((النَّفْسُ مَعَ صَاحِبِهَا كَالشَّرِيكِ فِي الْمَالِ!!))
((لَقَدْ مُثِّلَتِ النَّفْسُ مَعَ صَاحِبِهَا بِالشَّرِيكِ فِي الْمَالِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ مِنَ الرِّبْحِ إِلَّا بِالْمُشَارَطَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُ الشَّرِيكُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُطَالِعُهُ بِمَا يَعْمَلُ وَالْإِشْرَافِ عَلَيْهِ وَمُرَاقَبَتِهِ ثَانِيًا، ثُمَّ بِمُحَاسَبَتِهِ ثَالِثًا، ثُمَّ يَمْنَعُهُ مِنَ الْخِيَانَةِ إِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ رَابِعًا؛ فَكَذَلِكَ النَّفْسُ: شَارِطْهَا أَوَّلًا عَلَى حِفْظِ الْجَوَارِحِ السِّتِّ، الَّتِي حِفْظُهَا هُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ فَكَيْفَ يَطْمَعُ فِي الرِّبْحِ؟!!
وَهَذِهِ الْجَوَارِحُ السِّتُّ هِيَ: الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ، وَالْفَمُ وَالْفَرْجُ، وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ، وَهِيَ مَرَاكِبُ الْعَطَبِ وَالنَّجَاةِ، فَمِنْهَا عَطِبَ مَنْ عَطِبَ بِإِهْمَالِهَا وَعَدَمِ حِفْظِهَا وَنَجَا مَنْ نَجَا بِحِفْظِهَا وَمُرَاعَاتِهَا، فَحِفْظُهَا أَسَاسُ كُلِّ خَيْرٍ، وَإِهْمَالُهَا أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ، قَالَ -تَعَالَى-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30].
وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37].
وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53].
وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70].
وَقَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].
فَإِذَا شَارَطَ النَّفْسَ عَلَى حِفْظِ هَذِهِ الْجَوَارِحِ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى مُطَالَعَتِهَا وَالْإِشْرَافِ عَلَيْهَا وَمُرَاقَبَتِهَا، فَلَا يُهْمِلُهَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ أَهْمَلَهَا لَحْظَةً وَقَعَتْ فِي الْخِيَانَةِ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْإِهْمَالِ تَمَادَتْ فِي الْخِيَانَةِ حَتَّى يَذْهَبَ رَأْسُ الْمَالِ كُلُّهُ.
فَمَتَى أَحَسَّ بِالنُّقْصَانِ انْتَقَلَ إِلَى الْمُحَاسَبَةِ، فَحِينَئِذٍ يَتَبَيِّنُ لَهُ حَقِيقَةُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ، فَإِذَا أَحَسَّ بِالْخُسْرَانِ وَتَيَقَّنَهُ اسْتَدْرَكَ مِنْهَا مَا يَسْتَدْرِكُهُ الشَّرِيكُ مِنْ شَرِيكِهِ؛ مِنَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا مَضَى، وَالْقِيَامِ بِالْحِفْظِ وَالْمُرَاقَبَةِ فِي الْمُسْتَقَبْلِ، وَلَا مَطْمَعَ لَهُ فِي فَسْخِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ مَعَ هَذَا الْخَائِنِ وَالِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَلْيَجْتَهِدْ فِي مُرَاقَبَتِهِ وَمُحَاسَبَتِهِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ إِهْمَالِهِ.
وَيُعِينُهُ عَلَى هَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ: مَعْرِفَتُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا اجْتَهَدَ فِيهَا الْيَوْمَ اسْتَرَاحَ مِنْهَا غَدًا إِذَا صَارَ الْحِسَابُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكُلَّمَا أَهْمَلَهَا الْيَوْمَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحِسَابُ غَدًا.
وَيُعِينُهُ عَلَيْهَا -أَيْضًا-: مَعْرِفَتُهُ أَنَّ رِبْحَ هَذِهِ التِّجَارَةِ: سُكْنَى الْفِرْدَوْسِ وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنَّ خَسَارَتَهَا: دُخُولُ النَّارِ وَالْحِجَابُ عَنِ الرَّبِّ -تَعَالَى-، فَإِذَا تَيَقَّنَ هَذَا هَانَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ الْيَوْمَ.
فَحَقٌّ عَلَى الْحَازِمِ، الْمُؤْمِنِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَلَّا يَغْفُلَ عَنْ مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا فِي حَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا، وَخَطَرَاتِهَا وَخُطُوَاتِهَا، فَكُلُّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِ الْعُمُرِ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْتَرَى بِهِ كَنْزٌ مِنَ الْكُنُوزِ لَا يُتَنَاهَى نَعِيمُهُ أَبَدَ الْآبَادِ، فَإِضَاعَةُ هَذِهِ الْأَنْفَاسِ أَوِ اشْتِرَاءُ صَاحِبِهَا بِهَا مَا يَجْلِبُ هَلَاكَهُ خُسْرَانٌ عَظِيمٌ، وَلَا يَسْمَحُ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَجْهَلُ النَّاسِ وَأَحْمَقُهُمْ وَأَقَلُّهُمْ عَقْلًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا الْخُسْرَانِ يَوْمَ التَّغَابُنِ: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30])) .
المصدر:حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ