«دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ»
«الدرس السادس عشر»
«التَّقْوَى»
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالتَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ لِلْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]، فَتَقْوَى اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
والتَّقْوَى: هِيَ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ بِفِعْلِ المَأْمُورِ وَتَرْكِ المَحْظُورِ، فَهَذِهِ تَقْوَى اللهِ.
التقوى كما بَيَّنَ أُبَيٌّ - رضوان الله عليه - للفاروقِ عمرَ - رضي الله عنه وأرضاه - إذ يسألُهُ وهو الفاروقُ الذي أتَاهُ اللهُ ربُّ العالمينَ ما آتاهُ مِنَ الخيرِ والفضلِ والعطاءِ الجزيلِ, الذي يقولُ فيهِ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنَّه مِنَ المُحَدَّثِينَ, مِنْ أصحابِ الإلهامِ, كانَ يتنزلُ القرآنُ على ما يَرَى في كثيرٍ مِنَ المواضعِ كما هو معلومُ -رضوان الله عليه وعلى الصحابةِ أجمعينَ- لا يستنكفُ أنْ يسألَ إذا لم يعلم عن الأمرِ الذي لا يعلمُهُ مَنْ يَعْلَمُهُ، فيقولُ: يا أُبَي! ما التقوى؟
فيقولُ: يا أميرَ المؤمنينَ، أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذِي شوكٍ؟
قالَ: بلى.
قال: ما صَنَعْتَ؟
قال: شَمَّرْتُ واجتهدتُ.
قال: فتلكَ التقوى.
فانظر إلى هذا الصحابيِّ الجليلِ -الذي هو أَقْرَأُ أُمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كيفَ نَوَّرَ اللهُ ربُّ العالمينَ بَصِيرَتَهُ، وألقَى اللهُ ربُّ العالمينَ النُّورَ على لسانِهِ، وحَمَلَ عمرَ -رضوان الله عليه- حَمَلَهُ من وادِي المعاني إلى وادي المبانِي، وأخذَ بيدِهِ -رضوان الله عليهِمَا- إلى وسيلةٍ توضيحيةٍ تعليميةٍ ظاهرةٍ بأمرٍ حسيٍّ معلومٍ مُشَاهَدٍ -بل هو مُجَرَّبٌ-؛ لأنَّهُ سألَهُ عمَّا يصنعُ عندما يسيرُ في طريقٍ ذي شوكٍ، فَقَرَّرَهُ بدءًا: أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذي شوكٍ؟
فعادت في المَخِيلَةِ الذهنيةِ العُمَرِيَّةِ وقائعُ مرتْ -وهي كثيرةٌ-، إذ كان يرعَى الغنمَ للخَطَّابِ، وكان الخَطَّابُ غليظَ الطبعِ جدًّا؛ فكان يضرِبُهُ ويُجِيعُهُ ويؤذيهِ كما أخبرَ هو عن أبيهِ بَعْدُ -رضوان الله عليه-، وكان يُدْعَى (عُمَيْرًا)، كان يُدْعَى (عُمَيْرًا) فَسُمِّيَ عُمَر -رضوان الله عليه-، كان مُتَوَقِّيًا.
واللهُ ربُّ العالمينَ شهيدٌ على ذلكَ خبيرٌ به، إذ كانَ يَخْطبُ يومًا ومُسترسلًا في خَطَابَتِهِ كما ينبغي أنْ يكونَ لسانُ الفاروقِ -رضوان الله عليه- ثم فجأةً حَادَ عن النهجِ الذي كانَ فيه سالكًا، وحادَ عن القصدِ الذي كانَ إليهِ قاصدًا، ثم أخذَ يقولُ مخاطبًا نفسَهُ: يا ابن الخَطَّابِ! لقد كنتَ وَضِيعًا فَرَفَعَكَ اللهُ، وكنتَ ذَلِيلًا فَأَعَزَّكَ اللهُ، وكنتَ تُدْعَى (عُمَيْرًا) فأصبحتَ تُسَمَّى (عُمَر), وكنتَ, وكنتَ, وكنتَ...., حتى صِرْتَ أميرًا للمؤمنينَ.
ثمَّ عاد إلى وَصْلِ ما انقَطَعَ من خُطْبَتِهِ، فلمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عليه صحبُهُ فقالوا: سمعنَا منكَ اليومَ حديثًا عجبًا، فأيُّ شيءٍ هذا؟! قال: إنِّي قد أعجبتني نفسِي في حالِ خَطَابَتِي فأردتُ أنْ أُؤدِّبَهَا، وأنْ أُلْزِمَهَا حَدَّهَا، وأنْ أُعَرِّفَهَا قَدْرَهَا -رضوان الله عليه-.
ومع ذلك وهو مُعَلِّمُ التقوى الخبيرُ بمسالكِهَا، النَّبِيهُ لجميعِ مَزَالِقِهَا، الحريصُ على تَتَبُّعِ كُلِّ ما أتى فيها يسألُ أُبَيًا -رضوان الله عليه-: ما التقوى يا أُبَيُّ؟ فيأخذُ أُبَيٌّ يدَاهُ إلى جَادَّةِ المعلومِ المُشاهدِ المُجَرَّبِ: أمَا سِرْتَ في طريقٍ ذي شوكٍ وأنتَ ترعى للخَطَّابِ أغنامَهُ, وأنتَ سائرٌ في سبيلِ اللهِ ربِّ العالمينَ مجاهدًا, وأنتَ تَعُسُّ بالليلِ تتفقدُ أحوالَ الرَّعِيَّةِ التي جعلَهَا اللهُ ربُّ العالمينَ مُعَلَّقَةً بخيطِ رقبتِكَ, أمَا سِرْتَ في طريق ذي شوكٍ؟ قال: بلى. قال: مَا صنعتَ؟ قال -في لَفْتَةٍ عُمَرِيَّةٍ ذكيةٍ مختصرةٍ مِنْ غيرِ ما إسهابٍ ولا تعويلٍ على كلامٍ لا يُفيد- قالَ: شَمَّرْتُ واجتهدتُ.
وانظر إليه مُشَمِّرًا وقد بانتْ ساقُهُ -رضوان الله عليه-، وقد أخذَ بِحُجْزَةِ إِزَارِهِ له رافعًا ثم هو مجتهدٌ يجعلُ الخَطْوَ رفيقًا، ويجعلُ الأناةَ رائدًا، ويجعلُ التمهلَ سائقًا، وينزلُ على أطرافِ الأصابعِ يُمَكِّنُ لرجلِهِ لقدمِهِ شيئًا مِنْ بعدِ شيءٍ يَتَوَقَّى، فإذا ما أحسَّ بأولِ أثرٍ مِنْ ألمٍ تَوَقَّى عن الألمِ رافعًا، يقولُ: فتلكَ التقوى يا أميرَ المؤمنينَ.
«دَرْبُ الْحَيَاةِ مَلِيءٌ بِأَشْوَاكِهَا»
هَذَا دَرْبُ الْحَيَاةِ مَلِيءٌ بِأَشْوَاكِهَا, مَلِيءٌ بِأَشْوَاكِ الْحَيَاةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الخَلْقِ, فِي التَّعَامُلِ مَعَ الخَلْقِ المُفْضِي حَتْمًا إِلَى شَحْنَاءَ لَا يُحِبُّهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَا يَرْضَاهَا, إِلَى أَحْقَادٍ وَأَحْسَادٍ, إِلَى هُمُومٍ وَغُمُومٍ, إِلَى ظُلْمٍ وَطُغْيَانٍ وَعُدْوَانٍ.
وَكَذَا التَّعَامُلُ مَعَ الْبَشَرِ, كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْأَوَّلُ:
عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ عَوَى ... وَصَــوَّتَ إِنْسَــانٌ فَكِـدتُّ أَطِيــرُ
هَكَذَا, هَكَذَا فِي دَرْبِ الْحَيَاةِ، فِي أَشْوَاكِهَا, فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقِّيًا, وَأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ, وَأَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ الْقَلْبِ بِيَدٍ مِنْ حَدِيدٍ، حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى صِرَاطِ رَبِّنَا الْحَمِيدِ؛ حَتَّى لَا يَزِلَّ وَلَا يَضِلَّ, وَحَتَّى لَا يَأْخُذَ الهَوَى بِزِمَامِ قَلْبِهِ، فَيُطَوِّحَ بِهِ فِي مَطَارِحَ لَا تَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ أَبَدًا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْسِنًا, فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلْغُفْرَانِ رَاجِيًا.
فَهَذَا هَذَا -عِبَادَ اللهِ!-
«تَقْوَى اللهِ هِيَ الحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ»
إِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ –جلَّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ [البقرة: 183].
قَالَ العَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رحمهُ اللهُ تَعَالَى-: «يُخْبِرُ تَعَالَى بمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ بِأَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِم الصِّيَامَ كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالأَوَامِرِ الَّتِي هِيَ مَصْلَحَةٌ لِلخَلْقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ.
وَفِيهِ تَنْشِيطٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُنَافِسُوا غَيْرَكُمْ فِي تَكْمِيلِ الأَعْمَالِ، وَالمُسَارَعَةِ إِلَى صَالِحِ الخِصَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأُمُورِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي خُصِّصْتُمْ بِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَتَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ فَقَالَ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ.
فَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْوَى: أَنَّ الصَّائِمَ يَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالجِمَاعِ وَنَحْوِهَا...الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ، مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللهِ، رَاجِيًا بِتَرْكِهَا ثَوَابَهُ، فَهَذَا مِنَ التَّقْوى.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ يُدَرِّبُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى، فَيَتْرُكُ مَا تَهْوَى نَفْسُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِعِلْمِهِ بِاطِّلَاعِ اللهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصِّيَامَ يُضَيِّقُ مَجَارِيَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فِبِالصِّيَامِ يَضْعُفُ نُفُوذُهُ، وَتَقِلُّ مِنْهُ المَعَاصِي.
وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّائِمَ فِي الغَالِبِ تَكْثُرُ طَاعَتُهُ، وَالطَّاعَاتُ مِن خِصَالِ التَّقْوَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ الغَنِيَّ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الجُوعِ؛ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مُوَاسَاةَ الفُقَرَاءِ المُعْدِمِينَ، وَهَذَا مِنْ خِصَالِ التَّقْوَى».
« تَقْوَى اللهِ تَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ»
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الصَّلَاةُ والصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا مِن العِبَادَاتِ فَقَط، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَاتَّقِ اللهَ فِي عِبَادَةِ مَوْلَاكَ، لَا تُفَرِّطْ فِيهَا، وَاتَّقِ اللهَ فِي إِخْوَانِكَ لَا تُؤْذِ أَحَدًا مِنْهُم، وَاتَّقِ اللهَ فِي بَلَدِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ وَلَا تُهْمِلْ فِي صِحَّتِكَ، وَلَا تَتَخَلَّقْ بِسِوَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ».
*اتَّقِ اللهَ فِي وَطَنِكَ:
اتَّقِ اللهَ في وَطَنِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَلَا تَدْفَعْهُ إِلَى الفَوْضَى والشِّقَاقِ.
إِنِّي لأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الخَائِنُونَ؟!!
أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!
إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!
وَقَدْ تَضِيقُ أَخْلَاقُ الرَّجُلِ فَيَظُنُّ أَنَّ وَطَنَهُ قَد ضَاقَ بِهِ، وَالحَقُّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ القَدِيمُ:
وَرَبِّكَ مَا ضَاقَت بِلَادٌ بِأَهْلِهَا *** وَلَكِنَّ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ
وَحَالُ مَنْ فَارَقَ وَطَنَهُ هُوَ:
شَوْقٌ يَخُضُّ دَمِي إِلَيْهِ، كَأَنَّ كُلَّ دَمِي اشْتِهَاء
جُوعٌ إِلَيْهِ... كَجُوعِ دَمِ الغَرِيقِ إِلَى الهَوَاء
شَوْقُ الجَنِينِ إِذَا اشْرَأَبَّ مِن الظَّلَامِ إِلَى الولَادَه
إِنِّي لأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الخَائِنُونَ
أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!
إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!
الشَّمْسُ أَجْمَلُ فِي بِلَادِي مِن سِوَاهَا، وَالظَّلَام
حَتَّى الظَّلَامُ هُنَاكَ أَجْمَلُ، فَهُوَ يَحْتَضِنُ الكِنَانَه
وَا حَسْرَتَاهُ!! مَتَى أَنَامُ
فَأُحِسُّ أَنَّ عَلَى الوِسَادَه مِنْ لَيْلِكِ الصَّيْفيِّ طَلًّا فِيهِ عِطْرُكِ يَا كِنَانَه؟
مَا دَامَ الوَطَنُ إسلامِيًّا فَيَجِبُ الدفاعُ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ الإضْرَارُ بِهِ.
«عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ»
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي فِعْلِ أَمْرِهِ
وَتَجْتَنِبُ الْـمَنْـهِيَّ عَنْهُ وَتُبْعِدُ
وَكُنْ مُخْلِصًا للهِ وَاحْذَرْ مِنَ الرِّيَا
وَتَابِعْ رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتَ تَعْبُدُ
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحمنِ حَقًّا وَثِقْ بِهِ
لِيَكْفِيكَ مَا يُغْنِيكَ حَقًّا وَتَرْشُدُ
تَصَبَّرْ عَنِ العِصْيَانِ وَاصْبِرْ لِـحُكْمِهِ
وَصَابِرْ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَّكَ تَسْعَدُ
وَكُنْ سَائِرًا بَيْنَ الْـمَخَافَةِ وَالرَّجَا
هُمَا كَجَنَاحَيْ طَائِرٍ حِينَ تَقْصِدُ
وَقَلْبَكَ طَهِّرْهُ وَمِنْ كُلِّ آفَةٍ
وَكُنْ أَبَدًا عَنْ عَيْبِهِ تَتَفَقَّدُ
وَجَمِّلْ بِنُصْحِ الْخَلْقِ قَلْبَكَ إِنَّهُ
لَأَعْلَى جَمَالٍ لِلْقُلُوبِ وَأَجْوَدُ
وَصَاحِبْ إِذَا صَاحَبْتَ كُلَّ مُوَفَّقٍ
يَقُودُكَ لِلْخَيْرَاتِ نُصْحًا وَيُرْشِدُ
وَإِيَّاكَ وَالْـمَرْءَ الَّذِي إِنْ صَحِبْتَهُ
خَسِـرْتَ خَسَارًا لَيْسَ فِيهِ تَرَدُّدُ
خُذِ العَفْوَ مِنَ أَخْلاقِ مَنْ قَدْ صَحِبْتَهُ
كَمَا يَأْمُرُ الرَّحْمَنُ فِيهِ وَيُرْشِـــدُ
تَرَحَّلْ عَنِ الدُّنْيَا فَلَيْسَتْ إِقَامَةً
وَلَكِنَّهَا زَادٌ لِـمَـنْ يَتَزَوَّدُ
وَكُنْ سَالِكًا طُرْقَ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا
إِلَى المَنْزِلِ البَاقِي الَّذِي لَيْسَ يَنْفَدُ
وَكُنْ ذَاكِرًا للهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ
فَلَيْسَ لِذِكْرِ اللهِ وَقْتٌ مُقَيَّدُ
فَذِكْرُ إِلهِ الْعَرْشِ سِرًّا وَمُعْلَنًا
يُزِيلُ الشَّقَا وَالهَمَّ عَنْكَ وَيَطْرُدُ
وَيَجْلِبُ لِلْخَيْرَاتِ دُنْيًا وَآجِلًا
وَإِنْ يَأْتِكَ الْوَسْوَاسُ يَوْمًا يُشَـرِّدُ
فَقَدْ أَخْبَرَ المُخْتَارُ يَوْمًا لِصَحْبِهِ
بِأَنَّ كَثِيرَ الذِّكْرِ فِي السَّبْقِ مُفْرِدُ
وَوَصَّى مُعَاذًا يَسْتَعِينُ إِلهَهُ
عَلَى ذِكْرِهِ وَالشُّكْرِ بِالْحُسْنِ يَعْبُدُ
وَأَوْصَى لِشَخْصٍ قَدْ أَتَى لِنَصِيحَةٍ
وَقَدْ كَانَ فِي حَمْلِ الشَّـرَائِعِ يَجْهَدُ
بِأَنْ لا يَزَلْ رَطْبًا لِسَانُكَ هٰذِهِ
تُعِينُ عَلَى كُلِّ الْأُمُورِ وَتُسْعِدُ
وَأَخْبَرَ أَنَّ الذِّكْرَ غَرْسٌ لِأَهْلِهِ
بِجَنَّاتِ عَدْنٍ وَالمَسَاكِنُ تُمْهَدُ
وَأَخْبَرَ أَنَّ اللهَ يَذْكُرُ عَبْدَهُ
وَمَعْهُ عَلَى كُلِّ الْأُمُورِ يُسَدِّدُ
وَأَخْبَرَ أَنَّ الذِّكْرَ يَبْقَى بِجَنةٍ
وَيَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ حِينَ يُخَلَّدُوا
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ
طَرِيقٌ إِلَى حُبِّ الْإِلَهِ وَمُرْشِدُ
وَيَنْهَى الفَتَى عَنْ غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ
وَعَنْ كُلِّ قَوْلٍ لِلدِّيَانَةِ مُفْسِدُ
لَكَانَ لَنَا حَظٌّ عَظِيمٌ وَرَغْبَةٌ
بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ نِعْمَ المُوَحَّدُ
وَلَكِنَّنَا مِنْ جَهْلِنَا قَلَّ ذِكْرُنَا
كَمَا قَلَّ مِنَّا لِلْإِلَهِ التَّعَبُّدُ
وَسَلْ رَبَّكَ التَّوْفِيقَ وَالفَوْزَ دَائِمًا
فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَقْصِدُ
وَصَلِّ إِلهي مَعْ سَلَامٍ وَرَحْمَةٍ
عَلَى خَيْرِ مَنْ قَدْ كَانَ لِلْخَلْقِ يُرْشِدُ
وَآلٍ وَأَصْحَابٍ وَمَنْ كَانَ تَابِعًا
صَلَاةً وَتَسْلِيمًا يَدُومُ وَيَخْلُدُ
فَلَا تُضَيِّعوا زَمَانَكَم، فَقَدْ أَظَلَّكُم –وَقَرُبَ مِنْكُم- شَهْرٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ كَبِيرٌ، فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِ وَلَا تُضَيِّعُوهُ، وَلَا تُفْسِدُوهُ بِالرَّفَثِ وَاللَّغْوِ وَالفُسُوقِ، وَقَوْلِ الخَنَا وَالجَهْلِ، «مَنْ لَمْ يَدَع قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ –وَالمُرَادُ بِالجَهْلِ: مَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالأَخْلَاقِ، لَا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالعِلْمِ، بَلْ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالحِلْمِ-».
أَمْسِكْ لِسَانَكَ، فَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِن صِيَامِهِ إِلَّا الجُوعُ وَالعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٌ لَيْسَ لَهُ مِن قِيَامِهِ إِلَّا النَّصَبُ وَالسَّهَرُ، وَمَنْ لَمْ يَدَع قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ مِنْكُم تَقْوَى القُلُوبِ ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 7].
فَاللهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُورِكُم وَلَا إِلَى أَشْكَالِكُم، وَلَا إِلَى أَجْسَادِكُم، وَلَكِن يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُم وَأَعْمَالِكُم.
اللهُ يُرِيدُ تَقْوَى القُلُوبِ، فَاتَّقُوا اللهَ، وَمَا حُصِّلَت تَقْوَاهُ بِمِثْلِ الصِّيَامِ –صِيَامِ رَمَضَانَ- ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾ فَذَكَرَ أَنَّهُ شَرَعَهُ لِهَذَا القَصْدِ، وَلِحِكَمٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
فَلْنَخْرُجْ قَلِيلًا مِن هَذَا الوَاقِعِ المَأفُونِ بِكُلِّ مَا فِيهِ وَكُلِّ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن خَلْطٍ وَخَبْطٍ، وَزُورٍ وَكَذِبٍ، وَخِدَاعٍ وَتَمْوِيهٍ، وَانْحِطَاطٍ فِي الأَخْلَاقِ، وَتَسَفُّلٍ فِي الأَقْوَالِ، فَلَتَت أَزِمَّةُ الأَلْسِنَةِ كَمَا انْفَلَتَت أَزِمَّةُ القُلُوبِ.
أَهْلُ السُّنَّةِ هُم شَامَةُ الخَلْقِ، وَهُم زُبْدَةُ الزُّبْدَةِ مِنَ النَّاسِ وَصَفْوَةُ الصَّفْوَةِ مِنْهُم، فَعَلَيْهِم أَنْ يَتَّقُوا اللهَ فِي أَزْمَانِهِم، وَأَنْ يَجْتَهِدُوا فِي العِبَادَةِ لِرَبِّهِم، وَفِي تَحْصِيلِ تَقْوَاهُ، وَفِي الإِخْلَاصِ لَهُ فِي المُعْتَقَدِ وَفِي النُّطْقِ وَفِي العَمَلِ وَاللهُ مِن وَرَاءِ القَصْدِ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر:دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ