مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ


((مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ))

عِبَادَ اللهِ! عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتِصَمَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وأَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي هَذَا النَّجَاةُ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ النَّجَاةَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا مَعْدِنُ الْعِلْمِ وأَصْلُهُ، فَمَهْمَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وتَنَكَّبَهُمَا وَاسْتَدْبَرَهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَبْرَ أُذُنيْهِ وَخَلْفَ ظَهْرِهِ؛ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَبِيِّهِ ﷺ: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنَ الْعِلْمِ لَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ أَنْ يَسْتَزِيدَهُ مِنَ الْعِلْمِ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّهُ سُبْحَانَهُ نَفَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ، كَمَا نَفَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابِ النَّارِ، فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون} [الزمر: 9] كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ فَضْلِهِمْ وَشَرَفِهِمْ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ أُولِي الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ حَقًّا، وَجَعَلَ هَذَا ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَاسْتِشْهَادًا بِهِمْ)).

وقال -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَهْلُ الذِّكْرِ: أَهْلُ الْقُرْآنِ وَقِيلَ: أَهْلُ الْعِلْمِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ)).

وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ هُمْ أَهْلُ خَشْيَتِهِ، بَلْ خَصَّهُمْ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بِذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}. وَهَذَا حَصْرٌ لِخَشْيَتِهِ فِي أُولِي الْعِلْمِ)).

قَالَ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَزِيدَ الْعِلْمِ، وَكَفَى بِهَذَا شَرَفًا لِلْعِلْمِ أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ)).

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا؛ إِلَّا ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وَكَذَا حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ)).

فَطَلَبُ العِلْمِ وتَعْلِيمُهُ مِنْ أَعْظَمِ سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-:

قَالَ أَبو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مَنْ رَأَى الْغُدُوَّ وَالرَّوَاحَ إِلَى الْعِلْمِ لَيْسَ بِجِهَادٍ؛ فَقَدْ نَقَصَ عَقْلَهُ وَرَأيَهُ)).

وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الطَّلَبِ؛ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ)).

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ((مَن طَلَبَ الْعِلْمَ فَقَدْ بَايَعَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- )).

وَذَكَرَ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ في ((الْجَامِعِ)) عَن بَعْضِهِم في قَدْرِ العُلَمَاءِ وَقِيمتِهِم:

وَمِدَادُ مَا تَجْرِي به أَقْلَامُهُمْ   ***  أَزْكَى وَأَفْضْلُ مِن دَمِ الشُّهَدَاءِ

يَا طَالِبِي عِلْمَ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ       ***  مَا أَنْتُمُ وَسُواكُم بِسَــــوَاءِ. 

 

المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الذِّكْرُ هُوَ بَابُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ
  الدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
  ثَمَرَاتُ رِعَايَةِ كِبَارِ السِّنِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  حِيَاطَةُ الشَّرْعِ لِلْعَقْلِ
  الْحُبُّ الْفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  حَثُّ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  حُقُوقُ الْمُسِنِّينَ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-
  الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ فِي دِينِ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ
  المَوْعِظَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : ((جُمْلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ(1) ))
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ
  الْأَمَلُ الْمَذْمُومُ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ
  جُمْلَةٌ مِنْ حُقُوقِ الْمُسِنِّينَ فِي الْإِسْلَامِ
  هَلْ رَأَى النَّبِيُّ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟
  وَظِيفَةُ دِينِ اللهِ فِي الْحَيَاةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان