((بَيَانُ مَخَاطِرِ التَّدْخِينِ وَوُجُوهُ تَحْرِيمِهِ))
((إِنَّ الدُّخَانَ ضَارٌّ لِلْجِسْمِ أَشَدَّ الضَّرَرِ بِإِجْمَاعِ الْأَطِبَّاءِ، وَقَدْ أَعْلَنَتْ (هَيْئَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ) أَنَّ التَّدْخِينَ أَشَدُّ خَطَرًا عَلَى صِحَّةِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَمْرَاضِ السُّلِّ وَالْجُذَامِ وَالطَّاعُونِ وَالْجُدَرِيِّ مُجْتَمِعَةً.
وَشَرِكَاتُ التَّبْغِ تُنْتِجُ بِمُعَدَّلِ سِيجَارَتَيْنِ يَوْمِيًّا لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ يَعْنِي مَا تُنْتِجُهُ لَوْ وُزِّعَ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِ الْأَرْضِ لَكَانَ ذَلِكَ بِمُعَدَّلِ سِيجَارَتَيْنِ يَوْمِيًّا لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ!!
وَلَوْ أُخِذَتْ هَذِهِ الْكَمِّيَّةُ -الَّتِي تُنْتَجُ- دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي الْوَرِيدِ لَاسْتَطَاعَتِ السَّجَائِرُ أَنْ تُبِيدَ الْجِنْسَ الْبَشَرِيَّ فِي سَاعَاتٍ، وَبِالْمُقَارَنَةِ فَإِنَّ الْقُنْبُلَةَ الذَّرِّيَّةَ الَّتِي أُلْقِيَتْ عَلَى (هِيرُوشِيمَا) فِي السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ أَغُسْطُسَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَلْفٍ (16 - 8 - 1945م) فَتَكَتْ بِـ مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ أَلْفٍ (260.000) مِنَ الْبَشَرِ، بَيْنَمَا تَفْتِكُ السَّجَائِرُ فِي كُلِّ عَامٍ بِعَشَرَةٍ فِي الْمِائَةِ (10%) عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ جَمِيعِ الْوَفَيَاتِ فِي الْبِلَادِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ التَّدْخِينَ يُسَبِّبُ عِشْرِينَ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرَاضِ الْقَاتِلَةِ، وَتَقْسِيمُهَا كَالْآتِي:
الْجِهَازُ التَّنَفُّسِيُّ؛ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَمْرَاضٍ:
سَرَطَانُ الرِّئَةِ.
وَسَرَطَانُ الْحَنْجَرَةِ.
وَالِالْتِهَابُ الشُّعَبِيُّ الْمُزْمِنُ.
وَالْإِمْفِزِيمَا.
الْقَلْبُ وَالْجِهَازُ الدَّوْرِيُّ؛ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَمْرَاضٍ:
جَلْطَاتُ الْقَلْبِ وَمَوْتُ الْفَجْأَةِ.
جَلْطَاتُ الْأَوْعِيَةِ الدَّمَوِيَّةِ لِلْمُخِّ وَمَا يَنْتُجُ عَنْهَا مِنَ الشَّلَلِ.
اضْطِرَابُ الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ وَجَلْطَاتُهَا.
الْجِهَازُ الْهَضْمِيُّ؛ تُصِيبُهُ خَمْسَةُ أَمْرَاضٍ بِسَبَبِ التَّدْخِينِ:
سَرَطَانُ الشَّفَةِ.
سَرَطَانُ الْفَمِ وَالْبُلْعُومِ.
سَرَطَانُ الْمَرِيءِ.
قُرْحَةُ الْمَعِدَةِ وَالَاثْنَا عَشَرَ.
سَرَطَانُ الْبَنْكِرْيَاسِ.
وَأَمَّا الْجِهَازُ الْبَوْلِيُّ؛ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَمْرَاضٍ:
أَوْرَامُ الْمَثَانَةِ الْحَمِيدَةِ.
وَسَرَطَانُ الْمَثَانَةِ.
وَسَرَطَانُ الْكُلَى.
وَمِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ -عَلَى حَسَبِ الْبُحُوثِ- أَنَّ التَّدْخِينَ -أَيْضًا- يُقَلِّلُ مِنَ الْقُدْرَةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَرُبَّمَا أَصَابَ الْمُدَخِّنَ بِالْعَجْزِ.
فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَرَضًا، وَهُنَاكَ خُمْسَةُ أَمْرَاضٍ تَقَعُ لِلْمَرْأَةِ الْحَامِلِ وَالْأَطْفَالِ وَأَمْرَاضٍ نَادِرَةٍ، هَذَا عَدَا مَا يُسَبِّبُهُ مِنْ مُضَاعَفَاتٍ لِأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ كَالرَّبْوِ، وَالْتِهَابِ الْجِلْدِ، وَأَمْرَاضِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْحَنْجَرَةِ.
وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ ضَرَرُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
إِنَّ التَّدْخِينَ أَشَدُّ خُبْثًا مِنَ الْبَصَلِ وَالثُّومِ، وَأَشَدُّ إِيذَاءً لِلْمَلَائِكَةِ وَصَالِحِي بَنِي آدَمَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مُتَعَاطِيهِ مِنْ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ النَّاسُ مَنْ شُرْبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا لِمَا مَرَّ آنِفًا مِنَ انْعِدَامِ النَّفْعِ بِهِ، وَثُبُوتِ الضَّرَرِ الْبَالِغِ، وَثُبُوتِ الْخُبْثِ -أَيْضًا-، وَاللهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى التَّدْخِينِ فِيهِ إِسْرَافٌ وَتَبْذِيرٌ، وَاللهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: {وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43].
وَيَقُولُ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].
وَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا كَسَبَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ ثُمَّ أَحْرَقَهُ لَعُدَّ مَجْنُونًا، مَعَ أَنَّ إِحْرَاقَ الْمَالِ خَارِجَ الْجِسْمِ فِيهِ مُصِيبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ فَقْدُ الْمَالِ، وَأَمَّا إِحْرَاقُهُ -أَيِ الْمَالِ- بِالدُّخَانِ دَاخِلَ الْجِسْمِ فَفِيهِ مُصِيبَتَانِ: إِتْلَافُ الْمَالِ، وَضَرَرُ الْجِسْمِ.
خُلَاصَةُ الْقَوْلِ أَنَّ التَّدْخِينَ حَرَامٌ لِمَا يَلِي:
لِانْعِدَامِ النَّفْعِ بِهِ؛ فَهُوَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا.
وَلِثُبُوتِ ضَرَرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَوَادَّ سَامَّةٍ وَقَاتِلَةٍ كَالنِّيكُوتِينِ وَالْقَارِ؛ أَيِ الْقَطْرَانِ.
وَلِثُبُوتِ خُبْثِهِ، وَخُبْثُهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُدَخِّنِينَ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ مَرِيضَةٌ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ وَتَبْذِيرٌ وَإِنْفَاقٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةٍ.
وَلِأَنَّهُ مُخَدِّرٌ وَمُفَتِّرٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُخَدِّرٍ وَمُفَتِّرٍ».
وَالَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ السَّجَائِرَ وَمَا يُدَخَّنُ هُمْ أَنْفُسُهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ ضَارٌّ، وَلَكِنَّ الْعَبَثَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ فِي إِنْتَاجِ ذَلِكَ، وَفِي بَذْلِهِ، وَفِي إِتَاحَتِهِ، وَفِي اتِّخَاذِ الْإِعْلَانَاتِ عَنْهُ، ثُمَّ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنَ الْعُهْدَةِ يُلْزَمُونَ بِأَنْ يَكْتُبُوا: التَّدْخِينُ ضَارٌّ جِدًّا بِالصِّحَّةِ!! فَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْعُهْدَةُ عَلَى مَنِ اشْتَرَاهُ وَأَحْرَقَهُ فَبَذَلَ فِيهِ الْمَالَ، وَأَحْرَقَ الْمَالَ دَاخِلَ الْجَسَدِ، فَأَحْرَقَ الْجَسَدَ أَيْضًا، وَلَا شَأْنَ لَنَا بِذَلِكَ!
لَوْ قِسْنَا عَلَى هَذَا سَائِرَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَهَلْ يُقَالُ لِلنِّسَاءِ: اخْرُجْنَ إِلَى الشَّوَارِعِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ عَارِيَاتٍ، فَإِذَا قَالَ الرِّجَالُ: هَذَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا تَقُولُ الْعَاقِلَاتُ مِنَ النِّسَاءِ.. إِذَا قُلْنَ -أَيْضًا-: لَا يَجُوزُ، يُقَالُ لَهُمْ: لَا تَنْظُرُوا؟!!
وَهِيَ الْحُجَّةُ الْبَغِيضَةُ الْمَرِيضَةُ الْعَاجِزَةُ الْفَائِلَةُ الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا فِيمَا يُعْرَضُ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يَعْرِضُونَ الْخَنَا وَالْفُجُورَ، وَيَعْرِضُونَ الدَّعْوَةَ إِلَى ذَلِكَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِشْارَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْمُوبِقَاتِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمُصْلِحِينَ: هَذَا لَا يَجُوزُ! قِيلَ: إِنَّمَا مِفْتَاحُ ذَلِكَ فِي يَدِكَ، فَلِمَاذَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ؟!!
هَذَا كُلُّهُ مُضَادٌّ لِمَا جَاءَ بِهِ شَرْعُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَيْسَرُ ذَلِكَ وَأَقْرَبُهُ سَدُّ الذَّرَائِعِ، فَضْلًا عَنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، مَعَ جَعْلِهَا مَبْذُولَةً لِلنَّظَرِ وَلِلسَّمْعِ وَلِلْحَوَاسِّ، وَهِيَ طَرِيقٌ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَخَاطِرِ لَا تُؤَدِّي إِلَّا إِلَى الْهَاوِيَةِ الْمُهْلِكَةِ مِنَ التَّرَدِّي فِي نَتْنِ الرَّذِيلَةِ، نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَهْدِيَنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ وَمَا فِيهِ الصَّوَابُ.
((لَعَلَّ بَعْضَ الْجَاهِلِينَ يَقُولُ: مَالِي، وَلِي أَنْ أَفْعَلَ بِمَالِي مَا أَشَاءُ!!
فَيُقَالُ: إِنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِكَ، وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَنْ كَسْبِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ تَصْرِيفِهِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: ((لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ... -مِنْهَا- وَمَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟)) ».
فَلَا يُقَالُ: هُوَ مَالِي، وَأَفْعَلُ بِهِ مَا أَشَاءُ!!
لَا.. لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا تَشَاءُ؛ فَإِنَّ اللهَ جَعَلَكَ مُسْتَخْلَفًا عَلَيْهِ، الْمَالُ مَالُ اللهِ، وَأَنْتَ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ، لِذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الشَّرِيعَةِ بَابٌ فِي الْفِقْهِ يُقَالُ لَهُ: ((بَابُ الْحَجْرِ))، فَإِذَا أَسَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَجُعِلَ التَّصَرُّفُ لِلْعَاقِلِ الَّذِي يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ وَالْقِيَامَ عَلَيْهِ.
المصدر: خُطُورَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ