الْمُسْلِمُ الْإِيجَابِيُّ الْجَادُّ، الْفَائِقُ الْمُمْتَازُ


((الْمُسْلِمُ الْإِيجَابِيُّ الْجَادُّ، الْفَائِقُ الْمُمْتَازُ))

الْمُسْلِمُ الْفَائِقُ الْمُسْلِمُ الْمُمْتَازُ الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَيْفًا لَا كَمًّا؛ لِأَنَّ الْغُثَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْمُنْتَهَى، وَإِنَّمَا هُمُ الَّذِينَ إِذَا رَفَعُوا الْأَكُفَّ إِلَى السَّمَاءِ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُهَا، وَإِذَا مَا اسْتَنْصَرُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ نَصَرَهُمْ وَأَعْطَاهُمْ، وَإِذَا مَا طَلَبُوا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَبَّاهُمْ، وَأَجْزَلَ لَهُمُ الْعَطَاءَ مِنَّةً وَفَضْلًا.

وَهَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ: مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-، كَانَ يُسْمَّى زَيْنَ الْقُرَّاءِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ بِتِلَاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ كَانَتْ تَنْفُذُ إِلَى الْقُلُوبِ إِلَى الْأَرْوَاحِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا بَوَّابٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ بَيْنَ قِرَاءَتِهِ وَالْقُلُوبِ مِنْ حَاجِزِ شَحْمٍ وَلَا لَحْمٍ وَلَا عِظَامٍ، وَإِنَّمَا يُخَاطِبُ الْقُلُوبَ كِفَاحًا.

مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ كَانَ فِي الْجَيْشِ هُنَالِكَ فِي الشَّمَالِ مَعَ الْكُفَّارِ يُجَاهِدُ جِلَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَذَلِكَ الْقَائِدُ الْمُسْلِمُ الْبَطَلُ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- عَلَى رَأْسِ الْجَيْشِ وَهُوَ أَمِيرُهُ، يَقُولُ: أَيْنَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، لَقَدْ دَنَتْ سَاعَةُ الصِّفْرِ، وَسَوْفَ نَبْدَأُ الْآنَ فِي الْأَمْرِ الْأَكْبَرِ، وَقَدْ لَا نَعُودُ وَلَا يَعُودُ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنَّمَا نَحْنُ ذَاهِبُونَ إِلَى اللهِ، رَاجِعُونَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِلَى رَبِّنَا آيِبُونَ.

يَقُولُ: أَيْنَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ؟ فَقَدْ جَدَّ الْجِدُّ، وَاشْتَدُّ الْأَمْرُ، وَدَنَتِ السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا اللِّقَاءُ؟!!

يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ هُنَالِكَ، مُتَّكِئٌ عَلَى رمْحِهِ، يُشِيرُ إِلَى السَّمَاءِ بِأُصْبَعِهِ يَدْعُو رَبَّهُ.

يَقُولُ: لَأُصْبَعُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ فِي الْجَيْشِ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ سَيْفٍ شَهِيرٍ بِأَيْدِي مِئَةِ أَلْفِ شَابٍّ طَرِيرٍ.

إِنَّهَا النَّمَاذِجُ الْفَائِقَةُ..

أُمَّةٌ تُرِيدُ الْفَائِقِينَ، تُرِيدُ مَنْ كَانَ فَائِقًا، آخِذًا بِمَنْهَجِ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهِ.

عَبْدَ اللهِ! كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا وَلَا تَكُن هَازِلًا، وَلَا تَكُنْ مَائِعًا..

كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا..

نَعَمْ.. هَذَا إِمَامُكُمُ الزُّهْرِيُّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ- وَهُوَ إِمَامٌ عَلَمٌ، يَدْخُلُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهِشَامٌ كَانَ خَلِيفَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ, وَجَلَسَ مَعَهُ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنَ الْأَنْجُمِ الزُّهْرِ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.

فَكَانُوا حَوْلَهُ كَوْكَبَةً مُضِيئَةً فِي رَائِعَةِ الضُّحَى وَفِي وَقْدَةِ الشَّمسِ بَحَرِّهَا, تُكْسَفُ الشُّمُوسُ وَلَا تُكْسَفُ أَنْوَارُهُمْ, وَتَتَوَارَى بِحُجُبِهَا وَلَا تَتَوَارَى أَنْوَارُهُمْ.

وَكَانَ الزُّهْرِيُّ هُنَالِكَ جَالِسًا، وَهِشَامٌ يَرَى لِلْخُصُومَةِ التِي كَانَتْ بَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَيْنَ الْعَلَوِيِّينَ وَآلِ الْبِيْتِ، وَكَانَ أَمْرُ النِّزَاعِ مَا زَالَ قَائِمًا، كَانَ يَرَى أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ -وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ- هَذَا الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ وَلَهُ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ تَوَعُّدًا فِي حَادِثَةِ الْإِفْكِ, كَانَ هِشَامٌ يَرَى أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-!!

فَقَالَ لِمَنْ بِجِوَارِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبرَهُ؟

قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ.

فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ أَدْرَى بِمَا يَقُولُ!!

ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي بَعْدَهُ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ؟

فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ.

فَقَالَ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

وَمَرَّ السُّؤَالُ حَتَّى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-، فَقَالَ: مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبرَهُ؟

فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُول.

قَالَ: كَذَبْتَ.

قَالَ: أَنَا أَكْذِبُ لَا أَبَ لَكَ!! وَاللهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنَّ الْكَذِبَ حَلَالٌ مَا كَذَبْتُ.

جِدٌّ فِي تَرَفُّعٍ، وَتَرَفُّعٌ فِي جِدٍّ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً، وَلِأَنَّ الطَّرِيقَ بَاتَ مَكْشُوفًا، وَلِأَنَّ الظَّلَامَ عَادَ مُنْقَشِعًا، وَلِأَنَّ الْغَبَشَ صَارَ مُزَالًا، وَلِأَنَّ الطَّرِيقَ أَصْبَحَتْ وَاضِحَةً, وَلِأَنَّ الْأَقْدَامَ عَلَى الصِّرَاطِ صَارَتْ مُسْتَقِيمَةً، وَلِأَنَّ النَّفْسَ عَادَتْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالمِينَ الَّذِي خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.

فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ, قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ حَتَّى بَلَغَ عَائِشَةَ -وَهِيَ صَاحِبَةُ الشَّأنِ فِي حَادِثَةِ الْإِفْك- أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كَبْرَهُ يَوْمَئِذٍ؛ هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ.

يَقُولُ هِشَامٌ: قَدْ هَيَّجْنَاكَ فَسَامِحْنَا!! قَدْ هَيَّجْنَاكَ فَسَامِحْنَا!!

جِدٌّ فِي تَرَفُّعٍ، وَتَرَفُّعٌ فِي جِدٍّ, وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ.

كُنْ جَادًّا مُتَرَفِّعًا، وَلَا تَكُنْ هَازِلًا، وَلَا تَكُنْ مَائِعًا، فَإِنَّ الْوَقْتَ لَا يَحْتَمِلُ, وَإِنَّ الزَّمَانَ لَمْ يَعُدْ بِمُتَّسَعٍ فِيهِ يَحْتَمِلُ، وَإِنَّ الأَمْرَ صَارَ جِدًّا صِرْفًا مَحْضًا لَا مَكَانَ فِيهِ لِلْهَزْلِ وَلَا مَوْضِعَ، فَإِمَّا حَيَاةٌ كَرِيمَةٌ، وَإِمَّا حَيَاةٌ أَذَلُّ مِنْهَا الذُّلُّ ذَاتُهُ.

وَالْإِسْلَامُ يَهِيبُ بِأَبْنَائِهِ؛ أَنْ لَبُّوا دَعْوَةَ الْحَقِّ فَتُوبُوا، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَارْجِعُوا, وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا عَنِ الْعَقِيدَةِ مُنَافِحِينَ!! فَدَافِعُوا عَنْ أَرْضِكُمْ, وَدَافِعُوا عَنْ عِرْضِكُمْ، وَدَافِعُوا عَنْ شَرَفِكُمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَوْتَ أَوْلَى بِكُمْ، وَأَشْرَفُ لَكُمْ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  المَوْعِظَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ((رَمَضَانُ شَهْرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ))
  اسْتِيعَابُ السُّنَّةِ الْمُسْتَجَدَّاتِ فِي كُلِّ الْعُصُورِ
  فَضْلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْقُرْآنِ
  مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ
  الْحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ
  المَوْعِظَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : ((ثَمَرَاتُ ذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-))
  عِزُّ المُؤْمِنِ فِي اِسْتِغْنَائِهِ عَنِ النَّاسِ
  ذِكْرُ الْعَبْدِ للهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ مِنَ اللهِ
  إِسْهَامَاتُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِي فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَعِ
  خُطُورَةُ الْمَعَاصِي وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْحَجِّ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي الْقُرْآنِ
  أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا
  فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الزَّكَاةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  مَنْهَجُ الْإِخْوَانِ وَالْجَمَاعَاتِ الضَّالَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْحُكَّامِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان