«أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ »
فَإنَّ نِعَمَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-عَلَى عِبَادِهِ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَأَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: أَنْ بَعَثَ فِيهِمْ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ وَحَبِيبَهُ وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدًا ﷺ ؛ لِيُخْرِجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيَنْقُلَهُمْ بِهِ مِنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ لِلْمَخْلُوقِ إِلَى عِزِّ الْعُبُودِيَّةِ لِلْخَالِقِ الْكَرِيمِ، وَيُرْشِدَهُمْ إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ، وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ سُبُلِ الْهَلَاكِ وَالشَّقَاوَةِ.
وَقَدْ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى بِهَذهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْمِنَّةِ الْجَسِيمَةِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].
وَقَد قَامَ ﷺ بِإبلَاغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأمَانَةِ وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَدَلَّ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَليْهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ﷺ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَرِيصًا عَلَى سَعَادَةِ الْأُمَّةِ غَايَةَ الْحِرْصِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى مُنَوِّهًا بِمَا حَبَاهُ اللهُ بِهِ مِنْ صِفَاتٍ جَلِيلَةٍ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
وَهَذَا الَّذِي قَامَ بِهِ ﷺ مِنْ إِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ هُوَ حَقُّ الْأُمَّةِ عَليْهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليْهِ-، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين} [النور: 54].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35].
وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَليْنَا التَّسْلِيمُ».
وَعَلَامَةُ سَعَادَةِ المُسْلِمِ: أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيَنْقَادَ لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، كَمَا قَالَ-جَلَّ وَعَلَا- : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
المصدر: مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ