فَضَائِلُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَشَرَفُ حَمَلَتِهِ


((فَضَائِلُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَشَرَفُ حَمَلَتِهِ))

*الْوَحْيُ هُوَ رُوحُ الْعَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ:

إِنَّ الْوَحْيَ هُوَ رُوحُ الْعَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ, وَإِذَا خَلَا الْعَالَمُ مِنَ الرُّوحِ وَالنُّورِ وَالْحَيَاةِ؛ أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ الْقُرآنَ يُرْفَعُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ, فَيُصْبِحُ النَّاسُ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ آيَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ, وَحِينَئذٍ -عِنْدَمَا يَخْلُو الْعَالَمُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالنُّورِ وَمَادَّةِ هَذَا الْوُجُودِ الْحَقِّ- فَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُقِيمُ السَّاعَةَ.

إِذَنْ الْوَحْيُ هُوَ نُورُ الْعَالَمِ وَحَيَاتُهُ وَهِدَايَتُهُ, وَعَلَى قَدْرِ تَمَسُّكِ الْإِنْسَانِ بِهَذَا النُّورِ وَالْحَيَاةِ وَالْهُدَى يَكُونُ تَحْقِيقُهُ لِلْقَصْدِ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, فَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَنَا لِغَايَةٍ, وَهَذِهِ الْغَايَةُ مُبَيَّنَةٌ فِي الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ, وَإِذَا مَا عَاشَ النَّاسُ بِهَذَا الْوَحْيِ؛ سَعِدُوا فِي الْحَيَاةِ, وَتَجَنَّبُوا سُبُلَ الشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ, وَلَا حَيَاةَ لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَّا بِأَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْوَحْيِ.

الشَّيْطَانُ فِي مَعْرَكَتِهِ مَعَ الْإِنْسَانِ حَرِيصٌ تَمَامَ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ عَائِشِينَ بِنَقِيضِ الْوَحْيِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا وَحْيٌ وَإِمَّا نَقِيضُهُ, فَإِمَّا أَنْ تَحْيَا بِالْوَحْيِ، وَإِمَّا أَنْ تَحْيَا بِنَقِيضِ الْوَحْيِ.

أَمَّا مَنِ اتَّبَعَ الْوَحْيَ؛ فَهُوَ مُتَّبِعٌ للَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلِرَسُولِهِ, وَأَمَّا مَنْ فَارَقَ الْوَحْيَ؛ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا وَحْيٌ وَإِمَّا نَقِيضُ الْوَحْيِ.

وَالَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَّا هُوَ: ((أَنْ نَحْيَا بِالْوَحْيِ)), وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ مَعْنَاهَا الصَّحِيحَ, وَجَعَلْتَهُ فِي حَيَاتِكِ نِبْرَاسًا وَمِنْهَاجًا, وَحَقَّقْتَهُ فِي ذَاتِكَ وَفِي رُوحِكَ وَفِي نَفْسِكَ وَفِي جَسَدِكَ وَفِيمَنْ حَوْلَكَ, هَذِهِ الْجُمْلَةُ تُورِثُكَ السَّعَادَةَ دُنْيَا وَآخِرَة, وَتُجَنِّبُكَ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَهِيَ: ((عِشْ بِالْوَحْيِ)).

*بَعْضُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ الْقُرْآنِ:

*الْقُرْآنُ هُوَ فَضْلُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ الْعَظِيمَةُ، وَبِاتِّبَاعِهِ يُفْرَحُ: قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].

قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَيَا كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ مِنْ أُمَّتِهِ، قُلْ لِلنَّاسِ مُبَيِّنًا وَمُقْنِعًا: اسْتَمْسِكُوا بِإِفْضَالِ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِكُمْ، وَمَا آتَاكُمْ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَشِفَاءِ الصُّدُورِ، فَبِذَلِكَ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَالْحِرْصَ عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ فَلْيَفْرَحُوا.

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَعَدَّ لَكُمْ فِيمَا لَوْ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِ، وَاتَّبَعْتُمْ وَصَايَاهُ، هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ.

*وَالْقُرْآنُ كِتَابٌ قَوِيٌّ غَيْرُ مَغْلُوبٍ، لَا يَلْحَقُهُ بَاطِلٌ وَلَا تَبْدِيلٌ: قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42].

إِنَّ الْقُرْآنَ لَكِتَابٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، قَوِيٌّ فِي الْحَقِّ، غَالِبٌ بِبَيِّنَاتِهِ وَبَيَانَاتِهِ وَبِبَيَانِهِ، وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، غَيْرُ مَغْلُوبٍ، لَا يَأْتِيهِ مَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ حَقَائِقَ سَابِقَةٍ لِتَنْزِيلِهِ وَلَا مِمَّا يَأْتِي بَعْدَ تَنْزِيلِهِ، فَلَا يَجِدُ الْبَاطِلُ إِلَيْهِ سَبِيلًا مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ.

وَهُوَ أَيْضًا مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ اللهِ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.

*وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ هَذَا الْقُرْآنِ:  {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].

هَذَا الْقُرْآنُ كِتَابٌ نُظِّمَتْ آيَاتُهُ تَنْظِيمًا مُحْكَمًا مُتْقَنًا، لَا يَقَعَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَلَا خَلَلٌ، بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَعْلِ آيَاتِهِ مُطَابِقَةً لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ، فَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ إِلَّا الْمَعْنَى الَّذِي أُرِيدَتْ بِهِ، ثُمَّ بُيِّنَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَبَيَانِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

*وَأَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْكَمٌ فِي لَفْظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ: قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1].

تِلْكَ الْآيَاتُ الْمُنَزَّلَاتُ مِنْ عِنْدِ اللهِ هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي يَجِبُ تَدْوِينُهُ بِالْكِتَابَةِ، وَجَعْلُهُ بَيْنَ النَّاسِ كِتَابًا مَحْمِيًّا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْيِيرِ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ التَّبْدِيلِ، الْمُحْكَمُ فِي لَفْظِهِ وَمَعانِيهِ، وَفِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي ضَمَّنْاهَا فِي آيَاتِهِ الَّتِي أَوْحَيْنَاهَا إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

*وَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ: قَالَ تَعَالَى -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92].

وَهَذَا الْقُرْآنُ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، دَائِمُ النَّفْعِ، لَا تَنْضَبُ فُيُوضُ مَعَانِيهِ.

وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}  [الزخرف: 4].

الْقُرْآنُ مُثْبَتٌ عِنْدَنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فِي مَكَانٍ عَلِيٍّ ذِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَاتِهِ تَتَعَلَّقُ بِكُبْرِيَاتِ الْحَقَائِقِ الْمُبَيِّنَاتِ لِصِفَاتِ اللهِ، وَمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ عِبَادِهِ.

وَهُوَ -أَيْضًا- حَكِيمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ فِي مَعَانِيهِ وَمَبَانِيهِ، وَأَغْرَاضِهِ وَمَرَامِيهِ، مُحْكَمٌ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ، وَلَا الِاخْتِلَافُ وَلَا التَّنَاقُضُ.

وَقَدْ فَصَّلَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- الْكِتَابَ مُتَّصِفًا بِأَرْبَعِ صِفَاتٍ:

الصِّفَةُ الْأُولَى: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ قَضَايَا الدِّينِ الْكُبْرَى.

وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: هُدًى عَظِيمًا يَدُلُّهُمْ عَلَى طَرِيقِ سَعَادَتِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.

وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: رَحْمَةً لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ.

وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: بُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ الْمُنْقَادِينِ لِأَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ، يُبَشِّرُهُمْ بِرْضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَبِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ الْخَالِدَةِ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الدِّينِ.

*وَحَفِظَ اللهُ الْقُرْآنَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وَإِنَّا لِلْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- لَمُتَكَفِّلُونَ بِحِفْظِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ بَشَرٌ، مَهْمَا تَتَابَعَتِ الْأَجْيَالُ، وَتَوَالَتِ الْقُرُونُ وَالْأَحْقَابُ.

وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 13-14].

إِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ عِنْدَ اللهِ، رَفِيعَةِ الْقَدْرِ وَالْمَنْزِلَةِ، مُطَهَّرَةٍ مِنَ الدَّنَسِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.

*فَضَائِلُ الْقُرْآنِ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَشَرَفُ حَمَلَتِهِ:

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْبُوطَةً بِقَانُونٍ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ وَلَا تَتَعَدَّاهُ بِحَالٍ أَبَدًا.

 قَانُونٌ كَوْنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِ النَّبِيِّ  ﷺ فَلَا مَنَاصَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي دُنْيَا اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: عَلَى قَدْرِ اعْتِنَاءِ الْأُمَّةِ بِالْقُرْآنِ تَكُونُ رِفْعَتُهَا وَيَكُونُ عُلُوُّهَا, وَعَلَى قَدْرِ إِهْمَالِ الْأُمَّةِ لِلْقُرْآنِ يَكُونُ انْحِطَاطُهَا وَتَكُونُ ذِلَّتُهَا.

  يَقُولُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ , قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». 

 إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ -أَيْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ- أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ 

الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ يُقَدِّمُ فِي الدُّنْيَا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ, فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ, فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا, فَإِنْ كَانُوا فِي هَذَا سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً, فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا)).  وَهِيَ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ .

وَالنَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِكْرَامَ حَامِلِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ, وَمَفْهُومُ هَذَا الْكَلَامِ الْعَظِيمِ أَنَّ الَّذِي لَا يُكْرِمُ حَامِلَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لَيْسَ مُجِلًّا لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ -أَيْ وَإِكْرَامَ حَامِلِ الْقُرْآنِ- غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ».

الْغَالِي فِيهِ: الَّذِي يَأْخُذُ بِالْعَمَلِ بِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْهَجِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَالْجَافِي عَنْهُ: الَّذِي يَتَتَبَّعُ مُتَشَابِهَهُ وَمَا غَمُضَ مِنْهُ عَلَى خَلْقِ اللهِ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ, وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ, وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» ؛ أَيِ الَّذِي يَسِيرُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَعْدَلَةِ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا يُرِيدُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَيُبَيِّنُ النَّبِيُّ ﷺ.

الْقُرْآنَ يُقَدِّمُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا, وَيُقَدِّمُهُ فِي قَبْرِهِ, وَيُقَدِّمُهُ يَوْمَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ, وَيُقَدِّمُهُ فِي الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

فَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الدُّنْيَا فَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ».

وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الْقَبْرِ, فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَجْعَلُ شُهَدَاءَ أُحُدٍ فِي قُبُورِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَثْرَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ، فَكَانَ يَجْعَلُ فِي الْقَبْرِ الِاثْنَيْنِ أَحْيَانًا, وَأَحْيَانًا يَجْعَلُهُمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ, كَانَ يَجْعَلُ الِاثْنَيْنِ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَيُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ.

كَيْفَ يُقَدِّمُهُ ؟

يَقُولُ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فَإِذَا جِيءَ بِاثْنَيْنِ يَجْعَلُهُمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ, وَيَجْعَلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَيُّهُمَا أَكْثَرُ حَمْلًا لِكِتَابِ اللهِ؟))

فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَبْرِهِ» .

فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ يُقَدِّمُ صَاحِبَهُ فِي قَبْرِهِ بِتَقْدِيمِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَتَقْدِيمِ نَبِيِّهِ ﷺ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ يَوْمَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ فَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ, وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ- : عَنْ بُرَيْدَةَ صَاحِبِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((يَلْقَى الْقُرْآنُ صَاحِبَهُ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ - أَيِ الشَّاحِبُ وَجْهُهُ- فَيَقُولُ: أَلَا تَعْرِفُنِي؟

فَيَقُولُ: لَا

فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ, أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُكَ بِالْهَوَاجِرِ, وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ, وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ, وَإِنَّكَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ, فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ, وَيُكْسَى تَاجَ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِينَا هَذِهِ؟

فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ»0 

اُنْظُرْ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي فَضِيلَةِ حَامِلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْعَامِلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ عِنْدَمَا يَلْقَى صَاحِبَهُ وَقَدِ انْشَقَّ عَنْهُ قَبْرُهُ، فَلَا يَعْرِفُهُ صَاحِبُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ الْوَجْهِ.

فَيَقُولُ: أَلَا تَعْرِفُنِي؟

فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ؟

فِي هَوْلٍ وَكَرْبٍ، وَفِي عَنَاءٍ وَبَلَاءٍ، وَفِي خَوْفٍ وَفِي مَسْغَبَةٍ, نَحْنُ فِي  ظَمَإٍ وَفِي هَوْلٍ عَظِيمٍ, فَأَيْنَ  أَنَا مِنْكَ وَلَمْ أَرَكَ قَبْلُ؟

يَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ, أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُكَ بِالْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ, عَمَلٌ بِهِ لَا يَنْقَطِعُ:  أَظْمَأْتُكَ بِالْهَوَاجِرِ صِيَامًا, وَأَسْهَرْتُكَ بِاللَّيْلِ قِيَامًا .

أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُكَ بِالْهَوَاجِرِ, وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ.

 وَالْقَانُونُ أَنَّ كُلَّ تَاجِرٍ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ تِجَارَتَكَ تِجَارَةٌ لَا تَبُورُ وَلَنْ تَبُورَ.

قَالَ النَّبِيُّ الْمَأْمُونُ ﷺ: ((فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِيَسَارِهِ, وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ, وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا, فَيَتَعَجَّبَانِ: لِمَ  كُسِينَا هَذِهِ؟

فَيُقَالُ : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ».

لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ وَرَائِهِ دَفْعًا وَتَشْجِيعًا, كَانَا مِنْ وَرَائِهِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا, كَانَا مِنْ وَرَائِهِ بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ سَوْقًا وَأَمَامَهُ إِمَامًا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ حَامِلًا لِأَعْظَمِ كَلَامٍ قَطُّ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 فَهَذَا إِكْرَامُهُ عِنْدَمَا يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ, وَهَذَا أَمَانُهُ عِنْدَ الْفَزَعِ وَطُمَأْنِينَتُهُ عِنْدَ الرَّوْعِ, وَهَذَا هَذَا كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ.

وَأَمَّا فِي الْجَنَّةِ فَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ   فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا, فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا» .

اقْرَأْ وَارْتَقِ وَاصْعَدْ صُعُودَكَ وَاعْلُ عُلُوَّكَ وَاسْمُقْ سُمُوقَكَ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ جَنَّةِ الرِّضْوَانِ إِلَى الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى صُعُدًا.

 اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا, فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا

أَلَا يَكْفِي فِي الدَلَالَةِ عَلَى شَرَفِ حَمْلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَجَلَالَةِ حِفْظِهِ -وَالْحَافِظُ اللهُ- وَفِي جَلَالَةِ حَمْلِ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ وَأَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ الْأَكْرَمُ ﷺ: ((إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ)).

قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: ((أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ  وَخَاصَّتُهُ)) .

أَلَا يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى شَرَفِ حَمْلِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَتِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ, أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ هُمْ قَدِ اخْتَصَّ بِهِمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَاخْتُصُّوا بِهِ, وَالَّذِينَ هُمْ مِنَ الْقُرْبِ عَلَى هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ هُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ أَشْرَافُ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أَخَذُوا بِهِ لَا غَالِينَ فِيهِ وَلَا جَافِينَ عَنْهُ وَلَا نَائِمِينَ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَتَرْتِيلِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ, وَلَا غَافِلِينَ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ, كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ؟!!

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ الْقُرْآنَ وَالصِّيَامَ يَشْفَعَانِ فِي الْعَبْدِ, يَقُولُ الصِّيَامُ: مَنَعْتُهُ الشَّهْوَةَ وَالطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِالنَّهَارِ, فَيُشَفَّعُ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ وَأَوْرَثْتُهُ السُّهْدَ وَالسَّهَرَ)) .

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَيُشَفَّعَانِ)).  فَيَشْفَعُ الصِّيَامُ, وَيَشْفَعُ الْقُرْآنُ فِي الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: ((مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ, وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ)) .

هُنَاكَ مَا يُسَمَّى بِتِلَاوَةِ التَّعَبُّدِ, فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ كَانَ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ, وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, لَا أَقُولُ {الم} حَرْفٌ, وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ, وَلَامٌ حَرْفٌ, وَمِيمٌ حَرْفٌ)).

 يَعْنِي فِيمَا يُخْبِرُ الْمَعْصُومُ ﷺ أَنَّكَ مَا قَرَأْتَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِلَّا وَكُتِبَ لَكَ بِهَذَا الْحَرْفِ حَسَنَةٌ, ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَةَ عِنْدَ رَبِّكَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

 فَيَا هَدَاكَ اللهُ! لَوْ أَنَّكَ قَرَأْتَ جُزْءًا مِنْ كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَعَلَى كَمْ حَرْفٍ يَشْتَمِلُ؟

وَكَمْ حَرْفًا يَحْتَوِي هَذَا الْجُزْءُ مِنْ كِتَابِ اللهِ؟

وَلَوْ أَنَّكَ قَرَأْتَ خَتْمَةً مِنْ فَاتِحَتِهَا إِلَى خَاتِمَتِهَا, فَعَلَى كَمْ حَرْفٍ تَشْتَمِلُ؟

وَكَمْ حَرْفًا تَحْتَوِي تِلْكَ الْخَتْمَةُ الشَّرِيفَةُ؟

وَيَحْسِبُ لَكَ رَبُّكَ -جَلَّ وَعَلَا- وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ؛ لِذَلِكَ كَانَ الْعُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- لَا يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَّا مَعَ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُكَلِّمَكَ اللهُ فَاقْرَأْ كِتَابَ اللهِ, وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُنَاجِيَ اللهَ فَادْخُلْ إِلَى الصَّلَاةِ, فَعِنْدَئِذٍ تُنَاجِي رَبَّكَ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَعْظَمَ قِيمَةٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِكِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ، وَالصَّدْرُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ صَدْرٌ خَرِبٌ كَالْقَبْرِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الصَّدْرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَسْكُنُهُ النُّورُ, وَإِنَّمَا فِيهِ مِنَ الظُّلْمَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ.

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-, وَحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ مِنْ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَمِنْ هَجْرِهِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الصَّدْرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ, وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَدْفَعُ عَنْكَ فِي قَبْرِكَ, فَإِذَا جَاءَكَ مَنْ يُعَذِّبُكَ فِي قَبْرِكَ -سَلَّمَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ- قَامَ الْقُرْآنُ يَدْفَعُ عَنْكَ, يَقُولُ: لَقَدْ أَسْهَرْتُهُ بِاللَّيْلِ, فَإِذَا جَاءَكَ مِنَ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِأَجْلِ الْعَذَابِ, قَامَ الصِّيَامُ لِكَيْ يَدْفَعَ عَنْكَ, فَقَالَ الصِّيَامُ عِنْدَئِذٍ: لَقَدْ أَظْمَأْتُهُ بِالْهَوَاجِرِ .

عِبَادَ اللهِ! كُونُوا  مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ تَعْلُو بِإِقْبَالِهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَإِنَّهَا تَسْفُلُ وَتَنْحَطُّ بِبُعْدِهَا عَنْ كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

عِبَادَ اللهِّ! إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا, وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» .

وَالنَّبِيُّ ﷺ يُخْبِرُ أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْهَوْلِ الْأَكْبَرِ وَالْفَزَعِ الْأَعْظَمِ جَاءَ الْقُرْآنُ شَفِيعًا لَكَ, كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» .

ثُمَّ عَمَلًا بِهِ -عِبَادَ اللهِ-؛ تَفَهُّمًا لِمَعَانِيهِ, وَعَمَلًا بِمَبَانِيهِ وَمَعَانِيهِ, وَأَخْذًا بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ, تَمَسُّكًا بِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنَّ الْقُرْآنَ شَرَفٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وَلِأَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ مِنْ كُلِّ نَاطِقٍ بِهَذِهِ اللُّغَةِ الشَّرِيفَةِ لُغَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: ٤٤ ]  وَإِنَّهُ لَشَرَفٌ لَكَ, وَرَفْعٌ لِمَقَامِكَ يَا مُحَمَّدُ فَوْقَ رِفْعَتِهِ, وَلِقَوْمِكَ.  

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْقُلُوبَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ, كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨ ]

اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَخْبَرَ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَّا بِذِكْرِهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

 وَأَوَّلُ مَا يَنْطَبِقُ ذِكْرُ اللهِ عَلَى كَلَامِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, فَإِذَا مَا قِيلَ ذِكْرُ اللهِ مُفْرَدًا انْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ مُطْلَقًا.

فَأَعْظَمُ مَا آتَيْتُمْ أَبْنَاءَكُمْ -عِبَادَ اللهِ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ- كِتَابُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 وَمَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَظَنَّ أَحَدًا قَدْ أُوتِيَ خَيْرًا مِنْهُ فَقَدْ حَقَّرَ مَا عَظَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هُوَ أَعْظَمُ قِيمَةٍ قَطُّ لِمَنْ كَانَ لَهُ حَافِظًا, لِمَنْ كَانَ لَهُ حَامِلًا, لِمَنْ كَانَ لِأَدَائِهِ مُجِيدًا, كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.

فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي فِي ((الصَّحِيحِ)) , تَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ -الَّذِي يُجِيدُ تِلَاوَتَهُ لَا يَتَعَثَّرُ فِي تِلَاوَتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ-

مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ  -يَعْنِي مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْمُطَهَّرِينَ الْمَبْرُورِينَ الْأَبْرَارِ- وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ -أَجْرُ التِّلَاوَةِ وَأَجْرُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يُلَاقِيهَا-)).

حَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ مَالٍ وَمَنْصِبٍ وَجَاهٍ طَاعِنًا فِي السِّنِّ وَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ.

 كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْقَدِيمُ:

تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا        وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ

فَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ    صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ .

عَيْبٌ كَبِيرٌ أَنْ تَكُونَ طَاعِنًا فِي السِّنِّ وَلَا تُجِيدُ تِلَاوَةَ السُّوَرِ الصَّغِيرَةِ فِي الْقُرْآنِ.

 عَيْبٌ كَبِيرٌ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّغًا, وَأَنْ يُؤْتِيَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْفَرَاغَ, وَأَنْ يُؤْتِيَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْوَقْتَ ثُمَّ لَا تُنْفِقُ الْوَقْتَ فِي أَشْرَفِ مَا يُنْفَقُ وَقْتٌ فِيهِ قَطُّ وَهُوَ كَلَامُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, دِرَاسَةً وَتِلَاوَةً وَحَمْلًا وَأَدَاءً وَعَمَلًا وَدَعْوَةً بِفَضْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا غَشِيَتْهُمُ السَّكِينَةُ, وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ, وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» .

تَحُفُّ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَلْقَتِهِمْ, يَرْفَعُ الْمَلَكُ جَنَاحَيْهِ, وَيَأْتِي أَخُوهُ فَيَجْعَلُ جَنَاحَيْهِ فَوْقَ جَنَاحَيْهِ حَتَّى تَبْلُغَ الْمَلَائِكَةُ الْحَافُّونَ بِالْحَلْقَةِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا, كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ.

عِبَادَ اللهِ! أَحْرَصُ مَا يَحْرِصُ عَلَيْهِ النَّاسُ, وَأَشَدُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ حَرِيصِينَ هُوَ كِتَابُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَلَا يَخْدَعَنَّكُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ أُمِّيًّا, وَلَا  يَخْدَعَنَّكُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ قَدْ عَلَتْ بِهِ السُّنُونُ, فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمَأْمُونِ ﷺ كَانُوا فِي جُمْلَتِهِمْ أُمِّيِّينَ لَا يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ, وَجَاءَ وَصْفُهُمْ بِفَضْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ بِوَصْفِ حَالِهِمْ فِي زَمَانِهِ, فَقَالَ: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ [لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ» ؛  يَعْنِي فِي حَالِ زَمَانِهِ هُوَ ﷺ.

 وَوَصَفَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- نَبِيَّهُ بِأَنَّهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ ﷺ, فَإِذَا كُنْتَ أُمِّيًّا لَا تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ فَهَوِّنْ عَلَيْكَ؛ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ حَمَلُوا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَخْذًا مِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ لَا مِنْ صَحَائِفَ كَتَبُوهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

وَإِذَا كُنْتَ كَبِيرًا فِي السِّنِّ وَلَوْ طَاعِنًا فَهَوِّنْ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ وَهُوَ فَوْقَ السِّتِّينَ.

 وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ وَهُوَ مِنْ كَبارِ الْأَحْنَافِ وَمِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ دَخَلَ فِي التَّفَقُّهِ وَلَهُ ثَمَانُونَ عَامًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبِتْ عَلَى فِرَاشِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى عُلَمَائِنَا أَجْمَعِينَ-.

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((الْمَجْمُوعِ)) : ((لَمْ يَكُنِ السَّلَفُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ - يُعَلِّمُونَ أَحَدًا الْفِقْهَ وَالْحَدِيثَ إِلَّا إِذَا حَفِظَ الْقُرْآنَ)).

*صِفَاتٌ يَنْبَغِي عَلَى حَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا:

عِبَادَ اللهِ ! إِنَّ حَامِلَ الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ بِصَمْتِهِ إِذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ, وَبِوَقَارِهِ إِذَا مَا سَفِهَ النَّاسُ, وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ بِحِلْمِهِ إِذَا مَا اسْتَبَدَّ الْغَضَبُ بِالنَّاسِ.

 وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ قَارِئُ الْقُرْآنِ وَحَامِلُهُ بِثَبَاتِهِ إِذَا مَا اسْتَفَزَّتِ الْخُطُوبُ النَّاسَ.

 يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ حَامِلُ الْقُرْآنِ بِسَهَرِ لَيْلِهِ إِذَا نَامَ النَّاسُ, وَبِبُكَائِهِ إِذَا ضَحِكَ النَّاسُ.

 يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ حَامِلُ الْقُرْآنِ بِحَالِهِ إِذَا مَا اسْتَبَدَّتْ سَيِّئَاتُ الْأَحْوَالِ بِالنَّاسِ.

 وَانْظُرْ إِلَى إِمَامٍ عَظِيمٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-، انْظُرْ إِلَى نَافِعٍ -رَحِمَهُ اللهُ- -نَافِعُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ أَبُو رُوَيمٍ -رَحِمَهُ اللهُ-، إِمَامٌ مِنَ الْعَشَرَةِ الْكِرَامِ, وَمِنَ الَّذِينَ حَمَلُوا الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ حَقَّ حَمْلِهِ, وَتَلَوْا كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ- . 

كَانَ نَافِعٌ -رَحِمَهُ اللهُ- أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ, وَلَكِنَّهُ كَانَ صَبِيحًا شَدِيدَ صَبَاحَةِ الْوَجْهِ, كَانَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ مُتَمَلِّيًا فِيهِ لَا يُمَلُّ, حَتَّى قَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَشَدَّ صَبَاحَتَكَ! وَمَا أَجْمَلَ وَجْهَكَ! مَعَ شِدَّةِ سَوَادِ وَجْهِهِ وَشِدَّةِ أُدْمَتِهِﷺ .

فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَتَانِي النَّبِيُّ ﷺ فِي الرُّؤْيَا, فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَصَافَحَنِي ﷺ؟!

حَكَى الذَّهَبِيُّ فِي ((السِّيَرِ))  وَفِي ((الْمَعْرِفَةِ)) : ((أَنَّ نَافِعًا -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا, بَلْ إِذَا تَكَلَّمَ فِي مَكَانٍ فَاحَ مِنَ الْمَجْلِسِ وَمِنَ الْمَكَانِ رَائِحَةُ الْمِسْكِ.

فَقِيلَ لَهُ: أَوَتَتَطَيَّبُ كُلَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تُقْرِئَ النَّاسَ كِتَابَ اللهِ؟

قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمَسُّ طِيبًا, وَلَا أَتَطَيَّبُ, وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ص جَاءَنِي فِي الرُّؤْيَا فَتَفَلَ فِي فَمِي, فَأَنَا كُلَّمَا تَلَوْتُ كِتَابَ اللهِ خَرَجَ مِنْ فَمِي رَائِحَةُ الْمِسْكِ -رَحِمَهُ اللهُ- )).

*اسْتِحْسَانُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْأَصْوَاتِ الْعَذْبَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

النَّبِيُّ ﷺ جَاءَتْهُ عَائِشَةُ لَيْلَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ مُتَأَخِّرَةً, صَلَّتِ الْعِشَاءَ, ثُمَّ تَأَخَّرَتْ شَيْئًا, ثَمَّ عَادَتْ.

 فَقَالَ: ((أَيْنَ كُنْتِ؟)) 

فَقَالَتْ: كُنْتُ أَسْتَمِعُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ, لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ مِثْلَ تِلَاوَتِهِ, وَلَمْ أَسْمَعْ قَطُّ مِثْلَ صَوْتِهِ يَتْلُو الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.

 فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخَذَ بِيَدِهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- حَتَّى سَمِعَ تِلَاوَةَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي كَانَتْ تَسْمَعُهُ عَائِشَةُ قَبْلُ.

 فَقَالَ ﷺ: ((هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ, الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا)) .

 يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدِ اسْتَمَعَ إِلَيْهِ لَيْلَةً وَهُوَ يَتْلُو الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ, وَأَبُو مُوسَى لَا يَدْرِي بِمَكَانِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْهُ.

 فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ ﷺ: ((لَوْ أَنَّكَ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ إِلَى تِلَاوَتِكَ الْبَارِحَةَ)).

 فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللهِ, لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا؛ يَعْنِي لَزَيَّنْتُهُ لَكَ تَزْيِينًا.

 يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)) .

  وَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِدَاوُدَ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلِ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمِ- صَوْتًا عَذْبًا رَائِقًا, وَجَعَلَ الْجِبَالَ مُرَجِّعَةً لِلتَّسْبِيحِ مَعَهُ, وَتَأْتِي بِالتِّلَاوَةِ مَعَهُ مُرَجِّعَةً خَاشِعَةً, وَالطَّيْرَ وَالْحَجَرَ وَالشَّجَرَ, فَيَقُولُ النَّبِيُّ ص لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ  .

 

المصدر:الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَأَثَرُهُ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَرْسِيخِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حُبُّ الوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  الْحَثُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي شَهْرِ رَمضَانَ
  فَوَائِدُ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتُهُ عَلَى الْفَرْدِ
  سَعَادَةُ الْعَالَمِ وَصَلَاحُهُ فِي اتِّبَاعِ الْوَحْيِ
  دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوْحِيدِ وَتَقْدِيمُ مَصْلَحَتِهِمْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ
  احْذَرُوا مِنْ ذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ!!
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَعْلِيمُ الشَّبَابِ سُبُلَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  كُنْ بَارًّا بِوَطَنِكَ وَفِيًّا لَهُ!!
  هِجْرَةُ النَّبِيِّ ﷺ حَدَثٌ مَتَفِرِّدٌ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ
  رِعَايَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلْيَتِيمِ وَالْكَسِيرِ وَالضَّعِيفِ
  ضَرُورَةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  أَهَمِّيَّةُ اِغْتِنَامِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَحُجُّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان