((عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ لِإِهْمَالِ النَّظَافَةِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مُعْظَمَ أَمْرَاضِنَا هِيَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّلُوكِيَّاتِ الصَّحِيحَةِ، أَمْرَاضُنَا فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ مُخْطِئَةٌ!!
لَوْ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَخَذُوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ لَنَجَّاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ؛ لِأَنَّ الْبِلْهَارِسْيَا -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- قَوَاقِعُهَا تَكُونُ فِي التُّرَعِ وَالْمَجَارِي الْبَوْلِيَّةِ.
فَإِذَا مَا بَالَ الْإِنْسَانُ فِي تِلْكَ الْمَوَارِدِ اتَّصَلَتِ الْحَلْقَةُ، فَإِذَا لَمْ يَبُلِ النَّاسُ فِي مَوَارِدِهِمْ نَجَّى اللهُ أَهْلَ مِصْرَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْوَبِيلِ الَّذِي يَفْتِكُ بِمَسَالِكِهِمُ الْبَوْلِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يَحْطِمُ أَكْبَادَهُمْ.
كُلُّ ذَلِكَ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ ﷺ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَمُخَالَفَتُهُ ﷺ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا هَذَا الشُّؤْمُ الَّذِي تَرَاهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ، وَهَذَا الدَّمَارُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْخَلْقِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِي حَيَوَاتِهِمْ، شُؤْمُ الْمُخَالَفَةِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ.
كَذَلِكَ جَعْلُ الْيُمْنَى لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْمُنَاوَلَةِ، وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَأَمَّا الْيُسْرَى فَلِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا أَشْبَهَ.. هَذَا مُهِمٌّ!
لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِهِ لَنَجَّاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُنْقَلُ عَنْ طَرِيقِ مُبَاشَرَةِ الْيَدِ الْيُمْنَى لِتِلْكَ الْقَاذُورَاتِ ثُمَّ اسْتِعْمَالِهَا بَعْدُ فِي الطَّعَامِ وَفِي الشَّرَابِ، وَفِي الْمُنَاوَلَةِ، وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ.
فَنَحْنُ نُعَانِي فِي مِصْرَ مِنْ مَرَضِ ((الْبِلْهَارِسْيَا))، وَهَذَا الْمَرَضُ مَا هُوَ إِلَّا سُلُوكٌ خَاطِئٌ، رَجُلٌ يُخَالِفُ السُّلُوكَ السَّوِيَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَيَتَوَرَّطُ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَيَحْدُثُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ آثَارٍ مُدَمِّرَةٍ لِهَذَا السُّلُوكِ الْخَاطِئِ!
فَأَمْرَاضُنَا سُلُوكِيَّاتٌ!
* إِنْسَانٌ يَتَبَوَّلُ أَوْ يَتَبَرَّزُ فِي الْمِيَاهِ رَاكِدَةً أَوْ جَارِيَةً!! قَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنِ التَّبَوُّلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ -وَذَكَرَ مِنْهَا-: الْبَرَازَ)) .
يَعْنِي: أَنْ يَتَبَرَّزَ الْإِنْسَانُ فِي ظِلِّ النَّاسِ، وَفِي مَوَارِدِهِمْ، وَفِي الْمِيَاهِ، هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِذَا مَا خُولِفَ وَجَاءَ السُّلُوكُ الْخَاطِئُ الْمُخْطِئُ؛ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ إِهْدَارٍ لِحَيَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْ إِهْدَارٍ لِمِلْيَارَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْ تَدْمِيرٍ لِطَاقَاتِ بَلَدٍ هِيَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنْ قُوَّةٍ، وَإِلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ اقْتِدَارٍ، وَمَعَ ذَلِكَ.. كُلُّ ذَلِكَ يُهْدَرُ بِسَبَبِ السُّلُوكِ الْخَاطِئِ.
* الْإِنْسَانُ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ!! وَفِي الدِّينِ أَنَّ الشِّمَالَ مَقْصُورَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ تُبَاشِرُهَا، وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي هِيَ لِلْمُصَافَحَةِ، وَلِلطَّعَامِ، وَلِلشَّرَابِ، وَلِلْمُنَاوَلَةِ.. هَذِهِ الْيَمِينُ لَا تُبَاشِرُ تِلْكَ النَّجَاسَاتِ؛ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ))؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا عَلَّمَنَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ الْإِنْسَانُ، وَأَنْ يَسْتَجْمِرَ، وَأَنْ يُبَاشِرَ النَّجَاسَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ بِيُسْرَاهُ.
فَهَذِهِ لَا تُصَافِحْ بِهَا، وَلَا تَأْكُلْ بِهَا؛ ((إِنَّمَا يَأْكُلُ الشَّيْطَانُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ)).
وَالنَّبِيُّ ﷺ نَهَى عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ لِهَذَا الْغَرَضِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ بِالشَّيْطَانِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْعِلْمُ الَّذِي تُسْتَجَدُّ وَقَائِعُهُ وَمَعْلُومَاتُهُ عَلَى امْتِدَادِ الدُّهُورِ وَالْأَعْصَارِ.
* الْإِنْسَانُ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ فَيَتَنَفَّسُ فِيهِ، فَيُصِيبُ السُّلُّ مِنَ الْمَسْلُولِ كُلَّ شَارِبٍ بَعْدُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
* الْمَرْأَةُ تُبَاشِرُ حَلْبَ دَابَّتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ آخِذَةً بِأُهْبَةِ نَظَافَتِهَا، فَيَأْتِي السُّلُّ، وَتَأْتِي الْأَمْرَاضُ مُخَالِطَةً لِذَلِكَ اللَّبَنِ، ثُمَّ تُوَزَّعُ الْأَمْرَاضُ بَعْدُ عَلَى خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْمَسَاكِينِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سُلُوكٍ خَاطِئٍ.
إِذَنْ.. هِيَ سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ، وَالْأَمْرُ الصَّحِيحُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ سُلُوكًا إِلَّا إِذَا تَحَصَّلْتَ عَلَى الْمَرْحَلَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ الْمَعْلُومَةَ بَدْءًا، وَأَنْ تُحِيطَ بِهَا عِلْمًا، وَإِلَّا فَالنَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
* وَالرَّسُولُ ﷺ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ﷺ، ثُمَّ شَرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً قَائِمًا لِيَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَكِنْ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا فَلَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ السُّنَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ يَأْخُذُ بِالْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، أَوْ هُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا سُنَّةُ الرَّسُولِ ﷺ فَهِيَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ قُعُودٍ.
هَلْ تَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَتْ فِيهِ فَائِدَةٌ؟
أَنَا أَعْتَقِدُ -لَا أَظُنُّ- أَنَّ فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ مَا دَامَ الرَّسُولُ ﷺ قَدْ فَعَلَهُ وَنَهَى عَنْ ضِدِّهِ ﷺ.
إِذَنْ.. أَمْرَاضُنَا الْمَادِّيَّةُ الْجَسَدِيَّةُ هِيَ فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ.
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُرَاعِيَ حُدُودَ دِينِنَا، وَأَنْ نَحْتَرِمَ شَعَائِرَهُ، وَأَنْ نُعَظِّمَ تِلْكَ الشَّعَائِرَ، فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.
إِذَا عَظَّمْنَا شَعَائِرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِلتُّقَى يَحُلُّ بِالْقَلْبِ، أَوْ هَذَا التَّعْظِيمُ إِنَّمَا هُوَ ثَمَرَةٌ عَنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.
قَاضِي الْحَاجَةِ يَتَحَفَّظُ مِنَ الْبَوْلِ كَيْ لَا يُصِيبَ الْبَدَنَ وَالثِّيَابَ، مَنْ تَرَكَ غَسْلَ ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ فَقَدْ وَقَعَ فِي خَطْبٍ جَلِيلٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ مَكَّةَ -الْحَائِطُ: الْبُسْتَانُ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -ثُمَّ قَالَ:- بَلَى؛ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) . الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) وَغَيْرِهِمَا.
((لَا يَسْتَتِرُ))؛ أَيْ: لَا يَسْتَبْرِئُ، لَا يَسْتَنْزِهُ، لَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ؛ يَبُولُ، ثُمَّ لَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، فَيَقُومُ وَبَوْلُهُ يَتَقَاطَرُ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَيُلَوِّثُ وَيُدَنِّسُ وَيُنَجِّسُ ثِيَابَهُ.. لَا يُبَالِي!!
فَهَذَا أَمْرٌ كَبِيرٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْعَذَابِ فِي الْقَبْرِ: ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، بَلَى))؛ إِنَّهُ لَكَبِيرٌ.
((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) فِعْلُهُ؛ يَعْنِي هُوَ أَمْرٌ سَهْلٌ يَسِيرٌ، وَهُوَ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ عُذِّبَ فِي قَبْرِهِ، ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) فِعْلُهُ وَالتَّطَهُّرُ مِنْهُ، وَهُوَ هَذَا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْبَوْلِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ.
((بَلَى؛ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ)): لَا يَسْتَبْرِئُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، ((وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) فَيُفْسِدُ بَيْنَ النَّاسِ.
عِبَادَ اللهِ! لَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْتَزَمَ هَذِهِ الْآدَابَ لَآتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَضْلًا عَظِيمًا، وَحَبَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ فَشُؤْمٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْ وَرَائِهَا إِلَّا كُلُّ شَرٍّ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا التَّوْحِيدَ وَالِاتِّبَاعَ، إِنَّهُ -تَعَالَى- هُوَ الْبَرُّ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر:الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ