((سِيرَةُ النَّبِيِّ ﷺ كَامِلَةٌ شَامِلَةٌ))
فَإِنَّ مِنْ أَصْدَقِ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ الْيَوْمَ فِي أَذْهَانِ عَارِفِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلُ فِي أَعْيُنِ مُشَاهِدِيهِ.
مِنْ أَعْظَمِ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ ﷺ أَنَّهُ الْيَوْمَ فِي أَذْهَانِ عَارِفِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلُ فِي أَعْيُنِ مُشَاهِدِيهِ.
إِذَا مَا تَصَفَّحْتَ كُتُبَ الشَّمَائِلِ وَنَظَرْتَ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ وَالْحَدِيثِ؛ تَأَمَّلْتَ فِي نَقْلِ عُلَمَائِنَا -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- لِوَصْفِ الرَّسُولِ ﷺ فِي أُمُورِهَا جَمِيعِهَا؛ فَتَجِدُ أَبْوَابًا عَلَى هَذِهِ الشَّاكِلَةِ: فِي كُحْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَفِي تَرَجُّلِهِ، وَفِي دُهْنِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَطِيبِهِ، وَفِي لُبْسِ الرَّسُولِ ﷺ وَلَوْنِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، وَفِي نَوْمِ الرَّسُولِ ﷺ وَفِي صَحْوِهِ، وَفِي ضَحِكِهِ وَبُكَائِهِ، وَفِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ، وَفِي أَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَفِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، وَفِي مَشْيِهِ وَعَدْوِهِ، وَفِي سَيْرِهِ وَرُكُوبِهِ، وَفِي كَلَامِهِ وَفِي صَمْتِهِ، وَفِي مَدْخَلِهِ وَفِي مَخْرَجِهِ، بَلْ وَفِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ ﷺ.
لَيْسَ لِابْنِ أُنْثَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ تَارِيخٌ مَحْفُوظٌ فِيهِ دَقَائِقُ حَيَاتِهِ بِجُمْلَتِهَا، لَا يَغِيبُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَا يَتَخَلَّفُ مِنْهَا أَمْرٌ.. لَيْسَ لِابْنِ أُنْثَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا مِنْ آدَمَ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَا وَمَنْ عَلَيْهَا.. لَيْسَ لِابْنِ أُنْثَى تَارِيخٌ مَحْفُوظٌ لَا يَخْفَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا مُحَمَّدٌ ﷺ.
فَقَدْ كَانَ هُنَاكَ سَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ قَدْ وَكَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْرِ رَبِّهِمْ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- فِي إِحْصَاءِ كُلِّ شَارِدَةٍ وَوَارِدَةٍ؛ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، نَصَبَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ كَامِلَاتٍ يَتْبَعُ الرَّسُولَ ﷺ فِي كُلِّ مَكَانٍ يُلَازِمُهُ مُلَازَمَةَ الظِّلِّ، لَا يُفَارِقُهُ، يَحْمِلُ عَنْهُ، وَيَتَأَمَّلُ فِي حَالَاتِهِ كُلِّهَا، ثُمَّ يَنْقُلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْأُمَّةِ مِنْ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَرْفَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْعِلْمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ.
لَا تَجِدُ أَحَدًا يَتَعَرَّضُ لِأَمْرٍ عَامٍّ، وَيَأْتِي بِدِينٍ عَظِيمٍ هُوَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. لَا تَجِدُ أَحَدًا هَذِهِ هَيْئَتُهُ وَتِلْكَ صِفَتُهُ هُوَ أَحْرَصُ مَا يَكُونُ عَلَى أَنْ يُبَلِّغُوا عَنْهُ كُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، بَلْ إِنَّهُ ﷺ فِي بَيْتِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَبِالْخَارِجِ بَيْنَ أَصْدِقَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُلَاحِظُونَ وَيُقَيِّدُونَ، وَيَتَحَدَّثُونَ وَيَنْقُلُونَ، وَكُلُّهُ كَمَالٌ فِي كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَلَا شَائِبَةَ تَعْلَقُ بِجَنَابِهِ الْعَظِيمِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ وَصَفِيِّكَ وَنَجِيِّكَ وَخَلِيلِكَ ﷺ.
النَّاسُ فِيهِمْ مِنَ النَّقْصِ بِحَسَبِهِمْ، فَمَهْمَا تَجَمَّلَ الْإِنْسَانُ لِلنَّاسِ خَارِجًا، لَا بُدَّ أَنْ يَبْدُوَ عُوَارُهُ لِأَهْلِهِ دَاخِلًا.
وَالْإِنْسَانُ مَهْمَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ خَصْلَةٍ تَسُوءُ لَا بُدَّ أَنْ تَبْدُوَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ عَلَى صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ مَهْمَا جَاهَدَ مِنْ أَجْلِ إِخْفَائِهَا، وَمَهْمَا حَاوَلَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْمِسَهَا فِي عُيُونِ الْمُلَاحِظِينَ، لَا يَكُونُ!! إِلَّا مُحَمَّدًا..
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ سَرِيرَةٍ = وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
إِلَّا مُحَمَّدًا ﷺ..
هُوَ الْيَوْمَ فِي أَذْهَانِ عَارِفِيهِ كَمَا كَانَ تَمَامًا فِي أَعْيُنِ مُشَاهِدِيهِ، تُنْقَلُ الصُّورَةُ كَامِلَةً؛ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، دَاخِلًا وَخَارِجًا، قَائِمًا وَقَاعِدًا، فِي حَرْبِهِ وَسِلْمِهِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فِي صَحْوِهِ وَمَنَامِهِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ.
لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ مِنْ هَذَا خَافِيَةٌ، وَلَا تَغِيبُ عَنِ النَّاسِ فِي هَذَا غَائِبَةٌ، الْكُلُّ مَكْشُوفٌ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ مِثَالًا مَحْسُوسًا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ عَلَى الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ فِي سُمُوِّهِ، وَعَلَى الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ فِي عُلُوِّهِ؛ فَكَانَ الْمِثَالُ مُحَمَّدًا ﷺ.
المصدر: التَّأَسِّي بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ﷺ