((مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ:
مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا))
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَقَابُلَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ، فَمَا مِنْ حَقٍّ إِلَّا وَفِي مُقَابَلَتِهِ وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ يُقَابِلُهُ الْحَقُّ، وَكَمَا أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ حَقًّا وَهُوَ حَقٌّ كَبِيرٌ، كَذَلِكَ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقًّا.
أَوَّلًا: حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ:
عَلَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْلَمْنَ أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ أَزْوَاجَهُنَّ مِنْحَةً وَمِحْنَةً.
النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّهُ اطَّلَعَ فِي النَّارِ فَوَجَدَ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ؛ يَكْفُرْنَ، وَقَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟
قَالَ: ((لَا، يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَحْسَنَ إِلَى امْرَأَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَسَاءَ إِلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَتْ: مَا وَجَدْتُ مِنْكَ إِحْسَانًا قَطُّ)) .
وَقَالَ ﷺ: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا)) .
وَأَقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ ((لَوْ كَانَ مِنْ مَفْرِقِ رَأْسِهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمِهِ قُرْحَةٌ تَبُضُّ قَيْحًا وَصَدِيدًا، فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَلَعَقَتْهُ بِلِسَانِهَا، مَا وَفَّتْهُ حَقَّهُ عَلَيْهَا)) .
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمًا: ((أَلَكِ بَعْلٌ؟))
فَأَجَابَتْ بِالْإِيجَابِ.
فَقَالَ: ((انْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ)) .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ.
وَالرَّسُولُ ﷺ عَلَّقَ دُخُولَ الْمَرْأَةِ الْجَنَّةَ عَلَى رِضَا زَوْجِهَا عَنْهَا، فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا؛ دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ)) .
عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا فِيمَا يَأْمُرُهَا بِهِ فِي حُدُودِ اسْتِطَاعَتِهَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ، وَجَعَلَ الْقِوَامَةَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلِذَلِكَ الْمَرْأَةُ ((لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ -يَعْنِي: حَاضِرٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ- إِلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ -إِلَّا الْفَرْضَ-, وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) .
وَ((إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)) . وَفِي رِوَايَةٍ : ((لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا)).
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا)) .
يَعْنِي هِيَ لَا تُقَصِّرُ فِي طَاعَتِهِ شَيْئًا إِلَّا مَا عَجَزَتْ عَنْهُ.
*وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَهَا عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهَا.
ثَانِيًا: حُقُوقُ الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى زَوْجِهَا:
وَفِي الْمُقَابِلِ جَعَلَ الْإِسْلَامُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقًّا، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَزْوَاجًا نَسْكُنُ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ دَوْحَةً نَسْتَظِلُّ بِهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)).
فَلِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا:
*الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ أَدَّى إِلَيْهَا حَقَّهَا أَمْ فَرَّطَ وَضَيَّعَ؟
قَالَ ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائقُ الرِّجَال» . أَخرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَقَالَ ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- : «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُلَاطَفَةُ النِّسَاءِ وَالْإِحسَانُ إِلَيْهِنَّ, وَالصَّبْرُ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ, وَاحْتِمَالُ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ, وَكَرَاهِيَةُ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ, وَأنَّهُ لَا يُطْمَعُ بِاسْتِقَامَتِهَا وَاللهُ أَعْلَمُ».
وَقَالَ ﷺ: «لا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» . رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ ﷺ : «أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يَرْضَاهُ, بِأَنْ تَكُون شَرِسَةَ الأَخلَاقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ».
*وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَلَّا يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا:
فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) قَالَ ﷺ: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ)). هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَالْقَانُونُ عِنْدَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-: أَنَّهُ لَيْسَ الْإِحْسَانُ إِلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُفَّ الْأَذَى عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْإِحْسَانُ فِي عِشْرَتِهَا أَنْ تَتَحَمَّلَ الْأَذَى مِنْهَا.
وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ قَدْ أَمَرَ الرِّجَالَ أَلَّا يَضْرِبُوا النِّسَاءَ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ -يَعْنِي: النِّسَاءَ-».
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: زَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ -يعني: نَشَزْنَ وَتَجَرَّأْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ-.
فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ ﷺ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نِسَاءٌ كَثِيرٌ بِشَكْوَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلرِّجَالِ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» . وَهوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
((لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ»: يَعْنِي لَيْسَ الضَّارِبُونَ بِخِيَارِكُمْ، فَهَذَا حَقٌّ.
الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا امْتِثَالٌ لِقوْلِ اللهِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
3*مِنْ حُقُوقِهَا: حُسْنُ العِشْرَةِ مَعَهَا:
قَالَ ﷺ: «خَيرُكُم خَيرُكُم لِأَهلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لِأَهلِي» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَقَالَ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلبَانِيُّ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ حَسَنَ الْعِشْرَةِ مَعَ أَزْوَاجِهِ, وَهُوَ الْقَائِلُ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
وَكَانَ ﷺ فِي الْبَيْتِ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ, فَعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-؛ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟
قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: التَّرْغِيبُ فِي التَّواضُعِ وَتَرَكِ التَّكَبُّرِ, وَفِيهِ خِدْمَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ.
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ : «مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ التَّوَاضُعُ, وَالْبُعْدُ عَنِ التَّنَعُّمِ, وَامْتِهَانُ النَّفْسِ؛ لِيُسْتَنَّ بِهِمْ, وَلِئَلَّا يَخْلُدُوا إِلَى الرَّفَاهِيَةِ الْمَذْمُومَةِ».
وَعَنْ عَائشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «أَنَّهَا سُئِلْتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟
قَالَتْ: «كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ, وَيَحْلُبُ شَاتَهُ, وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» . أَخرَجَهُ أَحمَدُ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ مَهْمَا قُدِّمَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ لَمْ يَذُمَّهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَا ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ امْرَأةً قَطُّ, فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا بِيَدِهِ قَطُّ, وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا؛ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ, وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ؛ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- » . رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَمِنْ رَحمَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَزْوَاجِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ- أَنَّهُ أَمَرَ سَائِقَ إِبِلِهِنَّ أَنْ يَرفُقَ بِهِنَّ
فَعَن أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى عَلَى أَزْوَاجِهِ وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَان لِرَسُولِ اللهِ ﷺ حَادٍ حَسَنُ الصَّوت, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «رُوَيدًا يَا أَنجَشَةُ لَا تَكسِر القَوَارِير»؛ يَعنِي: ضَعفَةَ النِّسَاءِ, رَوَاهُ مُسلِمٌ.
*وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: مُعَامَلَتُهَا الْمُعَامَلَةَ الْحَسَنَةَ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى شُعُورِهَا، وَتَطْيِيبُ خَاطِرِهَا:
قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي)) ؛ يَعْنِي: زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
فَيَقُولُ هَذَا الْحَبْرُ -حَبْرُ الْأُمَّةِ- ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي)).
وَمِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الَّتِي انْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِ بَعْضِ الْأُسَرِ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ فِي تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا: بَذَاءَةُ اللِّسَانِ، وَتَقْبِيحُ الْمَرْأَةِ خِلْقَةً وَخُلُقًا، وَالتَّأَفُّفُ مِنْ أَهْلِهَا بِذِكْرِ نَقَائِصِهِمْ وَعُيُوبِهِمْ، مَعَ سَبِّهَا وَشَتْمِهَا وَمُنَادَاتِهَا بِالْأَسْمَاءِ وَالْأَلْقَابِ الْقَبِيحَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: إِظْهَارُ النُّفُورِ وَالِاشْمِئْزَازِ مِنْهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: تَجْرِيحُهَا بِذِكْرِ مَحَاسِنِ نِسَاءٍ أُخَرَ، وَأَنَّهُنَّ أَجْمَلُ وَأَفْضَلُ، وَأَحْلَى وَأَكْمَلُ!! وَذَلِكَ يُكَدِّرُ خَاطِرَهَا فِي أَمْرٍ لَيْسَ لَهَا فِيهِ يَدٌ.
وَمِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى شُعُورِ الزَّوْجَةِ، وَمِنْ إِكْرَامِهَا: مُنَادَاتُهَا بِأَحَبِّ أَسْمَائِهَا إِلَيْهَا، وَإِلْقَاءُ السَّلَامِ عَلَيْهَا حِينَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَالتَّوَدُّدُ إِلَيْهَا بِالْهَدِيَّةِ وَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ.
وَمِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَطِيبِ الْمُعَاشَرَةِ: عَدَمُ تَصَيُّدِ أَخْطَائِهَا وَمُتَابَعَةِ زَلَّاتِهَا، بَلِ الْعَفْوُ، وَالصَّفْحُ، وَالتَّغَاضِي، خَاصَّةً فِي أُمُورٍ تَجْتَهِدُ فِيهَا وَقَدْ لَا تُوَفَّقُ فِي أَدَائِهَا، فَتَأَمَّلْ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ)) . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الزَّوَاجَ هُوَ الْعَلَاقَةُ الْمَشْرُوعَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، هِيَ مِنْ أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ بِالزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُعِفُّهُ وَالَّتِي تَكْفِيهِ فِي بَيْتِهِ بِالْمَؤُونَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَجْعَلُهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَكَنًا.
هَذِهِ الزَّوْجَةُ -حِينَئِذٍ- مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، أَنْ يَمُنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بِالزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَالَّتِي إِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ.
فَهَلْ بَعْدَ كُلِّ مَا سَبَق؛ يَمتَرِي ذُو لُبٍّ فِي أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ السَّمْحَاءَ الَّتِي جَاءَ بِهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ أَنْصَفَت الْمَرْأَةَ, وَأَعْطَتْهَا حُقُوقَهَا الْعَادِلَةَ, بَعْدَمَا ظَلَمَتْهَا الْجَاهِلِيَّةُ كُلُّهَا, فَحَرَّرَهَا الْإِسْلَامُ مِنْ قُيُودِهَا, وَكَرَّمَهَا وَأَعْلَى مَكَانَتَهَا, بِاعْتِبَارِهَا إِنْسَانًا وَبِنْتًا وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَعُضْوًا فِي الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ؟!!
كَرَّمَهَا إِنْسَانًا؛ مُنْذُ أَعْلَنَ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ كَالرَّجُلِ, وَأَنَّهَا مُثَابَةٌ وَمُعَاقَبَةٌ مِثْلُهُ, وَأَنَّهَا أَحَدُ شِقَّيِ الْإِنْسَانِيَّةِ, فَلَا بَقَاءَ لِلنَّوْعِ بِغَيْرِهَا.
المصدر:الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ