((الْحَثُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي شَهْرِ رَمضَانَ))
اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَسْأَلُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَاجَتَهُمُ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ؛ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُم إِذَا لَمْ يَجِدْ مِلْحَ طَعَامِهِ؛ سَأَلَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ مِلْحَ طَعَامِهِ، وَإِذَا انْقَطَعَ شِرَاكَ نَعْلِهِ؛ سَأَلَ اللهَ أَنْ يُعَوِّضَهُ خَيْرًا، فَيُعَوِّضُهُ اللهُ خَيْرًا.
وَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَغْضَبُ إِنْ تَرَكَ النَّاسُ سُؤَالَهُ، بِخِلَافِ بَنِي آدَمَ؛ فَإِنَّكَ إِذَا سَأَلْتَ بَنِي آدَمَ الْمَالَ أَوِ الْعَوْنَ، وَكَرَّرْتَ ذَلِكَ أَغْضَبْتَهُمْ، وَأَحْرَجْتَهُمْ؛ قال ﷺ: ((إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)) .
وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- صَاحِبُ الْخَزَائِنِ الَّتِي لَا تَنْقُصُ، يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَفِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، اسْأَلْ مَا شِئْتَ رَبَّكَ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وأنت صائِمٌ؛ فرَمَضَانُ شَهْرُ الدُّعَاءِ .
اسْأَلْهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أُمُورَ الآخِرَةِ بِالدَّرَجَةِ الْأُولَى.
وَاسْأَلْه مَا شِئْتَ مِنْ دُنْيَاكَ، وَلَا تَتَجَاوَزْ حُدُودَ الشَّرْعِ، وَلا تَعْتَدِ فِي الدُّعَاءِ.
وَإِذَا سَأَلْتَ اللهَ المَالَ؛ فَلْتَكُنْ لَكَ النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ أَنْ تَعْرِفَ حَقَّ الْمَالِ.
وَإِذَا سَأَلْتَ اللهَ طُولَ الْحَيَاةِ؛ فَلْتَكُنْ نِيَّتُكَ حَسَنَةً أَنْ تَقْضِيَ حَيَاتَكَ فِي طَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَفِيمَا أَبَاحَ لَكَ مِنْ مُتَطَلَّبَاتِ الْجَسَدِ، وَمُتَطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا.
وَإِذَا سَأَلْتَ اللهَ كَثْرَةَ الْوَلَدِ؛ فَلْيَكُنْ لَكَ النِّيَّةُ الْحَسَنَةُ؛ لِيَكُونُوا مِنْ عُمَّارِ الْأَرْضِ بِطَاعَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَيَكُونُوا مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ، حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَمِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ؛ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ بِالْكَلِمَةِ وَبِالْمُؤَلَّفَاتِ، وَبِمَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَاهِدَ بِهِ الْإِنْسَانُ.
وَاجْتَهِدْ فِي ذَلكَ أَشَدَّ الاجْتِهَادِ فِي أَثناءِ صَومِكَ، وَخُصُوصًا فِي رَمَضَانَ.
وَشَهْرُ رَمَضَانَ خَصَّهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ بِخَصَائِصَ بَاهِرَةٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِ الآيَاتِ المُبْهِرَةَ؛ وَمِنْهَا: أَنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِر».
فَعَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِآدَابِ الدُّعَاءِ، وَعَلَيْنَا أَلَّا نَعْجِزَ فِي الدُّعَاءِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الدُّعَاءِ في أثناءِ الصيامِ، وَأَنْ نَدْعُوَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ أَشْرَفُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ، يَتَعَبَّدُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِرَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ)) .
فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَجَّهَ دَائِمًا وَأَبَدًا إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنْ نُخْلِصَ الْقُلُوبَ لَهُ، وَأَنْ نَكُونَ مُوَحِّدِينَ؛ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لَنَا رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ.
*لِيَكُنْ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ -خَاصَّةً فِي رَمَضَانَ-:
عِبَادَ اللهِ! فَلْنُطَهِّرِ اللِّسَانَ مِنْ آفَاتِهِ، هَذِهِ التَّخْلِيَةُ، وَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِنْ تَلَوْتَ الْقُرْآنَ، وَذَكَرْتَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَسَبَّحْتَهُ؛ وَهَذِهِ تَحْلِيَةٌ تَأْتِي بِهَا بِاللِّسَانِ، وَلَمْ تُخَلِّ اللِّسَانَ مِنْ آفَاتِهِ؛ بَدَّدَ عَلَيْكَ اللِّسَانُ بِآفَاتِهِ مَا حَصَّلْتَهُ مِنْ حَسَنَاتٍ؟!!
فَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
اعْلَمْ -عَبْدَ اللهِ- أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَعِيشُهُ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ غَنِيمَةٌ.
فَاحْذَرْ مَجَالِسَ الْفَارِغِينَ، وَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنَ الْغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَفَاحِشِ الْقَوْلِ، وَاحْبِسْ لِسَانَكَ عَنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ.
وَأَلْزِمْ نَفْسَكَ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ الْجَمِيلَ، وَلْيَكُنْ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللهِ، وَهِيَ فُرْصَةٌ لِلتَّزَوُّدِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَالتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ، وَقَدْ لَا تَتَكَرَّرُ الْفُرْصَةُ؛ بَلْ قَدْ تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تَعُودَ الْفُرَصُ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الذِّكْرَ رَأْسُ الْأُصُولِ، فَمَنْ فُتِحَ لَهُ فِيهِ؛ فَقَدْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّخُولِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلْيَتَطَهَّرْ، وَلْيَدْخُلْ عَلَى رَبِّهِ؛ يَجِدْ عِنْدَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ، فَإِنْ وَجَدَ رَبَّهُ تَعَالَى؛ وَجَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِنْ فَاتَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِذِكْرِهِ؛ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِنَا.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.
المصدر:ذِكْرُ اللهِ فِي رَمَضَانَ