((اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))
فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا، خَفِيِّهَا وَظَاهِرِهَا، فَسَوَاءٌ جَهَرْتَ بِقَوْلِكَ أَوْ أَسْرَرْتَهُ؛ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي خَلَجَاتِ قُلُوبِكُم وَخَطَرَاتِ نُفُوسِكُم، فَخَافُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ كَثِيرُ السَّتْرِ لِمَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ، حَلِيمٌ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ جَاهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ، بَلْ يَسْتُرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ.
يَعْلَمُ مَا يَدْخُلُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمِيَاهِ، وَالْأَحْيَاءِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى، حَتَّى الْبِكْتِيرْيَاتِ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا، وَيَشْمَلُ الْأَشِعَّةَ وَالْحَرَارَةَ حَتَّى أَصْغَرَ جُزْءٍ مِنْهَا، وَيَشْمَلُ الْقُوَى الْمُخْتَلِفَةَ؛ وَمِنْهَا الْجَاذِبِيَّةُ حَتَّى أَقَل مِقْدَارٍ مِنْهَا، وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ؛ مِنَ الشَّجَرِ، وَالنَّبَاتِ، وَالعُيُونِ، وَالْمَعَادِنِ، وَالْأَمْوَاتِ إِذَا بُعِثُوا.
وَيَعْلَمُ سُبْحَانَهُ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ، والبَرَدِ وَالشُّهُبِ، وَأَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وَالْأَنْوَارِ، وَأَنْوَاعِ الْبَرَكَاتِ، وَالْمَلَائِكَةِ.
وَيَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ صَاعِدًا مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ مِنْ إِحْدَى السَّمَوَاتِ إِلَى مَا فَوْقَهَا، إِلَى آخِرِ بُعْدٍ مِنْ أَبْعَادِ السَّمَوَاتِ؛ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَرْوَاحِ وَالدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْعِبَادِ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَكُمْ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ أَيْنَمَا كُنْتُمْ، وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، فَيُجَازِيكُمْ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِكُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
يَعْلَمُ اللهُ سُبْحَانَهُ مُسَارَقَةَ الْأَعْيُنِ لِلنَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَيَعْلَمُ مُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ أَصْحَابُهَا؛ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُخْفِيهِ الْمُنَافِقُونَ، وَمِنَ الرِّيَاءِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالْحُبِّ، وَمِنَ النِّيَّاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالرَّغَبَاتِ، فَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.
المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّة وَصِنَاعَةِ الضَّمِيرِ الْحَيِّ