((الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ))
هَذَا مَوْسِمٌ عَظِيمٌ جِدًّا، بَلْ هُوَ أَكْبَرُ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ فِي الْعَامِ؛ وَهُوَ الْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ, اجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ , وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ وَتَلَقَّاهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَدْخُلُ فِيهِ: الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالدُّعَاءُ، وَالذِّكْرُ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَالْعَطْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ، وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ، وَمُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ وَبَثُّهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ.
فَكُلُّ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَشْرُوعٌ إِذَا أَتَى بِهِ الْعَبْدُ وَقَدْ تَوَفَّرَ فِيهِ شَرْطَا قَبُولِ الْعَمَلِ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا مَا وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهُوَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ.
وَالْعَمَلُ لَا يُتَقَبَّلُ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- إِلَّا إِذَا كَانَ للهِ خَالِصًا؛ فَلَمْ تُخَالِطْهُ سُمْعَةٌ وَلَا شَهْوَةٌ بِإِرَاءَةِ النَّاسِ الْعَمَلَ وَإِطْلَاعِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الرِّيَاءُ، وَكَذَلِكَ التَّسْمِيعُ حَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ يَسْمَعُ بِمَا أَتَى مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَالتَّسْمِيعُ لِلسَّمْعِ، وَالرِّيَاءُ لِلرُّؤْيَا.
فَإِذَا جَاءَ الْعَمَلُ خَالِصًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ لِغَيْرِ اللهِ فِيهِ شَيْءٌ وَتَوَفَّرَ فِيهِ الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ مُتَابَعَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَهَذِهِ الْفُرْصَةُ اللَّائِحَةُ إِذَا مَرَّتْ قَدْ لَا تَعُودُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عُمُرَهُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ مَضْرُوبًا عَلَيْهِ بِالْأَجَلِ الْحَتْمِ اللَّازِمِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ.
فَإِذَا آتَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُسْلِمًا هَذِهِ الْفُرْصَةَ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اقْتِنَاصِهَا وَاهْتِبَالِهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَثِيثَ السَّعْيِ لِتَحْصِيلِهَا وَعَدَمِ تَفْوِيتِهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَأَنْ يَنْخَلِعَ وَيَنْسَلِخَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَأَنْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ إِلَى أَرْبَابِهَا، وَأَنْ يَسْتَرْضِيَ الْخُصُومَ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَكُونَ مُخْلِصًا للهِ مُتَّبِعًا لِنَبِيِّهِ الْكَرِيمِ ﷺ.
المصدر:أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا