الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ وَدَوْرُهُمَا فِي التَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ

الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ وَدَوْرُهُمَا فِي التَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ

((الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ وَدَوْرُهُمَا فِي التَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ))

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.  

أَمَّا بَعْدُ:

 ((مَنْزِلَةُ الزَّكَاةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

فَالزَّكاةُ هِيَ أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- يَقْرِنُ الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ كَثِيرًا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110].

وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ، كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَـامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَـوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنْ استطاع إليه سبيلًا».

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ». أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا».

فَالصَّلَاةُ أَهَمُّ رُكْنٍ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالزَّكَاةُ أَهَمُّ رُكْنٍ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.

((مَعْنَى الزَّكَاةُ))

الزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي بَعْدَ الصَّلَاةِ -يَعْنِي مِنَ الْأَرْكَانِ الْعَمَلِيَّةِ-؛ وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ, ((الْإِيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ, وَإِقَامُ الصَّلَاةِ, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ, وَصَوْمُ رَمَضَانَ, وَحَجُّ الْبَيْتِ)), فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ, فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ.

الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ: الطُّهْرُ وَالشَّرَفُ وَالنَّمَاءُ, وَالزِّيَادَةُ وَالْبَرَكَةُ .

وَالزَّكَاةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: حَقٌّ وَاجِبٌ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ, لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ, فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ؛ لِتَحْقِيقِ رِضَا اللهِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْمُجْتَمَعِ.

((مَتَى فُرِضَتِ الزَّكَاةُ؟))

لَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- مَتَى فُرِضَتِ الزَّكَاةُ؟

فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فُرِضَتْ فِي مَكَّةَ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَاتِ الزَّكَاةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَيْـلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُــؤْتُونَ الزَّكَـاةَ} [فصلت: 7].

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْــوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُـومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24-25].

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].

وَكَقَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

وَقَالَ بَعْضُهُمْ -وَهُوَ الصَّحِيحُ-: إِنَّ فَرْضَهَا فِي مَكَّةَ، وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَنْصَبِائِهَا وَتَقْدِيرُ الْأَمَوَالِ الزَّكَوِيَّةِ وَتِبْيَانُ أَهْلِهَا؛ فَهَذَا فِي الْمَدِينَةِ.

وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ فَرْضِهَا فِي مَكَّةَ مِنْ بَابِ تَهْيِئَةِ النُّفُوسِ وَإِعْدَادِهَا لِتَتَقَبَّلَ هَذَا الْأَمْرَ؛ حَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ حُبًّا جَمًّا، يُخْرِجُ مِنْهُ فِي أُمُورٍ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا بِالنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا تَهَيَّأَتِ النُّفُوسُ لِقَبُولِ مَا يُفْرَضُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ، فَرَضَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فَرْضًا بَيِّنًا مُفَصَّلًا، وَذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ.

 ((أَدِلَّةُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا))

لَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى فَرْضِيَّةِ الزَّكَاةِ، وَأَنَّهَا الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ مَنْ جَحَدَ الزَّكَاةَ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى قِتَالِ مَنْ مَنَعَ إِخْرَاجَهَا.

وَقَدْ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ السُّعَاةَ لِقَبْضِهَا لِإِيصَالِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا.

وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِتَدُلَّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهَا إِحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا بُنِيَ، وَلِذَا كَانَتِ الرُّكْنَ الثَّالِثَ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ.

* وَالْأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِهَا مِنَ الْكِتَابِ:

*قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].

*وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 110].

*وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].

*وَالْأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنَ الْحَدِيثِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

*حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ: ((الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ, وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)) .

*وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)) .

فَهَذِهِ نُصُوصٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً؛ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِهَا.

((الْفُرُوقُ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالضَّرِيبَةِ))

* وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالضَّرِيبَةِ:

- فَالزَّكَاةُ تُدْفَعُ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ قَائِمٍ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّرِيبَةِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ وَإِلْزَامٌ مَدَنِيٌّ مَحْضٌ.

- وَالزَّكَاةُ حَقٌّ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ عَلَى عَكْسِ الضَّرِيبَةِ؛ فَهِيَ تُحَدَّدُ مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، يَزِيدُ فِيهَا مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ.

- وَالزَّكَاةُ يَتَعَيَّنُ تَوْزِيعُهَا فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا اللهُ تَعَالَى، أَمَّا الضَّرِيبَةُ فَهِيَ تُجْمَعُ لِخِزَانَةِ الدَّوْلَةِ، وَتُنْفَقُ فِي الْمَصَالِحِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلدَّوْلَةِ.

- وَالزَّكَاةُ فَرِيضَةٌ ثَابِتَةٌ دَائِمَةٌ مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ إِسْلَامٌ وَمُسْلِمُونَ, وَأَمَّا الضَّرِيبَةُ فَلَيْسَ لَهَا صِفَةُ الثَّبَاتِ وَالَّدوَامِ.

وَهَلْ تُغْنِي الضَّرِيبَةُ عَنِ الزَّكَاةِ؟

مِنْ خِلَالِ الْفُرُوقِ الَّتِي مَرَّتْ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالضَّرِيبَةِ؛ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِأَيِّ حَالٍ أَنْ تُغْنِيَ الضَّرِيبَةُ عَنِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّنَا لَوْ قُلْنَا ذَلِكَ لَحَكَمْنَا بِالْإِعْدَامِ عَلَى هَذَا الرُّكْنِ -يَعْنِي رُكْنَ الزَّكَاةِ-, فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقًا أَنْ تَقُومَ الضَّرِيبَةُ مَقَامَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تُصْرَفُ فِي مَصَارِفَ خَاصَّةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَهِيَ خَاضِعَةٌ لِقُيُودٍ خَاصَّةٍ فِي تَحْصِيلِهَا وَفَرْضِهَا, وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ.

فَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ:

أَنَّ الضَّرِيبَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الزَّكَاةِ، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَشْرِيعٌ مِنَ اللهِ, وَالضَّرِيبَةُ مِنْ وَضْعِ الْبَشَرِ.

 ((حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ))

* وَأَمَّا حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ:

- فَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ إِنْكَارًا وَجُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا؛ فَهُوَ كَافِرٌ خَارِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ, وَيُقْتَلُ كُفْرًا.

- وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا مَعَ إِقْرَارِهِ بِوُجُوبِهَا؛ فَهُوَ آثِمٌ بِامْتِنَاعِهِ, وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ, وَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا مَعَ التَّعْزِيرِ, وَإِنْ قَاتَلَ دُونَهَا قُتِلَ؛ حَتَّى يَخْضَعَ لِأَمْرِ اللهِ وَيُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ, وَدَلِيلُ ذَلِكَ:

*قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ؛ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؛ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ, وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)) .

*وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ أَئِمَّتُنَا الْأَعْلَامُ؛ وَمِنْهُمُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: ((وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ- كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

لَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: أنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ بُخْلًا يَكْفُرُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا؛ وَلَكِـنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَارِكَهَا لَا يَكْفُـرُ، وَالَّذِيِنَ كَفَّرُوا مَانِعَهَا، إِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى نُصُوصٍ، وَأَمَّا النُّصُوصُ الَّتِي أَخَذَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَشَيْءٌ آخَرُ.

فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّ تَارِكَهَا بُخْلًا يَكْفُرُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا، الصَّحِيحُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ تَارِكَهَا لَا يَكْفُر.

وَالَّذِينَ كَفَّرُوا مَانِعَهَا بُخْلًا قَالُوا: إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ: {فَإِنْ تَابُـوا وَأَقَامُـوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

فَرَتَّبَ ثُبُوتَ الْأُخَوَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ: إِنْ تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوْا الزَّكَاةَ.

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَفِيَ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ إِلَّا إِذَا خَرَجَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا فَعَلَ الْكَبَائِرَ فَهُوَ أَخٌ لَنَا، فَالْقَاتِلُ عَمْدًا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178].

فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {مِنْ أَخِيهِ} أَيْ: الْمَقْتُولَ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْقَاتِلِ، فَجَعَلَ اللهُ الْمَقْتُولَ أَخًا لِلْقَاتِلِ.

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْمُقْتَتِلِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: {إنَّما اَلْمُؤمِنونَ إِخْوَة فَأصْلِحوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: 10]، مَعَ أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ وَقِتَالَهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَفِيَ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ إِلَّا بِكُفْرٍ، فَدَلَّ عَلَى كُفْرِ تَارِكِ الزَّكَاةِ.

لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَهُ وَجْهٌ جَيِّدٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لَكِنْ دَلَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»- عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَ حُكْمُهَا حُكْم الصَّلَاةِ، حَيْثُ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَانِعَ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَذَكَرَ عُقُوبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». وَلَوْ كَانَ كافرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ سَبِيلٍ.

فَالِاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَأَنْكَرَ فَرْضِيَّتَهَا، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَفَّرَ تَارِكَهَا بُخْلًا، كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا، وَقَوَّى هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ بُخْلًا مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ لِفَرْضِيَّتِهَا وَلِرُكْنِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ -لِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، وَعَظِيمَةٍ مِنْ عَظَائِمِهِ-؛ لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلَّةِ مَا دَامَ مُقِرَّا بِوُجُوبِهَا، وَهَذَا هـُوَ الصَّوَابُ.

وَأَمَّا الزَّكَاةُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- مَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ، وَمَا مِنْ نَهْيٍ مِنْ نَوَاهِيهِ، مَا مِنْ تَكْلِيفٍ كَلَّفَ بِهِ الْإِنْسَانَ -هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا شُرِعَ-، فَمَا مِنْ أَمْرٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَكَذَا مَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ هَذَا الْكَوْنِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضَاهُ، إِلَّا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحِكْمَةِ.

فَالْحِكْمَةُ ظَاهِرَةٌ لَائِحَةٌ جَلِيَّةٌ، فِي كَوْنِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَفِي شَرْعِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-..

((شُرُوطُ الزَّكَاةِ))

عِبَادَ اللهِ! تَعَلَّمُوا الدِّينَ، وَاعْرِفُوا مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهِ؛ حَتَّى يُبَارِكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَكُمْ فِي يَقِينِكُمْ، وَحَتَّى يُثَبِّتَ عَلَى الْحَقِّ أَقْدَامَكُمْ، وَحَتَّى يَنْصُرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الْأُمَّةَ الَّتِي تَنَاوَشَتْهَا الرِّمَاحُ فِي كُلِّ جَانِبٍ.

تَعَلَّمُوا دِينَ اللهِ، وَانْشُرُوهُ بَيْنَكُمْ، وَادْعُوا إِلَيْهِ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهِ.

*شُرُوطُ الزَّكَاةِ؛ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ نَفْسِهِ:

1- شُرُوطُ الزَّكَاةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمُزَكِّي هِيَ: الْإِسْلَامُ, وَالتَّكْلِيفُ, وَالْحُرِّيَّةُ, وَالنِّيَّةُ.

2- وَالشُّرُوطُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ نَفْسِهِ هِيَ: الْمِلْكُ التَّامُّ لِلْمَالِ, وَنَمَاءُ الْمَالِ, وَبُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا, وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ عَلَى الْمَالِ, وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ كَالْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَآلَاتِ الْحِرْفَةِ.

«وَمَنْ لَهُ مَالٌ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ مُمَاطِلٍ؛ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ , وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ؛ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ كُلَّ عَامٍ .

وَمَا أُعِدَّ مِنَ الْأَمْوَالِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ كَدُورِ السُّكْنَى, وَثِيَابِ الْبَذْلَةِ, وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ, وَالسَّيَّارَاتِ, وَالدَّوَابِّ الْمُعَدَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ.

وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ  لَا لِلِاسْتِعْمَالِ -لِلْكِرَاءِ أَيْ: لِلتَّقْدِيرِ-؛ كَالسَّيَّارَاتِ وَالدَّكَاكِينِ وَالْبُيُوتِ فَلَا زَكَاةَ فِي أَصْلِهِ, وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أُجْرَتِهِ إِذَا بَلَغَتِ النِّصَابَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِضَمِّهَا إِلَى غَيْرِهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ .

وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ, ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ إِخْرَاجِهَا؛ وَجَبَ إِخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ, فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ, لِقَوْلِهِ ﷺ: ((فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ , فَيُخْرِجُهَا الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ; لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ, فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ, وَهِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ يَجِبُ إِبْرَاؤُهُ مِنْهَا» .

((أَجْنَاسُ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ أَوْ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الزَّكَاةِ، أَكْمَلُ هـَدْيٍ، فِي وَقْتِهَا، وَقَدْرِهَا، وَنِصَابِهَا، وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَصْرِفِهَا.

وَقَدْ   رَاعَى فِيهَا مَصْلَحةَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمَصْلَحَةَ الْمَسَاكِينَ، وَجَعَلَهَا اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- طُهْرَةً لِلْمَالِ وَلِصَاحِبِهِ، وَقَيْدَ النِّعْمَةِ بِهَا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَمَا زَالَتِ النِّعْمَةُ بِالْمَالِ عَلَى مَنْ أَدَّى زَكَاتَهُ، بَلْ يَحْفَظُهُ عَلَيْهِ وَيُنَمِّيهِ لَهُ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا بِهَا الْآفَاتِ، وَيَجْعَلُهَا سُورًا عَلَى الْمَالِ، وَحِصْنًا لَهُ، وَحَارِسًا لَهُ.

لَقَدْ جَعَلَ اللهُ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ الْمَالِ، وَهِيَ أَكْثَرُ الْأَمْوَالِ دَوَرَانًا بَيْنَ الْخَلْقِ وَحَاجَتُهُمْ إلَيْهَا ضَرُورِيَّةٌ:

1*أَجْنَاسُ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا:

1- فَأَوَّلُهَا النَّقْدَانِ: وَهُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ, وَمَا يَقُومُ بِهِمَا مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ, وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ الْمَالِيَّةِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].

وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((الْعَجْمَاءُ -وَهِيَ الْبَهِيمَةُ- جَرْحُهَا جُبَارٌ -أَيْ هَدَرٌ-, وَالْبِئْرُ جُبَارٌ, وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ, وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

2- مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: الْأَنْعَامُ؛ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا؛ إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا, وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا, كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ)), مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

3- مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: الثَّمَرُ وَالْحُبُوبُ

وَالْحُبُوبُ: هِيَ كُلُّ مُدَّخَرٍ مُقْتَاتٍ؛ مِنْ شَعِيرٍ وَقَمْحٍ وَفُولٍ وَعَدَسٍ وَذُرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالثَّمَرُ: هُوَ التَّمْرُ وَالزَّيْتُونُ وَالزَّبِيبُ.

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].

وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا -وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ دُونَ سَقْيٍ- الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ -أَيْ بِالسَّقْيِ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ بِنَهْرٍ عَلَيْهِ سَاقِيَةٌ, يَعْنِي بِالْمَجْهُودِ- نِصْفُ الْعُشْرِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَلِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

فَهَذِهِ هِيَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: النَّقْدَانِ وَمَا يَقُومُ بِهِمَا مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنَ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ, وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ الْمَالِيَّةِ, فَكُلُّ هَذَا تَابِعٌ لِلنَّقْدَيْنِ.

كَذَلِكَ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ الْأَنْعَامُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ, وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْحُبُوبُ أَوِ الثَّمَرُ وَالْحُبُوبُ, هَذِهِ هِيَ الْأَجْنَاسُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنَ الْأَمْوَالِ.

2*وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ فَهِيَ:

1- الْفَوَاكِهُ وَالْخُضْرَوَاتُ؛ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ فِي زَكَاتِهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ, بَيْدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِعْطَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْجِيرَانِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].

2- مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ: الْعَبِيدُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ : ((لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ﷺ أَخَذَ الزَّكَاةَ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ.

3- الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا؛ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ صَاحِبُهُ, لِقَوْلِهِ ﷺ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذُوَدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

-الزُّوَدُ: مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشْرَةٍ-

4- كَذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ: الْعُرُوضُ الَّتِي لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ؛ كَالْفُرُشِ وَنَحْوِهَا.

فَهَذَا إِجْمَالُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا لَا تَجِبُ فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ.

((حِكَمُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ))

* وَلِلزَّكَاةِ أَهَمِّيَّةٌ عُظْمَى فِي الْإِسْلَامِ, وَلِذَا كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي تَشْرِيعِهَا تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا, وَهَذِهِ بَعْضُ حِكَمِ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ :

1ـ تَطْهِيرُ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالشَّرَهِ وَالطَّمَعِ.

2ـ مُوَاسَاةُ الْفُقَرَاءِ, وَسَدُّ حَاجَاتِ الْمُعْوِزِينَ وَالْبُؤَسَاءِ وَالْمَحْرُومِينَ.

3ـ إِقَامَةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حَيَاةُ الْأُمَّةِ وَسَعَادَتُهَا.

4ـ الْحَدُّ مِنْ تَضَخُّمِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْأَغْنِيَاءِ, وَبِأَيْدِي التُّجَّارِ وَالْمُحْتَرِفِينَ، كَيْ لَا تُحْصَرَ الْأَمْوَالُ فِي طَائِفَةٍ مَحْدُودَةٍ أَوْ تَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ.

مِنْ حِكْمَةِ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ :

5ـ أَنَّهَا تَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ كَأَنَّهُ أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ؛ يَعْطِفُ فِيهَا الْقَادِرُ عَلَى الْعَاجِزِ وَالْغَنِيُّ عَلَى الْمُعْسِرِ.

6ـ وَأَنَّهَا تُطْفِئُ حَرَارَةَ ثَوْرَةِ الْفُقَرَاءِ وَحِقْدَهُمْ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ.

7ـ وَتَمْنَعُ الْجَرَائِمَ الْمَالِيَّةَ كَالسَّرِقَاتِ وَالنَّهْبِ وَالرِّشْوَةِ وَالِاخْتِلَاسِ وَالسَّطْوِ.

8ـ وَتُزَكِّي الْمَالَ -أَيْ: تُنَمِّيهِ-.

9ـ وَهِيَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْخَيْرَاتِ.

((التَّرْغِيبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ

وَالتَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

*لِعَظِيمِ مَنْزِلَةِ الزَّكَاةِ فِي الْإِسْلَامِ؛ كَثُرَ التَّرْغِيبُ فِي أَدَائِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَجَاءَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مُرَغِّبَةً فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَمُبَيِّنَةً الْأَجْرَ الْعَظِيمَ وَالثَّوَابَ الْكَبِيرَ لِمَنْ أَدَّاهَا مِنْ ذَلِكَ:

*قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

*وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ... قَالَ: {أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1-11].

* وَفِي السُّنَّةِ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ مِمَّا يُرَغِّبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَوَاتِ وَالتَّبَرُّعِ بِالصَّدَقَاتِ:

*فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ.

قَالَ: ((تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ, وَتَصِلُ الرَّحِمَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ, وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ, وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عِزًّا, وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

*وَكَمَا وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَرَدَ أَيْضًا التَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا:

*قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34-35].

*وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180].

*وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: ((هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)), قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ فَلَمْ أَتَقَارَّ -أَيْ: لَمْ يُمْكِنِّي الْقَرَارُ وَالثَّبَاتُ- أَنْ قُمْتُ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟

قَالَ: ((هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا, إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا, مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ, وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ, مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا؛ إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا, وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

*وَكَذَا قَوْلُهُ ﷺ: ((مَنْ أَتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ؛ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ, يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ -يَعْنِي: بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180])). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ؛ إِلَّا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ؛ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةً, ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

*وَقَوْلُهُ ﷺ: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ -وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ-: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا؛ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يُنْقِصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ, وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ, وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ؛ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ, فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ- وَيَتَخَيَّرُوا فِي مَا أَنْزَلَ اللهُ؛ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

((فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الزَّكَاةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ))

عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَإِقَـامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وصَـوْمِ رَمَضَانَ». أَخْرَجَاهُ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَــوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيرِ» بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ.

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟

قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ». الْحَدِيثَ.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ -أَيْ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ-، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ لِغَيْرِهِ الْأَلْبَانِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ، لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْإِسْلامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الْإِسْلامُ سَهْمٌ، وَالصَّلاةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَالصَّوْمُ سَهْمٌ، وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ سَهْمٌ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ».  أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لِغَيْرِهِ، وَأَبُو يَعْلَى مَوْقُوفًا، وَالْمَوْقُوفُ صَحِيحٌ.

وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّى الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ».

أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْأَوْسَطِ»، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟

قَالَ: «وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ -وَالْقَرْقَرُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ، الْوَاسِعُ- إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟

قَالَ: «وَلا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ مَا كَانت لا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ -وَهِيَ مُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ-، وَلا جَلْحَاءُ -وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا-، وَلا عَضْبَاءُ -وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ- تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْخَيْلُ؟

قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلاثَة؛ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ -أَيْ : مُنَاوَأَةً وَمُعَادَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ- فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ.

وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ -وَالْمَرْجُ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ ذَاتُ النَّبَاتِ الْكَثِيرِ الرَّطْبِ، وَالرَّوْضَةُ أَخَصُّ- فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٍ، وَكَتَبَ لَهُ أَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا حَسَنَاتٍ، وَلَا يَقْطَعُ طِوَالَهَا -وَهُوَ حَبْلُهَا الطَّوِيلُ، طَرَفُهُ فِي يَدِ الْفَرَسِ وَالْآخَرُ فِي الْوَتِدِ- وَلَا تَقْطَعُ طِوَالَهَا فَاسْتَنَّت شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ، وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ تعالى لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْحُمُر؟

قَالَ: «ما أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَة الْفَاذَّة الْجَامِعَة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]».

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلْنَ بِكُمْ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ -ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا وَتَفْصِيلِهَا-: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بها إِلا فَشَا فِيهِمُ الطاعونُ والأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمؤْونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ.

وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَأْخُذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بكتابِ الله إِلا جُعِلَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ». أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسٌ بِخَمْسٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا خَمْسٌ بِخَمْسٍ؟

قَالَ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إِلاَّ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ، وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الفَقْرُ، وَلا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الفَاحِشَةُ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ المَوْتُ، ولا منعوا الزكاةَ إلا حُبِسَ عنهم القَطرُ، وَلا طفَّفُوا المِكْيَالَ إِلاَّ حُبِسَ عنهم النَّبَاتَ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ -أَيْ: بِالْمَجَاعَةِ وَالْقَحْطِ-» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيرِ»، وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُّوَهُ -أَيْ: مُهْرَةً- حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ». أَخْرَجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

فَهَذِهِ الصَّدَقَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا مُخْلِصًا وَهِيَ بِقَدْرِ تَمْرَةٍ؛ فإنَّ اللهَ يُرَبِّيهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ، وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، بَلْ تَزِيدُهُ بَرَكَةً فِي الدُّنْيَا وَأَجْرًا عَظِيمًا عِنْدَ اللهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟»

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ -أَيْ: مِنْ مَالِ وَارِثِهِ-.

قَالَ: «فَإِنَّمَا مَالُهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ».

الَّذِي يُمْسِكُهُ وَلَا يُنْفِقُهُ يَؤُولُ إِلَى وَارِثِهِ، وَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى هَذَا الْمُمْسَكِ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ، وَالْمُنْفَقُ مَالُهُ، وَالَّذِي يُبْقِيهِ وَيُمْسِكُهُ مَالَ وَارِثِهِ، فَوَقَعَ التَّنَاقُضُ هَاهُنَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُسِيغُهُ الْعَقْلُ.

قَالَ ﷺ: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ -يَقُولُ لِلسَّحَابِ مُخَاطِبًا: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، بِاسْمِهِ-.

فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنَ الشِّرَاج -يَعْنِي: مَسِيلًا مِنْ مَسَايَلِ الْمَاءِ- قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ -الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ الصَّوْتَ- فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ؛ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَةٍ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ -وَالْمِسْحَاةُ مِجْرَفَةٌ مِنْ حَدِيدٍ-.

فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؟

قَالَ: فُلَانٌ -لِلْاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ-.

فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ سَأَلْتَنِي عَنْ اسْمِي؟

قَالَ: سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ -لِاسْمِكَ-، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟

قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ». أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.

فَيَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ، -يَعْنِي: فِي إِصْلَاحِهَا-.

قَالَ ﷺ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ -وَلَوْ بِنِصْفِ تَمْرًةٍ-، فَلْيَفْعَلْ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ.

فَلَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ شَيْئًا، فَإِنَّ الثَّوَابَ يَتَفَاضَلُ بِحَسَبِ مَا فِي الْقَلْبِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ أَلْفٍ دِرْهَمٍ».

قَالُوا: كَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ سِوَى دِرْهَمَيْنِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَرَجُلٌ عِنْدَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَتَصَدَّقَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ بِمَئَةِ أَلْفٍ».

الدِّرْهَمُ أَفْضَلُ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ».

وَالثَّوَابُ يَتَفَاضُلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ؛ مَنَ أَخْرَجَ صَدَقَةً مُخْلِصًا بِهَا للهِ؛ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَصِل إِلَى أَهْلِهَا.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ.

ثُمَّ قَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَتَصَدَّقَ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ.

فَقَالَ: لَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ يَقُولُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ.

قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ.

ثُمَّ قَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَغَنِيٍّ.

فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ تُقبِلَتْ.

أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَّارِقَ فلعلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنيُّ فلعلَّه أنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ».  وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

قُبِلَتْ صَدَقَةُ هَذَا بِسَبَبِ مَا قَامَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، وَاللهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُخْلِصِينَ الْمُحْسِنِينَ.

الصَّدَقَةُ -عِبَادَ اللهِ- وَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْخَيْرَاتِ، وَنُزُولِ الْبَرَكَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَالْإِخْرَاجِ مِنَ الْمُلِمَّاتِ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي أَيْدِينَا لَا فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يَقِيَنَا شُحَّ أنْفُسِنَا، إِنَّهُ هُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

مَا مَرَّ ذِكْرُهُ مِنْ خُطْبَةِ: ((زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ» - الْجُمُعَةُ ١٢مِنْ رَجَبٍ ١٤٣٦هـ  / 1 من مايو 2015 م.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 ((فَوَائِدُ الزَّكَاةِ))

فَإِنَّ فَوَائِدَ الزَّكَاةِ الَّتِي تَبْدُو لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ النَّظَرِ، كَثِيرَةٌ جِدًّا كَمَا بَيَّنَهَا عُلَمَاؤُنَا:

فَأُولَى فَوَائِدِهَـا: إِتْمَامُ إِسْلَامِ الْعَبْدِ وَإِكْمَالِهِ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا الْإِنْسَانُ تَمَّ إِسْلَامُهُ وَكَمُلَ، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ غَايَةٌ عَظِيمَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ فَكُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٍ يَسْعَى لِإِكْمَالِ دِينِهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِ الْمُزَكِّي، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ، وَالْمَحْبُوبُ لَا يُبْذلُ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَحْبُوبٍ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، بَلْ ابْتِغَاءَ مَحْبُوبٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ صَدَقَةً،؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ طَلَبِ صَاحِبِهَا لِرِضَا اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

الثَّالِثَةُ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّهَا تُزَكِّي أَخْلَاقَ الْمُزَكِّي، فَتَنْتَشِلُهُ مِنْ زُمْرَةِ الْبُخَلَاءِ الْأَشِحَّاءِ، وَتُدْخِلُهُ فِي زُمْرَةِ الْبَاذِلِينَ الْكُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ عَلَى الْبَذْلِ، سَوَاءٌ عَلَى بَذْلِ الْعِلْمِ أَوْ بَذْلِ الْمَالِ أَوْ بَذْلِ الْجَاهِ؛ صَارَ ذَلِكَ الْبَذْلُ سَجِيَّةً لَهُ وَطَبِيعَةً فِيهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَكَدَّرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَدْ بَذَلَ مَا اعْتَادَهُ؛ كَصَاحِبِ الصَّيْدِ الَّذِي اعْتَادَ الصَّيْدَ، تَجِدُهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مُتَأَخـِّرًا عَنِ الصَّيْدِ؛ تَجِدُهُ ضَيِّقَ الصَّدْرِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي عَوَّدَ نَفْسَهُ عَلَى الْكَرَمِ، يَضِيقُ صَدْرُهُ إِذَا فَاتَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ لَمْ يَبْذُلْ فِيهِ مَالَهُ أَوْ جَاهَهُ وَعِلْمَهُ.

الرَّابِعَةُ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّهَا تَشْرَحُ الصَّدْرَ؛ فَالْإِنْسَانُ إِذَا بَذَلَ الشَّيْءَ لِاسِيَّمَا الْمَالُ، يَجِدُ فِي نَفْسِهِ انْشِرَاحًا، وَهَذَا شَيْءٌ مُجَرَّبٌ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُـونَ بَذْلُهُ بِسَخَاءٍ وَطِيبِ نَفْسٍ، لَا أَنْ يَكُونَ بَذْلُهُ وَقَلبُهُ تَابِعٌ لَهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي «الزَّادِ»:

«أَنَّ الْبَذْلَ وَالْكَرَمَ مِنْ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، لَكِنْ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ إِلَّا الَّذِي يُعْطِي بِسَخَاءٍ وَطِيبِ نَفْسٍ، وَيُخْرِجُ الْمَالَ مِنْ قَلْبِهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ، أَمَّا مَنْ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ لَكِنَّهُ فِي قَرَارَةِ قَلْبِهِ، فَلَنْ يَنْتَفِعَ بِهَذَا الْبَذْلِ.

مِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ:

الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ عَيْشًا وَقَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ، أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ هَمًّا وَغَمًّا.

وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَثَلًا لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، «كَمَثَلِ رَجُليْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ؛ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابَهُ وَيُعْفِيَ أَثَرَهُ، وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ». أَخْرَجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

فَهَذَا مَثَلُ انْشِرَاحِ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ الْمُتَصَدِّقِ وَانْفِسَاحِ قَلْبِهِ، وَمَثَلُ ضِيقِ صَدْرِ الْبَخِيلِ وَانْحِصَارِ قَلْبِهِ.

الْخَامِسَةُ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّ الزَّكَاةَ تُلْحِقُ الْإِنْسَانَ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ، «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ».

فَكَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يُبْذَلَ لَكَ الْمَالُ الَّذِي تَسُدُّ بِهِ حَاجَتَكَ، فَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُعْطِيَهُ أَخَاكَ، فَتَكُونُ بِذَلِكَ كَامِلَ الْإِيمَانِ.

السَّادِسَةُ: أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَالْحَاكِمُ؛ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَكُلُّنَا يَسْعَى إِلَى دُخُولِ الْجَنَّة.

السَّادِسَةُ: النَّجَاةُ مِنْ حَرِّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيرِ»، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

وَقَالَ فِي الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ». أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

السَّابِعَةُ مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّهَا تُلْجِئُ الْإِنْسَانَ إِلَى مَعْرِفَةِ حُدُودِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَهَا وَأَمْوَالَهَا، أَنْصِبَاءَهَا وَمُسْتَحِقِّيهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى تَعَلُّمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.

الثَّامِنَةُ: أَنَّهَا تُزَكِّي الْمَالَ؛ يَعْنِي تُنَمِّي الْمَالَ حِسًّا وَمَعْنًى؛ فَإِذَا تَصَدَّقَ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَالَ يَقِيهِ الْآفَاتِ، وَرُبَّمَا يَفْتَحُ اللهُ لَهُ زِيَادَةَ رِزْقٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَرْفَعُهُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ».

وَهَذَا شَيْءٌ مُشَاهَدٌ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْبَخِيلَ رُبَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى مَالِهِ، وَقَدْ يُسَلِّطُ اللهُ عَلَى مَالِهِ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِ؛ بِاحْتِرَاقِهِ أَوْ خَسَائِرَ كَثِيرَةٍ أَوْ أَمْرَاضٍ تُلْجِئُهُ إِلَى الْعِلَاجَاتِ الَّتِي تَسْتَنْزِفُ مِنْهُ أَمْوَالًا طَائِلَةً.

التَّاسِعَةُ: أَنَّ الزَّكَاةَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْخَيْرَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَه».

وَهُنَالِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِعَقِبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا».

الْعَاشِرَةُ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإسْنَادٍ حَسَنٍ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ فَوَائِدِهَا: أَنَّهَا -يَعْنِي الزَّكَاةَ- تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ». أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا تُكَفِّــرُ الْخَطَايَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه؛ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

((مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِلزَّكَاةِ:

تَحْقِيقُ التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ))

عِبَادَ اللهِ! مِنْ فَوَائِدِ الزَّكَاةِ: أَنَّهَا تَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ كَأَنَّهُ أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ، يُضْفِي فِيهِ الْقَادِرُ عَلَى الْعَاجِزِ، وَالْغَنِيُّ عَلَى الْمُعْسِر، فَتُصْبِحُ حِينَئِذٍ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةً، وَيُصْبِحُ الْإِنْسَانُ يَشْعَرُ بِأَنَّ لَهُ إِخْوَةً يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْهِ، {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ} [القصص: 77]، فَتُصْبِحُ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَكَأَنَّهَا أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا مَا يُعْرَفُ عِنْدَ الْمُعَاصِرِينَ بِالتَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.

وَالزَّكَاةُ هِيَ خَيْرُ مَا يَكُونُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤَدِّي بِهَا فَرِيضَةً وَيَنْفَعُ إِخْوَانَهُ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الزَّكَاةِ وَفَوَائِدِهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تُطْفِئُ حَرَارَةَ ثَوْرَةِ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَغِيظُهُ أَنْ يَجِدَ هَذَا الرَّجُلَ يَرْكَبُ مَا شَاءَ مِنَ الْمَرَاكِبِ، وَيَسْكُنُ مَا شَاءَ مِنْ الْقُصُورِ، وَيَأْكُلُ مَا يَشْتَهِي مِنَ الطَّعَامِ.

وَأَمَّا هَذَا الْفَقِيرُ؛ فَلَا يَرْكَبُ إِلَّا رِجْلَيْهِ، وَلَا يَنَامُ إِلَّا عَلَى الْأَسْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ؛ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِذَا جَادَ الْأَغْنِيَاءُ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ كَسَرُوا ثَوْرَتَهُمْ، وَهَدَّأُوا غَضْبَتَهُمْ، وَقَالُوا لَنَا إِخْوَةٌ يَعْرِفُونَنَا فِي الشِّدَّةِ، فَيَأْلَفُونَ الْأَغْنِيَاءَ وَيُحِبُّونَهُمْ.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ الزَّكَاةِ: أَنَّهَا تَمْنَعُ الْجَرَائِمَ الْمَالِيَّةَ، كَالسَّرِقَاتِ وَالنَّهْبِ وَالسَّطْوِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ يَأْتِيهِمْ مَا يَسُدُّ شَيْئًا مِنْ حَاجَتِهِمْ، وَيَعْذِرُونَ الْأَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ يُعْطُونَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ، يُعْطُونَ رُبُوعَ الْعُشْرِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ، وَالْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ.

وَفِي الْمَوَاشِي يُعْطُونَهُمْ نِسْبَةً كَبِيرَةً، فَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ إِلَيْهِمْ فَلَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ.

((الزَّكَاةُ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

الزَّكَاةُ -عِبَادَ اللهِ- مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، الَّذِي جَاءَ بِالْمُسَاوَاةِ، وَالتَّرَاحُمِ، وَالتَّعَاطُفِ، وَالتَّعَاوُنِ، وَقَطْعِ دَابِرِ كُلِّ شَرٍّ يُهَدِّدُ الْفَضِيلَةَ وَالْأَمْنَ وَالرَّخَاءَ، إِلَى غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الْبَقَاءِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُزَكِّي وَالْمُزَكَّى عَلَيْهِ وَلِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ.

فَهِيَ تُطَهِّرُ الْمُزَكِّيَ وَتُنَمِّيَ مَالَهُ، وَتَنْزِلُ بِسَبَبِهَا الْبَرَكَةُ فِيهِ، وَيَنْفَعُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا الْمُسْلِمِينَ.

فَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ طُهْرَةً  لِصَاحِبِهَا مِنْ رَذِائِلَ نَفْسِيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَتَنْمِيَةً حِسِيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً مِنْ آفَةِ النَّقْصِ، وَجَعَلَهَا رَبُّنَا مُسَاوَاةً بَيْنَ خَلْقِهِ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَخَوَّلَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَجَعَلَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِعَانَةٍ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ لِإِخْوَانِهِمُ الْفُقَرَاءَ، الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا يُقِيمُ أَوْدَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى عَمَلٍ.

جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الزَّكَاةِ تَحْقِيقًا لِلسَّلَامِ وَالْأَمْنِ، الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ بِوُجُودِ طَائِفَةٍ جَائِعَةٍ تَرَى الْمَالَ وهي مَحْرُومَةٌ مِنْهُ، وَجَعَلَهَا اللهُ تَأْلِيفًا لِلْقُلُوبِ، وَجَمْعًا لِلْكَلِمَةِ؛ يَجُودُ الْأَغْنِيَاءُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنَصِيبٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ، فَيُؤْتِيهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمَحَبَّةَ، وَيَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ مُجْتَمَعًا مُتَوَادًّا مُتَحَابًّا، لَا حِقْدَ فِيهِ وَلَا أَثَرَةَ.

هَذِهِ الْفَرِيضَةُ الْكَرِيمَةُ من فرائض الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- تُعْلِمُ:

أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ  الْعَدَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، الَّذِي يَكْفُلُ لِلْفَقِيرِ الْعَاجِزِ الْعَيْشَ الْكَرِيمَ  وَالْقُوتَ الْحَلَالَ، وَتَجْعَلُ لِلْغَنِيِّ الْقَادِرِ مَزِيَّةَ التَّمَلُّكِ مُقَابِلَ سَعْيِهِ وَبَذْلِهِ وَمَجْهُودِهِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي بِهِ عِمَارَةُ الأرض، وَصَلَاحُ الدِّينِ  وَالدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنْكِرُ الشُيُوعِيَّةَ المُتَطَرِّفَةَ، وَالِاشْتِرَاكِيَّةَ الْمُجْحِفَةَ، وَالرَأْسْمَالِيَّةَ الشَّحِيحَةَ الْمُمْسِكَةَ.

وَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْمِلَلِ وَبَيْنَ الْأَدْيَانِ، وَقَدْ أَثْبَتَتِ الْأَيَّامُ وَأَظْهَرَتِ الْوَقَائِعُ مَخَازِيَ هَذِهِ النُّظُمِ الْأَرْضِيَّةِ، وَقَدْ انْهَارَ مِنْهَا مَا انْهَارَ، وَيَنْهَارُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا مَا سَوْفَ يَنْهَارُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُقَوِّمَاتُ الِاسْتِقْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ، بِخِلَافِ نِظَامِ الزَّكَاةِ وَنِظَامِ الصَّدَقَةِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُعَمِّرُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ الدِّيَارَ، وَيُذْهِبُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ الْأَحْقَادَ مِنَ النُّفُوسِ، وَيَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ وِحْدَةً وَاحِدَةً.

فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

((التَّرْغِيبُ فِي الصَّدَقَةِ))

إِنَّ الصَّدَقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَتُشْرَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِإِطْلَاقِ الْحَثِّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِلتَّرْغِيبِ فِيهَا، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 18].

 

((إِنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ، وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ نَفَقَاتٍ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُهُمُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ -تَعَالَى- يُضَاعَفُ لَهُمْ ثَوَابُ ذَلِكَ، وَلَهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ ثَوَابُ جَزِيلٌ، وَهُوَ الْجَنَّةُ)).

 (({إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}: بِالتَّشْدِيدِ، أَيِ: الَّذِينَ أَكْثَرُوا مِنَ الصَّدَقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالنَّفَقَاتِ المَرْضِيَّةِ، {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} بِأَنْ قَدَّمُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي طُرُقِ الْخَيْرَاتِ مَا يَكُونُ ذُخْرًا لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ {يُضَاعَفُ لَهُمْ}: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}: وَهُوَ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِمَّا لَا تَعْلَمُهُ النُّفُوسُ)).

إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، وَجَعَلَهَا مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَوَعَدَ الْمُتَصَدِّقِينَ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ؛ حَيْثُ يَقُولُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].

((أَمَرَ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَبِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ؛ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَاسْتَخْلَفَهُمْ عَلَيْهَا؛ لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ رَغَّبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ، فَقَالَ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا} أَيْ: جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} أَعْظَمُهُ وَأَجَلُّهُ رِضَا رَبِّهِمْ، وَالْفَوْزُ بِدَارِ كَرَامَتِهِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 261-262].

((هَذَا حَثٌّ عَظِيمٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ فِي إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، وَهُوَ طَرِيقُهُ الْمُوصِلُ إِلَيْهِ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا إِنْفَاقُهُ فِي تَرْقِيَةِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَفِي الِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَفِي تَجَهُّزِ الْمُجَاهِدِينَ وَتَجْهِيزِهِمْ، وَفِي جَمِيعِ الْمَشَارِيعِ الْخَيْرِيَّةِ النَّافِعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَلِي ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

وَقَدْ يَجْتَمِعُ الْأَمْرَانِ، فَيَكُونُ فِي النَّفَقَةِ دَفْعُ الْحَاجَاتِ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْخَيْرِ وَالطَّاعَاتِ، فَهَذِهِ النَّفَقَاتُ مُضَاعَفَةٌ، هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ بِسَبْعِ مِائَةٍ إِلَى أَضْعَافٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَقُومُ بِقَلْبِ الْمُنْفِقِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ التَّامِّ، وَفِي ثَمَرَاتِ نَفَقَتِهِ وَنَفْعِهَا؛ فَإِنَّ بَعْضَ طُرُقِ الْخَيْرَاتِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِيهَا مَنَافِعُ مُتَسَلْسِلَةٌ، وَمَصَالِحُ مُتَنَوِّعَةٌ؛ فَكَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

ثُمَّ -أَيْضًا- ذَكَرَ ثَوَابًا آخَرَ لِلْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِهِ نَفَقَةً صَادِرَةً مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا، مُنْتَفِيَةً مَوَانِعَهَا، فَلَا يُتْبِعُونَ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ مَنًّا مِنْهُمْ عَلَيْهِ، وَتَعْدَادًا لِلنِّعَمِ، وَأَذِيَّةً لَهُ قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً؛ فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ، وَبِحَسَبِ نَفَقَاتِهِمْ وَنَفْعِهَا، وَبِفَضْلِهِ الَّذِي لَا تَنَالُهُ وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ صَدَقَاتُهُمْ.

{وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}: فَنَفَى عَنْهُمُ الْمَكْرُوهَ الْمَاضِيَ بِنَفْيِ الْحُزْنِ، وَالْمُسْتَقْبَلَ بِنَفْيِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمُ الْمَحْبُوبُ، وَانْدَفَعَ عَنْهُمُ الْمَكْرُوهُ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177].

وَأَعْطَى الْمَالَ عَلَى شِدَّةِ حُبِّهِ لَهُ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ قَرَابَتِهِ، وَالْيَتَامَى الَّذِينَ تُوُفِّيَ آبَاؤُهُمْ وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَالْمَسَاكِينَ الَّذِينَ يَدُلُّ ظَاهِرُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ ذَوُو حَاجَةٍ، وَالْمُسَافِرَ الْمُنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ، وَالطَّالِبِينَ الْمُسْتَطْعِمِينَ، وَأَعْطَى الْمَالَ فِي مُعَاوَنَةِ الْمُكَاتَبِينَ؛ حَتَّى يَفُكُّوا رِقَابَهُمْ، أَوْ فِي فَكِّ الْأَسْرَى مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ بِفِدَائِهِمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ؛ فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ؛ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)). وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: ((حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ)).

لَقَدْ شُرِعَتِ الصَّدَقَةُ طُهْرَةً لِلنَّفْسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَدَفْعًا لِلشُّحِّ وَالْبُخْلِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ؛ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103].

((قَالَ -تَعَالَى- لِرَسُولِهِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ آمِرًا لَهُ بِمَا يُطَهِّرُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُتَمِّمُ إِيمَانَهُمْ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}: وَهِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أَيْ: تُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ.

{وَتُزَكِّيهِمْ} أَيْ: تُنَمِّيهِمْ، وَتُزِيدُ فِي أَخْلَاقِهِمُ الْحَسَنَةِ وَأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَتُزِيدُ فِي ثَوَابِهِمُ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ، وَتُنَمِّي أَمْوَالَهُمْ)).

وَالصَّدَقَةُ تُلِينُ الْقَلْبَ وَتُذْهِبُ قَسْوَتَهُ؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَضَائِلُ الصَّدَقَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهَلْ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ الْمُسْلِمِ أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ؟!!

نَعَمْ، إِنَّ الْأَمْرَ لَكَذَلِكَ..

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً؛ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِتَصْدِيقِ صَاحِبِهَا، وَصِحَّةِ إِيمَانِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ)).

وَتَذَكَّرْ -أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ- أَنَّ أَوَّلَ مُسْتَفِيدٍ مِنْ صَدَقَتِكَ هُوَ أَنْتَ، قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].

وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي كَوْنِ الْمُتَصَدِّقِ يَبْحَثُ عَنِ الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مَنْ لَمْ يَرَ نَفْسَهُ إِلَى ثَوَابِ الصَّدَقَةِ أَحْوَجَ مِنَ الْفَقِيرِ إِلَى صَدَقَتِهِ؛ فَقَدْ أَبْطَلَ صَدَقَتَهُ، وَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ)).

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مِنْ دَقِيقِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ الَّتِي لَا يَكَادُ يُفْطَنُ لَهَا: أَنَّهُ يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ إِلَيْهِ مَنْ يَطْرُقُ عَلَيْهِ الْبَابَ يَسْأَلُهُ شَيْئًا مِنَ الْقُوتِ؛ لِيُعَرِّفَهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ)).

وَوُجُودُ مَنْ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمَسَاكِينِ مَنٌّ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَفُرْصَةٌ يَنْبَغِي أَلَّا تُفَوَّتَ، وَقَدْ أَرْشَدَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى اغْتِنَامِ الْفُرَصِ، وَحَذَّرَ مِنْ تَفْوِيتِهَا، فَقَالَ ﷺ: ((تَصَدَّقُوا؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا!!)). رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَاحْذَرْ -أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ- أَنْ تَسْتَكْثِرَ مَا أَعْطَيْتَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]، فَالْمِنَّةُ للهِ وَحْدَهُ؛ حَيْثُ حَرَّكَ قَلْبَكَ لِلْبَذْلِ.

 

((الصَّدَقَةُ حِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ))

لَقَدْ شَرَعَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الصَّدَقَةَ لِغَايَاتٍ نَبِيلَةٍ وَحِكَمٍ جَلِيلَةٍ تَتَحَقَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ، وَتَتَآلَفُ بِهَا الْقُلُوبُ، وَتُقْضَى بِهَا الْحَوَائِجُ، وَيُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى النَّوَائِبِ، وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: ((مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً؛ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

الصَّدَقَةُ تَجْعَلُ الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ كَالْأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ، يَرْحَمُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، وَيَعْطِفُ الْقَادِرُ عَلَى الْعَاجِزِ، وَيُحْسِنُ الْغَنِيُّ إِلَى الْمُعْسِرِ، فَيَشْعُرُ صَاحِبُ الْمَالِ بِالرَّغْبَةِ فِي الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ اللهَ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].

الصَّدَقَةُ حِصْنٌ حَصِينٌ، وَسَدٌّ مَنِيعٌ، وَحِمًى مَتِينٌ لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ جَرَائِمِ السَّطْوِ وَالْإِجْرَامِ، وَقَدْ رَبَطَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيْنَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَالتَّهْلُكَةِ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].

((يَأْمُرُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَهُوَ إِخْرَاجُ الْأَمْوَالِ فِي الطُّرُقِ الْمُوصِلَةِ إِلَى اللَّهِ، وَهِيَ كُلُّ طُرُقِ الْخَيْرِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى مِسْكِينٍ، أَوْ قَرِيبٍ، أَوْ إِنْفَاقٍ عَلَى مَنْ تَجِبُ مُؤْنَتُهُ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ: الْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ جِهَادٌ بِالْمَالِ، وَهُوَ فَرْضٌ كَالْجِهَادِ بِالْبَدَنِ، وَفِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ: الْإِعَانَةُ عَلَى تَقْوِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى تَوْهِيَةِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَعَلَى إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَإِعْزَازِهِ.

فَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى سَاقِ النَّفَقَةِ؛ فَالنَّفَقَةُ لَهُ كَالرُّوحِ، لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا، وَفِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِبْطَالٌ لِلْجِهَادِ، وَتَسْلِيطٌ لِلْأَعْدَاءِ، وَشِدَّةُ تَكَالُبِهِمْ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} كَالتَّعْلِيلِ لِذَلِكَ.

وَالْإِلْقَاءُ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرَيْنِ: تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ الْعَبْدُ إِذَا كَانَ تَرْكُهُ مُوجِبًا أَوْ مُقَارِبًا لِهَلَاكِ الْبَدَنِ أَوِ الرُّوحِ، وَفِعْلِ مَا هُوَ سَبَبٌ مُوصِلٌ إِلَى تَلَفِ النَّفْسِ أَوِ الرُّوحِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: تَرْكُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ النَّفَقَةِ فِيهِ الْمُوجِبِ لِتَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ: تَغْرِيرُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي مُقَاتَلَةٍ، أَوْ سَفَرٍ مَخُوفٍ، أَوْ مَحَلِّ مَسْبَعَةٍ أَوْ حَيَّاتٍ، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرًا أَوْ بُنْيَانًا خَطَرًا، أَوْ يَدْخُلُ تَحْتَ شَيْءٍ فِيهِ خَطَرٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

وَمِنَ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ: الْإِقَامَةُ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنَ التَّوْبَةِ، وَمِنْهَا: تَرْكُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فِي تَرْكِهَا هَلَاكٌ لِلرُّوحِ وَالدِّينِ.

وَلَمَّا كَانَتِ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ؛ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ عُمُومًا، فَقَالَ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}: وَهَذَا يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ بِالْمَالِ -كَمَا تَقَدَّمَ-، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ بِالْجَاهِ بِالشَّفَاعَاتِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِحْسَانُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قَضَاءُ حَوَائِجِ النَّاسِ؛ مِنْ تَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِمْ، وَإِزَالَةِ شِدَّاتِهِمْ، وَعِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ، وَتَشْيِيعِ جَنَائِزِهِمْ، وَإِرْشَادِ ضَالِّهِمْ، وَإِعَانَةِ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا، وَالْعَمَلِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَيَدْخُلُ فِي الْإِحْسَانِ أَيْضًا الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).

فَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وَكَانَ اللَّهُ مَعَهُ؛ يُسَدِّدُهُ، وَيُرْشِدُهُ، وَيُعِينُهُ عَلَى كُلِّ أُمُورِهِ)).

 إِنَّ دَفْعَ الْمَرَضِ وَعِلَاجَ الْفُقَرَاءِ وَإِعَانَةَ الْمَرْضَى مِنْ أَوْلَى الْأَوْلَوِيَّاتِ فِي الصَّدَقَاتِ؛ خَاصَّةً فِي أَيَّامِ النَّوَازِلِ: لَمَّا مَرِضَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ زَوْجَهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَبْقَى عِنْدَهَا لِيُمَرِّضَهَا، وَتَخَلَّفَ عَنْ مَعْرَكَةِ بَدْرٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى فَهْمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي جَاءَتْ لِإِسْعَادِ الْبَشَرِيَّةِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ، وَبَثِّ رُوحِ التَّكَافُلِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، فَيَتَحَمَّلُ كُلُّ مُسْلِمٍ مَسْؤُولِيَّتَهُ الدِّينِيَّةَ وَالْوَطَنِيَّةَ، فَيُعْطِي مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ عِلْمٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نُصْحٍ، أَوْ جُهْدٍ بِمَا يُسْهِمُ فِي دَفْعِ الْفَقْرِ، وَالْقَضَاءِ -بَعْدَ إِذْنِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ- عَلَى الْوَبَاءِ؛ إِرْضَاءً للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخِدْمَةً لِلدِّينِ وَالْوَطَنِ؛ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

((الَّذِينَ يُخْرِجُونَ أَمْوَالَهُمْ مَرْضَاةً للهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، مُسِرِّينَ وَمُعْلِنِينَ؛ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا.

ذَلِكَ التَّشْرِيعُ الْإِلَهِيُّ الْحَكِيمُ هُوَ مِنْهَاجُ الْإِسْلَامِ فِي الْإِنْفَاقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ فِي كَرَامَةٍ وَعِزَّةٍ، وَتَطْهِيرِ مَالِ الْأَغْنِيَاءِ، وَتَحْقِيقِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ دُونَ قَهْرٍ أَوْ إِكْرَاهٍ)).

((هَذَا مَدْحٌ مِنْهُ -تَعَالَى- لِلْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَالْأَحْوَالِ مِنْ سِرٍّ وَجَهَارٍ؛ حَتَّى إِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَهْلِ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، كَمَا ثَبَتَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ عَادَهُ مَرِيضًا عَامَ الْفَتْحِ -وَفِي رِوَايَةٍ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ-: ((وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً؛ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ)).

وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً)). أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ((هُمُ الَّذِينَ يَعْلِفُونَ الْخَيْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: ((وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمَكْحُولٍ)).

{فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا فَعَلُوا مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ})).

الصَّدَقَةُ دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِهَا وَعَظِيمِ قَدْرِهَا فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَنَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَقِيَنَا شُحَّ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا مُبَارَكًا مُوَسَّعًا فِيهِ، لَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْكَرِيمُ، وَالْجَوَادُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر:الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَاتُ وَدَوْرُهُمَا فِي التَّنْمِيَةِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  إلى أهل السودان الشقيق
  الرد على الملحدين:مقدمة عن الإلحاد والأسباب التي دعت إلى انتشاره في العصر الحديث
  الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ وَدُرُوسٌ فِي المِنْحَةِ بَعْدَ المِحْنَةِ
  بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ
  ((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ)) مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب: ((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))
  أَدَبُ الْحِوَارِ وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الرَّأْيِ
  دروس من الهجرة
  رمضان .. كيف نحياه؟
  ثورة الغلابة أم ثورة الديابة؟!
  الرد على الملحدين:دليل العناية على وجود الله عز وجل
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان