((نَبْذُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ))
*هَدَمَ النَّبِيُّ ﷺ الْعَصَبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَعُنْصُرِيَّةَ الْعِرْقِ وَاللَّوْنِ:
لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا فَضْلَ لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَطَاعَتِهِ.
وَأَعْلَنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)).
وَأَشْهَدَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْبَلَاغِ الْمُبِينِ: ((اللهم هَلْ بَلَّغْتُ)).
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.
يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ السَّبَّاحَةَ إِلَى السَّمَاءِ وينكُتها إليهم: ((اللهم فَاشْهَدْ، اللهم فَاشْهَدْ، اللهم فَاشْهَدْ)).
فَبَلَّغَ النَّبِيُّ ﷺ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ.
وَأَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْهِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَصَارُوا عَابِدِينَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُوَحِّدِينَ.
وَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ))-: ((أَيُّهَا النَّاسُ! كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَى دَعَائِمَ الدِّينِ، وَأَقَامَ أَسَاسَ الْمِلَّةِ الْمَتِينَ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَأِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، بَعْدَ أَنْ أَرْسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَعَالِمَ الْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَحَجَّةَ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).
*بَيَانُ النَّبِيِّ ﷺ لِعِظَمِ شَأْنِ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ:
أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْظَمِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَنَادَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ أَجْمَعِينَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ!))، فَتَوَجَّهَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْخِطَابِ إِلَى النَّاسِ، وَمَا كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَكِنَّهُ ﷺ كَأَنَّمَا يُشِيرُ أَنَّهُ لَا فَلَاحَ لِلْبَشَرِيَّةِ وَلَا سَعَادَةَ لَهَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ نَهْجِهِ ﷺ.
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، ((مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ)).
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ((أَنَّ الْمُسْلِمَ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا -وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ﷺ-)).
*تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنَ النَّبِيِّ الرَّشِيدِ ﷺ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ:
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ حَذَّرَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ((مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، وَيُقْتَلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ)).
وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ مُنْتِنَةٌ، وَأَنَّهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا))، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ لَعَّابًا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ -كَسَعَهُ: أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ عَلَى عَجِيزَتِهِ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ بِعُرْضِ سَيْفِهِ-، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَى الْقَوْمُ؟
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!
وَسَمِعَهَا النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: ((مَا بَالَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة؟))
فَلَمَّا أُخْبِرَ ﷺ، قَالَ: ((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)).
حَوْلَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ -حَوْلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ تَدَاعَى كَلَقَبَيْنِ- تَدَاعَى مَنْ تَدَاعَى عَصَبِيَّةً، فَرَفَضَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَقَدْ مَدَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فِي كِتَابِهِ، وَمَدَحَ الْأَنْصَارَ، وَمَدَحَ النَّبِيُّ ﷺ الْأَنْصَارَ فِي صَحِيحِ سُنَّتِهِ، وَمَدَحَ الْمُهَاجِرِينَ.
وَلَكِنْ لَمَّا تَدَاعَوْا حَوْلَ الِاسْمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ عَصَبِيَّةً؛ غَضِبَ ﷺ، وَقَالَ: ((مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَكَفَى بِالْمُسْلِمِ إِثْمًا أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ)).
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ لُحْمَةً وَسُدًى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ شِعَارُهُمْ الَّذِي يَتَعَصَّبُونَ حَوْلَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ.
*نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْفَخْرِ بِالْأَنْسَابِ:
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَنَا ((أَنَّ أَقْوَامًا سَيَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ))، فَبَيَّنَ ﷺ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا ((هُوَ كَالْجُعَلِ يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ))، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْزِلَتَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ كَالْجُعَلِ؛ وَهُوَ الْجُعْرَانُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، ((يُدَهْدِهُ)): أَيْ يُدَحْرِجُ الْخُرْءَ -أَعَزَّكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- ((بِفِيهِ))؛ مِنْ وَضَاعَتِهِ وَحَقَارَتِهِ.
((لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، وَإِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ عِنْدَ اللهِ أَهْوَنَ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرْءَ بِفِيهِ)).
بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ خُطُورَةَ الْعَصَبِيَّةِ، وَخُطُورَةَ الِانْتِمَاءِ إِلَى الشِّعَارَاتِ الْحِزْبِيَّةِ، وَإِلَى الِانْتِمَاءَاتِ الضَّيِّقَةِ الرَّدِيَّةِ.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تُكْنُوهُ))، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: ((فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا)).
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مَنْ انْتَمَى أَوْ انْتَسَبَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ عَصَبِيَّةً بِشِعَارٍ مِنْ شِعَارَاتِ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ، ((فَأَعِضُّوهُ -فَأَمِصُّوهُ- بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكْنُوهُ))، هَكَذَا ظَاهِرًا، وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْعَى لِفُحْشٍ، وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا هُنَالِكَ مِنْ قُبْحِ الْعَصَبِيَّةِ بِانْتِمَائِهَا.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِآدَمَ، وَأَنَّ آدَمَ قَدْ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، ((كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ، فَلَا يَفْخَرَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ)).
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا إِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا؛ حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَحَتَّى لَا يَتَكَبَّرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، وَأَوْرَدَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النَّارَ)).
*لَا عُنْصُرِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِيزَانُ التَّفْضِيلِ عِنْدَ اللهِ هُوَ التَّقْوَى:
إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَصَّبُونَ إِلَى الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، مَقَتَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ((إِذْ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الصَّوَامِعِ وَالدَّيَّارَاتِ وَالْبِيَعِ))، حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَهُوَ يَرُدُّ الْأَمْرَ إِلَى نِصَابِهِ.
لَمَّا عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- بِلَالًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-، عَيَّرَهُ بِلَوْنِ أُمِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاء.
وَاشْتَكَى بِلَالٌ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ، فَقَالَ: ((إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ)).
النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ أَنَّ ((مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ أَوْرَدَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النَّارَ)).
قَالُوا: وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)).
لَا انْتِمَاءَ إِلَّا إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، أَعَزَّنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَمِي إِلَى عَائِلَةٍ وَلَا قَبِيلَةٍ وَلَا شَعْبٍ وَلَا وَطَنٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ أَنْسَابِنَا مَا نَصِلُ بِهِ أَرْحَامَنَا، فَقَالَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ)).
وَلَكِنْ لَا عَصَبِيَّةَ، وَلَا انْتِمَاءَ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ لِلْعَصَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا الِانْتِمَاءُ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ؛ لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ كُلُّ النَّاسِ أَنَّهُمْ لِآدَمَ، وَأَنَّ آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ، إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ.
وَنَبِيُّكُمْ ﷺ يُخْبِرُكُمْ مُنْذِرًا وَمُحَذِّرًا، فَيَقُولُ ﷺ: ((مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)).
وَقَدْ نَادَى النَّبِيُّ ﷺ الْعَبَّاسَ -عَمَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ- وَنَادَى عَمَّتَهُ صَفِيَّةَ، وَنَادَى ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالْآلِ أَجْمَعِينَ-: ((اعْمَلُوا لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا)).
لَا أَحْسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا أَنْسَابَ، وَإِنَّمَا هُوَ الدِّينُ، فَمَنْ جَاءَ رَبَّهُ مُسْلِمًا مُوقِنًا مُحْسِنًا؛ فَلَهُ الْمَقَامُ الْأَسْنَى عِنْدَ رَبِّهِ، وَهُوَ مُعَزَّزٌ مُكَرَّمٌ، وَمَنْ جَاءَ -وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا- بِالْعَمَلِ الطَّالِحِ؛ فَلَهُ الْمَكَانُ الْأَرْدَى وَلَا كَرَامَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الِانْتِمَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سَوَّى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَنَا جَمِيعًا فِي الْحُقُوقِ، وَرَفَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ دَرَجَاتٍ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَنْ كَانَ تَقِيًّا -وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا-؛ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَوْقَ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ -وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا قُرَشِيًّا-.
*هَدَمَ الْإِسْلَامَ الْعُنْصُرِيَّةَ ضِدَّ الْمَرْأَةِ وَكَرَّمَهَا:
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: مَا آتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ الْحُقُوقِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَا تُسَاوِي شَيْئًا، كَانَتْ تُورَثُ إِذَا مَاتَ مَنْ يَمْتَلِكُهَا -يَعْنِي إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَإِنَّهَا تُورَثُ كَمَا تُورَثُ الْأَشْيَاءُ-.
وَنَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ أَنْ يَرِثَ الْوَارِثُ الْمَرْأَةَ إِذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ، وَأَعْطَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمَرَأَةَ الْحُقُوقَ الْكَثِيرَةَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ الْآنَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ مَزِيَّةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ وَلَا مِيزَةٌ تَتَمَتَّعُ بِهَا امْرَأَةٌ فِي الْعَالَمِ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ وَالْمِنْحَةُ وَالْعَطِيَّةُ مُوَافِقَةً لِلشَّرْعِ -يَعْنِي غَيْرَ خَارِجَةٍ عَنْ حُدُودِ الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ-.
أَعْطَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمَرْأَةَ حَقَّهَا وَأَعَادَهَا إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ؛ إِنْسَانَةٌ لَهَا قَلْبٌ تُحِسُّ وَتَشْعَرُ، وَتُحِبُّ وَتَكْرَهُ، وَتَرِثُ؛ لِأَنَّهُ إِلَى هَذَا الْعَصْرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِنْجِلِيزِ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ-، بَلْ وَلَيْسَ لِلْأَوْلَادِ الَّذِين يَأْتُونَ بَعْدَ الِابْنِ الْبِكْرِ مِنْ نَصِيبٍ فِي الْمِيرَاثِ!! يَصِيرُ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ إِلَى الِابْنِ الْبِكْرِ، وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا لَا مِنَ الرِّجَالِ وَلَا مِنَ النِّسَاءِ!!
وَأَمَّا عِنْدَنَا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْحُقُوقَ وَفَصَّلَهَا، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا آتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَفْرَادَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ حُقُوقِ النِّسَاءِ.
الْمَرْأَةُ فِي الْعَصْرِ الْجَاهِلِيِّ كَانَتْ تَعِيشُ حَيَاةً عَصِيبَةً جِدًّا، خُصُوصًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْعَرَبِيِّ، كَانَ الرِّجَالُ يَكْرَهُونَ وِلَادَةَ الْبَنَاتِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَكَمَا وَصَفَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، يَكْرَهُونَ وِلَادتَهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْفَنُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا الْأَمْرَ -يَعْنِي لَوْ أَنَّ الْبِنْتَ ظَلَّتْ حَيَّةً- يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا إِلَى حَيَاةِ الْمَذَلَّةِ وَالْمَهَانةِِ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [النحل: 58-59].
لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فِي هَذَا الْأَمْرِ غَضَاضَةً، يَتَزَوَّجُ مَا شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ، وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَا شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ عَدَدًا كَثِيرًا، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَإِنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِهَا سَنَةً كَامِلَةً، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عِنْدَمَا يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، لَا تَقْرَبُ طِيبًا، وَلَا تَمْتَشِطُ، وَلَا تُغَيِّرُ ثِيَابَهَا -لَا تُبَدِّلُ الثِّيَابَ-، عِنْدَمَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي ثِيَابٍ تَظَلُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا سَنَةً كَامِلَةً، وَلَا تَغْسِلُ رَأْسَهَا، وَلَا تَضَعُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهَا.
فَإِذَا مَا مَرَّ الْعَامُ، فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحِدَادِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغْتَسِلُ، تَمْتَشِطُ، تُغيِّرُ الثِّيَابَ، وَتُورَثُ، يَرِثُهَا مَنْ هُنَالِكَ مِمَّنْ يَرِثُ الْمَيِّتَ، يَرِثُهَا كَمَا يَرِثُ الْمَتَاعَ.
*أَعَادَ الإِسْلَامُ لِلْمَرْأَةِ الاعْتِبَارَ فِي الإِنْسَانِيَّةِ وَرَفَعَ عَنْهَا المَظَالِمَ:
لمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ رَفَعَ هَذِهِ الْمَظَالِمَ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَأَعَادَ لَهَا الِاعْتِبَارَ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ بَدْءًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13].
فَهُنَا تَسَاوٍ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ.
*الْإِسْلَامُ سَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْعَمَلِ:
وَذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهَا شَرِيكَةٌ لِلرَّجُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْعَمَلِ، فَسَوَّى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْعَمَلِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
فَسَوَّى فِي قَاعِدَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لَا فَارِقَ.
*حَرَّمَ اللهُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْرُوثَاتِ:
حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الرِّجَالِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ -وَكَانَ هَذَا مَعْمُولًا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ-، حَرَّمَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْرُوثَاتِ، يَقُولُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19].
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوهُنَّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، فَيَمُوتُ الرَّجُلُ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَيَأْتِي ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا فَيَرِثُهَا، فَتُصْبِحُ مِيرَاثًا لَهُ، إِنْ شَاءَ بَقِيَت عِنْدَهُ وَإِنْ شَاءَ سَرَّحَهَا.
*حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي الْمِيرَاثِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ:
اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ضَمِنَ لِلْمَرْأَةِ اسْتِقْلَالَ الشَّخْصِيَّةِ، وَجَعَلَهَا وَارِثَةً لَا مَوْرُوثَةً، وَجَعَلَ لَهَا حَقًّا فِي الْمِيرَاثِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ}.
لَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ مَحْجُوبَةً عَنِ الْأَعْيُنِ أَنْ تَنُوشَهَا وَأَنْ تَنتَهِكَ عِرْضَهَا، لَمْ يَجْعَلْهَا الْإِسْلَامُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا الْإِسْلَامُ دُمْيَةً لَيْسَ لَهَا قِيمَةً، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ فِي مَوْضِعِهَا إِنْسَانَةً لَهَا جَمِيعُ الْحُقُوقِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْإِنْسَانَةِ الْحقَّةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ يَنْتَظِرُكُمْ، مُطَبِّقِينَ لِدِينِكُمْ، مُحَقِّقِينَ لِتَوْحِيدِكُمْ، مُتَّبِعِينَ لِنَبِيِّكُمْ؛ لِكَيْ يُخْرِجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْعَالَمَ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ، وَمِنْ عَنَتِهِ وَفُجُورِهِ.
المصدر: نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ