تاريخ النشر السبت,27 شعبان 1439 / 12 مايو 2018

تفريغ خطبة اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِتَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ


 ((اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِتَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ))

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.  

أَمَّا بَعْدُ:

((عَلَى أَبْوَابِ مَوْسِمِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ))

فإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مَا يَتَوَصَّلُونَ بِهِ إِلَى طَاعَتِهِ؛ فَيَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُمْ بِذَلِكَ ذُنُوبَهُمْ, وَيَحُطُّ عَنْهُمْ آثَامَهُمْ وَأَوْزَارَهُمْ.

وَمِمَّا جَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ الْعَظِيمَةِ -الَّتِي تُغْفَرُ فِيهَا الذُّنُوبُ, وَتُحَطُّ فِيهَا السَّيِّئَاتُ, وَتُضَاعَفُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ- مَا أَكْرَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ أُمَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ, الَّذِي أَكْرَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ زَمَانَهُ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ؛ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ فَرَضَ فِيهِ الصِّيَامَ, وَسَنَّ النَّبِيُّ ﷺ لِأُمَّتِهِ فِيهِ الْقِيَامَ, وَيُضَاعِفُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ الْعَطِيَّاتِ, وَيَبْذُلُ فِيهِ لِلْمُحْسِنِينَ الدَّرَجَاتِ, وَيُقَرِّبُهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ رِضْوَانِهِ تَقْرِيبًا.

((تَحْذِيرُ الصَّائِمِينَ مِنْ ظَاهِرَةِ الْإِفْلَاسِ الْخُلُقِيِّ))

النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ حَالَةَ الْإِفْلَاسِ الْخُلُقِيِّ الَّذِي لَا عَلَاقَةَ لَهُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ بِالْإِفْلَاسِ الْمَادِّيِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَصِيدٍ وَذَخِيرَةٍ مِنْ خُلُقٍ وَافِرٍ حَمِيدٍ وَهُوَ مُفْلِسٌ مِنْ حَيْثُ الْمَادَّةُ, لَا يَمْلِكُ نَقِيرًا وَلَا قِطْميرًا, وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَعْكُوسًا.

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حَالَةَ خُلُوِّ النَّفْسِ مِنْ فَضَائِلِهَا, وَحَالَةَ تَوَرُّطِهَا فِي شَهَوَاتِهَا وَرَغَبَاتِهَا وَنَزَوَاتِهَا, لَا يَكُفُّهَا عَنْ ذَلِكَ كَافٌّ وَلَا يَزَعُهَا عَنْهُ وَازِعٌ, فَعِنْدَ مُسْلِمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((الصَّحِيحِ)): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَأَلَ أَصْحَابَهُ يَوْمًا، فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)).

قَالُوا: الْمُفْلِسُ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.

قَالَ: ((الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَصَدَقَةٍ, وَلَكِنَّهُ يَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا, وَقَذَفَ هَذَا, وَضَرَبَ هَذَا, وَسَفَكَ دَمَ هَذَا)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حَالَةَ إِفْلَاسٍ خُلُقِيٍّ؛ بِخُلُوِّ الْقَلْبِ مِنْ وَازِعٍ يَكُفُّ الْجَوَارِحَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْمَعْصِيَةِ, قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيَانِ أَثَرِ ذَلِكَ الْإِفْلَاسِ: ((فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ؛ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).

وَالْمُتَأَمِّلُ فِي الْحَدِيثِ يَعْجَبُ: أَيْنَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ هَذَا الْمُفْلِسِ لِصِيَامِهِ، أَوْ لِذِكْرِهِ، أَوْ لِإِقْبَالِهِ عَلَى رَبِّهِ، أَوْ لِرِعَايَةِ ضَمِيرِهِ وَحِفْظِ سِرِّهِ مَعَ مَوْلَاهُ؟!!

وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((صَحِيحِهِ)): عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حَدًّا لِلصَّائِمِ فِي مِيزَانِ الشَّرْعِ: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)).

وَهَذَا لَا يَتَحَصَّلُ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا عَلَى الْجُوعِ وَالظَّمَأِ, كَمَا أَنَّهُ إِذَا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً, وَإِذَا لَمْ يُرَاقِبْ خَاطِرَهُ وَيَحْفَظْ سِرَّهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا عَلَى السَّهَرِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ.

((الِاسْتِعْدَادُ لِرَمَضَانَ))

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَدْخُلُ عَلَى مَوَاسِمِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ, وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ هَدْيَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ رَمَضَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ, ثُمَّ إِنَّهُمْ يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ فِي رَمَضَانَ.

يَظَلُّونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَدْعُونَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ, وَيَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَمَضَانَ.

فَهِيَ حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ مُتَأَهِّبَةٌ مُتَوَثِّبَةٌ مُتَرَقِّبَةٌ لِهَذَا الْمَوْسِمِ الْجَلِيلِ الْعَظِيمِ, يَرُدُّ الْإِنْسَانُ الْمَظَالِمَ, وَيَدْخُلُ الشَّهْرَ مُسْتَعِدًّا لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ مُحْتَسِبًا ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ.

 

((الِاسْتِعْدَادُ لِرَمَضَانَ بِتَطْهِيرِ اللِّسَانِ مِنْ آفَاتِهِ))

عِبَادَ اللهِ! كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَرْسِلُ فِي أُمُورٍ يَعُدُّهَا هَيِّنَةً وَهِيَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمَةٌ, فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ الْغِيبَةَ -وَهَذَا أَمْر مُسْتَشْرٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ زَمَانٌ -لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ-, بَلِ النَّاسُ يَسْتَرْسِلُونَ مَعَ أَهْوَائِهِمْ يَخْبِطُونَ بِأَلْسِنَتِهِمُ الْحِدَادِ؛ يَفْرُونَ بِهَا الْأَعْرَاضَ, وَيَتَسَلَّلُونَ بِهَا إِلَى الْخَفِيَّاتِ, وَالنَّبِيُّ ﷺ يَتَوَعَّدُ هَؤُلَاءِ-.

فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ عَلَى أَقْوَامٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ, فَقُلْتُ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟)).

قَالَ: ((هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ)).

هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَى الْأَعْرَاضِ, يَفْرُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرْيًا؛ فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُمْ عِقَابًا فِي الْبَرْزَخِ قَبْلَ الْقِيَامَةِ, إِذَا مَا مَاتُوا يُعَذَّبُونَ كَذَلِكَ فِي الْبَرْزَخِ حَتَّى يُعْرَضُوا عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ أَجْلِ الْقِصَاصِ.

اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَمْ يَجْعَلِ الصِّيَامَ إِمْسَاكًا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ -كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ-, وَإِنَّمَا هُوَ ضَبْطٌ لِلْقَلْبِ عَلَى مِنْهَاجِ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ سَلِيمٍ مُسْتَقِيمٍ لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا الْتِوَاءَ, وَضَبْطٌ لِلِّسَانِ بِحِفْظِ الْمَنْطِقِ؛ بِحِفْظِ اللِّسَانِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي كُلِّ آفَاتِهِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَمَّ فَنَقَلَ الْحَدِيثَ؛ فَهُوَ مُعَذَّبٌ فِي قَبْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ))؛ يَعْنِي: فِي كَبِيرٍ كَانَا يَقْوَيَانِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَلَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ, ((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) وَهُوَ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ, فَإِنَّ النَّمِيمَةَ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُعْتَبَرِينَ؛ وَكَذَلِكَ الْغِيبَةُ.

((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) يَعْنِي: فِي كَبِيرٍ عَلَيْهِمَا اجْتِنَابُهُ, وَأَيْضًا فِي أَمْرٍ كَانَا يَعُدَّانِهِ غَيْرَ كَبِيرٍ, ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -بِزَعْمِهِمَا-؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ, وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ)).

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ)).

فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي لَا يَتَوَرَّعُ عَنْهَا جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ؛ فَضْلًا عَنْ تَوَرُّعِهِمْ عَنْهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ حَدَّ الْغِيبَةِ فَقَالَ ﷺ: ((أَنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)), يَعْنِي: فِي غِيَابِهِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ)).

وَالْبُهْتَانُ: الْكَذِبُ وَالزُّورُ, وَأَنْ يَرْمِيَ الْإِنْسَانُ أَخَاهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ.

فَلَا بُدَّ مِنَ التَّدْرِيبِ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ قَبْلَ رَمَضَانَ, وَهَذِهِ فَتْرَةٌ كَافِيَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُرَاقِبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ.

وَلْتُعَاهِدْ رَبَّكَ عَلَى أَنْ تُمَضِّيَ يَوْمًا -وَالْيَوْمُ إِذَا أُطْلِقَ دَخَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِيهِ مَعًا- مِنْ أَيَّامِكَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- غَيْرَ وَاقِعٍ فِي عِرْضِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَغَيْرَ نَاقِلٍ لِحَدِيثِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ, وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْجَادَّةِ وَعَلَى السَّوِيَّةِ, مُرَاقِبًا لِلِسَانِكَ, حَافِظًا لِمَنْطِقِكَ, فَإِذَا مَرَّ يَوْمُكَ عَلَى الْجَادَّةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ وَأَنْجَحْتَ, وَسَيَأْتِي مِنْكَ خَيْرٌ كَبِيرٌ.

يَوْمٌ بِطُولِهِ يَمُرُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَغْتَابَ فِيهِ أَحَدًا!! مَا هَذَا؟!!

مِنَ الصِّدِّيقِينَ أَنْتَ فِي هَذَا الزَّمَانِ؟!! أَمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ؟!!

مِنْ أَيِّ فَصِيلٍ أَنْتَ؟!!

يَمُرُّ يَوْمٌ بِحَالِهِ بِكَامِلِهِ لَا تَغْتَابُ فِيهِ أَحَدًا!! مَا أَسْعَدَكَ وَمَا أَقْرَبَكَ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ وَالنَّجَاةِ!! -نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ-.

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي رَقَابَةِ مَا يَدْخُلُ بَطْنَهُ, وَمَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ, مَا يَدْخُلُ بَطْنَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ: ((أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَا ضَمِنَ -لِلنَّبِيِّ ﷺ- مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ, وَمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ ضَمِنَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ الْجَنَّةَ)).

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُرَاقِبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَدَّدَ فِي هَذَا الْأَمْرِ جِدًّا, وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)).

كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ يَكْتُبُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ؛ فِي حَيَاتِهِ وَفِي بَرْزَخِهِ إِلَى أَنْ يَلْقَى رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَبِالْإِقَامَةِ عَلَى ذَلِكَ, إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الِاسْتِعْدَادُ لِرَمَضَانَ:

بِتَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَتَصْحِيحِ الِاعْتِقَادِ))

فعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُعِدَّ الْعُدَّةَ لِشَهْرٍ أَنْعَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْأُمَّةِ بِهِ, وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمَغْفِرَةَ وَاصِلَةً إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ, وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُوقَ الْخَيْرَاتِ فِيهِ نَافِقَةً, وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ إِلَيْهِ مُوَصِّلَةً, كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ عَظِيمَ الْعَطَاءِ فِي هَذَا الشَّهْرِ, وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ مَبَاءَةَ طُهْرٍ, وَمَحَلَّ مَثُوبَةٍ, وَقِيَامَ عَطَاءٍ, وَيَدْخُلُهُ الْمَرْءُ مُلَوَّثًا بِحَالِهِ, وَبِمَا فِيهِ مِنْ ضَغِينَةِ صَدْرٍ وَغِلِّ فُؤَادٍ وَحِقْدِ قَلْبٍ!!

يَنْبَغِي عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ نَاوِيًا نِيَّةَ الْخَيْرِ؛ بِأَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلَيْلِهِ لِرَبِّهِ عَلَى نَحْوٍ مَرْضِيٍّ؛ إِمَّا بِالْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِبَدَنٍ لَا يَفْتُرُ وَلَا يَكِلُّ -للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ.

وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِالْحَلَالِ، مُعِدًّا ذَلِكَ لِذَلِكَ الشَّهْرِ.

وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ حَرْفُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ شَأْنُهَا.

طَهَارَةُ الْقَلْبِ مِمَّا يَعْلَقُ بِهِ مِنْ تِلْكَ الشَّائِبَاتِ الَّتِي تَكُونُ قَاطِعَةً عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ؛ فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَطْهِيرِ قَلْبِهِ، وَأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ هَذَا الْمَوْسِمِ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ.

((نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ))

النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ الدِّينَ النَّصِيحَةَ, فَفِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) , مِنْ رِوَايَةِ: أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)).

قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: ((للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)).

وَالنَّصِيحَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُبْذَلَ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ هِيَ: أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ، وَأَنْ يَكُفُّوا أَلْسِنَتَهُمْ, وَأَنْ يُقْبِلُوا -فِي هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ مِنْ مَوَاسِمِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ، وَغُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ، وَالْقُرْبِ مِنَ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ كُلِّ مَا اجْتَرَحُوهُ بِأَيْدِيهم وَبِأَلْسِنَتِهِمْ- وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الْمِحْضَنِ الطَّاهِرِ الَّذِي تَتَطَهَّرُ فِيهِ الْقُلُوبُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَتَطَهَّرِ الْقُلُوبُ فِي رَمَضَانَ فَمَتَى تَتَطَهَّرُ الْقُلُوبُ؟!!

عَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يُمْسِكُوا أَلْسِنَتَهُمْ, وَأَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ, وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْعِلْمِ تَطْبِيقًا وَعَمَلًا, لَا تَحْصِيلًا وَتَرَفًا وَمَتَاعًا فَقَطْ, وَإِنَّمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَوِّلُوهُ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ مَنْظُورٍ.

عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ, وَأَنْ يَتَّقُوا اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ, وَيَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَذِّبُوا الْقُلُوبَ, وَأَنْ يُصَفُّوا الْأَفْئِدَةَ, وَأَنْ يُهَذِّبُوا الْأَرْوَاحَ, وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالذِّكْرِ.

وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ الْعَظِيمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي مَرَامِيهِ, وَالنَّظَرِ فِي زَوَاجِرِهِ, وَالِاتِّعَاظِ بِمَوَاعِظِهِ, وَتَطْبِيقِ أَوَامِرِهِ, وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ, وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ, وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّهْرَ هُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ, أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ الْقُرْآنَ, فَهَذَا شَهْرُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِرَسُولِ اللهِ ﷺ, وَأَنْ نُقْلِعَ عَنِ الْوُلُوغِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ كِتَابَةً وَلَفْظًا, وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي إِخْوَانِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَعَلَيْنَا أَنْ نَرْفُقَ بِهِمْ, وَأَنْ نَدْعُوَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى بَصِيرَةٍ مُتَرَفِّقِينَ.

وَمَهْمَا كَانَ مِنْ خُشُونَةِ لَفْظٍ فَلَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا, وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَمَا تَكُونُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ قَدْ أَصَابَهَا وَسَخٌ؛ فَتَحْنُو عَلَيْهَا الْأُخْرَى بِنَوْعِ تَخْشِينٍ؛ لِأَنَّ الْوَسَخَ لَا يُقْلَعُ إِلَّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّخْشِينِ, فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ مَقْصُودُهُ, وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ بِعِلْمٍ وَحِلْمٍ وَعَدْلٍ, فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً.

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ, وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِحَّ لَهُ دِينٌ طَالَمَا كَانَ عَاكِفًا عَلَى ذَلِكَ، طَالَمَا كَانَ وَالِغًا فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ.

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَكَلِّمًا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ, وَلَوْ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ مَعَ الْهَوَى وَقَصْدِ السُّوءِ -مَعَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ- فَلَا يَتَجَاوَزُ وَلَا يَجْهَلُ؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْسِنًا, وَلَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ عِنْدَ اللهِ, وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ مَعَ الْإِخْلَاصِ وَقَصْدِ وَجْهِ اللهِ الْكَرِيمِ؛ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمِحْضَنُ قَدْ جَاءَ.

((رِسَالَةٌ إِلَى أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ قَبْلَ رَمَضَانَ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أُمَّتَكُمْ تَحْتَاجُكُمْ..

إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمَرْحُومَةَ تَحْتَاجُ أَبْنَاءَهَا تَائِبِينَ مُنِيبِينَ, خَاشِعِينَ للهِ ذَلِيلِينَ, عَلَيْهِ مُقْبِلِينَ عَنْ سِوَاهُ مُدْبِرِينَ..

أُمَّتُكُمْ تَحْتَاجُكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ تُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ بِطَاعَتِكُمْ لِرَبِّكُمْ وَبِمَعْصِيَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ, فَإِذَا اسْتَوَيْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ فِي الْمَعَاصِي؛ مَعَ مَا آتَاكُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِمَّا أَكْرَمَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ, مِنَ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ وَحْيًا مَعْصُومًا لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ, وَلَا يُحَرَّفُ وَلَا يُصَحَّفُ, وَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ, فَهُوَ حَبْلُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- الْمَتِينُ؛ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ تَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَكَانَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

مَعَ مَا آتَاكُمُ اللهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ, وَاتِّبَاعِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ؛ فَذَنْبُ مَنْ عَصَى مِنْكُمْ أَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الْآخَرِينَ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى هَذَا الْخَيْرِ وَلَمْ يُؤْتَوْهُ, وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَا عُذْرُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ؟!!

مَا تَقُولُونَ لَهُ إِذَا وَقَفْتُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ؟!!

أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكُمْ رَسُولِي؟!!

أَلَمْ يَبْلُغْكُمْ كِتَابِي؟!!

أَلَمْ أَعْصِمْ وَحْيِي مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ؟!!

لِمَ لَمْ تَتَمَسَّكُوا بِهِ؟!!

وَلِمَ لَمْ تَقُومُوا بِحَقِّهِ؟!!

أَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عِنْدَ رَبِّكُمْ -جَلَّ وَعَلَا- يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهَا مَعَاصِيكُمْ.

مَعَاصِينَا تُؤَثِّرُ فِي أُمَّتِنَا؛ ذُلًّا نَازِلًا, وَمَذَلَّةً حَالَّةً, وَانْحِطَاطًا قَوِيًّا, وَكُلُّ هَذَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ: ((إِذَا تَبَايْعَتُمْ بِالْعِينَةِ, وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ, وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ, وَتَرَكتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).

فَبَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ أَنَّ هَذَا الذُّلَّ النَّازِلَ عَلَى الْأُمَّةِ, الَّذِي سُلِّطَ عَلَيْهَا؛ إِنَّمَا هُوَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِي أَبْنَائِهَا, وَبِمَا اقْتَرَفَتْهُ جَوَارِحُهُمْ, وَبِحُيُودِهِمْ عَنْ مِنْهَاجِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ.

كُونُوا مُصْلِحِينَ, وَلَنْ تَكُونُوا مُصْلِحِينَ حَتَّى تَكُونُوا صَالِحِينَ..

عِيشُوا الْإِسْلَامَ وَتَنَفَّسُوهُ, وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَتَمَسَّكُوا بِغَرْزِ نَبِيِّكُمْ ﷺ..

 ادْعُوا إِلَى اللهِ, وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ, وَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ, وَإِيَّاكُمْ وَبُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا الْمُهْلِكَاتُ, عَلَى رَأْسِ كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَجَهَّزَ مُسْتَعِدِّينَ لِهَذِهِ السَّفْرَةِ عَسَى أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا فَالِحِينَ مُفْلِحِينَ.

النَّبِيُّ ﷺ أَمَّنَ عَلَى دُعَاءِ جِبْرِيلَ وَهُوَ يَقُولُ: ((وَرَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ انْسَلَخَ عَنْهُ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ, قُلْ: آمِينَ)).

فَقَالَ الْمَعْصُومُ: ((آمِينَ)) ﷺ.

لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّكَ تَدْخُلُ فَتَخْرُجُ كَمَا دَخَلْتَ؛ أَنَّ ذَلِكَ يَمُرُّ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ, لَا؛ إِنَّمَا هُوَ الذُّلُّ النَّازِلُ، وَالْمَهَانَةُ الْمُحِيطَةُ ((رَغِمَ أَنْفُهُ))، وَالدَّاعِي جِبْرِيلُ (سلم), وَأَمَّا الْمُؤَمِّنُ فَالنَّبِيُّ الْهُمَامُ.

أَتَظُنُّ أَنَّ هَذَا لَا يُقْبَلُ؟!!

أَتَظُنُّ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ يُرَدُّ؟!

سُبْحَانَ اللهِ!! إِنْ رُدَّ هَذَا فَمَا الَّذِي يُقْبَلُ؟!!

((رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ انْسَلَخَ عَنْهُ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ, قُلْ: آمِينَ)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((آمِينَ)).

عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ, أَنْ نُرَاقِبَ سِرَّنَا وَضَمِيرَنَا, وَأَنْ نَحْفَظَ نَجْوَانَا, وَأَنْ نُقِيمَ قُلُوبَنَا عَلَى الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ مِنْ عَقِيدَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ, وَأَنْ نُجَانِبَ الْبِدَعَ الِاعْتِقَادِيَّةَ كُلَّهَا, وَأَنْ نَتَنَكَّبَ الشَّهَوَاتِ جَمِيعَهَا, وَالشُّبُهَاتِ أَيْضًا.

وَعَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ مَنْطِقَنَا وَلِسَانَنَا, وَأَنْ نَغُضَّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ  أَبْصَارَنَا, وَأَلَّا نَمُدَّ إِلَى الْخَنَا آذَانَنَا.

عَلَيْنَا أَنْ نُغَيِّرَ الْحَيَاةَ لِتَتَغَيَّرَ الْحَيَاةُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

وَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ وَلَا عَذَابٌ إِلَّا بِذَنْبٍ؛ وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِطَاعَةٍ وَتَوْبَةٍ.

وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

التعليقات


خطب قد تعجبك


  الْعِبَادَةُ لَا تَنْقَطِعُ بَعْدَ رَمَضَانَ!!
  مَعَانِي وَأَسْرَارُ دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَجُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَةِ وَالْعِيدِ
  الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
  فَضَائِلُ رَمَضَانَ وَجُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَآدَابِهِ
  دُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
  الْحَجُّ تَوْحِيدٌ للهِ وَاسْتِسْلَامٌ وَرِسَالَةٌ إِلَى الْخَوَارِجِ!
  جُمْلَةٌ مِنْ حِكَمِ وَفَوَائِدِ الصِّيَامِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان