَّوْجَيْنِ سِتْرٌ وَسَكَنٌ لِلْآخَرِ، وَإِفْشَاءُ الْأَسْرَارِ لَا يَرْضَاهُ دِينٌ، وَلَا خُلُقٌ قَوِيمٌ، حَيْثُ يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: ((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)).
إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَيِّيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السِّتْرَ وَالْحَيَاءَ، وَإِنَّ لِلْفِرَاشِ أَسْرَارًا يَجِبُ أَنْ تُحَاطَ بِسِيَاجٍ مِنَ الْكِتْمَانِ؛ فَلِذَا كَانَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ عَلَى بَعْضٍ أَلَّا يَتَحَدَّثَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَسْرَارِ الْفِرَاشِ؛ فَإِنْ هُمَا فَعَلَا ذَلِكَ كَانَ مَثَلُهُمَا مَثَلَ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ تَلَاقَيَا فِي طَرِيقٍ مَا، فَجَامَعَهَا بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ.
((مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِ الْمَوَدَّةِ وَالسَّكَنِ فِي الْأُسْرَةِ:
الْمُشَارَكَةُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ))
مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ لِإِيجَادِ الْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ: الْمُشَارَكَةُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ، وَتَنْشِئَتِهِمْ تَنْشِئَةً سَوِيَّةً، فَلَا يَقْتَصِرُ دَوْرُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى رِعَايَةِ الْأَبْنَاءِ بِتَقْدِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْأُمُورِ الْمَادِّيَّةِ فَقَطْ، بَلْ تَعْظُمُ هَذِهِ الرِّعَايَةُ بِبِنَاءِ الْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ فِي نُفُوسِهِمْ، مِمَّا يُؤَهِّلُهُمْ لِلْقِيَامِ بِدَوْرِهِمْ فِي رِفْعَةِ الْمُجْتَمَعِ وَتَقَدُّمِهِ، وَيَكُونُونَ بِذَلِكَ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ قُرَنَائِنَا -مِنْ أَصْحَابٍ وَزَوْجَاتٍ-، وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ -أَيْ: تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا-.
دُعَاءٌ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ فِي صَلَاحِهِمْ؛ فَإِنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَعَلُوا ذَلِكَ هِبَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: هَبْ لَنَا.
بَلْ دُعَاؤُهُمْ يَعُودُ إِلَى نَفْعِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ بِصَلَاحِ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَنْتَفِعُ بِهِمْ.
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللهَ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ أَزْوَاجُهُمْ وَذُرِّيَّاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى.
وَبِذَلِكَ تَمْتَلِئُ قُلُوبُهُمْ سُرُورًا، وَيَكُونُوا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيَطْمَحُونَ إِلَى الِارْتِقَاءِ إِلَى دَرَجَاتِ الْأَبْرَارِ وَالْمُحْسِنِينَ، حَتَّى يَكُونُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى.
الْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وهُمْ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، قَالَ تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
الْمَالُ الْكَثِيرُ الْوَفِيرُ، وَالْبَنُونَ الْكَثِيرُونَ زِينَةُ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ.
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَجْعَلُ لَلْعَبْدِ وَلَدًا صَالِحًا فِي الدُّنْيَا، يَتَأَتَّى مِنْهُ دُعَاءٌ صَالِحٌ فِي الْآخِرَةِ، يَصِلُ إِلَيْهِ فِيهَا أَجْرُهُ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ -مِنْهَا-: أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو اللهَ لَهُ)).
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بِالدُّعَاءِ لِأَبَوَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا هُوَ اسْتِمْرَارٌ لِحَيَاتِهِ هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.
فَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَزُخْرًا لَهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ.
وَكَمَا تُعْنَى الْأُسْرَةُ بِالْأَبْنَاءِ يَجِبُ أَنْ تُعْنَى بِحُقُوقِ الْآبَاءِ، حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ-: وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24].
فَأَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْدَ الْأَمْرِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَبِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا؛ فَهَذَا مِنْ آكَدِ الْحُقُوقِ وَمِنْ أَجَلِّهَا.
وَبَيَّنَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ لَا يُجِيزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ سُوءٍ تَنُمُّ عَنْ ضَجَرٍ يُحِسُّهُ فِي نَفْسِهِ، فَيُعْلِنُهُ بِلِسَانِهِ، {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.
فَلَمْ يُجِزْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَتَأَفَّفَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَبَوَيْهِ إِذَا بَلَغَا الْكِبَرَ، وَصَارَا إِلَى حَالٍ لَا يَتَحَكَّمَانِ فِيهَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَيَتَأَفَّفُ مِنْهُمَا مُتَضَجِّرًا!! وَقَدْ كَانَا يَرَيَانِ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأْعَظَمَ مِنْهُ وَلَا يَتَضَجَّرَانِ، وَإِنَّمَا يَأْتِيَانِ بِهِ بِسَمَاحَةِ نَفْسٍ وَطِيبٍ خَاطِرٍ.
فَنَهَى رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ تَأَفُّفِ الْمَرْءِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ حَقَّهُمَا عَظِيمًا، وَجَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ تِجَاهَهُمَا وَاجِبًا جَسِيمًا، وَإِذَا فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)).
وَإِنَّ أَوْلَى الْأَرْحَامِ بِالرِّعَايَةِ لَهِيَ مَا يَتَّصِلُ بِالْأَبَوَيْنِ.
عِبَادَ اللهِ! لَا شَكَّ أَنَّ لِأَهْلِ الزَّوْجَيْنِ دَوْرًا كَبِيرًا فِي الْحِفَاظِ عَلَى كِيَانِ الْأُسْرَةِ وَاسْتِقْرَارِهَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ دَعْمِ أَوَاصِرِ الْحُبِّ وَالِاحْتِرَامِ وَالسَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمَا، وَاحْتِرَامِ خُصُوصِيَّاتِهِمَا، وَاحْتِوَاءِ الِاخْتِلَافَاتِ بِإبْدَاءِ النُّصْحِ وَالْإِرْشَادِ لَهُمَا، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
((أَيْ: وَإِنْ خِفْتُمُ الشِّقَاقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْمُبَاعَدَةَ وَالْمُجَانَبَةَ حَتَّى يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أَيْ: رَجُلَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ يَعْرِفَانِ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَعْرِفَانِ الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظِ (الْحُكْمِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَكَمًا إِلَّا مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِز
فَيَنْظُرَانِ مَا يَنْقِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُلْزِمَانِ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَجِبُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ قَنَّعَا الزَّوْجَ الْآخَرَ بِالرِّضَا بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الرِّزْقِ وَالْخُلُقِ، وَمَهْمَا أَمْكَنَهُمَا الْجَمْعُ وَالْإِصْلَاحُ فَلَا يَعْدِلَا عَنْهُ.
فَإِنْ وَصَلَتِ الْحَالُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وَإِصْلَاحُهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُعَادَاةِ وَالْمُقَاطَعَةِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَرَأَيَا أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا أَصْلَحُ؛ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا.
وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَالْحَكَمُ يَحْكُمُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} أَيْ: بِسَبَبِ الرَّأْيِ الْمَيْمُونِ وَالْكَلَامِ الَّذِي يَجْذِبُ الْقُلُوبَ وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقَرِينَيْنِ.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أَيْ: عَالِمًا بِجَمِيعِ الظَّوَاهِرِ وَالْبَوَاطِنِ، مُطَّلِعًا عَلَى خَفَايَا الْأُمُورِ وَأَسْرَارِهَا، فَمِنْ عِلْمِهِ وَخَبَرِهِ أَنْ شَرَعَ لَكُمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الْجَلِيلَةَ وَالشَّرَائِعَ الْجَمِيلَةَ)).
فَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى أَنْ نُحَقِّقَ السَّكَنَ وَالْمَوَدَّةَ فِي بُيُوتِنَا، حَتَّى يَسُودَ الْحُبُّ وَالتَّآلُفُ وَالِاسْتِقْرَارُ فِي الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ.
((أَسْبَابُ فُقْدَانِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْأُسْرَةِ))
عِبَادَ اللهِ! كَمَا أَنَّ لِتَحْقِيقِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ فِي الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ سُبُلًا وَأَسْبَابًا؛ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى لِمَعْرِفَتِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا؛ فَكَذَلِكَ هُنَاكَ أَسْبَابٌ وَسُبُلٌ خَطِيرَةٌ لِفُقْدَانِ الْمَوَدَّةِ وَالسَّكَنِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُسَرِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَهَا؛ لِنَتَجَنَّبَهَا وَنَبْتَعِدَ عَنْهَا.
وَنَحْنُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَعْرِفَ الْخَطَأَ لِنَتَجَنَّبَهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لَا لِلشَّـ ــرِّ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ مِنَ الْخَيْرِ يَقَع فِيهِ
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي)).
فَنَحْنُ إِذَا عَرَفْنَا هَذِهِ الْأَخْطَاءَ فَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْرِفُهَا مِنْ أَجْلِ أَلَّا نَتَوَرَّطَ فِيهَا.
((مِنْ أَسْبَابِ فُقْدَانِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ:
جُمْلَةٌ مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ))
إِنَّ مِنَ أَسْبَابِ فُقْدَانِ الْمَوَدَّةِ وَالسَّكَنِ فِي الْأُسَرِ: جُمْلَةً مِنَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي تَقَعُ مِنَ الْأَزْوَاجِ، وَالْحَدِيثُ -الْآنَ- سَيَدُورُ حَوْلَ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ وَالْخَطَأِ الَّتِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ؛ تَنْبِيهًا وَتَذْكِيرًا، وَمُحَاوَلَةً فِي الْعِلَاجِ، وَرَغْبَةً فِي أَنْ تَكُونَ بُيُوتُنَا مَحَاضِنَ تَرْبِيَةٍ، وَمُسْتَقَرَّ رَحْمَةٍ وَسَعَادَةٍ.
وَلَا يَعْنِي الْحَدِيثُ عَنِ الْأَخْطَاءِ حَصْرَهَا، وَالْإِتْيَانَ عَلَيْهَا؛ فَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
كَمَا لَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَزْوَاجِ يَقَعُونَ فِي تِلْكَ الْأَخْطَاءِ؛ فَفِي الْأَزْوَاجِ مَنْ هُوَ عَلَى النَّهْجِ السَّوِيِّ وَالْخُلُقِ الْكَرِيمِ الزَّكِيِّ.
كَذَلِكَ لَا يَعْنِي ذِكْرُ الْأَخْطَاءِ أَنْ تُغْرِقَ الزَّوْجَةُ فِي تَطَلُّبِ الْكَمَالِ؛ فَتُرِيدُ زَوْجًا لَا عَيْبَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْأَخْطَاءِ ذَرِيعَةً لِأَنْ تُنَزَّلَ عَلَى جَمِيعِ الْأَزْوَاجِ؛ فَمَا ذَلِكَ قَصَدْتُ، وَلَا إِلَيْهِ أَرَدْتُ.
وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَةٌ لِلتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ، وَالتَّخَلِّي مِنَ الرَّذَائِلِ؛ فَالرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ خَيْرٌ، وَالسَّعْيُ فِي طَلَبِ الْكَمَالِ كَمَالٌ.
فَإِلَى تِلْكَ الْأَخْطَاءِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
*التَّقْصِيرُ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ الزَّوَاجِ:
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا تَزَوَّجَ تَنَكَّرَ لِوَالِدَيْهِ، وَقَلَبَ لَهُمَا ظَهْرَ الْمِجَنِّ، فَصَارَ يُقَصِّرُ فِي حَقِّهِمَا، وَلَا يُقْدُرُهُمَا حَقَّ قَدْرِهِمَا.
بَلْ رُبَّمَا قَدَّمَ طَاعَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى طَاعِتِهِمَا، وَرُبَّمَا أَهَانَهُمَا فِي سَبِيلِ إِرْضَاءِ زَوْجَتِهِ، بَلْ رُبَّمَا طَرَدَهُمَا مِنَ الْمَنْزِلِ، أَوْ تَرَكَهُمَا وَحِيدَيْنِ فِيهِ وَهُمَا فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى رِعَايَتِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ عُقُوقٌ لِلْوَالِدَيْنِ، وَيُخْشَى عَلَى مُرْتِكِبِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْعَاجِلَةِ الَّتِي تُكَدِّرُ صَفْوَهُ، وَتُنَغِّصُ عَلَيْهِ عَيْشَهُ.
فَمَاذَا يُرْجَى مِنْ شَخْصٍ يَتَنَكَّرُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَوْلَاهُمْ بِبِرِّهِ وَعَطْفِهِ؟!!
إِنَّ تَنَكُّرَهُ لِغَيْرِهِمْ سَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ فَالَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَبَوْيِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَيْرٌ لِزَوْجَةٍ، أَوْ وَلَدٍ، أَوْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
لِهَذَا كَانَ جَدِيرًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى بِرِّ وَالِدَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
وَمِمَّا يُعِينُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْبِرِّ بَعْدَ الزَّوَاجِ:
-الدُّعَاءُ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَلْجَأَ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ يُحْسِنَ صِلَتَهُ بِهِ -تَعَالَى-، وَأَنْ يَسْأَلَهُ الْإِعَانَةَ عَلَى الْبِرِّ.
-وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْبِرِّ بَعْدَ الزَّوَاجِ: الْحَذَرُ مِنْ أَيِّ تَصَرُّفٍ يُشْعِرُ الْوَالِدَيْنِ بِأَنَّ ابْنَهُمَا قَدْ تَغَيَّرَ.
- وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْبِرِّ بَعْدَ الزَّوَاجِ: زِيَادَةُ الْبِرِّ لِلْوَالِدَيْنِ؛ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَادِّيًّا، أَوْ مَعْنَوِيًّا؛ كَالْهَدَايَا، وَالزِّيَارَاتِ، وَالِاتِّصَالِ الْمُسْتَمِرِّ، وَإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ؛ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَنْزِلِ، أَوْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ مُنْفَرِدٍ.
- وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْبِرِّ بَعْدَ الزَّوَاجِ: إِبْعَادُ الْوَالِدَيْنِ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ الزَّوْجِيَّةِ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْرِصَ الزَّوْجُ عَلَى حَلِّ مُشْكِلَاتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ بِرُوحِ الْمَوَدَّةِ، وَأَلَّا يَعْلَمَ الْوَالِدَانِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِمَا.
أَمَّا إِذَا اسْتَدْعَى الْأَمْرُ ذَلِكَ، وَرَغِبَ الِابْنُ فِي اسْتِشَارَةِ وَالِدَيْهِ، وَكَانَا مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ فَلَا بَأْسَ.
*مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْحِرْصِ عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ:
فَمِنَ الْخَطَأِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَزْوَاجِ: أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ وَوَالِدَيْهِ عَلَى غَيْرِ وِفَاقٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْعَى فِي الْإِصْلَاحِ وَالتَّوْفِيقِ وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ.
وَقُوَّةُ الشَّخْصِيَّةِ فِي الْإِنْسَانِ تَبْدُو فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ الَّتِي قَدْ تَتَعَارَضُ أَمَامَ بَعْضِ النَّاسِ، فَتُلْبِسُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، وَتُوقِعُهُ فِي الْحَيْرَةِ وَالتَّرَدُّدِ.
وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ حِكْمَةُ الْمَرْءِ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ كُلٍّ مِنْ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ دُونَ أَنْ يُلْحِقَ جَوْرًا بِأَحَدٍ مِنَ الْآخَرِينَ.
*وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الْأَزْوَاجِ: الشَّكُّ فِي الزَّوْجَةِ وَسُوءُ الظَّنِّ بِهَا:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ هُوَ ذُو طَبِيعَةٍ قَلِقَةٍ، وَنَفْسٍ مُتَوَتِّرَةٍ مُسْتَوْفِزَةٍ، فَتَرَاهُ يُغَلِّبُ جَانِبَ الشَّكِّ، وَيَجْنَحُ كَثِيرًا إِلَى سُوءِ الظَّنِّ، وَيُفَسِّرُ الْأُمُورَ عَلَى أَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ.
فَعَلَى الزَّوْجِ أَلَّا يَسْتَرْسِلْ مَعَ الْأَوْهَامِ، وَعَلَيْهِ أَلَّا يُفْرِغْ قَلْبَهُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي أَقْدَمَ عَلَى الِاقْتِرَانِ بِهَا بِطَوْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا إِذَا أَرَادَتِ الْخَنَا سَلَكَتْ سَبِيلَهُ؛ فَمَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ الْأَمَارَاتُ الْبَيِّنَاتُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَعَلَيْهِ أَلَّا يَلْتَفِتَ إِلَى مَا يَجُولُ فِي خَاطِرِهِ مِنَ الْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ.
بَلْ يَحْسُنُ بِهِ إِذَا سَمِعَ عَنْهَا مَا يَسُوؤُهُ أَلَّا يَسْتَعْجِلَ فِي الْحُكْمِ، بَلْ يَتَثَبَّتُ، وَيَتَأَنَّى وَيَصْبِرُ؛ فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ صَادِرًا مِنْ مُغْرِضٍ يُرِيدُ هَدْمَ بَيْتِهِ الْآمِنِ.
وَلَا يَعْنِي حُسْنُ الظَّنِّ بِالزَّوْجَةِ قِلَّةَ الْغَيْرَةِ، وَإِلْقَاءَ الْحَبْلِ عَلَى الْغَارِبِ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ أَنْ يَعْتَدِلَ الزَّوْجُ فِي الْغَيْرَةِ؛ فَلَا يَتَغَافَلُ عَمَّا تُخْشَى عَوَاقِبُهُ، وَلَا يُبَالِغُ فِي إِسَاءَةِ الظَّنِّ، وَالتَّعَنُّتِ، وَالتَّجَسُّسِ.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالتَّحَسُّسُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْغَيْرَةِ أَمْرٌ لَا يُقِرُّهُ دِينٌ وَلَا عَقْلٌ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْغَيْرَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ:
فَالْغَيْرَةُ عَاطِفَةٌ سَامِيَةٌ مِنْ عَوَاطِفِ الْحُبِّ الْحَقِيقِيِّ، تَدْفَعُ الزَّوْجَ إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَتَدْعُو الزَّوْجَةَ إِلَى الِاحْتِفَاظِ بِزَوْجِهَا.
وَالْغَيْرَةُ مِنْ شِيَمِ الرِّجَالِ الْكَرِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ تَضْعُفَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ لَا يُحِبُّ زَوْجَتَهُ؛ فَهُوَ يَغَارُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ.
وَالْغَيْرَةُ -كَذَلِكَ- تُشْعِرُ الزَّوْجَيْنِ بِالْحُبِّ وَالْمَوَدَّةِ، وَتَحُثُّهُمَا عَلَى تَجْدِيدِ الْحُبِّ، وَتَنْمِيَتِهِ، وَرِعَايَتِهِ.
وَإِنَّكَ لَتَرَى إِلَى الْيَوْمَ كَيْفَ يَغَارُ الرَّجُلُ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ زَوْجَتِهِ أَمَامَ النَّاسِ، فَيُكَنِّي عَنْهَا بِالْبَيْتِ وَبِالْجَمَاعَةِ، فَيَقُولُ -مَثَلًا-: فِي الْبَيْتِ لَا يَرْضُونَ بِذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ: الْجَمَاعَةُ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الزَّوْجَةَ.
وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ الْبَهَاءُ زُهَيْرٌ:
وَأُنَزِّهُ اسْمَكِ أَنْ تَمُرَّ حُرُوفُهُ = مِنْ غَيْرَتِي بِمَسَامِعِ الْجُلَّاسِ
فَأَقُولُ: بَعْضُ النَّاسِ عَنْكِ كِنَايَةً = خَوْفَ الْوُشَاةِ وَأَنْتِ كُلُّ النَّاسِ
وَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَشُكُّ فِي زَوْجَتِهِ، وَيُبَالِغُ فِي إِسَاءَةِ الظَّنِّ بِهَا فَهُنَاكَ مَنْ تَبَلَّدَ حِسُّهُ، وَمَاتَتْ غَيْرَتُهُ، وَفَقَدَ أَنَفَتَهُ وَرُجُولَتَهُ وَحَمِيَّتَهُ؛ فَتَرَاهُ لَا يُبَالِي بِاخْتِلَاطِ زَوْجَتِهِ بِالْأَجَانِبِ؛ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَحْمَائِهِ -أَيْ: مِنْ أَقَارِبِهِ- أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَأْبَهُ بِمَا يَجُرُّهُ التَّهَتُّكُ وَنَزْعُ الْحَيَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ!!
بَلْ رُبَّمَا أَمَرَهَا بِنَزْعِ الْحِجَابِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِالْأَقَارِبِ؛ بَلْ رُبَّمَا رَآهَا مُتَهَتِّكَةً مُتَبَرِّجَةً تُصَافِحُ الرِّجَالَ الْأَجَانِبَ، وَتُجَالِسُهُمْ، وَتُضَاحِكُهُمْ، وَتُبَادِلُهُمْ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ؛ فَيَتَعَامَى، وَيَغُضُّ الْبَصَرَ، فَلَا تُحِسُّ لَهُ وَجْدًا، وَلَا تَسْمَعُ لَهُ رِكْزًا!!
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ ضَرْبٌ مِنَ الدِّيَاثَةِ، وَفُقْدَانِ الرُّجُولَةِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَيْسَرِ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَغَارَ زَوْجُهَا عَلَيْهَا؛ فَلَا يُعَرِّضُهَا لِلشُّبْهَةِ، وَلَا يَتَسَاهَلُ مَعَهَا فِي كُلِّ مَا يُؤْذِي شَرَفَ الْأُسْرَةِ، أَوْ يُعَرِّضُهَا لِأَلْسِنَةِ السُّوءِ.
وَقَدْ عَقَدَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((صَحِيحِهِ)) بَابًا قَالَ فِيهِ: ((بَابُ الْغَيْرَةِ))، وَقَالَ وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: ((لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ)).
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي)).
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْغَيْرَةِ بِلَا مُسَوِّغٍ؛ بِحَيْثُ يَتَعَدَّى طَوْرَهُ، وَيَصِلُ بِهِ الْأَمْرُ إِلَى الشَّكِّ وَسُوءِ الظَّنِّ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ -أَيْضًا- أَنْ يَطَّرِحَ الْغَيْرَةَ، زَعْمًا مِنْهُ بِأَنَّهَا تَقْيِيدٌ لِحُرِّيَّةِ الزَّوْجَةِ.
فَالْغَيْرَةُ الْمَحْمُودَةُ مَا كَانَتْ فِي مَحَلِّهَا وَفِي حُدُودِ الِاعْتِدَالِ، أَمَّا مَا جَاوَزَ الْحَدَّ وَكَانَ ظَنًّا بَاطِلًا لَا أَسَاسَ لَهُ إِلَّا وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ فَهُوَ مِنَ الْغَيْرَةِ الْمَكْرُوهَةِ الْمَذْمُومَةِ.
*وَمِنْ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الْأَزْوَاجِ: الِاسْتِهَانَةُ بِالزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَسْتَهِينُ كَثِيرًا بِزَوْجَتِهِ، فَلَا يَرَاهَا إِلَّا هَمَلًا مُضَاعًا، أَوْ لَقًى مُزْدَرًى تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ.
فَلَا يَعْتَدُّ بِكَلَامِهَا، وَلَا يَسْتَشِيرُهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَا يَأْخُذُ بِرَأْيِهَا إِنْ هِيَ أَشَارَتْ، وَرُبَّمَا احْتَجَّ عَلَى سُوءِ فِعْلِهِ بِأَنَّ الْقَوَامَةَ لِلرَّجُلِ، وَبِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةُ عَقْلٍ وَدِينٍ.
وَمِنْ صُوَرِ الِاسْتِهَانَةِ بِالزَّوْجَةِ: أَنْ يُحَقِّرَهَا بَيْنَ أَبْنَائِهَا، وَأَنْ يَصِفَهَا بِالْخَرَقِ وَسُوءِ التَّدْبِيرِ، وَضَعْفِ الْعَقْلِ، وَالْجَهْلِ بِأَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ.
وَمِنْ صُوَرِ الِاسْتِهَانَةِ بِالزَّوْجَةِ: ذَمُّ أَهْلِهَا أَمَامَهَا؛ سَوَاءٌ كَانُوا وَالِدَيْهَا، أَوْ إِخَوَانَهَا، أَوْ أَعْمَامَهَا، أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَقَارِبِهَا؛ فَتَرَى بَعْضَ الْأَزْوَاجِ يُزْرِي بِهِمْ، وَيَذُمُّهُمْ لِخَطَأٍ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَرُبَّمَا ذَمَّهُمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَآءُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِهَانَةِ.
وَهَذَا الْمَسْلَكُ خَطَأٌ كَبِيرٌ؛ فَالْمَرْأَةُ إِنْسَانٌ مُكَرَّمٌ، لَهَا عَقْلٌ، وَلَهَا رَأْيٌ، وَلَهَا مَكَانَةٌ؛ بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ عَقْلِيَّاتِ النِّسَاءِ لَتَفُوقُ بَعْضَ الرِّجَالِ بِحَصَافَةِ رَأْيِهَا وَحُسْنِ تَدْبِيرِهَا.
وَمَا التَّأْنِيثُ لِاسْمِ الشَّمْسِ عَيْبٌ = وَلَا التَّذْكِيرُ فَخْرٌ لِلْهِلَالِ
وَلَا يَغِبْ عَنْ بَالِنَا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: ((قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا)).
فَمَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ((يَا نَبِيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ)).
فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَانْظُرْ إِلَى حَصَافَةِ رَأْيِ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، وَانْظُرْ إِلَى أَخْذِ النَّبِيِّ ﷺ بِرَأْيِهَا.
فَالزَّوْجُ الْعَاقِلُ الْكَرِيمُ يُعْنَى بِزَوْجَتِهِ، وَيَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهَا، وَيَسْتَشِيرُهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ سَوَاءٌ فِي حَيَاتِهِ الْعَامَّةِ، أَوْ فِيمَا يَخُصُّ الْمَنْزِلَ مِنْ أَثَاثٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ بِكُلِّ مَا تُبْدِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْمُرُوءَةَ وَالدِّينَ يَقْضِيَانِ بِأَلَّا يُسِيءَ الزَّوْجُ إِلَى أَهْلِ زَوْجَتِهِ بِذَمٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهَا، وَإِنَّ مِنْ إِكْرَامِهَا إِكْرَامَ أَهْلِهَا، وَإِنَّ مِنْ أَيْسَرِ حُقُوقِهِمْ عَلَيْكَ -أَيُّهَا الزَّوْجُ-: أَنْ تَحْفَظَ الذِّمَامَ، وَأَلَّا تَنْسَى الْمَعْرُوفَ؛ فَلَقَدْ أَحْسَنُوا بِكَ الظَّنَّ، وَأَوْدَعُوكَ فِلْذَةَ أَكْبَادِهِمْ؛ فَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ؟!!
فَذَمُّ أَهْلِ الزَّوْجَةِ نُكْرَانٌ لِلْجَمِيلِ، وَجُحُودٌ لِلْفَضْلِ.
*وَمِنْ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَتَوَرَّطُ فِيهَا بَعْضُ الْأَزْوَاجِ: التَّخَلِّي عَنِ الْقِوَامَةِ، وَتَسْلِيمُ الْقِيَادَةِ لِلزَّوْجَةِ:
فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ مَنْ لَا يَعْتَدُّ بِالْمَرْأَةِ فَيَهْضِمُهَا حَقَّهَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا بِأَلْحَاظِ الِازْدِرَاءِ؛ فَهُنَاكَ مَنْ قَدْ تَخَلَّى عَنْ قِوَامَتِهِ، وَأَسْلَمَ قِيَادَهُ لِزَوْجَتِهِ، فَإِرَادَتُهُ تَابِعَةٌ لِإِرَادَتِهَا، وَرَأْيُهُ مُلْغًى أَمَامَ رَأْيِهَا؛ فَقَوْلُهَا الْقَوْلُ، وَرَأْيُهَا الْفَصْلُ، فَتَفْرِضُ عَلَى الزَّوْجِ سِيَاجًا مُحْكَمًا لَا مَعْدَى عَنْهُ وَلَا مَحِيصَ، وَتُحِيلُهُ إِلَى خَادِمٍ مَشْكُوكٍ فِي إِخْلَاصِهِ وَنَوَايَاهُ!!
وَالَّذِي قَدْ يَدْفَعُهَا إِلَى ذَلِكَ دَافِعُ الْغُرُورِ بِالْمَالِ، أَوِ الْجَمَالِ، أَوِ الْجَاهِ، أَوِ الْمُسْتَوَى التَّعْلِيمِيِّ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ذَلِكَ ضَعْفُ الزَّوْجِ، وَاهْتِزَازُ شَخْصِيَّتِهِ فَقَدْ وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ.
فَلِذَلِكَ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مَتَى شَاءَتْ، وَتَلْبَسُ مَا شَاءَتْ وَلَوْ كَانَ لِبَاسَ شُهْرَةٍ، أَوْ تَبَرُّجٍ، أَوْ تَشَبُّهٍ بِالْكَافِرَاتِ.
وَرُبَّمَا تَدَخَّلَتْ فِي شُؤُونِهِ الْخَاصَّةِ، وَعَلَاقَتِهِ مَعَ الْآخَرِينَ؛ فَتَكُونُ بِذَلِكَ هِيَ الْقَوَّامَةَ عَلَيْهِ، وَالْمُتَصَرِّفَةَ فِي زِمَامِ أَمْرِهِ!!
وَمَا عَجَبٌ أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجَّلَتْ = وَلَكِنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عُجَابُ
وَهَذَا خِلَافُ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ وَالْفِطَرُ السَّوِيَّةُ؛ فَالرَّجُلُ الْحَقُّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَعَ الْمَرْأَةَ تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَتَسْلُبُهُ مَكَانَتَهُ الشَّرْعِيَّةَ الْمُتَمَثِّلَةَ فِي الْقِوَامَةِ وَرِعَايَةِ الْأُسْرَةِ؛ فَيَكُونُ بِذَلِكَ غَرَضًا لِلذَّمِّ، وَعُرْضَةً لِلَّومِ؛ إِذْ يُعَدُّ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ، وَتَنْزِلُ دَرَجَتُهُ فِي أَعْيُنِ الرِّجَالِ.
وَقَلَّمَا طَابَ لِلرَّجُلِ عَيْشٌ مَعَ زَوْجَةٍ تَكُونُ كَلِمَتُهَا فَوْقَ كَلِمَتِهِ..
وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَبِّدًا، فَيَجَعْلُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَدَاةً يُسَيِّرُهَا كَيْفَمَا يَشَاءُ، وَيَسْلُبُهَا حُقُوقَهَا كَإِنْسَانَةٍ وَزَوْجَةٍ وَأُمِّ أَوْلَادٍ؛ فَذَلِكَ إِهْدَارٌ لِكَرَامَتِهَا، وَقَلَّمَا أَخْلَصَتِ الْمَرْأَةُ لِمَنْ يَهْضِمُ حُقُوقَهَا، وَيُسِيءُ عِشْرَتَهَا.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْ يُحَافِظَ الرَّجُلُ عَلَى قِوَامَتِهِ، وَأَنْ تَقِفَ الْمَرْأَةُ عِنْدَ حُدُودِهَا فَلَا تَتَعَدَّاهَا إِلَى مَا لَا يَعْنِيهَا.
ثُمَّ إِنَّ الْقِوَامَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَقٌّ لَهَا، وَلَنْ تَجِدَ لِلسَّعَادَةِ طَعْمًا طَالَمَا أَنَّ الزَّوْجَ مُفَرِّطٌ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ.
*وَمِنْ أَخْطَائِهِمْ: أَكْلُ مَالِ الزَّوْجَةِ بِالْبَاطِلِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ قَدْ رَقَّ دِينُهُ، وَقَلَّتْ مُرُوءَتُهُ، فَتَرَاهُ يَأْكُلُ مَالَ زَوْجَتِهِ بِالْبَاطِلِ، وَيَسْلُكُ فِي ذَلِكَ السَّبِيلَ طَرَائِقَ شَتَّى.
فَقَدْ تَكُونُ زَوْجَتُهُ مُعَلِّمَةً تَقْبِضُ مَالًا مُقَابِلَ تَدْرِيسِهَا، وَقَدْ تَكُونُ وَرِثَتْ مَالًا مِنْ أَبِيهَا أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهَا مَصَادِرُ أُخْرَى لِلرِّزْقِ.
وَمِنْ هُنَا يَجِدُ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ فُرْصَتَهُ لِأَكْلِ مَالِ الزَّوْجَةِ بِالْبَاطِلِ.
وَهَذَا الصَّنِيعُ تَأْبَاهُ الْمُرُوءَةُ وَالدِّينُ؛ فَقَدْ حَمَى الْإِسْلَامُ مَالَ الزَّوْجَةِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لِيَدِ الزَّوْجِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ، فَأَبْقَى لَهَا حُرِّيَّةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا عَلَى مَا تَرَى إِذَا كَانَتْ عَاقِلَةً رَشِيدَةً، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ حَقٌّ فِي أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي مَنْعِهَا مِنْ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي مَالِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ؛ كَالْبَيْعِ، وَالْقَرْضِ، وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فِي مَنْعِهَا مِنْ أَنْ تُنْفِقَ مِنْهُ أَوْ تُنْفِقَهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ -كَالصَّدَقَةِ، وَالْهِبَةِ- عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ حُرْمَةِ الْأَكْلِ لِمَالِ الزَّوْجَةِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ تَقْبِضَ الْمَرْأَةُ يَدَهَا عَنْ إِعَانَةِ زَوْجِهَا؛ فَهَذَا شَيْءٌ، وَأَكْلُ مَالِهَا بِالْبَاطِلِ شَيْءٌ آخَرُ.
كَمَا لَا يَعْنِي تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا أَنْ تَدَعَ اسْتِشَارَةَ الزَّوْجِ وَالِاسْتِنَارَةَ بِرَأْيِهِ.
بَلِ اللَّائِقُ بِهَا أَنْ تُعِينَ زَوْجَهَا عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنْ تَسْتَشِيرَهُ فِي أُمُورِهَا وَشُؤُونِهَا كَافَّةً؛ فَذَلِكَ مِمَّا يُنَمِّي الْأُلْفَةَ، وَيُرَسِّخُ دَعَائِمَ الْمَوَدَّةِ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْحِرْصِ عَلَى تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ أَمْرَ دِينِهَا:
فَمِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الزَّوْجَاتِ: قِلَّةُ الْحِرْصِ عَلَى تَعْلِيمِهِنَّ، وَتَرْبِيَتِهِنَّ، وَتَفْقِيهِهِنَّ بِأَمْرِ دِينِهِنَّ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ ذَا صَلَاحٍ وَتُقًى وَعِلْمٍ وَدَعْوَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْرِصُ عَلَى إِيصَالِ ذَلِكَ الْخَيْرِ إِلَى زَوْجَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ!!
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَخَلَلٌ؛ فَالْجَهْلُ دَاءٌ وَبِيلٌ، وَمَرْتَعُ صَاحِبِهِ وَخِيمٌ، فَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ جَاهِلَةً أَمْرَ دِينِهَا؛ لَمْ تَعْرِفْ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُرَبِّيَ أَوْلَادَهَا وَتَرْعَى مَنْزِلَهَا كَمَا يَنْبَغِي، وَلَمْ تَقُمْ بِعِبَادَةِ رَبِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِضِيهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعَلِّمَ زَوْجَتَهُ أُمُورَ دِينِهَا -وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ-.
*مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: التَّقْتِيرُ عَلَى الزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُقَتِّرُ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَيُقَصِّرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهَا، وَمَعَ قُدْرَةِ الزَّوْجِ وَيَسَارِهِ.
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْخَلَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُودُ بِمَا لَهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ عَلَى رِفَاقِ السُّوءِ، وَفِي وَلَائِمِ الرِّيَاءِ، وَرِحْلَاتِ الْفَسَادِ، فَتَرَاهُ يُنْفِقُ الْأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ فِي سَبِيلِ لَذَّاتِهِ وَشَيَاطِينِهِ، وَإِذَا سَأَلَهُ أَهْلُهُ بَذْلَ الْقَلِيلِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ!!
فَهَذِهِ الْحَالُ أَوْجَعُ مَسًّا وَأَلْذَعُ مِيسَمًا، وَأَشَدُّ وَقْعًا وَأَحَدُّ حَدًّا.
وَكَمْ مِنْ بُيُوتٍ يَجْثِمُ عَلَيْهَا الْبُؤْسُ، وَتُخَيِّمُ عَلَيْهَا سَحَائِبُ الشَّقَاءِ بِسَبَبِ تَقْتِيرِ الزَّوْجِ وَتَقْصِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ؛ فَرُبَّمَا بَاتَتِ الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهَا عَلَى الطَّوَى، وَرُبَّمَا بَلِيَتْ ثِيَابُهُمْ فَلَمْ يَجِدُوا بَدَلًا عَنْهَا، وَرُبَّمَا تَكَفَّفُوا النَّاسَ؛ فَلَا غَرَابَةَ -إِذَنْ- إِذَا تَشَتَّتَ الْأَوْلَادُ وَبَحَثُوا عَمَّنْ يُمِدُّهُمْ بِالْمَالِ، وَلَا عَجَبَ إِذَا انْحَرَفَتِ الْبُيُوتُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَادِعٌ مِنْ دِينٍ أَوْ حَيَاءٍ أَوْ مُرُوءَةٍ.
فَمِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ هَاهُنَا: مَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ مَالٍ لِلسُّكْنَى، وَالطَّعَامِ، وَالْحَضَانَةِ، وَاللِّبَاسِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِمَّا تُصَانُ بِهِ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ مِنَ الِابْتِذَالِ، وَمَا تُحْفَظُ بِهِ صِحَّتُهَا وَكَرَامَتُهَا.
كُلُّ ذَلِكَ فِي حُدُودِ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ)).
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللهِ -تَعَالَى-: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].
وَمَعْنَى: {قُدِرَ عَلَيْهِ} أَيْ: ضُيِّقَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ؛ فَمَا رَوَى جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: ((اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَالْوَاجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَلَا مَنٍّ وَلَا أَذًى.
وَإِنْ تَكَرَّمَ وَزَادَ عَلَى الْحَدِّ الْوَاجِبِ؛ كَأَنْ يُقَدِّمَ لَهَا مَا يَشْرَحُ صَدْرَهَا، وَتَقَرُّ بِهِ عَيْنُهَا مِنْ نَحْوِ الْهَدِيَّةِ وَالْبَذْلِ وَالْعَطِيَّةِ فَحَسَنٌ، وَلَا يَعْنِي ذَمُّ التَّقْتِيرِ أَنْ يُطْلِقَ الزَّوْجُ يَدَهُ فَيُنْفِقَ الْأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ فِي سَبِيلِ الْأُمُورِ التَّافِهَةِ.
كَمَا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ النَّفَقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، أَوْ أَنْ تُحَمِّلَ زَوْجَهَا مَا لَا يُطِيقُ؛ فَهَذَا عَنَتٌ وَإِرْهَاقٌ يُعَرِّضُ الْأُسْرَةَ لِلْعَجْزِ وَالْحِرْمَانِ، وَذَلِكَ أُسْلُوبٌ لَا تَلْجَأُ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ عَاقِلَةٌ تُحْسِنُ التَّدْبِيرَ، وَتُرِيدُ أَنْ تَعِيشَ بِهَنَاءٍ وَسِتْرٍ.
ثُمَّ إِذَا بُلِيَتِ الزَّوْجَةُ بِزَوْجٍ يُقَتِّرُ عَلَيْهَا فَصَبَرَتْ وَاحْتَسَبَتْ فَلَهَا الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
*مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: مُفَاجَأَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ طُولِ الْغِيَابِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَغِيبُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ؛ كَأَنْ يُسَافِرَ لِتِجَارَةٍ، أَوْ عَمَلٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا عَادَ مِنْ غَيْبَتِهِ فَاجَأَ زَوْجَتَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا دُونَ إِعْلَامٍ لَهَا أَوْ إِشْعَارٍ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي.
وَذَلِكَ نَاتِجٌ عَنْ قِلَّةِ مُبَالَاةِ الزَّوْجِ، أَوْ لِرَغْبَتِهِ فِي مُفَاجَأَةِ زَوْجَتِهِ حَتَّى تَفْرَحَ بِمَا لَمْ تَكُنْ قَدْ تَوَقَّعَتْهُ، أَوْ لِجَهْلِهِ بِعَوَاقِبِ الْمُفَاجَأَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْمُفَاجَأَةِ وَأَسْبَابِهَا.
وَهَذَا الْعَمَلُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؛ لِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ؛ فَالَّذِي يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ: أَنْ يَتَجَنَّبَ مُفَاجَأَةَ زَوْجَتِهِ بَعْدَ طُولِ الْغِيَابِ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَمْهِلُوا، لَا تَدْخُلُوا لَيْلًا -يَعْنِي: عِشَاءً- حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ -وَهِيَ الْبَعِيدَةُ الْعَهْدِ بِالْغُسْلِ وَتَسْرِيحِ الشَّعْرِ وَالنَّظَافَةِ-، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ -أَيِ: الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا-)).
وَالْهَدَفُ مِنْ هَذَا التَّشْرِيعِ: إِبْقَاءُ الرَّغْبَةِ فِي الزَّوْجَةِ قَوِيَّةً؛ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مِنْهَا مَا يُطْلِعُ الزَّوْجَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عُيُوبِهَا، أَوْ مَا يُنَافِي كَمَالَ زِينَتِهَا مِنْ تَشَعُّثِ الشَّعْرِ، وَإِهْمَالِ الزِّينَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
بَلْ يَجِدُهَا دَائِمًا فِي حَالٍ مِنَ الْجَمَالِ وَالزِّينَةِ، وَمَا شَأْنُهُ أَنْ يُبْقِيَ عَلَى سُرُورِ النَّفْسِ وَشِدَّةِ الرَّغْبَةِ.
فَالزَّوْجُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَاجِأَ زَوْجَتَهُ إِذَا قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ؛ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَتَلَافِيًا لِمَا ذُكِرَ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يُخْبِرُهُمْ بِقُدُومِهِ، وَأَنْ يَتَرَيَّثَ بَعْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ لِأَهْلِهِ.
وَفِي هَذَا الْوَقْتِ تَيَسَّرَتِ السُّبُلُ؛ فَبِإِمْكَانِ الزَّوْجِ أَنْ يَتَّصِلَ عَبْرَ الْهَاتِفِ أَوْ مَا أَشْبَهَ، وَأَنْ يُخْبِرَ أَهْلَهُ بِأَنَّهُ قَادِمٌ فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ أَوِ السَّاعَةِ الْفُلَانِيَّةِ.
ثُمَّ إِنَّ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا عَلِمَتْ بِقُدُومِ زَوْجِهَا أَنْ تَأْخُذَ زِينَتَهَا، وَأَنْ تَسْتَعِدَّ لَهُ أَتَمَّ الِاسْتِعْدَادِ.
*مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: كَثْرَةُ لَوْمِ الزَّوْجَةِ وَانْتِقَادِهَا:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُكْثِرُ لَوْمَ زَوْجَتِهِ وَانْتِقَادَهَا عِنْدَ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، فَتَرَاهُ يَنْتَقِدُ الطَّعَامَ الَّذِي تُعِدُّهُ الزَّوْجَةُ، وَتَرَاهُ يُعَاتِبُهَا إِذَا بَكَى الصِّغَارُ أَوْ كَثُرَ عَبَثُهُمْ، وَتَرَاهُ يُبَالِغُ فِي تَأْنِيبِهَا إِذَا نَسِيَتْ أَوْ قَصَّرَتْ فِي شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِهِ.
وَأَقْبَحُ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يُعَنِّفَهَا فِيمَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَيْهِ؛ كَأَنْ يَلُومَهَا إِذَا كَانَتْ لَا تُنْجِبُ، أَوْ إِذَا كَانَتْ لَا تُنْجِبُ إِلَّا بَنِينَ فَحَسْبُ، أَوْ بَنَاتٍ فَحَسْبُ، أَوْ يَلُومُهَا إِذَا أَنْجَبَتْ وَلَدًا مُشَوَّهًا أَوْ نَاقِصًا، أَوْ فِيهِ بَعْضُ الْعُيُوبِ الْخِلْقِيَّةِ، فَيَجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ أَلَمِهَا فِي نَفْسِهَا وَبَيْنَ إِسَاءَتِهِ الْبَالِغَةِ بِقَوَارِصِهِ الَّتِي تُقِضُّ مَضْجَعَهَا، وَتُؤَرِّقُ جَفْنَهَا.
وَمَا هَذَا بِمَسْلَكِ الْعُقَلَاءِ؛ ذَلِكَ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّوْمِ لَا تَصْدُرُ مِنْ ذِي خُلُقٍ كَرِيمٍ أَوْ طَبْعٍ سَلِيمٍ؛ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النَّفْرَةَ، وَيُوجِبُ الرَّهْبَةَ.
فَدَعِ الْعِتَابَ فَرُبَّ شَرْ = رٍ هَاجَ أَوَّلُهُ الْعِتَابُ
فَالزَّوْجُ الْعَاقِلُ الْكَرِيمُ لَا يُعَاتِبُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ أَدْنَى هَفْوَةٍ، وَلَا يُؤَاخِذُهَا بِأَوَّلِ زَلَّةٍ، بَلْ يَلْتَمِسُ لَهَا الْمَعَاذِيرَ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى أَحْسَنِ الْمَحَامِلِ.
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعِتَابَ عَاتَبَهَا عِتَابًا لَيِّنًا رَقِيقًا تُدْرِكُ بِهِ خَطَأَهَا دُونَ أَنْ يُهْدِرَ كَرَامَتَهَا أَوْ يَنْسَى جَمِيلَهَا.
ثُمَّ مَا أَحْسَنَ أَنْ يَتَغَاضَى الْمَرْءُ وَيَتَغَافَلَ؛ فَذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ سُمُوِّ النَّفْسِ وَشَفَافِيَتِهَا وَأَرْيَحِيَّتِهَا، كَمَا أَنَّهُ مِمَّا يُعْلِي الْمَنْزِلَةَ، وَيُرِيحُ مِنَ الْغَضَبِ وَآثَارِهِ الْمُدَمِّرَةِ.
وَإِنْ أَتَتِ الْمَرْأَةُ مَا يُوِجبُ الْعِتَابَ فَلَا يَحْسُنُ بِالزَّوْجِ أَنْ يُكَرِّرَ الْعِتَابَ، وَيَنْكَأَ الْجِرَاحَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْبِغْضَةِ، وَقَدْ لَا يُبْقِي لِلْمَوَدَّةِ عَيْنًا وَلَا أَثَرًا.
وَمِمَّا يُعِينُ الزَّوْجَ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الِاعْتِدَالِ فِي عِتَابِ الزَّوْجَةِ: أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّهُ لَنْ يَجِدَ مِنْ زَوْجَتِهِ كُلَّ مَا يُرِيدُ كَمَا أَنَّهَا لَنْ تَجِدَ فِيهِ كُلَّ مَا تُرِيدُ.
وَلَا يَعْنِي مَا مَضَى أَنْ يَتَسَاهَلَ الزَّوْجُ فِي تَقْصِيرِ الزَّوْجَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ؛ مِنْ نَحْوِ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، أَوْ رِعَايَةِ الْآدَابِ الْمَرْعِيَّةِ، أَوِ الْتِزَامِ مَا تَقْضِي بِهِ الصِّيَانَةُ وَالْعِفَّةُ؛ فَهَذِهِ أُمُورٌ يَجِبُ أَنْ تُوضَعَ عَلَى رَأْسِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَقْبَلُ التَّنَازُلَ عَنْهَا بِحَالٍ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الشُّكْرِ وَالتَّشْجِيعِ لِلزَّوْجَةِ:
فَكَمَا أَنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُكْثِرُ انْتِقَادَ الزَّوْجَةِ وَلَوْمَهَا إِذَا هِيَ أَخْطَأَتْ أَيَّ خَطَأٍ؛ فَكَذَلِكَ تَجِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَشْكُرُ زَوْجَتَهُ إِذَا هِيَ أَحْسَنَتْ، وَلَا يُشَجِّعُهَا إِذَا قَامَتْ بِالْعَمَلِ كَمَا يَنْبَغِي؛ فَقَدْ تَقُومُ الزَّوْجَةُ بِإِعْدَادِ الطَّعَامِ الَّذِي يَلَذُّ لِلزَّوْجِ، وَقَدْ تَرْفَعُ رَأْسَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ ضُيُوفٌ، وَقَدْ تَقُومُ عَلَى رِعَايَةِ الْأَوْلَادِ خَيْرَ قِيَامٍ، وَقَدْ تَظْهَرُ أَمَامَهُ بِأَبْهَى حُلَّةٍ، وَأَجْمَلِ مَنْظَرٍ، وَقَدْ، وَقَدْ، وَقَدْ...، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَظْفَرُ مِنْهُ بِكَلِمَةِ شُكْرٍ، أَوِ ابْتِسَامَةِ رِضًا، أَوْ نَظْرَةِ عَطْفٍ وَحَنَانٍ؛ فَضْلًا عَنِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ.
فَمَاذَا يَضِيرُكَ إِذَا أَثْنَيْتَ عَلَى زَوْجَتِكَ بِتَجَمُّلِهَا، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهَا؟!!
وَمَاذَا سَتَخْسِرُ إِذَا شَكَرْتَهَا عَلَى وَجْبَةٍ أَعَدَّتْهَا لِلضِّيفَانِ، أَوْ ذَكَرْتَ لَهَا امْتِنَانَكَ لِرِعَايَتِهَا وَخِدْمَتِهَا لِبَيْتِكَ وَأَوْلَادِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ اخْتِصَاصِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقَدِّمُهُ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْوَاجِبِ؟!!
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تُؤَكِّدُ أَسْبَابَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ.
إِنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا وَجَدَتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا سَتَسْعَدُ، وَتَشْعُرُ بِالنَّشَاطِ وَالتَّدَفُّعِ لِخِدْمَتِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى مَرَاضِيهِ؛ لِمَا تَلْقَاهُ مِنْهُ مِنْ حَنَانٍ وَعَطْفٍ وَتَقْدِيرٍ.
وَإِذَا أَصْبَحَ قَلْبُهَا مُتْرَعًا بِهَذِهِ الْمَعَانِي عَاشَتْ مَعَهُ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، وَعَادَ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْأُنْسِ وَالْمَسَرَّاتِ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: كَثْرَةُ الْخُصُومَةِ مَعَ الزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ هُوَ كَثِيرُ الْخُصُومَةِ، مُحِبٌّ لِلَّدَدِ، فَتَرَاهُ مُسْتَعِدًّا لِلْمُلَاحَاةِ مَعَ زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَدْنَى خِلَافٍ.
وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ النِّزَاعُ بِسَبَبِ أُمُورٍ تَافِهَةٍ يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ بِقَلِيلٍ مِنْ سَعَةِ الْعَقْلِ وَكِبَرِ النَّفْسِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَيَبْتَسِمَ عِنْدَ حُدُوثِهَا؛ فَالْحَيَاةُ -عُمُومًا- وَالْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ –خُصُوصًا- لَا تَخْلُو مِنْ أَعْمَالٍ قَدْ تُثِيرُ النَّفْسَ، وَتُكَدِّرُ الْخَاطِرَ، فَإِذَا أَمْعَنَ الْإِنْسَانُ فِي الْأَلَمِ مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الصَّغِيرَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَاتِجٌ عَنْ ضِيقِ نَفْسِهِ، وَخِفَّةِ عَقْلِهِ، وَتَعَجُّلِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ.
وَإِذَا أَمَّلْتَ أَنْ يَسِيرَ النَّاسُ عَلَى وَفْقِ مَا تَشْتَهِي، أَوْ أَنْ تَأْتِيَ الْأُمُورُ عَلَى نَحْوِ مَا تُرِيدُ؛ فَخَيْرٌ لَكَ أَلَّا تَنْتَظِرَ طَوِيلًا؛ لِأَنَّكَ قَدْ رُمْتَ مُسْتَحِيلًا.
وَلَكِنْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ النَّاسَ -خُصُوصًا مَنْ لَا بُدَّ مِنْ مُعَاشَرَتِهِمْ- كَمَا هُمْ، وَأَنْ تَتَرَفَّعَ عَنِ السَّفَاسِفِ وَالْمُحَقَّرَاتِ، وَتَكُونَ وَاسِعَ النَّفْسِ عَمِيقَهَا، تَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ الصَّغِيرَةَ بِصَدْرٍ رَحْبٍ، وَنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ، وَتَسْعَى فِي حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ بِتُؤَدَةٍ وَسَكِينَةٍ، وَنَظَرٍ فِي الْأُمُورِ بَعِيدٍ دُونَمَا تَهْوِينٍ أَوْ تَهْوِيلٍ.
فَلَا يَحْسُنُ بِالزَّوْجِ -إِذَنْ- أَنْ يَجْعَلَ بَيْتَهُ مَيْدَانًا لِلْمُهَاتَرَاتِ، وَلَا أَنْ يَحْمِلَ زَوْجَتَهُ عَلَى كُلِّ رَأْيٍ يَرَاهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا.
وَقَانُونُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَلِمَتَيْنِ لَوْ أُخِذَ بِهِمَا مَا وُجِدَ خِصَامٌ وَلَا انْبَعَثَ خِلَافٌ؛ الْكَلِمَتَانِ هُمَا: ((لَا تُجَادِلُ))، إِنْ فَعَلْتَ سَعِدْتَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَانْتَظِرْ مَا يَأْتِيكَ وَاللهُ يُعِينُكَ!!
إِنَّ الِاحْتِرَامَ الْمُتَبَادَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَجْعَلُ الْحِرْصَ عَلَى الْمَوَدَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَغْلَى مِنْ مُجَرَّدِ رَأْيٍ يَسِيرٍ فِي أَمْرٍ مِنَ أُمُورِ الدُّنْيَا.
*مِنْ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الْأَزْوَاجِ: طُولُ الْمُقَاطَعَةِ وَالْهِجْرَانِ لِلزَّوْجَةِ بِلَا دَاعٍ:
فَقَدْ مَرَّ أَنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُخَاصِمُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَأَنَّ هَذَا لَا يَحْسُنُ بِالزَّوْجِ الْعَاقِلِ الْحَرِيصِ عَلَى سَعَادَةِ أُسْرَتِهِ.
وَهُنَاكَ مِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ قَدْ يَتَخَاصَمُ مَعَ زَوْجَتِهِ؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَشْتَدُّ فِي الْخُصُومَةِ، فَيُبْقِي عَلَى حِبَالِ الْمَوَدَّةِ، وَلَا يَصْرِمُهَا الْبَتَّةَ.
وَلَكِنْ هُنَاكَ مَنْ إِذَا خَاصَمَ زَوْجَتَهُ فَجَرَ خُصُومَتِهِ، فَظَلَمَ وَتَعَدَّى طَوْرَهُ، فَبُمَجَرَّدِ أَدْنَى خَطَأٍ أَوْ خِلَافٍ مَعَ زَوْجَتِهِ يَهْجُرُهَا، وَيَقْطَعُ شَوَاجِرَ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ.
وَمَا هَكَذَا تُورَدُ الْإِبِلُ، وَلَا هَكَذَا تَكُونُ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ فَلَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَخَاصَمَ الزَّوْجَانِ عِنْدَ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ وَلَا الْمُرُوءَةِ بَعْدَ الْخِصَامِ أَنْ يَهْجُرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ.
فَالزَّوْجُ الْعَاقِلُ هُوَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ السَّيْطَرَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ، فَلَا يُعْطِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّ، وَهُوَ الَّذِي يُدْرِكُ أَنَّ الْخِلَافَاتِ لَا يَخْلُو مِنْهَا بَيْتٌ، فَالْبَيْتُ السَّعِيدُ لَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي يَخْلُو مِنَ الْمُشْكِلَاتِ الْبَتَّةَ؛ فَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ ذَاكَ الْبَيْتُ الَّذِي يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَعَامَلُ مَعَ الْمُشْكِلَاتِ، وَكَيْفَ يُسَيْطِرُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ دَاعٍ لِلْهَجْرِ -كَأَنْ تَنْشِزَ الزَّوْجَةُ عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا-؛ فَلْيَكُنْ بِحُدُودٍ وَقَدْرٍ، فَلَا يَكُونُ هَجْرًا ظَاهِرًا أَمَامَ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْرُكُ فِي نُفُوسِهِمْ أَسْوَأَ الْأَثَرِ، وَلَا يَكُونُ أَمَامَ الْغُرَبَاءِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِذْلَالِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِهْدَارٍ لِكَرَامَتِهَا، فَتَزْدَادُ تَمَرُّدًا وَنُشُوزًا.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ -أَيْضًا-: إِطَالَةُ الْمُكْثِ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَقِلَّةُ الْجُلُوسِ مَعَ الْأَهْلِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُطِيلُ الْمُكْثَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، فَلَا يَكَادُ يَجِدُ وَقْتًا يَجْلِسُ فِيهِ إِلَى أَهْلِهِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ بِكَسْبِ الْمَالِ، فَتَرَاهُ يَكْدَحُ نَهَارَهُ وَزُلَفًا مِنْ لَيْلِهِ، فَلَا يَعُودُ إِلَى مَنْزِلِهِ إِلَّا وَهُوَ مَكْدُودُ الْجِسْمِ، مَهْدُودُ الْقُوَى، قَدِ اسْتَنْفَدَ طَاقَتَهُ، فَلَمْ يَعُدْ لَدَيْهِ أَدْنَى اسْتِعْدَادٍ لِمُحَادَثَةٍ أَوْ مُؤَانَسَةٍ، فَيُخْلِدُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَيُسْلِمُهُ الْفِرَاشُ إِلَى سُبَاتٍ عَمِيقٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْكُثُ خَارِجَ الْمَنْزِلِ مَعَ زُمَلَائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ فِي رِحْلَاتٍ، وَسَهْرَاتٍ، وَحُضُورِ حَفْلَاتٍ وَمُنَاسَبَاتٍ؛ فَلَا يَأْتِي مَنْزِلَهُ إِلَّا فِي سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا أَتَى وَزَوْجَتُهُ تَغُطُّ فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ بَعْدَ أَنْ أَعْيَاهَا السَّهَرُ، وَطَالَ عَلَيْهَا الِانْتِظَارُ.
وَرُبَّمَا أَتَى وَزَوْجَتُهُ قَدِ اسْتَعَدَّتْ لَهُ بِكَامِلِ زِينَتِهَا، فَتَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهٍ مُشْرِقٍ، وَجَبِينٍ وَضَّاحٍ، فَلَا يُقَابِلُهَا إِلَّا بِوَجْهٍ عَابِسٍ، وَجَبِينٍ مُقَطِّبٍ، وَنَفْسٍ كَزَّةٍ.
إِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْسِبُ وُدَّ أَصْدِقَائِهِ، وَقَدْ يَكْسِبُ سُمْعَةً اجْتِمَاعِيَّةً وَاسِعَةً؛ وَلَكِنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِخُسْرَانِ السَّعَادَةِ الْمَنْزِلِيَّةِ، وَأَيُّ سَعَادَةٍ تَفُوقُ سَعَادَةَ الْإِنْسَانِ فِي مَنْزِلِهِ؟!! وَأَيُّ شَقَاوَةٍ تَعْدِلُ شَقَاوَةَ الْإِنْسَانِ مَعَ أَهْلِهِ؟!!
إِنَّ الْحَزْمَ وَحُسْنَ التَّدْبِيرِ يَبْدُوَانِ فِي الْمَقْدِرَةِ عَلَى الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ الَّتِي قَدْ تَتَعَارَضُ، فَيَسْتَبِينُ الْحَزْمُ وَحُسْنُ التَّدْبِيرِ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ دُونَ إِلْحَاقِ جَوْرٍ بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ.
إِنَّ الِاشْتِغَالَ عَنِ الْأَهْلِ تَفْرِيطٌ عَظِيمٌ وَظُلْمٌ بَيِّنٌ؛ إِذْ كَيْفَ يَسُوغُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَغِلَ طِيلَةَ وَقْتِهِ خَارِجَ مَنْزِلِهِ، فَيَتْرُكَ شَرِيكَةَ عُمُرِهِ نَهْبًا لِلْوَسَاوِسِ وَالْخَطَرَاتِ، وَالْوَحْشَةِ وَالْأَزَمَاتِ، أَوْ يَتْرُكَهَا لِلِانْغِمَاسِ وَالدُّخُولِ فِي مَجَامِعَ لَا تُحْمَدُ سِيرَتُهَا.
وَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ الزَّوْجُ حَبِيسَ مَنْزِلِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ، فَيَعِيشُ مُؤْثِرًا لِلْعُزْلَةِ، قَابِضًا يَدَهُ عَنِ التَّعَاوُنِ مَعَ بَنِي جِنْسِهِ، قَاطِعًا عَلَاقَاتِهِ بِالنَّاسِ، تَارِكًا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ، وَالسَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ.
وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَةٌ لِلتَّوَازُنِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ؛ فَحَرِيٌّ بِالزَّوْجِ الْعَاقِلِ أَنْ يُوَازِنَ بَيْنَ الْحُقُوقِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ أَهْلِكَ وَقْتٌ يَمْلَؤُهُ بِالْمُؤَانَسَةِ الْعَذْبَةِ، وَالْحَدِيثِ الْجَذَّابِ، وَيُشْرِقُ عَلَيْهِمْ بِعَطْفِهِ وَلُطْفِهِ وَحَنَانِهِ.
وَمِمَّا يُعِينُكَ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ، وَيَجْلِبُ لَهَا السَّعَادَةَ، وَيَنْفِي عَنْهَا مَرَارَةَ الْأَلَمِ، وَحَسْرَةَ الْوَحْدَةِ:
*أَنْ تُعْطِيَ زَوْجَتَكَ فُرْصَةً لِمُشَارَكَتِكَ فِي بَعْضِ أَعْمَالِكَ؛ حَيْثُ تُكَلِّفُهَا بِبَعْضِ الْأُمُورِ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ فَتَكْسِبُ مُسَاعَدَتَهَا، وَإِشْغَالَهَا بِمَا يَنْفَعُهَا.
*وَأَنْ تُذَكِّرَهَا بِفَضْلِ الصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ؛ خُصُوصًا إِذَا كُنْتَ ذَا دَعْوَةٍ وَإِصْلَاحٍ أَوْ أَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيٍ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ كُنْتَ طَالِبَ عِلْمٍ، أَوْ مَشْغُولًا بِكِتَابَةٍ وَتَأْلِيفٍ وَتَصْنِيفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَتُذَكِّرُهَا بِفَضْلِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابِ مَا قَدْ يَحْصُلُ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقِّهَا، وَتُشْعِرُهَا بِأَنَّهَا شَرِيكَةٌ فِي الْأَجْرِ إِذَا هِيَ أَعَانَتْ عَلَى الْخَيْرِ وَتَغَاضَتْ عَنْ بَعْضِ حَقِّهَا، فَذَلِكَ مِمَّا يُعَزِّيهَا وَيُطْفِئُ لَوْعَتَهَا.
*وَمِمَّا يُعِينُ -أَيْضًا- عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ، وَجَلْبِ السَّعَادَةِ لَهَا، وَنَفْيِ مَرَارَةِ الْأَلَمِ عَنْهَا: أَنْ تُذَكِّرَهَا بِوَضْعِكَ الِاجْتِمَاعِيِّ: فَإِذَا كُنْتَ ذَا مَكَانَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ أَوْ عِلْمِيَّةٍ، وَالنَّاسُ يَنْتَجِعُونَكَ وَيَفِدُونَ إِلَيْكَ كَثِيرًا، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى عِلْمِكَ أَوْ جَاهِكَ؛ فَذَكِّرْ زَوْجَتَكَ ذَلِكَ، وَأَشْعِرْهَا بِفَضْلِ خِدْمَةِ النَّاسِ، وَتَنْفِيسِ كُرُبَاتِهِمْ، وَنَفْعِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَشْعِرْهَا بِأَنَّهَا شَرِيكَةٌ فِي الْأَجْرِ، وَأَنَّ مَا يَحْصُلُ لَكَ -أَيُّهَا الزَّوْجُ- مِنْ نَجَاحٍ وَسُؤْدُدٍ فَهِيَ وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلَهَا أَيَادٌ بَيْضَاءُ فِيهِ؛ فَذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهَا عَلَى الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الضِّيَافَةِ، وَتَحَمُّلِ التَّبِعَاتِ.
عَلَىَ أَنَّهُ يَحْسُنُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَدِّرَ وَضْعَ زَوْجِهَا الِاجْتِمَاعِيَّ، وَأَنْ تُعِينَهُ عَلَى الْخَيْرِ؛ فَذَلِكَ دَلِيلُ نُبْلِهَا وَكَرَمِ نَفْسِهَا، وَسِرِّ عَظَمَتِهَا.
*مِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: سُوءُ الْعِشْرَةِ مَعَ الزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يُسِيءُ عِشْرَةَ زَوْجَتِهِ، فَلَا يُرَاعِي مَشَاعِرَهَا، وَلَا يُبَالِي فِي إِيذَائِهَا، وَلَا يُعَامِلُهَا بِمَا يَقْتَضِيهِ حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَأَدَبُ الْمُرُوءَةِ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ سُوءِ الْعِشْرَةِ: أَنَّ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ يَتَزَيَّنُ لِلنَّاسِ بِاللَّبَاقَةِ وَالْبَشَاشَةِ وَحَلَاوَةِ اللِّسَانِ، فَإِذَا انْقَلَبَ إِلَى أَهْلِهِ بَدَا فَظًّا غَلِيظًا، عَابِسَ الْوَجْهِ، ثَقِيلَ الظِّلِّ.
وَمِنَ الرِّجَالِ مَنْ لَا يَأْبَهُ بِمُحَادَثَةِ زَوْجَتِهِ، فَيُقَاطِعُهَا إِذَا تَحَدَّثَتْ، أَوْ يَتَشَاغَلُ عَنْهَا بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَمِنْ سُوءِ الْعِشْرَةِ: أَنْ يَأْنَفَ الزَّوْجُ مِنْ أَنْ تُشَارِكَهُ الزَّوْجَةُ فِي الطَّعَامِ، فَتَرَاهَا تُعِدُّهُ لَهُ، ثُمَّ تَنْتَبِذُ بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانًا قَصِيًّا تَأْكُلُ فِيهِ دُونَ أَنْ يَرَاهَا أَوْ تَرَاهُ.
وَمِنَ الرِّجَالِ مَنْ لَا يُمَازِحُ زَوْجَتَهُ الْبَتَّةَ، وَرُبَّمَا عَدَّ الْمِزَاحَ مُنَافِيًا لِلْحِشْمَةِ وَالْمُرُوءَةِ.
وَكُلُّ هَذَا يُنَافِي أَدَبَ الْإِسْلَامِ فِي الْعِشْرَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى غِلَظِ الطَّبْعِ، وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ، وَالْجَهْلِ بِالشَّرِيعَةِ.
فَمِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُحْسِنَ عِشْرَتَهَا، فَيَهَشُّ عِنْدَ لِقَائِهَا، وَيُمَازِحُهَا وَيُدَاعِبُهَا؛ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا، وَإِينَاسًا لَهَا فِي وَحْدَتِهَا، وَإِشْعَارًا لَهَا بِمَكَانَتِهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَقُرْبِهَا مِنْ قَلْبِهِ.
وَمِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ: أَنْ يَعْتَنِيَ الزَّوْجُ بِمُحَادَثَةِ زَوْجَتِهِ؛ فَيُصْغِي لَهَا إِذَا تَحَدَّثَتْ، وَيُظْهِرُ الْعِنَايَةَ بِحَدِيثِهَا، فَلَا يَتَشَاغَلُ عَنْهَا، وَلَا يَقُومُ قَبْلَ أَنْ تُكْمِلَ حَدِيثَهَا إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهَا، فَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ؛ فَكَيْفَ بِالزَّوْجَةِ وَهِيَ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِالْبِرِّ؟!!
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الِاعْتِدَادِ بِالتَّجَمُّلِ لِلزَّوْجَةِ:
فَقَلَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَعْتَدُّ بِالتَّجَمُّلِ لِزَوْجَتِهِ، وَكَثِيرًا مَا تُعَانِي الزَّوْجَاتُ مِنْ ذَلِكَ الْإِهْمَالِ.
وقَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَطَرَّقُ لِوَاجِبَاتِ الزَّوْجِ الْمَعْنَوِيَّةِ نَحْوَ زَوْجَتِهِ، وَفِي مُقَدِّمَةِ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ التَّجَمُّلُ لَهَا، وَالظُّهُورُ أَمَامَهَا بِالْمَظْهَرِ اللَّائِقِ.
وَلِهَذَا تَجِدُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ لَا يُعْنَى بِمَظْهَرِهِ وَنَظَافَتِهِ وَتَطَيُّبِهِ إِلَّا إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَنْزِلِ، أَوْ حُضُورَ الْمُنَاسَبَاتِ، فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رُؤْيَتَهُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؛ فَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُلْزَمٍ لِزَوْجَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَإِذَا مَا قَصَّرَتْ هِيَ فِي التَّجَمُّلِ لَهُ حَاسَبَهَا حِسَابًا عَسِيرًا!!
وَلِهَذَا لَا يُبَالِي بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَنْزِلِ عَلَى هَيْئَةٍ رَثَّةٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ بِثِيَابِ الْعَمَلِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِحَتُهُ تَفُوحُ بِالْعَرَقِ أَوِ الدُّخَانِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا تَقْصِيرٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ؛ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُقُوقِهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَتَزَيَّنَ لَهَا كَمَا تَتَزَيَّنُ لَهُ.
قَالَ -تَعَالَى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [البقرة: 228].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (ض2) فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ((إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيَ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ –تَعَالَى- يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ})).
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الِاهْتِمَامِ بِقَوْلِ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ حَالَ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ إِذَا أَرَادَ إِتْيَانَ أَهْلِهِ أَتَاهُمْ دُونَ أَنْ يَقُولَ الدُّعَاءَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ؛ إِمَّا جَهْلًا بِالدُّعَاءِ، أَوْ نِسْيَانًا لَهُ، أَوْ قِلَّةَ مُبَالَاةٍ بِهِ.
وَهَذَا مِنَ التَّقْصِيرِ وَالْقُصُورِ؛ إِذْ إِنَّ تَرْكَهُ مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَمَدْعَاةُ لِتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْوَلَدِ فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ إِنْ قُدِّرَ وَلَدٌ.
وَقَدْ يَكُونُ تَرْكُ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ الْأَوْلَادِ وَتَسَلُّطِهِمْ.
لِهَذَا يَجْدُرُ بِالزَّوْجِ أَلَّا يَنْسَى هَذَا الدُّعَاءَ؛ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللهم جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: ((وَقَوْلُهُ: ((لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا)) أَيْ: لَمْ يَضُرَّ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِضْرَارِهِ فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رَفْعَ الْوَسْوَسَةِ مِنْ أَصْلِهَا)).
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْمُرَاعَاةِ لِآدَابِ الْجِمَاعِ وَحِكَمِهِ وَأَحْكَامِهِ:
فَمَعَ عِظَمِ شَأْنِ الْجِمَاعِ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ إِلَّا أَنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ تَقِلُّ مُرَاعَاتُهُ لِآدَابِ الْجِمَاعِ، وَحِكَمِهِ، وَأَحْكَامِهِ؛ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ.
وَذَلِكَ نَاتِجٌ عَنْ جَهْلٍ، أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ، وَيَنْتُجُ عَنْ هَذَا فُقْدَانُ الزَّوْجَيْنِ لِكَمَالِ الرَّاحَةِ وَالْأُنْسِ.
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ لَا يُرَاعِي أَدَبَ الْجِمَاعِ، فَرُبَّمَا كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَهْجُمَ عَلَى أَهْلِهِ مُبَاشَرَةً دُونَمَا اسْتِئْنَاسٍ أَوْ تَدَرُّجٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَلُ أَوْقَاتَ الْجِمَاعِ الْمُنَاسِبَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْرِفُ فِيهِ إِسْرَافًا يُخْرِجُهُ عَنْ طَوْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَعُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَفْهَمُ مِنَ الْجِمَاعِ إِلَّا مُجَرَّدَ قَضَاءِ الْوَطَرِ فَحَسْبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَلُ أَحْكَامَ الْجِمَاعِ مِنْ غُسْلٍ، وَوُضُوءٍ، وَنَحْوِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ تَقْصِيرٌ يُلَامُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ؛ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ آدَابَ الْجِمَاعِ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ حِكَمِهِ، وَأَسْرَارِهِ، وَأَحْكَامِهِ؛ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ؛ حَتَّى يَكْمُلَ بِهِ سُرُورُهُ، وَتَتِمَّ بِهِ لَذَّتُهُ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: الْجَهْلُ بِعَوَارِضِ الْمَرْأَةِ الطَّبِيعِيَّةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَجْهَلُ مَا يَعْتَرِي الْمَرْأَةَ مِنَ الْعَوَارِضِ الطَّبِيعِيَّةِ؛ سَوَاءٌ فِي حَالِ حَمْلِهَا، أَوْ حَيْضِهَا، أَوْ نِفَاسِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَالْمَرْأَةُ تُعَانِي مِنْ تِلْكَ الْعَوَارِضِ، وَرُبَّمَا أَصَابَهَا الضِّيقُ وَالتَّكَدُّرُ؛ خُصُوصًا فِي حَالِ حَمْلِهَا إِذَا أَصَابَهَا الْوَحَمُ.
فَجَدِيرٌ بِالزَّوْجِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْخَطَأِ، ثُمَّ يَنْدَمُ حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ جَاهِلًا بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَلْيَسْأَلْ؛ فَشِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي حَالِ حَيْضِهَا:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ يَجْهَلُ حُرْمَةَ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي حَالِ حَيْضِهَا، وَيَجْهَلُ الْأَضْرَارَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَرُبَّمَا أَتَى زَوْجَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ، وَهُوَ الْفَرْجُ.
وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، قَالَ -تَعَالَى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا:
وَهَذَا الْعَمَلُ جُرْمٌ شَنِيعٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ إِمَّا لِجَهْلِهِمْ، أَوْ لِانْتِكَاسِ فِطَرِهِمْ، أَوْ لِقِلَّةِ وَقَارِ اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ، أَوْ لِجَهْلِهِمْ بِأَضْرَارِهِ وَعَوَاقِبِهِ الْوَخِيمَةِ.
وَلَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى ذَلِكَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ ﷺ: ((مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا)).
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: ضَرْبُ الزَّوْجَةِ بِلَا مُسَوِّغٍ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ قَسَا قَلْبُهُ، وَغَلُظَ طَبْعُهُ، وَتَعَدَّى طَوْرَهُ، وَسَاءَ لِلدِّينِ فَهْمُهُ؛ حَيْثُ يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ ضَرْبَ غَرَائِبِ الْإِبِلِ، وَيَسُومُهَا سُوءَ الْعَذَابِ عِنْدَ أَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَرُبَّمَا تَسَتَّرَ بَعْضُ أُولَئِكَ الْعُتَاةِ الْعُسَاةِ الْقُسَاةِ بِالْإِذْنِ الْقُرْآنِيِّ بِالضَّرْبِ، فَفَهِمُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الرُّجُولَةِ؛ فَالرُّجُولَةُ فِي نَظَرِهِمْ تَعْنِي الظُّلْمَ، وَالْقَهْرَ، وَالتَّسَلُّطَ، وَالِاسْتِعْلَاءَ، وَالِاسْتِبْدَادَ، وَالْقَوَامَةُ عِنْدَهُمْ طَوْقٌ فِي عُنُقِ الْمَرْأَةِ لِإِذْلَالِهَا وَتَسْخِيرِهَا.
وَالْعَجِيبُ أَنْ تَرَى بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَتَذَلَّلُ وَيَتَمَسْكَنُ لِأَهْلِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الزَّوَاجِ، فَإِذَا مَا ظَفَرَ بِإِرْبِهِ تَنَكَّرَ وَقَلَبَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، فَانْقَلَبَتْ ذِلَّتُهُ طُغْيَانًا، وَتَبَدَّلَتْ مَسْكَنَتُهُ تَسَلُّطًا وَجَبَرُوتًا.
فَتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُ يَدَهُ أَوْ عَصَاهُ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَدْنَى سَبَبٍ، وَرُبَّمَا بِلَا سَبَبٍ، وَرُبَّمَا ضَرَبَهَا هِيَ وَأَوْلَادَهَا، وَرُبَّمَا جَمَعَ إِلَى الضَّرْبِ الشَّتْمَ، وَالسَّبَّ، وَالْقَذْفَ.
إِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ هَمَلًا مُضَاعًا، وَلَا لَقًى مُزْدَرًى، وَلَيْسَتْ بَهِيمَةً تُبَاعُ وَتُشْتَرَى، فَيَصْنَعُ بِهَا رَبُّهَا كَيْفَ يَشَاءُ.
ولَيْسَ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ أَمْرًا اخْتِيَارِيًّا مَتْرُوكًا لِلزَّوْجِ.. إِنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، بَلْ هُوَ تَكْلِيفٌ وَاجِبٌ.
كَانَ الْكِرَامُ يَقْضُونَ هَذِهِ الْحُقُوقَ، وَيَرْعُونَهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْوَفَاءِ لِلزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ قَلَّ حَظُّهُ مِنَ الْوَفَاءِ، فَلَا هَمَّ لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ سِوَى نَصِيبِهِ مِنْهَا؛ فَلَا يَحْفَظُ حَقَّهَا إِلَّا مَا دَامَ رَاغِبًا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ فِي شَرْخِ شَبَابِهَا، وَغَضَارَةِ نَضَارَتِهَا، وَكَامِلِ صِحَّتِهَا، وَوَفْرَةِ مَالِهَا.
فَأَمَّا إِذَا كَبِرَتْ، أَوْ مَرِضَتْ، أَوِ افْتَقَرَتْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَنَسِيَ مَا كَانَ مِنْ سَالِفِ الْوُدِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهَا صَبْرَهَا عَلَيْهِ، وَقِيَامَهَا بِحَقِّهِ.
*مِنْ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بَعْضُ الْأَزْوَاجِ: قِلَّةُ الْقَنَاعَةِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ:
فَمِنَ الْأَزْوَاجِ مَنْ هُوَ قَلِيلُ الْقَنَاعَةِ بِمَا لَدَيْهِ، كَثِيرُ التَّطَلُّعِ إِلَى مَحَاسِنِ غَيْرِهِ، فَلَا يَقْنَعُ بِمَا وَهَبَهُ اللهُ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا عَظِيمًا، وَلَا يُرِيحُ قَلْبَهُ مِنْ عَنَاءِ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا عِنْدَ الْآخَرِينَ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا حَقِيرًا.
لِهَذَا تَرَاهُ يَحْسُدُ إِخْوَانَهُ وَأَقَارِبَهُ وَزُمَلَاءَهُ بِزَوْجَاتِهِمْ، وَتَرَاهُ يُكْثِرُ مِنْ عَقْدِ الْمُوَازَانَاتِ وَالْمُقَارَنَاتِ بَيْنَ حَالِهِ وَحَالِهِمْ، فَيَظُنُّ أَنَّ أُولَئِكَ يَنْعَمُونَ بِعِيشَةٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَنَّ لَدَى زَوْجَاتِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ بِعَكْسِ ذَلِكَ تَمَامًا.
مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَطَلُّعُ الزَّوْجِ إِلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ؛ فَإِذَا رَأَى امْرَأَةً أَتْبَعَهَا بَصَرَهُ، وَرُبَّمَا مَالَ إِلَيْهَا بِقَلْبِهِ.
وَأَقْبَحُ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَمُدَّ بَصَرَهُ إِلَى الْمُذِيعَاتِ وَالْمُمَثِّلَاتِ وَالرَّاقِصَاتِ مِمَّنْ يَضَعْنَ الْمَسَاحِيقَ وَمَوَادَّ التَّجْمِيلِ مَا لَوْ وُضِعَ عَلَى أَقْبَحِ النِّسَاءِ لَرُبَّمَا أَصْبَحَتْ كَالْقَمَرِ.
فَتَرَى هَذَا الرَّجُلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ بِعَيْنِ الْإِعْجَابِ، ثُمَّ يُرْجِعُ بَصَرَهُ إِلَى زَوْجَتِهِ فَيَرْمُقُهَا بِأَلْحَاظِ الِازْدِرَاءِ.
وَلَرُبَّمَا قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الزُّهْدِ فِي زَوْجَتِهِ، وَلَرُبَّمَا انْجَرَّ بِهِ الْأَمْرُ إِلَى الْخِيَانَةِ، وَالْخِيَانَةُ تُنَغِّصُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ، وَتُفْقِدُ ثِقَةَ الْمَرْأَةِ بِزَوْجِهَا؛ فَالْمَرْأَةُ جُبِلَتْ عَلَى كَرَاهِيَةِ خِيَانَةِ الزَّوْجِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ أَمْرٍ آخَرَ؛ كَيْفَ وَقَدْ بَذَلَتْ لَهُ صِحَّتَهَا، وَحُبَّهَا، وَشَبَابَهَا؟!!
ظَاهِرَةُ التَّطَلُّعِ إِلَى غَيْرِ الزَّوْجَاتِ، وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِهِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَهْدِمُ بُنْيَانَ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا بَحَثْتَ عَمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلَاجًا لِهَذِهِ الظَّاهِرَةِ وَجَدْتَهُ يَرْجِعُ إِلَى أُمُورٍ عَدِيدَةٍ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُعِينَ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَيْهَا، أَوِ التَّخْفِيفِ مِنْ وَقْعِهَا وَأَثَرِهَا؛ خُصُوصًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَدَيْهِمْ بَقِيَّةٌ مِنْ دِينٍ وَعَقْلٍ وَمُرُوءَةٍ.
فَمِمَّا يُعِينُ عَلَى عِلَاجِ تِلْكَ الظَّاهِرَةِ:
*تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَاسْتِشْعَارُ اطِّلَاعِهِ: فَبِذَلِكَ تَقَرُّ النَّفْسُ عَلَى الْعَفَافِ، وَيُحْفَظُ الْعَبْدُ مِنْ مَدِّ النَّظَرِ؛ فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَالْغَيْبُ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالسِّرُّ عَلَانِيَةٌ.
*وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى عِلَاجِ تِلْكَ الظَّاهِرَةِ: غَضُّ الْبَصَرِ: فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ أَطَاعَ رَبَّهُ، وَأَرَاحَ قَلْبَهُ، وَحَفِظَ دِينَهُ، وَسَلِمَ مِنْ تَبِعَاتِ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ.
*وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى عِلَاجِ تِلْكَ الظَّاهِرَةِ: لُزُومُ الْقَنَاعَةِ: فَإِذَا لَزِمَ الْعَبْدُ الْقَنَاعَةَ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ شُمُوسُ السَّعَادَةِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [طه: 131].
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ((أَيْ: وَلَا تَمُدَّ عَيْنَيْكَ مُعْجَبًا، وَلَا تُكَرِّرِ النَّظَرَ مُسْتَحْسِنًا إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْمُمَتَّعِينَ بِهَا؛ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ، وَالْمَلَابِسِ الْفَاخِرَةِ، وَالْبُيُوتِ الْمُزَخْرَفَةِ، وَالنِّسَاءِ الْمُجَمَّلَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، تَبْتَهِجُ بِهَا نُفُوسُ الْمُغْتَرِّينَ، وَتَأْخُذُ إِعْجَابًا بِأَبْصَارِ الْمُعْرِضِينَ، وَيَتَمَتَّعُ بِهَا -بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْآخِرَةِ- الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ تَذْهَبُ سَرِيعًا، وَتَمْضِي جَمِيعًا، وَتَقْتُلُ مُحِبِّيهَا وَعُشَّاقَهَا، فَيَنْدَمُونَ حَيْثُ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ، وَيَعْلَمُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ إِذَا قَدِمُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا اللَّهُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا؛ لِيَعْلَمَ مَنْ يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَغْتَرُّ بِهَا، وَمَنْ هُوَ أَحْسَنُ عَمَلًا)).
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالتَّسَامِي وَالْعِفَّةُ وَالْإِخْلَاصُ لَهَا أَبْلَغُ الْأَثَرِ فِي سَعَادَةِ الزَّوْجِ وَسَعَادَةِ أُسْرَتِهِ.
وَإِذَا رُزِقَ الرَّجُلُ زَوْجَةً صَالِحَةً فَلْيَفْرَحْ بِهَا، وَلْيَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ فَهِيَ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، وَهِيَ مِنْ عَاجِلِ الْبُشْرَى.
((مِنْ أَسْبَابِ فُقْدَانِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ:
جُمْلَةٌ مِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ))
إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ فُقْدَانِ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ الْأُسَرِ: بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنَ الزَّوْجَاتِ، وَصَلَاحُ الزَّوْجَاتِ سَبَبٌ فِي سَعَادَةِ الْأُسَرِ وَاسْتِقْرَارِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ هِيَ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مِنْ عَاجِلِ الْبُشْرَى، وَمِنْ أَمَارَاتِ السَّعَادَةِ.
وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى صَلَاحِ الزَّوْجَاتِ، وَقِيَامِهِنَّ بِالْحُقُوقِ الْمُنَاطَةِ بِهِنَّ: أَنْ تُلْقَى الْأَضْوَاءُ عَلَى بَعْضِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ مِنْ أَخْطَاءٍ؛ فَذَلِكَ أَدْعَى لِتَشْخِيصِ الدَّاءِ، وَمَعْرِفَةِ الدَّوَاءِ.
وَلَا يَعْنِي ذِكْرُ تِلْكَ الْأَخْطَاءِ أَنَّهَا تَعُمُّ جَمِيعَ الزَّوْجَاتِ؛ فَفِيهِنَّ مَنْ خَيْرُهَا كَثِيرٌ، وَتَقْصِيرُهَا يَسِيرٌ.
كَمَا لَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ يَتَّخِذَ الْأَزْوَاجُ تِلْكَ الْأَخْطَاءَ ذَرِيعَةً لِتَعْدَادِ مَعَايِبِ زَوْجَاتِهِمْ؛ فَيَقُودَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الزُّهْدِ فِيهِنَّ، أَوِ الْمَيْلِ عَنْهُنَّ، أَوْ أَنْ تُنَزُّلَ تِلْكَ الْأَخْطَاءُ عَلَيْهِنَّ؛ فَمَا ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَلَا إِلَيْهِ الْمَقْصِدُ.
وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَةٌ لِلتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ، وَالتَّخَلِّي مِنَ الْأَخْطَاءِ وَالرَّذَائِلِ؛ فَالرَّغْبَةُ فِي الْكَمَالِ مَطْلُوبَةٌ، وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِ الْكَمَالِ كَمَالٌ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ.
*مِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ: الْمُبَالَغَةُ فِي تَطَلُّبِ الْكَمَالِ:
فَهُنَاكَ مِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ تَغْرِقُ فِي الْخَيَالِ، وَتُبَالِغُ فِي تَطَلُّبِ الْكَمَالِ؛ فَتَظُنُّ أَنَّ الزَّوَاجَ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ الَّتِي لَا صَخَبَ فِيهَا، وَلَا عَنَاءَ، وَلَا مَشَقَّةَ.
فَهِيَ تَتَصَوَّرُ أَنَّ الزَّوَاجَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا دُونَ صُعُوبَاتٍ أَوْ عَقَبَاتٍ أَوْ مُشْكِلَاتٍ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ مُوَاجَهَةَ ذَلِكَ، وَظَنَّتْ أَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي اخْتِيَارِ شَرِيكِ الْحَيَاةِ، وَرُبَّمَا جَنَحَتْ لِلْفِرَاقِ تَخَلُّصًا مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ بِزَعْمِهَا.
وَهَذَا الْأَمْرُ قَدْ يُوجَدُ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ: ضَعْفُ التَرْبِيَةِ، وَالْإِفْرَاطُ فِي تَرْفِيهِ الْفَتَاةِ، وَالْجَهْلُ بِوَاقِعِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ: مَا تُوحِي بِهِ بَعْضُ الْقِصَصِ الْخَيَالِيَّةِ، أَوِ الْمُسَلْسَلَاتِ التِلْفَازِيَّةِ، أَوِ الْأَفْلَامِ السِّنِيمَائِيَّةِ، حَيْثُ تُصَوِّرُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ عَلَى أَنَّهَا خَالِيَةٌ مِنْ أَيِّ مُشْکِلَةٍ، وَبَعْضُهَا بِالْعَكْسِ؛ بِحَيْثُ تُصَوِّرُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ عَلَى أَنَّهَا جَحِيمٌ لَا يُطَاقُ، بِحَيْثُ تُوحِي بِالنَّفْرَةِ مِنْهَا؛ وَبِهَذَا تُفْقَدُ النَّظْرَةُ الْوَاقِعِيَّةُ الْمُعْتَدِلَةُ لِلْحَيَاةِ الزَوْجِيَّةِ.
إِذَا دَخَلَتِ الزَّوْجَةُ مَنْزِلَ الزَّوْجِيَّةِ وَعِنْدَهَا تِلْكَ الْخَيَالَاتُ، وَهِيَ مُسْتَحْوِذَةٌ عَلَى تِلكَ الْأَوْهَامِ؛ كَذَّبَ الْخُبْرُ الْخَبَرَ، وَفُوجِئَتْ بِمَا لَمْ يَخْطُرْ لَهَا بِبَالٍ.
فَعَلَى الزَّوْجَةِ الْعَاقِلَةِ أَنْ تَعْتَدِلَ فِي نَظْرَتِهَا، وَأَلَّا تَسْتَرْسِلَ مَعَ الْأَحْلَامِ، وَلَا تَهِيمَ فِي أَوْدِيَةِ الْخَيَالِ، وَعَلَيْهَا أَلَّا تُبَالِغَ فِي تَطَلُّبِ الْكَمَالِ؛ فَالْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ لَيْسَتْ مَشْهَدًا يُمَثِّلُ سَاعَةً مِنَ الزَّمَانِ، وَلَا قِصَّةً يُسَافِرُ كَاتِبُهَا مُبْحِرًا مَعَ الْخَيَالِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَاقِعٌ مَحْسُوسٌ فِيهِ الْآلَامُ وَالْآمَالُ، وَفِيهِ الْأَفْرَاحُ وَالْأَتْرَاحُ، شَأْنُهَا شَأْنُ الْحَيَاةِ كُلِّهَا، فَلَا يُجْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا مُوَاجَهَتُهَا وَإِحْسَانُ التَّعَامُلِ مَعَهَا.
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا = وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ
وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ قَفَصٌ مُظْلِمٌ أَوْ جَحِيمٌ لَا يُطَاقُ، وَإِنَّمَا هِيَ تَعَاوُنٌ وَتَرَاحُمٌ وَتَذَمُّمٌ، وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْمُشْکِلَاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمُنَغِّصَاتِ لَا يَذْهَبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِبَهْجَتِهَا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُنَغِّصَاتُ وَتِلْكَ الْمُشْكِلَاتُ.. قَدْ تَکُونُ مِلْحَهَا وَسِرَّ سَعَادَتِهَا، فَتَحَمُّلُ الْمَسْؤُولِيَّةِ وَالتَّضَلُّعُ بِالْأَعْبَاءِ وَالتَّبِعَاتِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ.
فَأَرْوَحُ النَّاسِ أَتْعَبُ النَّاسِ، وَأَتْعَبُ النَّاسِ أَرْوَحُ النَّاسِ.
بَصُرْتُ بِالرَّاحَةِ الْكُبْرَى فَلَمْ أَرَهَا = تُنَالُ إِلَّا عَلَى جِسْرٍ مِنَ التَّعَبِ
بَلْ إِنَّ كَثْرَةَ الْفَرَاغِ وَالْبَطَالَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقْعُدُ بِالْهِمَّةِ، وَيُورِثُ الْغَمَّ وَالْقَلَقَ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ: قِلَّةُ مُرَاعَاةِ الزَّوْجَةِ لِوَالِدَيِ الزَّوْجِ:
وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ حَقَّ إِكْرَامِهَا، وَمِنْ إِكْرَامِهَا: إِسْكَانُهَا فِي مَسْكَنٍ مُنْفَرِدٍ.
وَلَكِنْ قَدْ تَقْتَضِي الْحَالُ أَنْ يَسْكُنَ الزَّوْجُ مَعَ وَالِدَيْهِ، أَوْ أَنْ يَحْتَاجَ وَالِدَاهُ إِلَى السُّكْنَى مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَالزَّوْجُ مُطَالَبٌ بِبِرِّ وَالِدَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى زَوْجَتِهِ.
وَلَكِنَّ بَعْضَ الزَّوْجَاتِ لَا تُعِينُ زَوْجَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَتُرِيدُ أَنْ تَسْتَأْثِرَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ سِوَاهَا نَصِيبٌ مِنْهُ؛ بَلْ رُبَّمَا تَعَدَّى الْأَمْرُ ذَلِكَ فَقَامَتْ بِإِيذَاءِ وَالِدَيْ زَوْجِهَا، وَالْإِيذَاءُ يَأْخُذُ صُوَرًا كَثِيرَةً؛ فَمِنْ ذَلِكَ: رَفْعُ الصَّوْتِ عَلَيْهِمَا، وَالتَّأَفُّفُ مِنْ أَوَامِرِهِمَا، وَقِلَّةُ التَّوَدُّدِ إِلَيْهِمَا، وَقِلَّةُ الْمُرَاعَاةِ لِمَشَاعِرِهِمَا.
وَلِهَذَا كَانَ لِزَامًا عَلَى الزَّوْجَةِ الْعَاقِلَةِ ذَاتِ الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالْخُلُقِ الْكَرِيمِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّتِي تُرِيدُ سَعَادَتَهَا وَسَعَادَةَ زَوْجِهَا أَنْ تُؤْثِرَ زَوْجَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَأَنْ تُكْرِمَ قَرَابَتَهُ، وَأَنْ تَزِيدَ فِي إِكْرَامِ وَالِدَيْهِ؛ خُصُوصًا أُمَّهُ؛ فَذَلِكَ كُلُّهُ إِكْرَامٌ لِلزَّوْجِ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ، كَمَا أَنَّ فِي ذَلِكَ إِينَاسًا لَهُ، وَتَقْوِيَةً لِرَابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَآصِرَةِ الرَّحْمَةِ.
وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ أَعْظَمَ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَالِدَيْهَا، وَإِذَا كَانَ مَأْمُورًا شَرْعًا بِحِفْظِ قَرَابَتِهِ وَأَهْلِ وُدِّ أَبِيهِ؛ تَقْوِيَةً لِلرَّابِطَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الْأُمَّةِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ مَأْمُورَةٌ شَرْعًا بِأَنْ تَحْفَظَ أَهْلَ وُدِّ زَوْجِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِتَقْوِيَةِ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَعَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ زَوْجَهَا يُحِبُّ أَهْلَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَلُومَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُحِبُّ أَهْلَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ زَوْجِهَا؛ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي عَلَيْهَا أَنْ تَحْذَرَ أَنْ تَطْعَنَهُ فِي ازْدِرَاءِ أَهْلِهِ أَوِ انْتِقَاصِهِمْ، أَوْ أَذِيَّتِهِ فِيهِمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُوهُ إِلَى النَّفْرَةِ مِنْهَا، وَالْمَيْلِ عَنْهَا.
إِنَّ تَفْرِيطَ الزَّوْجَةِ فِي احْتِرَامِ أَهْلِ زَوْجِهَا تَفْرِيطٌ فِي احْتِرَامِ الزَّوْجِ نَفْسِهِ، وَإِذَا لَمْ يُقَابِلْ ذَلِكَ بَادِيَ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ فَلَنْ يَسْلَمَ حُبُّهُ لِلزَّوْجَةِ مِنَ الْخَدْشِ وَالتَّكْدِيرِ.
ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحِبُّ أَهْلَهُ وَيَبَرُّ وَالِدَيْهِ إِنْسَانٌ فَاضِلٌ كَرِيمٌ صَالِحٌ، جَدِيرٌ بِأَنْ تَحْتَرِمَهُ زَوْجَتُهُ وَأَنْ تُجِلَّهُ، وَأَنْ تُؤَمِّلَ فِيهِ الْخَيْرَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ لِوَالِدَيْهِ لَا يَكُونُ فِيهِ -غَالِبًا- خَيْرٌ لِزَوْجَةٍ، وَلَا وَلَدٍ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.
وَأَخِيرًا؛ فَإِنَّ مَوْقِفَ الزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ فِي إِعَانَةِ زَوْجِهَا عَلَى الْبِرِّ كَفِيلٌ -فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ- بِحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ، وَتَسْوِيَةِ الْأَزَمَاتِ، وَجَمْعِ الشَّمْلِ، وَرَأْبِ الصَّدْعِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَمَا يَشْهَدَانِ الْحُبَّ الصَّادِقَ وَالْحَنَانَ الْفَيَّاضَ مِنْ زَوْجَةِ ابْنِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَحْفَظَانِ ذَلِكَ.
*مِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: تَبَذُّلُ الزَّوْجَةِ، وَقِلَّةُ تَجَمُّلِهَا لِزَوْجِهَا:
فَالزَّوْجُ يَحْتَاجُ إِلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَاللَّمْسَةِ الْحَانِيَةِ، وَالْعَاطِفَةِ الرَّقِيقَةِ، وَيُسَرُّ بِمَا يَرُوقُ عَيْنَهُ، وَيُبْهِجُ نَفْسَهُ، وَيُفْرِحُ قَلْبَهُ .
وَكَثِيرٌ مِنَ الزَّوْجَاتِ لَا تُعْنَى بِمَظْهَرِهَا أَمَامَ زَوْجِهَا؛ فَلَا تَلْبَسُ اللُّبْسَ الْجَمِيلَ، وَلَا تَعَاهَدُ بَدَنَهَا بِالنَّظَافَةِ، وَلَا تَتَطَيَّبُ لِزَوْجِهَا، وَلَا تُرَاعِي مَا يَرُوقُهُ مِنَ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ.
وَإِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ أَقْبَلَتْ بِمَلَابِسَ رَثَّةٍ، وَرَأْسٍ ثَائِرٍ أَشْعَثَ، وَرَوَائِحَ تَنْبَعِثُ مِنْهَا آثَارُ الطَّبْخِ وَالْخِدْمَةِ فِي الْمَنْزِلِ وَمَا أَشْبَهَ .
وَإِذَا تَكَلَّمَتْ تَكَلَّمَتْ بِصَوْتٍ أَجَشٍّ كَجَرَسِ الرَّحَى، وَأَمَّا الِابْتِسَامَةُ فَلَا يَكَادُ ثَغْرُهَا يَفْتُرُ عَنْهَا.
ثُمَّ إِذَا هِيَ أَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِزِيَارَةِ أَقَارِبِهَا أَوْ صُوَيْحِبَاتِهَا تَبَدَّلَتْ حَالُهَا السَّابِقَةُ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ؛ فَلَا تَخْرُجُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِأَبْهَى حُلَّةٍ، وَأَطْيَبِ رِيحٍ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَى مَنْ رَآهَا أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ عُرْسِهَا؛ فَهَذِهِ حُلًى مُطَرَّزَةٌ، وَتِلْكَ حَوَاجِبُ مُزَجَّجَةٌ، وَهَذِهِ عُيُونٌ مَكْحُولَةٌ؛ فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رُؤْيَتُهَا إِذَا أَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِلزِّيَارَةِ.
إِنَّ هَذَا الصَّنِيعَ لَمِنْ أَشْنَعِ الْخِصَالِ، وَإِنَّ امْرَأَةً تَقُومُ بِهِ لَجَدِيرَةٌ بِأَنْ تَعِيشَ حَيَاةً نَكِدَةً، وَأَنْ تَجْلِبَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى زَوْجِهَا الْبَلَاءَ وَالشَّقَاءَ إِذَا مَا صَبَرَ عَلَيْهَا، وَأَبْقَاهَا زَوْجَةً لَهُ.
وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا تَبْقَى مَعَ الزَّوْجِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُضْطَرًّا إِلَيْهَا اضْطِرَارًا يُلْجِئُهُ إِلَى الْإِبْقَاءِ عَلَيْهَا.
وَإِذَا كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ ثَرْثَارَةً، سَلِيطَةَ اللِّسَانِ، سَبَّابَةً لِزَوْجِهَا؛ فَقَدْ جَمَعَتْ عَلَيْهِ ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
فَهَلْ يَصْدُرُ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ عَاقِلَةٍ رَشِيدَةٍ تَخَافُ رَبَّهَا، وَتَسْعَى لِسَعَادَةِ زَوْجِهَا وَأُسْرَتِهَا؟!!
الْجَوَابُ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ الرَّشِيدَةَ ذَاتَ الدِّينِ وَالْخُلُقِ لَتَسْعَى إِلَى مَرْضَاةِ زَوْجِهَا مَا اسْتَطَاعَتْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً؛ فَلَا تَخْرُجُ بِكَامِلِ زِينَتِهَا إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تُعْنَى بِنَفْسِهَا عِنَايَةً تَامَّةً إِلَّا لَهُ.
فَإِذَا كَانَ حَاضِرًا أَخَذَتْ زِينَتَهَا؛ فَلَبِسَتْ حُلِيَّهَا وَأَحْسَنَ ثِيَابِهَا، وَتَطَيَّبَتْ وَادَّهَنَتْ، وَتَعَاهَدَتْ شَعْرَهَا وَنَظَافَةَ بَدَنِهَا.
ثُمَّ لَا يَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بَاسِمَةً مُتَهَلِّلَةً، وَلَا يَسْمَعُهَا إِلَّا حَامِدَةً شَاكِرَةً.
قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَصِفُ نِسَاءً:
يَأْنَسْنَ عِنْدَ بُعُولِهِنَّ إِذَا خَلَوْا = وَإِذَا هُمُ خَرَجُوا فَهُنَّ خِفَارُ.
خِفَارُ؛ أَيْ حَيِّيَّاتٌ.
**وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: كَثْرَةُ التَّسَخُّطِ، وَقِلَّةُ الْحَمْدِ:
فَمِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ هِيَ كَثِيرَةُ التَّسَخُّطِ، قَلِيلَةُ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ، فَاقِدَةٌ لِخُلُقِ الْقَنَاعَةِ، غَيْرُ رَاضِيَةٍ بِمَا آتَاهَا اللهُ -تَعَالَى- مِنْ خَيْرٍ.
فَإِذَا سُئِلَتْ عَنْ حَالِهَا مَعَ زَوْجِهَا أَبْدَتِ السُّخْطَ، وَأَظْهَرَتِ الْأَسَى وَاللَّوْعَةَ، وَبَدَأَتْ بِعَقْدِ الْمُقَارَنَاتِ بَيْنَ حَالِهَا وَحَالِ غَيْرِهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ اللَّائِي يُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ.
وَإِذَا قَدَّمَ لَهَا زَوْجُهَا مَالًا سَارَعَتْ إِلَى إِظْهَارِ السُّخْطِ، وَنَدْبِ الْحَظِّ؛ لِأَنَّهَا تَرَاهُ قَلِيلًا مُقَارَنَةً بِمَا يُقَدَّمُ لِنَظِيرَاتِهَا.
وَإِذَا جَاءَهَا بِهَدِيَّةٍ احْتَقَرَتِ الْهَدِيَّةَ، وَقَابَلَتْهَا بِالْكَآبَةِ، فَتُدْخِلُ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى زَوْجِهَا الْهَمَّ وَالْغَمَّ بَدَلَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ فُلَانَةَ مِنَ النَّاسِ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا بِهَدَايَا أَنْفَسَ مِمَّا جَاءَ بِهِ زَوْجُهَا!!
وَإِذَا أَتَى بِمَتَاعٍ أَوْ أَثَاثٍ يَتَمَنَّى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِثْلُهُ؛ قَابَلَتْهُ بِفَظَاظَةٍ وَشَرَاسَةٍ مُنْكَرَةٍ، وَبَدَأَتْ تُظْهِرُ مَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَبَعْضُهُنَّ يُحْسِنُ إِلَيْهَا الزَّوْجُ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ أَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ؛ غَضِبَتْ عَلَيْهِ غَضْبَةً، وَنَسِيَتْ كُلَّ مَا قَدَّمَ لَهَا مِنْ إِحْسَانٍ، وَتَنَكَّرَتْ لِمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ جَمِيلٍ!!
وَهَكَذَا تَعِيشُ فِي نَكَدٍ وَضِيقٍ، وَلَوْ رُزِقَتْ حَظًّا مِنَ الْقَنَاعَةِ لَأَشْرَقَتْ عَلَيْهَا شُمُوسُ السَّعَادَةِ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ يُوشِكُ أَنْ تُسْلَبَ مِنْهَا النِّعَمُ، فَتَقْرَعَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنَّ النَّدَمِ، وَتَعَضُّ أَنَامِلَهَا وَتُقَلِّبُ كَفَّيْهَا عَلَى مَا ذَهَبَ مِنْ نِعَمِهَا.
إِنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ بِالرِّضَا وَالْقَنَاعَةِ، وَإِنَّ كَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَالتَّمَتُّعَ بِالْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الظَّاهِرَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى السَّعَادَةِ؛ فَمَاذَا يَنْفَعُ الزَّوْجَةَ أَنْ تَتَلَقَّى مِنْ زَوْجِهَا الْحُلِيَّ وَالنَّفَائِسَ وَالْأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ إِذَا لَمْ تَجِدِ الْمَحَبَّةَ، وَالْحَنَانَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالْمُعَامَلَةَ الْحَسَنَةَ؟!!
وَمَاذَا سَتَجْنِي مِنْ جَرَّاءِ تَسَخُّطِهَا إِلَّا إِسْخَاطَ رَبِّهَا، وَخَرَابَ بَيْتِهَا، وَتَكْدِيرَ عِيشَةِ زَوْجِهَا؟!!
فَوَاجِبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَاقِلَةِ أَنْ تَتَجَنَّبَ التَّسَخُّطَ، وَجَدِيرٌ بِهَا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةَ الشُّكْرِ؛ فَإِذَا سُئِلَتْ عَنْ بَيْتِهَا وَزَوْجِهَا وَحَالِهَا أَثْنَتْ عَلَى رَبِّهَا، وَتَذَكَّرَتْ نِعَمَهُ، وَرَضِيَتْ قِسْمَتَهُ؛ فَالْقَنَاعَةُ كَنْزُ الْغِنَى، وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ، فَإِذَا لَزِمَ الْإِنْسَانُ الشُّكْرَ دَرَّتْ نِعَمُهُ وَقَرَّتْ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: إِخْبَارُ الْآخَرِينَ بِمُشْكِلَاتِ الْمَنْزِلِ:
فَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ هِيَ قَلِيلَةُ الصَّبْرِ، فَإِذَا حَصَلَ أَدْنَى خِلَافٍ أَوْ مُشْكِلَةٍ مَعَ زَوْجِهَا بَادَرَتْ إِلَى إِخْبَارِ وَالِدَيْهَا وَإِخْوَانِهَا وَأَخَوَاتِهَا، وَرُبَّمَا صَدِيقَاتِهَا، مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُطْوَى وَلَا يُرْوَى.
وَهَذَا الصَّنِيعُ -وَهُوَ إِخْبَارُ الْآخَرِينَ بِمُشْكِلَاتِ الْمَنْزِلِ- مِنْ قِلَّةِ الْوَفَاءِ، وَمِنَ الْعَجَلَةِ الْمَذْمُومَةِ، كَمَا أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَهْلِ وَالْحُمْقِ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِتَقْوِيضِ صَرْحِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبَيْتِ السَّعِيدِ أَنْ يَخْلُوَ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ تَمَامًا، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ كُلُّ الشَّأْنِ فِي احْتِوَاءِ الْمُشْكِلَاتِ، وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهَا.
لِهَذَا كَانَ حَرِيًّا بِالزَّوْجَةِ أَنْ تَحْرِصَ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَلَّا يَدْخُلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَحَدٌ مَهْمَا كَانَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُحِبًّا تَنَغَّصَ وَضَاقَ صَدْرُهُ، وَإِنْ كَانَ شَانِئًا أَوْ حَاسِدًا فَرِحَ بِالْخِلَافِ، وَرُبَّمَا أَظْهَرَ الشَّمَاتَةَ، وَرُبَّمَا أَشَارَ بِرَأْيٍ مُعْوَجٍّ فَطِيْر، فَكَانَ سَبَبًا لِلْفِرَاقِ وَهَدْمِ الْأُسْرَةِ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَةَ الْعَاقِلَةَ تَكْتُمُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا؛ حَتَّى عَنْ وَالِدَيْهَا؛ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا حِينَ يَتَفَاقَمُ الْخِلَافُ، وَيَتَعَسَّرُ الْحَلُّ، فَتَبْحَثُ عَنْ رَأْيٍ مُنَاسِبٍ لِلْحَلِّ، أَوْ حِينَ يُصْبِحُ التَّحْكِيمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَسِيلَةً مِنْ وَسَائِلِ الْعِلَاجِ الْمَحْتُومِ.
*مِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: قِلَّةُ الْمُرَاعَاةِ لِمَكَانَةِ الزَّوْجِ وَوَضْعِهِ الِاجْتِمَاعِيِّ:
فَقَدْ يَكُونُ الزَّوْجُ ذَا مَكَانَةٍ عِلْمِيَّةٍ أَوِ اجْتِمَاعِيَّةٍ، فَيَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَيَقُومُ بِاسْتِقْبَالِهِمْ، وَالسَّعْيِ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِهِمْ، فَتَضِيقُ الزَّوْجَةُ ذَرْعًا بِكَثْرَةِ ارْتِبَاطَاتِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ الزَّوْجُ مُكِبًّا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ لِإِعْدَادِ دُرُوسِهِ أَوْ مَقَالَاتِهِ أَوْ بُحُوثِهِ، فَيَصْعُبُ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَتَتَبَرَّمُ مِنْهُ وَمِنْ كُتُبِهِ، وَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ تَرَاهُ دَاخِلًا وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ!!
وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ يَتَمَادَى الزَّوْجُ فِي التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهَا، وَأَنْ يَعْتَذِرَ لَهَا إِذَا قَصَّرَ، وَأَنْ يُذَكِّرَهَا بِالْأَجْرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى صَبْرِهَا.
*مِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: قِلَّةُ إِعَانَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى:
فَمِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ تَكُونُ فِتْنَةً لِزَوْجِهَا؛ حَيْثُ تَصُدُّهُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، وَتَعُوقُهُ عَنِ السَّعْيِ لِلْمَعَالِي؛ فَإِذَا هَمَّ بِنَفَقَةٍ خَذَّلَتْهُ، وَإِذَا أَرَادَ الذَّهَابَ إِلَى دَعْوَةٍ وَقَفَتْ فِي سَبِيلِهِ؛ فَلَا هَمَّ لَهَا مِنْ زَوْجِهَا إِلَّا إِشْبَاعُ رَغَبَاتِهَا، وَتَلْبِيَةُ طَلَبَاتِهَا؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ تَضْيِيعِ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
فَلَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَكُونَ عَقَبَةً فِي طَرِيقِ زَوْجِهَا، فَتَصُدُّهُ عَنِ الْقِيَامِ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُسَارَعَةِ فِي الْخَيْرَاتِ، وَالتَّنَافُسِ فِي أَبْوَابِ الْمَكْرُمَاتِ.
بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، فَتَتَحَمَّلُ عَنْهُ مَسْؤُولِيَّةَ الْمَنْزِلِ، وَتُعْنَى بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا، وَتُضَحِّي بِشَيْءٍ مِنْ رَاحَتِهَا؛ فَذَلِكَ دَلِيلُ نُبْلِهَا، وَقُوَّةِ دِينِهَا، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهَا.
بَلْ إِنَّ نَجَاحَ الزَّوْجِ -فِي الْحَقِيقَةِ- نَجَاحٌ لِلزَّوْجَةِ نَفْسِهَا.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: إِرْهَاقُ الزَّوْجِ بِكَثْرَةِ الطَّلَبَاتِ:
فَمِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ تُرْهِقُ زَوْجَهَا بِكَثْرَةِ الطَّلَبَاتِ دُونَمَا مُرَاعَاةٍ لِأَوْضَاعِهِ الْمَالِيَّةِ.
إِنَّ هَذَا الْمَرَضَ الْمُتَفَشِّيَ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ قَدْ يَكُونُ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الَّتِي صَرَفَتْ بَعْضَ الشُّبَّانِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يَخْشَى أَنْ يُبْتَلَى بِزَوْجَةٍ تَتَعَدَّى بِمَطَالِبِهَا وَمَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهَا حُدُودَ الْمَعْرُوفِ؛ فَإِمَّا أَنْ تُرْهِقَهُ عُسْرًا، وَإِمَّا أَنْ تَسُلَّ ثَوْبَهَا مِنْ ثَوْبِهِ جَانِحَةً لِلْفِرَاقِ، وَإِمَّا أَنْ تَبْقَى مَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوَدَّةٍ خَالِصَةٍ.
وَلَا يُنْكَرُ فِي هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْوَاجِ يَبْخَلُونَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَاتِهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ؛ فَلَيْسَ الْحَدِيثُ هَاهُنَا عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ.
وَالْإِسْلَامُ قَدْ أَعْطَى الْحَقَّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي يَمْتَنِعُ زَوْجُهَا عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا بِمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ يَلِيقُ بِهَا وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ.
فَعَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُقَدِّرَ طَاقَةَ زَوْجِهَا؛ فَلَا تُرْهِقُهُ مِنْ أَمْرِهِ عُسْرًا، وَلَا تُهْدِرُ مَالَهُ أَشَرًا وَبَطَرًا، وَلَا تُثْقِلُ كَاهِلَهُ بِكَثْرَةِ مُتَطَلَّبَاتِهَا؛ خُصُوصًا مَا لَيْسَ بِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُؤْلِمُهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ تَحْقِيقَ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يَظْهَرَ أَمَامَهَا بِمَظْهَرِ الْعَاجِزِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ تَنْفِيذَ مَا تَطْلُبُ.
فَمَا أَجْمَلَ الزَّوْجَةَ الَّتِي تَصْحَبُ زَوْجَهَا بِالْقَنَاعَةِ؛ فَلَا تَتَطَلَّعُ إِلَى غَيْرِهَا، وَلَا تَمُدُّ عَيْنَهَا إِلَى مُحَاكَاةِ أَتْرَابِهَا فِي اقْتِنَاءِ الْكَمَالِيَّاتِ.
بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَحْفَظَ عَلَى زَوْجِهَا كَرَامَتَهُ، وَأَنْ تَتَأَسَّى بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (ض3)؛ فَقَدْ كَانَتْ حَالَتُهُنَّ كَفَافًا، وَرُبَّمَا خَلَتْ بُيُوتُهُنَّ مِنَ الطَّعَامِ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: النُّشُوزُ وَالتَّمَرُّدُ عَلَى الزَّوْجِ:
النُّشُوزُ: هُوَ الِارْتِفَاعُ، وَالْمَرْأَةُ النَّاشِزُ: هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ عَلَى زَوْجِهَا، الْمُخَالِفَةُ لِأَمْرِهِ، الْخَارِجَةُ عَنْ طَاعَتِهِ، الَّتِي لَمْ تَرْضَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ فِيهَا، فَلَمْ تُسَلِّمْ لِقِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهَا.
وَلِلنُّشُوزِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ يَجْمَعُهَا مَعْصِيَةُ الزَّوْجِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَتِهِ.
وَأَنْوَاعُ النُّشُوزِ كَثِيرَةٌ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ؛ وَلَكِنَّ بَعْضَهَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَعْظُمُ بِهِ الْخَطَرُ.
فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَحْذَرَ مِنْ مَعْصِيَةِ الزَّوْجِ وَالنُّشُوزِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إِثْمٌ كَبِيرٌ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: الِامْتِنَاعُ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا دَعَاهَا لِلْفِرَاشِ:
فَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَتَأَبَّى عَلَى زَوْجِهَا إِذَا دَعَاهَا لِلْفِرَاشِ؛ إِمَّا بِحُجَّةِ أَنَّهَا مُرْهَقَةٌ، أَوْ أَنَّهَا تُرِيدُ مُشَاكَسَتَهُ وَإِغْضَابَهُ، أَوْ لِجَهْلِهَا وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهَا.
عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ بِالزَّوْجِ أَنْ يُقَدِّرَ أَحْوَالَ زَوْجَتِهِ؛ فَقَدْ تَكُونُ مَرِيضَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُجْهَدَةً أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَرِيهَا؛ فَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَمِنْ جَمِيلِ الْمُرُوءَاتِ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: التَّقْصِيرُ فِي خِدْمَةِ الزَّوْجِ:
فَمِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ تُقَصِّرُ فِي خِدْمَةِ زَوْجِهَا، فَلَا تَقُومُ بِقَضَاءِ حَاجَاتِهِ؛ مِنْ نَحْوِ صِنَاعَةِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، وَغَسِيلِ الثِّيَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا تَقُومُ بِرِعَايَةِ الْمَنْزِلِ وَالْعِنَايَةِ بِنَظَافَتِهِ.
وَهَذَا مِنَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ -عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ-.
فَيَجْدُرُ بِالزَّوْجَةِ الْعَاقِلَةِ أَنْ تَقُومَ عَلَى خِدْمَةِ زَوْجِهَا بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ، فَتَقُومُ عَلَى رِعَايَةِ مَنْزِلِهِ، وَالْعِنَايَةِ بِأَوْلَادِهِ، وَتَوْفِيرِ كَافَّةِ سُبُلِ الرَّاحَةِ لَهُ، وَإِعْدَادِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَكَيِّهَا؛ حَتَّى تَكْسِبَ رِضَا رَبِّهَا، وَحُبَّ زَوْجِهَا.
وَلْتَعْلَمْ أَنَّهَا مُعَانَةٌ وَمُسَدَّدَةٌ مِنَ اللهِ إِذَا هِيَ أَخْلَصَتِ النِّيَّةَ، وَأَحْسَنَتِ الْعَمَلَ.
وَمَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ قِيَامِ الْمَرْأَةِ بِخِدْمَةِ زَوْجِهَا مَا اسْتَطَاعَتْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُكَلِّفَهَا مَا لَا تُطِيقُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُقَ بِهَا، وَأَنْ يُعِينَهَا عَلَى شُؤُونِ بَيْتِهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَفْعَلُ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ: إِدْخَالُ مَنْ لَا يَأْذَنُ الزَّوْجُ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْتِ:
فَلِلزَّوْجِ الْحَقُّ فِي أَلَّا يَدْخُلَ بَيْتَهُ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ، وَفَرْضٌ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُدْخِلَ بَيْتَهُ مَنْ يَكْرَهُ دُخُولَهُ.
وَبَعْضُ النِّسَاءِ تَتَهَاوَنُ فِي هَذَا الْحَقِّ، فَتُدْخِلُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مَنْ لَا يَأْذَنُ بِدُخُولِهِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ؛ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، حَيْثُ قَالَ: ((وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)). الْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((صَحِيحِهِ)).
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: الْخُرُوجُ مِنَ الْمَنْزِلِ دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ:
فَبَعْضُ النِّسَاءِ لَا تُبَالِي بِإِذْنِ زَوْجِهَا مِنْ عَدَمِهِ؛ حَيْثُ تَخْرُجُ مِنَ الْمَنْزِلِ غَيْرَ عَابِئَةٍ بِزَوْجِهَا، فَتَخْرُجُ بِصُورَةٍ مُعْتَادَةٍ إِلَى جِيرَانِهَا وَأَقَارِبِهَا، وَتَخْرُجُ إِلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَفْرَاحِ، أَوْ إِلَى الْأَسْوَاقِ، أَوْ إِلَى الصَّدِيقَاتِ دُونَ إِذْنِ الزَّوْجِ.
وَرُبَّمَا احْتَالَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ فَإِذَا أَرَادَتِ الذَّهَابَ إِلَى مَكَانٍ لَا يَأْذَنُ بِهِ الزَّوْجُ طَلَبَتْ مِنْهُ زِيَارَةَ أَهْلِهَا، وَمِنْ هُنَاكَ تَذْهَبُ إِلَى حَيْثُ تُرِيدُ.
وَهَذَا الصَّنِيعُ دَاخِلٌ فِي النُّشُوزِ؛ ذَلِكَ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ.
إِنَّ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَحْذَرَ مِنْهُ، وَأَنْ تَتُوبَ إِلَى اللهِ إِنْ كَانَتْ وَاقِعَةً فِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْخُرُوجَ سَبَبٌ لِتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ، كَمَا أَنَّهُ حِرْمَانٌ لَهَا مِنْ نِعْمَةِ الْقَرَارِ فِي الْبَيْتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الرَّاحَةِ وَالْأُنْسِ وَالسُّكُونِ.
* وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: طَاعَةُ الزَّوْجِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ:
لَا رَيْبَ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهَذِهِ الطَّاعَةُ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى الْقَوَامَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي قَوْلِهِ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، فَلِهَذِهِ الطَّاعَةِ أَثَرُهَا فِي اسْتِقَامَةِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ وَسَعَادَتِهَا، وَحُسْنِ التَّرْبِيَةِ لِلْأَوْلَادِ، وَمَنْ تَقُومُ بِذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَلَهَا الثَّوَابُ الْجَزِيلُ.
لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي أَنْ تُطِيعَ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا طَاعَةً مُطْلَقَةً، فَتُطِيعُهُ بِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً للهِ، فَالطَّاعَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُطِيعَهُ إِذَا أَمَرَهَا بِمَعْصِيَةِ اللهِ؛ كَأَنْ يَأْمُرَهَا بِشُرْبِ الْمُسْكِرَاتِ، أَوْ إِعْدَادِهَا، أَوِ التَّشَبُّهِ بِالْكَافِرَاتِ، أَوْ نَزْعِ الْحِجَابِ، أَوْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، أَوْ أَنْ تُوَافِقَهُ بِأَنْ يُجَامِعَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنْ يُجَامِعَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ أَنْ يُجَامِعَهَا فِي دُبُرِهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ الطَّاعَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَمَا شَاكَلَهَا، بَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ.
وَالْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: ((لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)).
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الزَّوْجِ:
فَالْغَيْرَةُ طَبْعٌ فِي النِّسَاءِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَذْمُومٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحْمُودٌ.
فَالْمَذْمُومُ مِنْهَا تِلْكَ الْغَيْرَةُ الَّتِي تَتَأَجَّجُ فِي صَدْرِ صَاحِبَتِهَا نَارًا مُوقَدَةً تُشْعِلُ جُيُوشَ الظُّنُونِ وَالشُّكُوكِ، فَتُحِيلُ حَيَاةَ الْأُسْرَةِ جَحِيمًا لَا يُطَاقُ.
وَالْغَيْرَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَتَسَلَّطُ عَلَى صَاحِبَتِهَا، فَلَا تُثِيرُ عِنْدَهَا شُكُوكًا وَلَا أَوْهَامًا؛ فَهَذِهِ غَيْرَةٌ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ تُسْتَمْلَحُ أَحْيَانًا.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: سُوءُ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ إِذَا عَدَّدَ زَوْجُهَا:
فَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ إِذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا بَالَغَتْ فِي الْغَيْرَةِ، وَتَصَرَّفَتْ بِجَهْلٍ وَحُمْقٍ وَنَزَقٍ وَسَفَهٍ؛ فَقَدْ تَعْتَرِضُ عَلَى حِكْمَةِ التَّعَدُّدِ، وَقَدْ تَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَقَدْ تَخْمِشُ وَجْهَهَا، وَتَشُقُّ جَبِينَهَا، وَقَدْ تَهْجُرُ مَنْزِلَ زَوْجِهَا، وَقَدْ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا.
وَمِنْهُنَّ مَنْ تُغْرِي أَوْلَادَهَا بِأَبِيهِمْ فَتُوصِيهِمْ بِعُقُوقِهِ، وَإِغْلَاظِ الْجَانِبِ لَهُ؛ بَلْ مِنْهُنَّ مَنْ يَبْلُغُ بِهَا الْجَهْلُ وَالسَّفَهُ مَبْلَغَهُ، فَتَبِيعُ دِينَهَا بِالذَّهَابِ إِلَى السَّحَرَةِ وَقَصْدِ الْمُشَعْوِذِينَ؛ رَغْبَةً فِي عَطْفِ قَلْبِ الزَّوْجِ إِلَيْهَا، وَصَرْفِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ الْجَدِيدَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنِمُّ عَنْ جَهْلٍ وَسَفَهٍ وَرِقَّةِ دِينٍ.
فَعَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُحْسِنَ مُعَامَلَةَ زَوْجِهَا، وَأَنْ تَمْلَأَ عَلَيْهِ بَيْتَهَا سَعَادَةً وَسُرُورًا، وَإِذَا ابْتُلِيَتْ بِأَنْ يُعَدِّدَ زَوْجُهَا عَلَيْهَا فَعَلَيْهَا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ وَالدِّينُ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ دَاعِي الْعَقْلِ وَالْمُروءَةِ.
*مِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ: التَّقْصِيرُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ:
فَالْأُمُّ هِيَ الْمَدْرَسَةُ الْأُولَى لِلْأَوْلَادِ، وَالْبَيْتُ هُوَ اللَّبِنَةُ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنْ أَمْثَالِهَا الْمُجْتَمَعُ، وَفِي الْأُسَرِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَى حِفْظِ حُدُودِ اللهِ وَعَلَى دَعَائِمِ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالْإِيثَارِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَنْشَأُ رِجَالُ الْأُمَّةِ وَنِسَاؤُهَا وَقَادَتُهَا وَعُظَمَاؤُهَا.
وَمَعَ عِظَمِ هَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدْ فَرَّطَ فِيهَا، وَاسْتَهَانَ بِأَمْرِهَا، وَلَمْ يَرْعَهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَأَضَاعُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَهْمَلُوا تَرْبِيَتَهُمْ، ثُمَّ إِذَا رَأَوْا مِنْهُمْ تَمَرُّدًا أَوِ انْحِرَافًا بَدَأُوا يَتَذَمَّرُونَ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّهُمُ السَّبَبُ الْأَوَّلُ فِي ذَلِكَ.
فَمِنَ التَّقْصِيرِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى الْجُبْنِ وَالْخَوَرِ وَالْفَزَعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى سَلَاطَةِ اللِّسَانِ، وَالتَّطَاوُلِ عَلَى الْآخَرِينَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى الْفَوْضَى وَالْمُيُوعَةِ وَالتَّرَفِ وَالْبَذَخِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى الْقَسْوَةِ الْمُتَعَدِّيَةِ لِطَوْرِهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: الْحِرْمَانُ وَالتَّقْتِيرُ الشَّدِيدُ.
وَمِنَ التَّقْصِيرِ -كَذَلِكَ-: أَنْ تَعْمَلَ الْمَرْأَةُ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَتَقْضِيَ جُزْءًا كَبِيرًا مِنَ الْوَقْتِ بَعِيدًا عَنْ أَوْلَادِهَا وَزَوْجِهَا دُونَ أَنْ تُوَفِّقَ بَيْنَ عَمَلِهَا وَرِعَايَةِ مَنْزِلِهَا، وَهَذَا مِنَ الْخَلَلِ؛ خُصُوصًا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً لِلْعَمَلِ، أَوْ كَانَ أَوْلَادُهَا وَزَوْجُهَا سَيُهْمَلُونَ إِهْمَالًا تَامًّا، وَإِنَّمَا تَعْمَلُ كَيْ يَزِيدَ مَصْرُوفُهَا، فَتَزْدَادُ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي الْكَمَالِيَّاتِ.
وَمَا أَكْثَرَ الدَّعَاوَى الَّتِي تُنَادِي بِعَمَلِ الْمَرْأَةِ وَمُسَاوَاتِهَا بِالرَّجُلِ -كَمَا زَعَمُوا-، وَنَسُوا أَوْ تَنَاسَوْا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا عَمِلَتْ وَزَاحَمَتِ الرَّجُلَ.. نَسَوْا أَنَّ ذَلِكَ سَيُضَاعِفُ تَعَبُهَا، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ بَيْتِهَا؛ وَلِهَذَا جَعَلَ الْإِسْلَامُ الْقِوَامَةَ لِلرَّجُلِ، وَعَهِدَ بِالزَّوْجَةِ رِعَايَةَ الْمَنْزِلِ؛ فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ الزَّوْجَاتِ: قِلَّةُ الْمُرَاعَاةِ لِأَحْوَالِ الزَّوْجِ وَمَشَاعِرِهِ:
فَمِنَ الزَّوْجَاتِ مَنْ تَغْفُلُ عَنْ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِ زَوْجِهَا وَمَشَاعِرِهِ؛ فَقَدْ تُزْعِجُهُ بِالْأَخْبَارِ السَّيِّئَةِ، وَقَدْ تُكْثِرُ الطَّلَبَاتِ مِنْهُ إِذَا عَادَ إِلَى الْمَنْزِلِ مُنْهَكًا مَكْدُودًا قَدْ بَلَغَ بِهِ الْإِعْيَاءُ مَبْلَغَهُ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: إِفْشَاءُ سِرِّ الْفِرَاشِ:
فَكَمَا أَنَّ الرِّجَالَ يَقَعُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَكَذَلِكَ النِّسَاءُ؛ فَمِنْهُنَّ مَنْ تَجْلِسُ مَعَ صُوَيْحِبَاتِهَا، فَتُفْضِي إِلَيْهِنَّ بِمَا جَرَى لَهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي الْفِرَاشِ، وَرُبَّمَا تَفَاخَرَتْ فِي ذَلِكَ، وَبَالَغَتْ فِي التَّفْصِيلِ، وَنَافَسَتْ صُوَيْحِبَاتِهَا بِذَلِكَ.
وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مَرْفُوضًا مِنَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ أَشَدُّ رَفْضًا مِنَ الْمَرْأَةِ؛ ذَلِكَ أَنَّهَا أَوْلَى بِالسِّتْرِ وَالْحَيَاءِ، فَإِذَا هِيَ كَشَفَتْ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ هَذَا عَلَى جَهْلِهَا، وَخِفَّةِ عَقْلِهَا، وَنَقْصِ تَرْبِيَتِهَا.
إِنَّ لِلْفِرَاشِ أَسْرَارًا يَجِبُ أَنْ تُحْفَظَ وَتُحَاطَ بِسِيَاجٍ مِنَ الْكِتْمَانِ؛ فَلِذَا كَانَ حَقًّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَلَّا يَبُوحَا بِذَلِكَ السِّرِّ، فَإِنْ هُمَا فَعَلَا ذَلِكَ فَمَثَلُهُمَا كَمَثَلِ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ تَلَاقَيَا فِي طَرِيقٍ فَجَامَعَهَا بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ.
وَلَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَثَلُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: ((لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا يَفْعَلُهُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ)).
فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: ((إِيْ -وَاللهِ- يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ)).
قَالَ: ((فَلَا تَفْعَلُوا؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ)).
فَلْتَحْذَرِ الْمَرْأَةُ هَذَا الصَّنِيعَ، فَلَا تُفْشِي سِرَّ الْفِرَاشِ لِأَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَاتُ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ؛ كَالْعِلَاجِ، أَوْ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ أَنْ تُنْكِرَ الْمَرْأَةُ نِكَاحَ الزَّوْجِ لَهَا، وَتَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْعَجْزَ فِي الْجِمَاعِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: التَّبَرُّمُ مِنْ قِوَامَةِ الرَّجُلِ:
فَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَتَبَرَّمُ مِنْ قِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهَا، فَتُرِيدُ أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ؛ بَلْ قَدْ يُعْجِبُهَا أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ الْقِيَادَةَ لَهَا، وَتَكُونَ إِرَادَتُهُ تَابِعَةً لِإِرَادَتِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهَا هُوَ الْقَوْلَ، وَرَأْيُهَا هُوَ الْفَصْلَ، فَتَفْرِضُ عَلَيْهِ سَيَاجًا مُحْكَمًا لَا مَعْدَى عَنْهُ وَلَا مَحِيصَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ خِلَافُ مَا تَأْمُرُ بِهِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ؛ بَلْ وَالتَّجَارِبُ الْإِنْسَانِيَّةُ، فَالْمَرْأَةُ الْعَاقِلَةُ هِيَ الَّتِي تَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَتَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهَا، فَالْقِوَامَةُ حَقٌّ لِلرَّجُلِ، وَتَشْرِيفٌ لِلْمَرْأَةِ، فَالْإِسْلَامُ أَنْقَذَ الْمَرْأَةَ مَنْ أَيْدِي الَّذِينَ يَزْدَرُونَ مَكَانَتَهَا، وَتَأْخُذُهُمُ الْجَفْوَةُ فِي مُعَاشَرَتِهَا، فَقَرَّرَ لَهَا مِنَ الْحُقُوقِ مَا يَكْفُلُ رَاحَتَهَا، وَيُنَبِّهُ عَلَى رِفْعَةِ مَنْزِلِهَا، ثُمَّ جَعَلَ لِلرَّجُلِ حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَإِقَامَةَ السِّيَاجِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَخْدِشُ كَرَامَتَهَا.
*وَمِنْ أَخْطَاءِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ: اخْتِلَاطُ الزَّوْجَةِ بِالرِّجَالِ، وَتَبَرُّجُهَا أَمَامَهُمْ:
فَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ مِنْ أَقَارِبِ زَوْجِهَا وَأَحْمَائِهِ دُونَمَا تَحَرُّجٍ، إِمَّا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا بِسَبَبِ التَّسَاهُلِ بِشَأْنِ الْحَمْوِ، وَإِمَّا بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَرِقَّةِ الدِّينِ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ عُرْفًا سَائِدًا وَعَادَةً مُتَّبَعَةً يُنْكَرُ عَلَى مَنْ يُنْكِرُهَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ آثِمَةٌ فِي هَذَا الصَّنِيعِ، وَطَاعَةُ زَوْجِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهَا؛ فَلَا يَخْفَى مَا فِي الِاخْتِلَاطِ مِنَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ؛ كَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِظْهَارِ الْمَرْأَةِ مَفَاتِنَهَا، وَتَلَذُّذِ الرِّجَالِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَإِذَا كَانَ وَصْفُ الْمَرْأَةِ النِّسَاءَ لِزَوْجِهَا مُحَرَّمًا؛ فَكَيْفَ بِهِمْ وَهُمْ يَرَوْنَ النِّسَاءَ بِأُمِّ أَعْيُنِهِمْ؟!!
وَلِهَذَا حَسَمَ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ هَذَا الْأَمْرَ سَدًّا لِذَرَائِعِ الْفِتْنَةِ؛ فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ)).
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟)).
قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ)).
وَهَذِهِ نَصِيحَةُ أُمٍّ لِابْنَتِهَا وَهِيَ مُقْبِلَةٌ عَلَى الزَّوَاجِ، فِيهَا مِنْ أَسْبَابِ حُصُولِ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ مَا فِيهَا، قَالَتْ أُمَامَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ لِابْنَتِهَا حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَحْمِلُوهَا إِلَى زَوْجِهَا: «أَيْ بُنَيَّةُ! إِنَّ الْوَصِيَّةَ لَوْ تُرِكَتْ لِفَضْلِ أَدَبٍ تُرِكَتْ لِذَلِكَ مِنْكِ، وَلَكِنَّهَا تَذْكِرَةٌ لِلْغَافِلِ، وَمَعُونَةٌ لِلْعَاقِلِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأةً اسْتَغْنَتْ عَنِ الزَّوْجِ لِغِنَى أَبَوَيْهَا وَشِدَّةِ حَاجَتِهِمَا إِلَيْهَا كُنْتِ أَغْنَى النَّاسِ عَنْهُ، وَلَكِنَّ النِّسَاءَ لِلرِّجَالِ خُلِقْنَ، وَلَهُنَّ خُلِقَ الرِّجَالُ.
أَيْ بُنَيَّةُ! إِنَّكِ فَارَقْتِ بَيْتَكَ الَّذِي مِنْهُ خَرَجْتِ، وَخَلَّفْتِ الْعُشَّ الَّذِي فِيهِ دَرَجْتِ إِلَى وَكْرٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ، وَقَرِينٍ لَمْ تَأْلَفِيهِ، فَأَصْبَحَ بِمَلْكِهِ عَلَيْكِ رَقِيبًا وَمَلِيكًا؛ فَكُونِي لَهُ أَمَةً يَكُنْ لَكِ عَبْدًا وَشِيكًا.
يَا بُنَيَّةُ! احْمِلي عَنِّي عَشْرَ خِصَالٍ يَكُنَّ لَكِ ذُخْرًا وَذِكْرًا: الصُّحْبَةَ بِالْقَنَاعَةِ، وَالْمُعَاشَرَةَ بِحُسْنِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالتَّعَهُّدَ لِمَوْقِعِ عَيْنَيْهِ، وَالتَّفَقُّدَ لِمَوْضِعِ أَنْفِهِ، فَلَا تَقَعُ عَيْنَاهُ مِنْكِ عَلَى قَبِيحٍ، وَلَا يَشُمُّ مِنْكِ إِلَّا أَطْيبَ رِيحٍ، وَالْكُحْلُ أَحْسَنُ الْحُسْنِ، وَالْمَاءُ أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمَفْقُودِ، وَالتَّعَهُّدَ لِوَقْتِ طَعَامِهِ، وَالْهُدُوءَ عَنْهُ حِينَ مَنَامِهِ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الْجُوعِ مُلْهِبَةٌ، وَتَنْغِيصَ النَّوْمِ مُبَغِّضَةٌ، وَالِاحْتِفَاظَ بِبَيْتِهِ وَمَالِهِ، وَالْإِرْعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَشَمِهِ وَعِيَالِهِ؛ فَإِنَّ الِاحْتِفَاظَ بِالْمَالِ حُسْنُ التَّقْدِيرِ، وَالْإِرْعَاءَ عَلَى الْعِيَالِ وَالْحَشَمِ حُسْنُ التَّدْبِيرِ، وَلَا تُفْشِي لَهُ سِرًّا، وَلَا تَعْصِي لَهُ أَمْرًا؛ فَإِنَّكِ إِنْ أَفْشَيْتِ سِرَّهُ لَمْ تَأْمَنِي غَدْرَهُ، وَإِنْ عَصَيْتِ أَمْرَهُ أَوْغَرْتِ صَدْرَهُ، ثُمَّ اتَّقي مَعَ ذَلِكَ الْفَرَحَ إِنْ كَانَ تَرِحًا، وَالِاكْتِئَابَ عِنْدَهُ إِنْ كَانَ فَرِحًا، فَإِنَّ الْخَصْلَةَ الْأُولَى مِنَ التَّقْصِيرِ، وَالثَّانِيَةَ مِنَ التَّكْدِيرِ.
وَكُونِي أَشَدَّ مَا تَكُونِينَ لَهُ إِعْظَامًا يَكُنْ أَشَدَّ مَا يَكُونُ لَكِ إِكْرَامًا، وَأَشَدَّ مَا تَكُونِينَ لَهُ مُوَافَقَةً أَطْوَلَ مَا تَكُونِينَ لَهُ مُرَافَقَةً.
وَاعْلَمِي أَنَّكِ لَا تَصِلِينَ إِلَى مَا تُحِبِّينَ حَتَّى تُؤْثِرِي رِضَاهُ عَلَى رِضَاكِ، وَهَوَاهُ عَلَى هَوَاكِ فِيمَا أَحْبَبْتِ وَكَرِهْتِ، وَاللهُ يَخِيرُ لَكِ..». فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ، فَعَظُمَ مَوْقِعُهَا مِنْهُ، وَوَلَدَتْ لَهُ الْمُلُوكَ السَّبْعَةَ الَّذِينَ مَلَكُوا بَعْدَهُ الْيَمَنَ)).
((الْإِسْلَامُ مَصْدَرُ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الْأُسْرَةِ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ الْإِسْلَامَ حَرِيصٌ جِدُّ حَرِيصٍ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْبُيُوتِ بِتَنْظِيمِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ؛ حَتَّى يَتَفَرَّغَ الْإِنْسَانُ لِمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ أَمْرِ الْعِبَادَةِ؛ بِتَصْرِيفِ الشَّهَوَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي حَدَّدَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ، وَحَدَّدَهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي سُنَّتِهِ.
وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ -وَإِنْ دَقَّتْ- تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ؛ حَتَّى يَتَفَرَّغَ النَّاسُ لِمَا خُلِقُوا لَهُ.
إِنَّ الزَّوَاجَ نِعْمَةٌ عُظْمَى، وَقَدِ امْتَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ؛ فَالزَّوَاجُ عَقْدٌ بَيْنَ قَلْبَيْنِ، وَمَزْجٌ بَيْنَ رُوحَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرِ تَقْرِيبٌ بَيْنَ جِسْمَيْنِ، فَإِذَا تَرَاخَتْ عُرَاهُ بَيْنَ الْقَلْبَيْنِ ذَهَبَ السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ.
وَالْحَيَاةُ تَقُومُ عَلَى أُسُسٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ الْحُبُّ -فِي نَظَرِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ- أَهَمَّهَا، أَوْ أَنَّهُ وَحْدَهُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْحَيَاةُ.
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ الْحُبَّ لَهُ أَثَرُهُ وَدَوْرُهُ؛ وَلَكِنَّ الْحَيَاةَ لَا تَقُومُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ فَهُنَاكَ التَّذَمُّمُ، وَالرِّعَايَةُ، وَالتَّوَدُّدُ، وَالتَّحَمُّلُ، وَالْخُلُقُ، وَالِاحْتِسَابُ، وَالْوَفَاءُ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَعَانِي الْجَمِيلَةِ.
وَلِهَذَا كَانَ الْكِرَامُ يَقْضُونَ هَذِهِ الْحُقُوقَ، وَيَرْعُونَهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا.
إِنَّ طِيبَ الْحَيَاةِ وَمُتْعَتَهَا يَتَحَقَّقَانِ فِي زَوْجِيَّةٍ سَعِيدَةٍ، وَسَعَادَةُ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ عَلَى دِينٍ صَحِيحٍ، وَعَقْلٍ رَجِيحٍ، وَخُلُقٍ سَجِيحٍ.
وَأَنْ يَجْمَعَا إِلَى ذَلِكَ صَفَاءَ الْوُدِّ، وَالْقِيَامَ بِالْحُقُوقِ، وَنُصْحَ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ.
وَإِذَا قَامَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِوَاجِبِهِ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ؛ حَلَّتِ الْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرَّاتُ، وَزَالَتْ أَوْ قَلَّتِ الْمُشْكِلَاتُ، وَكَانَ لِذَلِكَ أَبْلَغُ الْأَثَرِ فِي صَلَاحِ الْأُسْرَةِ، وَقُوَّةِ الْأُمَّةِ.
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر
الْأُسْرَةُ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ