((مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَتَغْيِيرُهَا بِدَايَةُ طَرِيقِ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ))
عِبَادَ اللهِ! مَا أَعْظَمَ الْغَفْلَة!! وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَعَلَمَهَا، فَرَاقِبْ نَفْسَكَ فِي خَرِيطَةِ يَوْمِكَ، وَتَأَمَّلْ مُحْصِيًا عَلَى ذَاتِكَ غِيبَتَكَ، وَكَذِبَكَ.
لَقَدْ عَمَّتِ الْفَوْضَى السَّاحَةَ، وَمَا هَكَذَا يَكُونُ جِيلُ النَّصْرِ الْمَنْشُودُ، الَّذِي يَمْتَلِكُ زِمَامَ مَقَالِيدِ الْعَالَمِ، إِنَّ الْعَالَمَ لَا يُمْتِلَكُ زِمَامُهُ بِيَدِ الثُّلَّةِ الصَّالِحَةِ؛ بِالْكَلَامِ، وَلَا بِالتَّنْظِيرِ، وَإِنَّمَا بِالنُّفُوسِ الصَّالِحَةِ، وَالْأَنْفُسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، وَالْقُلُوبِ الزَّكِيَّةِ، وَالْأَرْوَاحِ الْمُطْمَئِنَّةِ.
وَهَذَا هُوَ الْجِيلُ الَّذِي نَشَّأَهُ الرَّسُولُ ﷺ وَرَبَّاهُ، فَمَلَكَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَدَانَ الْعَالَمُ كُلَّهُ لـ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ عَنْ وَصْفِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)).
مَا الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ؟
((تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ عَشْرَ آيَاتٍ، عَشْرَ آيَاتٍ، لَا يُجَاوِزُوهُنَّ، حَتَّى يَفْقَهُوهُنَّ، وَيَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا)).
هَلْ كَانَ أَصْحَابُهُ يُفَاوِتُونَ بَيْنَ الْقُوَّتَيْنِ؛ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ؟
هَلْ حَرَصُوا عَلَى الْكَمِّ يَوْمًا دُونَ الْكَيْفِ؟
مَا الْتَفَتُوا إِلَيْهِ.
{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249]، وَكَانُوا فِي بَدْرٍ ثُلَّةً صَالِحَةً مُؤْمِنَةً مُوَحِّدَةً، وَكَانُوا فِي حُنَيْنَ كَثْرَةً كَاثِرَةً، وَتَفَاوَتَ مَا بَيْنَ النَّتِيجَتَيْنِ بَدْءًا وَمُنْتَهًى، فَتَأَمَّلْ.. فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا يَصْلُحُ آخِرُهَا إِلَّا بِمَا صَلُحَ عَلَيْهِ أَوَّلُّهَا، بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
يَا طُلَّابَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النّبُّوةِ وَمَنْهَجِ السَّلَفِ، يَقُولُ نَبِيُّكُمْ فِي بَيَانِ مِنْهَاجِ النَّبُوَّةِ ﷺ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)).
وَهَذَا أَصْلٌ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ: ((أَخْبَرَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّهُمْ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ عَشْرَ آيَاتٍ، لَا يُجَاوِزُوهُنَّ، حَتَّى يَفْقَهُوهُنَّ، وَيَعَمَلُوا بِهِنَّ)).
إِنَّمَا تَتَعَلَّمُ لِتَعْمَل، أَمَّا هَذَا الْهَرَجُ الْهَارِجُ، وَهَذَا الْعَبَثُ الْعَابِثُ، فَلَا يَزِيدُكَ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا.
تَيَّقَظْ، وَتُبْ، وَأَنِبْ، وَاسْتَغْفِرْ، وَعُدْ، وَاقْرِنْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَدَعْكَ مِنْ بَهَارِجِ الزِّينَةِ.
*حَاسِبْ نَفْسَكَ! هَلْ خَلَا مَجْلِسٌ لَكَ مِنْ غِيبَةٍ؟!!
يَا أَخِي! إِنَّ الْآفَات قَدْ عَمَّتْ فَطَمَّتْ، وَاسْتَحوَذَتْ عَلَى الْقُلُوبِ، وَإِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَمْرٍ؛ وَأَجِبْ أَنْتَ عَنْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ:
هَلْ خَلَا مَجْلِسٌ لَكَ مِنْ غِيبَة؟!
بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَجِبْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ؛ هَلْ خَلَا مَجْلِسٌ لَكَ مِنْ غِيبَةٍ؟!!
وَالْغِيبَةُ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَعَظَائمِ الذُّنُوبِ، وَهِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ, بِمَعْنَى: أَنَّهُ مَهْمَا اسْتَغْفَرَ الْعَبْدُ وَتَابَ وَأَنَابَ؛ فَحَقُّ الْعَبْدِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيَتِهِ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ يَوْمَ تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ.
فَهَلْ خَلَا مَجْلِسٌ لَكَ -أَنْتَ.. أَنْتَ- مِنْ غِيبَةٍ؟!!
مَنْ أَنْتَ؟!!
مَا تَكُونُ؟!!
أَلَا تُفِيق؟!!
أَلَا تَتَيَقَّظ؟!!
أَلَا تَسْتَحِي؟!!
اتَّقِ اللَّهَ رَبَّكَ.
*أَمْرَاضُ الْأُمَّةِ وَعَجْزُهَا وَذُلُّهَا بِسَبَبِ ذُنُوبِ أَبْنَائِهَا!!
عَلَيْنَا أَنْ نَدُلَّ الْأُمَّةَ عَلَى أَنْ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ ذُنُوبِ أَفْرَادِهَا، وَلَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِمَّا تَوَرَّطُوا فِيهِ إِلَّا بِإِحْدَاثِ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ عَاقَبَ مَنْ كَانَ مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا خَالَفُوا أَمْرًا وَاحِدًا مِنْ أَوَامِرِ النَّبِيِّ ﷺ.
أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَلْزَمُوا الْجَبَلَ، وَأَلَّا يَنْزِلُوا عَنْهُ وَإِنْ رَأَوْا الْمُشْرِكِينَ يَرْكَبُونَ أَكْتَافَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا دَارَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَبَدَأَ مَنْ فِي السَّاحَةِ يَجْمَعُ الْغَنَائِمَ، وَتَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ، نَزَلَ مَنْ نَزَلَ عَنِ الْجَبَلِ مِنَ الرُّمَاةِ، فَكَانَتِ الْكَسْرَةُ.
وَبَيَّنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهُمْ، وَالنَّبِيُّ بَيْنَهُمْ ﷺ، بَلْ أَصَابَهُ ﷺ مَا أَصَابَهُ لَمَّا وَقَعَ فَجُحِشَ جَنْبُهُ -أَيْ جُرِحَ-، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَدَخَلَتْ حَلْقَةٌ مِنْ حَلْقَاتِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ ﷺ، وَتَصَايَحَ الْكُفَّارُ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ﷺ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ شَهِيدًا حَمِيدًا سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
كُلُّ ذَلِكَ لِلْمُخَالَفَةِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، أَفَتَحْسَبُ الْأُمَّةُ أَنَّ أَفْرَادَهَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟!!
فَتَعْصِي الْأُمَّةُ أَمْرَهُ وَتَسْتَنْزِلُ خَيْرَهُ، وَتَطْلَبُ تَأْيِيدَهُ وَنَصْرَهُ بِالْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، بِالْخُرُوجِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ وَمَنْهَجِ السَّلَفِ، وَالْابْتِدَاعِ وَالْإِحْدَاثِ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ بِتَحْزِيبِ الْأُمَّةِ أَحْزَابًا كَفِعْلِ السَّابِقِينَ مِنَ الْهَالِكِينَ، بِجَعْلِ الْبَأْسِ بَيْنَهُمْ أَحْزَانًا مُتَنَافِرَةً وَجَمَاعَاتٍ مُتَنَاحِرَةً، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ؟!!
وَكُلُّهَا مُخَالَفَاتٌ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَاتُ، وَأَيْنَ هِيَ مِنْ تَرْكِ الرُّمَاةِ الْجَبَلَ مُخَالَفَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟!!
فَعَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ نَبْدَأَ، عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا، لَقَدْ اسْتَمْرَأْنَا الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِي، أَلِفْنَاهَا حَتَّى اسْتَمْرَأْنَاهَا وَاسْتَحْلَيْنَاهَا!! فَانْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ ((الْعَبْدَ إِذَا ارْتَكَبَ الْمَعْصِيَةَ وَالذَّنْبَ؛ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)).
قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ، وَأَرْوَاحٌ جَاسِيَةٌ، وَأَبْدَانٌ عَنِ الطَّاعَةِ نَافِرَةٌ، وَنُفُوسٌ فِي أَوْدِيَةِ الضَّلَالِ حَائِرَةٌ، إِلَى مَتَى؟
عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ، إِنْ تُبْنَا وَصَدَقْنَا مَعَ اللهِ فِي تَوْبَتِنَا؛ رَفَعَ اللهُ كُرْبَتَنَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، وَتَقَبَّلَ تَوْبَتَنَا وَأَوْبَتَنَا.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ أُخْرَى مُنَاقِضَةٍ لِلْأُولَى حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ سَيِّءٍ إِلَى حَسَنٍ؛ غَيَّرَ اللهُ أَحْوَالَهُمْ مِنْ سَيِّءٍ إِلَى حَسَنٍ، وَإِنْ غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ حَسَنٍ إِلَى قَبِيحٍ؛ غَيَّرَ اللهُ أَحْوَالَهُمْ، وَأَحَلَّ بِهِمْ نِقْمَتَهُ.
وَمِفْتَاحُ التَّغْيِيرِ -عِبَادَ اللهِ- هُوَ مَعْرِفَةُ الْعَقِيدَةِ، مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، كُلُّ عِلْمٍ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ، وَهَذَا الْعِلْمُ أَشْرَفُ الْعُلُومِ، عِلْمُ التَّوْحِيدِ، عِلْمُ الْعَقِيدَةِ، هَذَا الْعِلْمُ هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ مَعْلُومَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَبِصِفَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَبِأَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا يَتَوَجَّبُ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ الْمَعَائِبِ وَالنَّقَائِصِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْعِلْمِ الشَّرِيفِ.
فَالْفَرْدُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصَلَاحِ عَقِيدَتِهِ وَقَلْبِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ، إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)).
وَالْمُجْتَمَعُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِصَلَاحِ أَفْرَادِهِ، فَإِذَا صَلُحَ الْفَرْدُ؛ صَلُحَ الْمَجْمُوعُ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَتَغَيَّرَ، أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْ أَسْرِ الْعَادَاتِ وَمِنْ قَيْدِ التَّقَالِيدِ الَّتِي قَدْ أَوْثَقَتْ أَرْجُلَنَا فِي الْأَرْضِ بِسَلَاسِلَ تَمِيدُ الْأَرْضَ وَلَا تَمِيدُ، يُرِيدُ مِنَّا رَبُّنَا أَنْ نَتَغَيَّرَ، وَأَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَأَنْ نَخْرُجَ مِنْ قَبْضَةِ الْعَادَاتِ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّ الْأَرْضِ السَّمَوَاتِ عَلَى مُقْتَضَى سُنَّةِ سَيِّدِ الْكَائِنَاتِ ﷺ.
وَلَنْ تُفْلِحَ الْأُمَّةُ وَلَنْ تَصِلَ إِلَى غَرَضِهَا، وَلَنْ تُحَصِّلَ مَقْصُودَهَا إِلَّا بِالْعَوْدَةِ إِلَى كِتَابِ رَبِّهَا وَسُنَّةِ نَبِيِّهَا ﷺ بِفَهْمِ سَلَفِهَا الصَّالِحِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ-.
فَهَذِهِ سَبِيلُ النَّجَاةِ، لَا سَبِيلَ لِلنَّجَاةِ سِوَاهَا، وَأَمَّا التَّخَبُّطُ، وَأَمَّا هَذَا الْهَرَجُ الَّذِي تُعَانِي مِنْهُ الْأُمَّةُ؛ فَهَذَا هُوَ الْمَضِيقُ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ، وَالْمَأْزِقَ الَّذِي لَا نَجَاةَ مِنْهُ إِلَّا بِأَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ عَلَى قَلْبٍ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِلَا تَخَالُفٍ وَلَا تَدَابُرٍ، وَلَا شَحْنَاءَ وَلَا بَغْضَاءَ.
قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((لَقَدْ كُنْتُمْ أَذَلَّ الْأُمَمِ -لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ، لَيْسُوا مَعْدُودِينَ فِي أُمَمِ الْأَرْضِ، بَلْ لَيْسُوا مَعْدُودِينَ مِنَ الْأَحْيَاءِ، الرُّومُ، وَالْفُرْسُ، وَالْأَحْبَاشُ، وَالصَّقَالِبَةُ، وَالْقِبْطُ، وَالْأَرْمَنُ، وَالْبَرْبَرُ، وَأَجْنَاسُ الْأَرْضِ؛ كَانَتْ مَعْدُودَةً فِي الْأَنَاسِيِّ عَدًّا، وَهَؤُلَاءِ لَا ذِكْرَ لَهُمْ هُنَالِكَ وَلَا هُنَا- فَأَتَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَصِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ أَعَزَّ النَّاسِ، فَمَهْمَا الْتَمَسْتُمُ الْعِزَّ فِي غَيْرِ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ أَذَّلَكُمُ اللهُ)).
هِيَ ضَرْبَةُ لَازِبٍ، وَهُوَ قَدَرٌ مَحْتُومٌ، مَنْ الْتَمَسَ الْعِزَّ فِي مَوَاطِنِ الذُّلِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُذَلَّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا؛ أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكَمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ.
وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّاكَمْ وَيَرْعَاكَمْ، وَيَغْفِرُ لِي وَلَكَمْ مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، وَهُوَ عَلَّامُ الغُيُوب وَسِتِّيرُ العيُوب.
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: محاسبة النفس