((نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْعُنْفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَذِيَّتِهِمْ))
لَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَثِيرٌ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي تُحَذِّرُ مِنْ أَذِيِّةِ المُسْلِمِينَ، وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ، وَتَعْيِيرِهِمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَتَبَّعُهُمْ؛ لِيُرِيقَ دِمَاءَهُمْ؟!
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المِنْبَرَ؛ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ؛ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحُهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ».
قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ، أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ! وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ».
وَهَذَا الحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ».
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ». أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
وَفي «الصَّحِيحَيْنِ»: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «المُسْلمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ».
وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ، أَوِ الحَدِيدِ إِلَى المُسْلِمِ، جَادًّا، أَوْ مَازِحًا، أَوْ مُمَثِّلًا، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُوقِعُ فَاعِلَهُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ, وَأَنَّ ذَلِكَ مَلْعُونٌ إِذَا فَعَلَ, فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَمْدًا؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ».
فَهَذَا لَا يَجُوزُ، لَا عَلَى سَبِيلِ الجِدِّ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ المُزَاحِ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مَلْعُونًا إِذَا أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِالحَدِيدَةِ؛ أي: بِالسِّلَاحِ، وَلَوْ كَانَ مَازِحًا, وَلَوْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ دُخُولِ المَسَاجِدِ، وَالأَسْوَاقِ، وَأَمَاكِنِ تَجَمُّعِ النَّاسِ بِالأَسْلِحَةِ؛ إِذَا كَانَ فِي حَمْلِهَا ضَرَرٌ عَلَى المُسْلِمِينَ, فَكَيْفَ بِمَنْ يُفَخِّخُ نَفْسَهُ، أَوْ يَمْلَأُ سَيَّارَةً بِالمُتَفَجِّرَاتِ، أَوْ بِأَنَابِيبِ الغَازِ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى سُوقٍ أَوْ مَجْمَعٍ مِنْ تِلْكَ المَجَامِعِ الَّتِي فِيهَا المُسْلِمُونَ؛ لِكَيْ يَنْسِفَهَا تَحْتَ شِعَارِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الأَفْعَالِ، وَدِينُهُ وَرَسُولُهُ؟!
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا، أَوْ أَسْوَاقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ قَالَ: فَلْيَأْخُذْ، أَوْ: لِيَقْبِضْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيءٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ فِي المَسْجِدِ، وَمَعَهُ سِهَامٌ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ص: «أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأَسْهُمٍ فِي المَسْجِدِ، قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا؛ فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا؛ كَيْ لَا يَخْدِشَ مُسْلِمًا».
وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ إِخَافَةِ المُسْلِمِينَ، وَعَنْ إِرْهَابِهِمْ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«مَنْ أَخَافَ أَهْلَ المَدِينَةِ؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، مَنْ أَخَافَهَا، فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ ﷺ ».
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَامَ رَجُلٌ مِنهُمْ؛ فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ -مَعَ النَّائِمِ- فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».
«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً», فَكَيْفَ بِقَتْلِهِ؟!
تَأَمَّلْ فِي دِينِكَ، وَدَعْكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الحَمْقَى الَّذِينَ يُشَوِّهُونَهُ، الَّذِينَ يُنَفِّرُونَ النَّاسَ -حَتَّى المُسْلِمِينَ- مِنْ دِينِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَمَا أَكْثَرَ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ صَارُوا يَنْظُرُونَ بِعَيْنِ الرِّيبَةِ إِلَى دِينِهِمُ الحَنِيفِ!
بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ المُسْلِمِينَ، يَقِفُونَ مُتَرَدِّدِينَ بَيْنَ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ الفَاجِرَةِ إِلَى القَتْلِ، وَالذَّبْحِ وَالإِبَادَةِ، وَتِلْكَ الدَّعْوَاتِ الفَاجِرَةِ إِلَى الِانْحِلَالِ وَالِانْعِتَاقِ مِنْ كُلِّ دِينٍ وَمِلَّةٍ.
وَمَا كَانَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبَدًا، وَلَكِنْ هُوَ فِعْلُ طَائِفَةٍ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى دِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ.
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ مَحْمِيَّةٌ مَحْرُوسَةٌ, وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيهَا مَنْ بِأَقْطَارِهَا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ﷺ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ، وَرَحْمَةٌ فِي الحَرْبِ.
المصدر: نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ