التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا


 ((التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا))

عِبَادَ الله! إِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَنَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأَعْرَاف: 56].

فَلَا يَتَحَقَّقُ الصَّلَاحُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ مِنْهَا إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ فِيهَا، الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ، فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى مِنَ الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا هُوَ: تَحْقِيقُ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَبِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَصْلَحَةُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْمَفْسَدَةُ.

وَالْعَالَمُ الْإِسْلَامِيُّ الْيَوْمَ -إِلَّا قَلِيلًا- فِيهِ الْمَشَاهِدُ الشِّرْكِيَّةُ الَّتِي شُيِّدَتْ عَلَى الْقُبُورِ، وَعِنْدَهَا شِرْكٌ يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ، يُعْبَدُ الْأَمْوَاتُ، وَيُتَقَرَّبُ إِلَى الْقُبُورِ!!

وَمِنْ غَلَبَةِ الْجَهْلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ -بِزَعْمِهِمْ- يَنْتَقِصُ الْأَوْلِيَاءَ!!

وَالدُّعَاةُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ -فِي الْجُمْلَةِ- لَا يَهْتَمُّونَ بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ، وَإِلَى تَرْكِ الزِّنَا، وَتَرْكِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَهِيَ كَبَائِرُ مُحَرَّمَاتٌ بِلَا شَكٍّ.

وَلَكِنْ لَوْ تَرَكَ النَّاسُ الزِّنَا، وَشُرْبَ الْخُمُورِ، وَحَسَّنُوا أَخْلَاقَهُمْ، وَتَرَكُوا الرِّبَا، وَلَمْ يَتْرُكُوا عِبَادَةَ الْقُبُورِ؛ فَأَسَاسُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَدِينُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَلَوْ تَرَكُوا الْكَبَائِرَ -مَا دَامَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا الشِّرْكَ-، وَحَتَّى مَنْ لَمْ يُشْرِكْ مَا دَامَ أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الشِّرْكَ، وَلَا يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَلَا يَتَبَرَّأُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِثْلَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- لِنَبِيِّهِ ﷺ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

هَذَا تَنْزِيهٌ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

فَالْمُسْلِمِ الْمُوَحِّدُ لَا يَصِحُّ تَوْحِيدُهُ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى الشِّرْكِ يَعُجُّ فِي بَلَدِهِ، وَالْأَضْرِحَةِ تُشَيَّدُ فِيهَا، وَيُطَافُ بِالْقُبُورِ، وَيُسْأَلُ الْمَقْبُورُونَ حَتَّى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ.

فَلَا يَسَعُ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ الْخَطِيرِ الَّذِي يَفْتِكُ بِجَسَدِ الْأُمَّةِ، وَيَقُولُ: أَدْعُو النَّاسَ إِلَى حُسْنِ السِّيرَةِ وَالسُّلُوكِ، وَتَرْكِ الْخُمُورِ، وَتَرْكِ الزِّنَا!!

مَاذَا تَنْفَعُ هَذِهِ إِذَا فُقِدَ ذَلِكَ الْأَسَاسُ؟!!

إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتَهُ؛ وَضَعَ أَسَاسَهُ، وَإِذَا لَمْ يَهْتَمَّ بِأَسَاسِ بَيْتِهِ، وَلَا بِقَوَاعِدِ بِنَائِهِ؛ فَمَهْمَا شَيَّدَ وَجَمَّلَ، وَحَسَّنَ وَنَمَّقَ فَهُوَ عُرْضَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَيَكُونُ خَطِرًا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَ ذَلِكَ الْمَبْنَى الَّذِي لَمْ يُشَيَّدْ عَلَى أَسَاسٍ.

كَذَلِكَ الدِّينُ؛ إِذَا لَمْ يَقُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، وَأَسَاسٍ سَلِيمٍ، وَتَوْحِيدٍ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَتَنْزِيهٍ عَنِ الشِّرْكِ، وَإِبْعَادٍ لِلْمُشْرِكِينَ عَنْ مَوْطِنِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْبُنْيَانَ يَكُونُ وَاهِيًا سَرْعَانَ مَا يَتَهَاوَى.

*رَسُولُ اللهِ ﷺ أَعْظَمُ الدُّعَاةِ إِلَى التَّوْحِيدِ:

لَقَدْ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَكَمَا فِي ((مُسْنَدِ أَحْمَدَ))  مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَدُورُ عَلَى النَّاسِ يَقُولُ: ((قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا)).

يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ..

السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ فِي جُمْلَتِهَا تُعَالِجُ قَضِيَّةَ التَّوْحِيدِ، وَلَمَّا تَأَسَّسَ التَّوْحِيدُ، وَقَامَتِ الْعَقِيدَةُ؛ نَزَلَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ، نَزَلَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ، وَالْأَمْرُ بِالزَّكَاةِ، وَالْأَمْرُ بِالصِّيَامِ، وَهَذَا إِنَّمَا نَزَلَ عَلَى النَّحْوِ النِّهَائِيِّ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ.

فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي مَكَّةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي مَكَّةَ بَعْدَمَا تَأَسَّسَ التَّوْحِيدُ، وَبَعْدَمَا بُنِيَتِ الْعَقِيدَةُ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ، وَنَزَلَ الصِّيَامُ، وَنَزَلَ الْحَجُّ، وَنَزَلَتْ بَقِيَّةُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.

وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى الْيَمَنِ؛ خَطَّ لَهُ مِنْهَاجَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ: ((إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ)).

وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: عِبَادَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- )).

فَبَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَمْ يَبْدَأْ فِي الدَّعْوَةِ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ.

ثُمَّ قَالَ: ((فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ -أَيْ: شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَوُجِدَ الْأَسَاسُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ- فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ)) . وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحِ)) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.

فَأَوَّلُ شَيْءٍ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مُعَاذًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِهِ عِنْدَ أَخْذِهِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ: هُوَ التَّوْحِيدُ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، بَلْ هَذَا عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ يَدْعُو إِلَى اللهِ؛ أَنْ يَبْدَأَ بِهَذَا الْأَصْلِ.

فَمِنْ غَيْرِ إِقْرَارٍ بِالتَّوْحِيدِ كَيْفَ يُؤْمَرُ النَّاسُ بِالصَّلَاةِ؟!!

لَا فَائِدَةَ مِنَ الصَّلَاةِ بِدُونِ تَوْحِيدٍ، لَا فَائِدَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الشِّرْكِ، وَلَا فَائِدَةَ مِنَ الزَّكَاةِ مَعَ الشِّرْكِ، وَلَا فَائِدَةَ مِنَ الصِّيَامِ بِدُونِ تَوْحِيدٍ، وَلَا فَائِدَةَ مِنَ الْحَجِّ مَعَ الْإِشْرَاكِ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65-66].

فَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ مَهْمَا عَظُمَ ذَلِكَ الْعَمَلُ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ الطَّهَارَةِ، فَكَذَلِكَ الْأَعْمَالُ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ.

وَقَدْ قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 83-84].

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَنْ ذَكَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

وَمَا دَعَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ مُعَاذًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ الْبَدْءِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، فَكُلُّهُمْ بَدَءُوا بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي شَأْنِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85].

بَلْ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَجْمَلَ الرُّسُلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، هَذَا هُوَ الْأَسَاسُ، هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ، فَكَيْفَ يَزْهَدُ الدُّعَاةُ إِلَى اللهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْكَبِيرِ؟!!

وَكَيْفَ يَغْفُلُونَ عَنْهُ؟!!

وَكَيْفَ لَا يَبْدَؤُونَ بِهِ؟!!

وَكَيْفَ يُقَالُ زُورًا، وَمَيْنًا، وَكَذِبًا: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى التَّوْحِيدِ تُفَرِّقُ الْمُسْلِمِينَ، وَتُشَتِّتُ شَمْلَهُمْ، وَتُبَدِّدُ جَمْعَهُمْ؟!!

هَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ وَزُورٌ، بَلْ إِنَّهُ لَا يَجْمَعُ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُوَحِّدُ صُفُوفَهُمْ، وَلَا يُعْلِي شَأْنَهُمْ إِلَّا اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.

وَلَا يَسْتَتِبُّ الْأَمْنُ، وَلَا يَحُلُّ الِاسْتِقْرَارُ إِلَّا إِذَا اسْتَقَرَّ التَّوْحِيدُ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

فَلَا يَسْتَتِبُّ الْأَمْنُ، وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِقْرَارُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشِّرْكِ.

وَهَذِهِ الْمَطَالِبُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّمْكِينِ لِلدِّينِ، وَالْإِتْيَانِ بِالْأَمْنِ، كُلُّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.

فَلَا تَجْتَمِعُ كَلِمَةُ الْأُمَّةِ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا إِلَّا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَإِلَّا عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ الصَّحِيحَةِ.

أَمَّا إِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ، وَتَفَشَّتِ الْبِدَعُ وَالْخُرَافَاتُ، وَقِيلَ: اتْرُكُوا النَّاسَ أَحْرَارًا فِي عَقَائِدِهِمْ، لَا تُنَفِّرُوهُمْ، وَلَا تُبَدِّدُوا جَمْعَهُمْ!! إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ؛ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ، وَحَصَلَ التَّفَرُّقُ، وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَهُمْ، وَوَهَى قُوَّتَهُمْ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا الْيَوْمَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمَّا أَرْسَلَ نَبِيَّهُ ﷺ؛ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ بِهِ، وَنَظَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؛ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ؛ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الدَّيَّارَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْبِيَعِ، كَانُوا قَدْ قَرَءُوا الْكِتَابَ الْأَوَّلَ، وَيَعْرِفُونَ النَّبِيَّ ﷺ بِشِيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيَنْتَظِرُونَ مَقْدَمَهُ، وَأَطْبَقَتِ الْأَرْضُ عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ.

فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَدَعَا إِلَى تَوْحِيدِ الْخَالِقِ الْعَظِيمِ، وَانْصَاعَتْ قُلُوبٌ إِلَى دَعْوَةِ التَّوْحِيدِ، وَأٌسِّسَتِ الْمِلَّةُ عَلَيْهِ، وَانْتَشَرَ التَّوْحِيدُ فِي الْأَرْضِ؛ عَمَّ فِيهَا الْخَيْرُ، وَقَلَّ فِيهَا الشَّرُّ.

وَكَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ -كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--: ((بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ؛ فَطُوبَى للغرباء)).

كُلَّمَا بَعُدَ الْعَهْدُ عَنْ عَصْرِ النُّبُوَّةِ؛ كَثُرَ الشَّرُّ، وَقَلَّ الْخَيْرُ.

المصدر:سُبُلُ بِنَاءِ الْأُمَمِ وَدَوْرُ الْفَرْدِ فِيهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  عِظَمُ حَقِّ الْأَبَوَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ
  مَنَاسِكُ الْحَجِّ كَأَنَّكَ تَرَاهَا
  فَضْلُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَجِيجِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِرَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْإِسْلَامِ
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي عِيدِ الْمُسْلِمِينَ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ: هَجْرُ الْبِدَعِ إِلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ
  الِابْتِلَاءُ بِالْخَيْرِ وَالشَّ
  تُوبُوا وَأَنِيبُوا وَأَسْلِمُوا إِلَى رَبِّكُمْ!
  أَعْظَمُ الْبِرِّ: طَاعَةُ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ﷺ
  آدَابُ الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ
  الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَيْتَامِ وَرِعَايَتُهُمْ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ فِي الْقُرْآنِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَشَرْعِهِ بِالْأُمَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان