((ذِكْرُ اللهِ رُوحُ الْحَجِّ))
مِنْ كِتَابِ: ((مَظَاهِرُ التَّوْحِيدِ فِي الْحَجِّ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((ذِكْرُ اللهِ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَاتِ))
فَإِنَّ مِنَ الْأُصُولِ الْأَصِيلَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: الذِّكْرُ, وَهَذَا الْأَصْلُ غَفَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحَرِّرَ هَذَا الْأَصْلَ, وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْإِصَابَةِ مِنْهُ بِسَهْمٍ كَبِيرٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ وَخَطَرَهُ، وَلِأَنَّ نَتِيجَتَهُ وَثَمَرَتَهُ كَبِيرَةٌ وَعَظِيمَةٌ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ، وَفِي آخِرَتِهِ.
إِنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ: هِيَ الْقِيَامُ بِعِبَادَةِ اللهِ؛ كَمَا قال -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ أَيْ: لِتَكُونَ حَيَاتُهُمْ كُلُّهَا عِبَادَةً لِي؛ وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمُتَحَتِّمَ عَلَيْهِمْ هُوَ أَلَّا تُغَادِرَ الْعِبَادَةُ شَيْئًا مِنْ حَيَاتِهِمْ إِلَّا وَشَمِلَتْهُ.
وَالذِّكْرُ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا, وَلَيْسَ لِلْعِبَادَةِ مَعْنًى وَلَا قِيمَةٌ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِبَادَةُ ذِكْرًا للهِ.
وَشُمُولِيَّةُ الذِّكْرِ لِلْعِبَادَةِ كَشُمُولِيَّةِ الْعِبَادَةِ لِلْحَيَاةِ, وَتَعْلُو الْعِبَادَةُ وَيَزْدَادُ شَأْنُهَا بِقَدْرِ تَمَكُّنِ ذِكْرِ اللهِ مِنْ قَلْبِ الْعَابِدِ الْقَائِمِ بِهَا.
فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ لِلْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مَا كَانَتْ إِلَّا لِلذِّكْرِ؛ إِذْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا شُرِعَتْ؛ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى, وَالْمَقْصُودُ بِهَا: تَحْصِيلُ ذِكْرِ اللهِ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
*وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْقَلْبِ، وَالْجَوَارِحِ:
*وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ: الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، وَالتَّمْجِيدِ.
*وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ: التَّفَكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ, وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهَا، وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ.
*وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ: هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الطَّاعَاتِ, وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى اللهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا فَقَالَ: {فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
فَذِكْرُ اللهِ زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ, وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ, وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.
وَهُوَ -أَيِ: الذِّكْرُ- بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ.
وَبِالذِّكْرِ: يَصْرَعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ.
قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ, وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ, وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)). وَالحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((الصَّحِيحِ)) .
وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ: ((أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) .
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ: مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)) .
وَفِي ((صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ)).
وَفِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟
إِنَّ أَحَبَّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ)).
إِنَّ الذِّكْرَ مِنْ أَيْسَرِ الْأُمُورِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَذْلِ مَالٍ, وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ مَجْهُودٍ.
((ذِكْرُ اللهِ رُوحُ الْحَجِّ))
إِنَّ مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْحَجِّ: مَا يَتَعَلَّقُ بِدُعَاءِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَذِكْرِهِ.
وَمَعْلُومٌ مَا لِلذِّكْرِ مِنَ الْفَضْلِ, وَأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُقَرِّبُ الذَّاكِرِينَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَذْكُرُهُ ذَاكِرٌ إِلَّا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى قَبْلَ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ؛ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ.
فَكُلُّ ذَاكِرٍ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَهُوَ مَحْفُوفٌ ذِكْرُهُ بِذِكْرَيْنِ؛ بِذِكْرٍ قَبْلَهُ وَبِذِكْرٍ بَعْدَهُ, فَيَذْكُرُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مُوَفِّقًا إِيَّاهُ لِذِكْرِهِ, وَمُقَدِّرًا إِيَّاهُ عَلَيْهِ, فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ فَضْلَ الذِّكْرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ, ((وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ يَذْكُرُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ))، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- .
وَأَمَّا الدُّعَاءُ: ((فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ)) ، كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وَفِي الْحَجِّ -فِي أَمَاكِنَ سِتَّةٍ- كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَعْلِنُ بِالدُّعَاءِ وَيُطِيلُهُ جِدًّا, فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ شَرَعَ النَّبِيُّ ﷺ جَمْعَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ مَعَ الْقَصْرِ؛ وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُدَّةُ الزَّمَنِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ أَيْ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَجْمُوعَةً مَقْصُورَةً مَعَ الظُّهْرِ لِتَمْتَدَّ الْمُدَّةُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِلذِّكْرِ وَلِلدُّعَاءِ, وَالِابْتِهَالِ وَالرَّجَاءِ, وَالتَّوَجُّهِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِإِنَابَةٍ وَإِخْلَاصٍ, سَائِلِينَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَوَائِجَهُمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَإِنَّهُ لَيَدْنُو -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
وَفِي وَقْتِ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ يَشَاءُ, وَيُعْطِي اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ يُرِيدُ, وَيَتَفَضَّلُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَنْ يَتَكَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ, فَإِنَّهُ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقُولُ -جَلَّ وَعَلَا-: ((أَلَا هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ أَلَا هَلْ مِنْ سَائِلٍ حَاجَةٍ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهَا؟ أَلَا هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟))، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ.
فَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَجْمُوعَةً مَقْصُورَةً مَعَ الظُّهْرِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّخْرَاتِ, وَيَتَوَجَّهُ إِلَى قِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ رَافِعًا يَدَيْهِ دَاعِيًا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ فَهَذَا مَوْطِنٌ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ, بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا -يَعْنِي: الصُّبْحَ-, يَدْعُو اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِمَا شَاءَ.
ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مِنًى؛ مِنْ أَجْلِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى.
وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ, وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الصُّغْرَى, فَكَانَ يَرْمِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ, ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- دُعَاءً طَوِيلًا؛ قَالَ الْعُلَمَاءُ: ((كَمِثْلِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)) .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا, ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- دُعَاءً طَوِيلًا, ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا.
فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَوَاطِنَ.
ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِنْدَ الصَّفَا وَعِنْدَ الْمَرْوَةِ بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ عَنْهُ ﷺ؛ فَهَذِهِ سِتَّةُ مَوَاطِنَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو فِيهَا رَبَّهُ دُعَاءً طَوِيلًا طَيِّبًا.
عِبَادَ اللهِ! عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ أَشْرَفُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ، يَتَعَبَّدُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِرَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ)) .
فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَجَّهَ دَائِمًا وَأَبَدًا إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنْ نُخْلِصَ الْقُلُوبَ لَهُ، وَأَنْ نَكُونَ مُوَحِّدِينَ؛ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لَنَا رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْحَجِّ؛ وَأَمَّا الذِّكْرُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا ((أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ -وَهِيَ يَوْمُ الْقَرِّ, وَالْيَوْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ, وَالْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ- أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ -جَلَّ وَعَلَا- )) .
وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ, فَإِذَا سَمِعَهُمْ مَنْ بِخَارِجِ الْمَسْجِدِ؛ كَبَّرَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا هَدَاهُمْ, وَعَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ, وَاللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ, وَاللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ, اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا.
عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- بِالدُّعَاءِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ, وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَمَّى الدُّعَاءَ فِي كِتَابِهِ عِبَادَةً فَقَالَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}؛ أَيْ: عَنْ دُعَائِي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]؛ أَذِلَّةً صَاغِرِينَ.
((فَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ)) ، كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
*وَأَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ؛ فَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].
فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ، وَذَبَحْتُمْ ذَبَائِحَكُمْ -بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمِنًى- فَاذْكُرُوا اللهَ بِالتَّحْمِيدِ، وَالتَّمْجِيدِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذِكْرِكُمْ مَفَاخِرَ آبَائِكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، بَلْ أَكْثَرَ ذِكْرًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلذِّكْرِ وَالْحَمْدِ مُطْلَقًا.
((ذِكْرُ اللهِ رَأْسُ الْأُصُولِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الذِّكْرَ رَأْسُ الْأُصُولِ، فَمَنْ فُتِحَ لَهُ فِيهِ؛ فَقَدْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّخُولِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلْيَتَطَهَّرْ، وَلْيَدْخُلْ عَلَى رَبِّهِ؛ يَجِدْ عِنْدَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ، فَإِنْ وَجَدَ رَبَّهُ تَعَالَى؛ وَجَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِنْ فَاتَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِذِكْرِهِ؛ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِنَا.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.