عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي


عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ؛ لِكَيْ يَكُونَ فِي عِيدٍ حَقًّا وَصِدْقًا، عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي طَهَارَةِ قَلْبِهِ وَنَفْسِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَحْنُوَ عَلَى ضَمِيرِهِ وَدَاخِلَتِهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُفَتِّشَ فِي أَطْوَاءِ رُوحِهِ وَقَلْبِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْتَخْرِجَ الدَّغَلَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَالْغِلِّ وَالْغِشِّ لِلْمُسْلِمِينَ.

عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يُخْرِجَ الشِّرْكَ مِنْ قَلْبِهِ، وَالْبِدْعَةَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَضْبِطَ سُلُوكَهُ وَمِنْهَاجَهُ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، كَمَا فِي قَوْلِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ عِنْدَمَا قَالَ: ((مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثِيرِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ)).

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي رِعَايَةِ قَلْبِهِ وَحِيَاطَةِ رُوحِهِ، وَفِي التَّفْتِيشِ وَالتَّنْقِيبِ فِي أَطْوَاءِ نَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ جَدِيرًا بِالِانْتِسَابِ إِلَى آدَمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْحَطُّ يَنْتَسِبُ إِلَى الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَهُوَ شَيْطَانِيٌّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ فَإِنَّهُمْ يَضْبِطُونَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ عَلَى: قَالَ اللهُ، قَالَ رَسُولُهُ ﷺ.

تَوَاسَوْا -عِبَادَ اللهِ-؛ فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ ذَكَرَ الْفَضْلَ أَيْ: الزِّيَادَةَ مِمَّا عِنْدَهُ-  مِنْ ظَهْرٍ وَثِيَابٍ وَمَتَاعٍ، فَمَا زَالَ يَذْكُرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَضْلِ حَتَّى قَالَ الرَّاوِي: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي الْفَضْلِ: ((مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ؛ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ثَوْبٍ؛ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ثَوْبَ لَهُ)).

تَوَاسَوْا -عِبَادَ اللهِ-؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَادُّونَ، يَتَرَاحَمُونَ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ لَكُمْ مَثَلًا مَحْسُوسًا ظَاهِرًا: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَيَّنَ اللُّحْمَةَ الْإِيمَانِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِﷺ، أَيَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً وَجَارُهُ بِجِوَارِهِ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ؟!

فَإْنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ؛ فَهِيَ أَكْبَرُ وَأَفْظَعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَفَقَّدَ أَحْوَالَهُ؛ لَعَلِمَ أَهُوَ جَائِعٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَاسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ بَلْ كَانَ هَذَا التَّوَاسِي قَائِمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ أَقْوَامٍ شَرُفَتْ نُفُوسُهُمْ، فَكَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ، حُبِّبَ إِلَيْهِمُ الْعَطَاءُ؛ حَتَّى خَافُوا أَلَّا يُؤْجَرُوا عَلَيْهِ، هَؤُلَاءِ سَلَفُنَا: ((لَقَدْ حُبِّبَ إِلَيْنَا الْعَطَاءُ حَتَّى خِفْنَا أَلَّا نُؤْجَرَ عَلَيْهِ)).

قَاتِلُوا شُحَّ النَّفْسِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الشُّحَّ قَائِمٌ، وَلَكِنَّ الْمُفْلِحَ مَنْ جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُحِّ قَلْبِهِ وِقَايَةً.

{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16]

فَالشُّحُّ قَائِمٌ لَا مَحَالَةَ، لَا يُمْكِنَ أَنْ يَذْهَبَ {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن: 16]، فَالْمُفْلِحُ مَنْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُحِّ نَفْسِهِ وِقَايَةً.

ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ ذَبَحَ ذَبِيحَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا عَادَ؛ قَالَ لِعَائِشَةَ: ((مَا فَعَلَتِ الْأُضْحِيَّةُ يَا عَائِشَةُ؟))

فَقَالَتْ: ذَهَبَتْ كُلُّهَا إِلَّا الذِّرَاعَ.

فَقَالَ مُصَحِّحًا: ((بَلْ بَقِيَتْ كُلُّهَا إِلَّا الذِّرَاعَ)).

 فَأَهْدَتْ وَتَصَدَّقَتْ، وَلَمْ تُبْقِ إِلَّا الذِّرَاعَ الْيُمْنَى الْأَمَامِيَّةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُحِبُّهَا ﷺ.

فَقَالَتْ: ذَهَبَتْ كُلُّهَا إِلَّا الذِّرَاعَ.

قَالَ: ((بَلْ بَقِيَتْ كُلُّهَا إِلَّا الذِّرَاعَ)): فَمَا أَبْقَيْتِ فَنِيَ، وَمَا تَصَدَّقْتِ وَأَخْرَجْتِ بَقِيَ!!

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ، طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ، طَهِّرُوا أَرْوَاحَكُمْ، دَعُوكُمْ مِنَ الْغِيبَةِ، دَعُوكُمْ مِنَ النَّمِيمَةِ، دَعُوكُمْ مِنَ الْكَذِبِ، دَعُوكُمْ مِنَ الْخِيَانَةِ، دَعُوكُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْأَعْرَاضِ، أَهَذَا الْتِزَامُكُمْ بِدِينِكُمْ؟!

إِنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، أَنْتَ تَغْتَابُ -وَالْغِيبَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ- فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَنْتَ صَائِمٌ؛ فَأَيُّ تَكْفِيرٍ لِذُنُوبِكَ يَكُونُ؟!!

تَكْذِبُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَنْتَ صَائِمٌ؛ فَأَيُّ تَكْفِيرٍ لِذُنُوبِكَ يَكُونُ؟!!

تَنِمُّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَنْتَ صَائِمٌ؛ فَأَيُّ تَكْفِيرٍ لِذُنُوبِكَ يَكُونُ؟!!

تَنْظُرُ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَسْمَعُ الْخَنَا، وَتَمْضِي فِي السَّيِّئَاتِ، وَتَسْعَى فِي خَرَابِ الْبُيُوتِ؛ فَأَيُّ تَكْفِيرٍ لِذُنُوبِكَ يَكُونُ؟!!

اتَّقِ اللهَ!

 اتَّقِ اللهَ وَحْدَهُ، وَاخْشَ يَوْمًا تَقِفُ فِيهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ، وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَيُقَرِّرُكَ بِذُنُوبِكَ، أَبِشِمَالِكَ صَحِيفَةُ سَيِّئَاتِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِكَ ؟!

اتَّقِ اللهَ، وَعُدْ إِلَى اللهِ، وَأَصْلِحْ مَا أَفْسَدْتَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر : فضل يوم عرفة، والدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا وَالْإِنْفَاقُ فِي رَمَضَانَ مِثَالٌ!!
  حُقُوقُ الْأَطْفَالِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ
  إِيمَانُ الْأُمَّةِ وَوَحْدَتُهَا سَبِيلُ عِزَّتِهَا وَحِمَايَةِ مُقَدَّسَاتِهَا
  مِصْرُ الْغَالِيَةُ صَخْرَةُ الْإِسْلَامِ
  رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْعَالَمِ بِشَهَادَةِ الْغَرْبِيِّينَ
  مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ: تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ
  مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: إِطْعَامُ الْفُقَرَاءِ، وَقَضَاءُ دُيُونِهِمْ
  قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ
  الدرس الأول : «رَمَضاَنُ شَهْرُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ»
  دَوَاءُ الْقَلْبِ فِي مَحَبَّةِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-
  الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ
  سُؤَالُ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان