وُجُوهُ وَأَدِلَّةُ خَيْرِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ


((وُجُوهُ وَأَدِلَّةُ خَيْرِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِعِبَادِهِ أَنْ أَرْسَلَ فِيهِمْ رُسُلَهُ يُبَشِّرُونَ وَيُنْذِرُونَ، كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، حَتَّى خَتَمَهُمْ بِنَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَقَدِ امْتَنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِرِسَالَتِهِ ﷺ؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36].

وَلَقَدِ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَيِّدَهُمْ وَإِمَامَهُمْ فَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ صَفْوَةُ الْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَصَّهُ اللهُ -تَعَالَى- بِخَصَائِصَ وَمَزَايَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَصَّ اللهُ -تَعَالَى- أُمَّتَهُ بِخَصَائِصَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ.

* وَمِنَ الْمَزَايَا الَّتِي امْتَازَ بِهَا ﷺ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- أَنْ بَعَثَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، بَلْ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعًا؛ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- عَنِ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ ﷺ ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأحقاف: 31-32].

وَقَالَ ﷺ -فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي..»، فَذَكَرَ مِنْ بَيْنِهَا: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً».

وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].

وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158].

وَقَدْ أَوْضَحَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17])) .

وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ»؛ يَعْنِي: أُمَّةَ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَرْسَلَهُ ﷺ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ وَمُطْلَقِ الْمَكَانِ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

فَكُلُّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُنْذُ بِعْثَتِهِ ﷺ مِنَ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ، وَالْأَسْوَدِ وَالْأَصْفَرِ، وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ.. كُلُّهُمْ أُمَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

هُمْ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ، يَدْعُوهُمْ جَمِيعًا، وَكُلُّهُمْ مُكَلَّفٌ بِالِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَاتِّبَاعِ شَرِيعَتِهِ؛ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ.

فَأُمَّةُ الدَّعْوَةِ تَشْمَلُ كُلَّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُنْذُ بِعْثَتِهِ إِلَى الْقِيَامَةِ؛ فَالْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، وَالْبُوذِيُّونَ، وَالْمُلْحِدُونَ، وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ مِنَ الصَّابِئَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ كُلُّ هَؤُلَاءِ أُمَّةُ رَسُولِ اللهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى دِينِ اللهِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

{وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17].

وَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ هِيَ إِرْسَالُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُمَا دَعَوَا اللهَ -تَعَالَى- لِأَهْلِ الْحَرَمِ -وُهُمَا يَبْنِيَانِ الْبَيْتَ- بِأَدْعِيَةٍ؛ مِنْهَا: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129].

وَقَدْ أَجَابَ اللهُ -تَعَالَى- دُعَاءَهُمَا؛ فَبَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ وَفِي غَيْرِهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

وَتِلْكَ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى، وَالْمِنَّةُ الْكُبْرَى، نَوَّهَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْمَجِيدِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 2-4].

وَمِنْهَا قَوْلُه تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].

* إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ خَصَّهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِخَصَائِصَ؛ أَخَذَ الْعَهْدَ لَهُ ﷺ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَنَّهُمْ إِذَا ظَهَرَ فِي عَصْرِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ تَبِعَهُ.

وَالرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي».

هُوَ الْمَتْبُوعُ حَقًّا ﷺ، لَوْ بُعِثَ وَهُمْ أَحْيَاءُ -أَوْ أَحَدٌ مِنْهُمْ- فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، أُخِذَ الْعَهْدُ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].

عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ: لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ»، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءُ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ».

مَاذَا تُرِيدُ بَعْدَ هَذَا؟!!

الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ وَالْمُرْسَلُونَ لَهُ تَبَعٌ.. وَهُوَ إِمَامُهُمْ؛ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَوْ وُجِدَ فِي أَيِّ عَصْرٍ وُجِدَ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُطَاعَ، وَلَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ لِذَلِكَ كَانَ إِمَامَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.

وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ عِلْمٌ تَامٌّ بِهَذَا الْأَمْرِ، يَعْرِفُونَ مَبْعَثَهُ، وَمَكَانَ هِجْرَتِهِ، وَوَرَدَ وَصْفُهُ الشَّرِيفُ فِي كُتُبِهِمْ، يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ؛ فَالرَّجُلُ يَعْرِفُ ابْنَهُ وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ غَيْرِهِ، يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ، يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللهِ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ؛ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ}؛ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ، {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] .

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ} [الأعراف: 157].

وَصْفُهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﷺ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ وَصْفِ النَّبِيِّ، قَالَ: أَجَلْ وَاللهِ؛ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45].

فِي التَّوْرَاةِ: ((وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، فَأَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

هَذِهِ صِفَتُهُ فِي التَّوْرَاةِ.

* وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا ﷺ؛ «مَا مِنَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا عَلَى مِثْلِهِ آمَنَ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ».

قَالَ ﷺ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ، وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ».

وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ فَرَأَى سَوَادًا عَظِيمًا هُوَ أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَسْوِدَةِ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟».

قُلْنَا: نَعَمْ.

قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟».

قُلْنَا: نَعَمْ.

قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟»؛ أَيْ: نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

قُلْنَا: نَعَمْ.

قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ». وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

فَالنَّبِيُّ ﷺ يَدْخُلُ مِنْ أَتْبَاعِهِ الْجَنَّةَ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ أَتْبَاعُهُمْ فِي النِّصْفِ، فَمَنْ يُدْرِكْ هَذَا النَّبِيَّ الْكَرِيمَ الْعَظِيمَ فِي مَقَامِهِ عِنْدَ رَبِّهِ؟!! ﷺ.

وَقَدْ نَفَعَ اللهُ بِهِ النَّفْعَ الْعَامَّ، وَأَحْيَا بِهِ مِنَ الْمَوَاتِ.

وَتَأَمَّلْ.. نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ!! وَكَانَتْ دَعْوَتُهُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ عَامًا، ثُمَّ قُبِضَ إِلَى رَبِّهِ، مُنْذُ بُعِثَ إِلَى أَنْ قُبِضَ مَرَّ مِنَ الزَّمَانِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ!!

نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ظَلَّ يَدْعُو قَوْمَهُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40].

تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ مَنْ آمَنَ، وَفِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ مَعَ مَنْ آمَنَ؛ لِتَرَى كَيْفَ بَارَكَ اللهُ فِي دَعْوَةِ نَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ وَصَفِيِّهِ وَكَلِيمِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي الْمِعْرَاجِ لَمَّا جَاوَزَ مُوسَى صُعُدًا بَكَى؛ فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ وَأَنْتَ الْكَلِيمُ؟

قَالَ: ((أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي!!)). وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

* وَالنَّبِيُّ ﷺ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَكَانَ يَحْيَا فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ اللهَ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.

* وَهُوَ ﷺ فِي الْقِيَامَةِ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ﷺ، صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى؛ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ قَائِلُهُمْ: نَفْسِي نَفْسِي! إِلَّا مُحَمَّدًا ﷺ يَقُولُ: ((أُمَّتِي أُمَّتِي)).

كُلُّهُمْ؛ أَعْنِي أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ: نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى.. فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مَعَ أَبِيِهِم آدَمَ يَقْصِدُهُمُ الْخَلَائِقُ فِي الْقِيَامَةِ لِيَشْفَعُوا عِنْدَ رَبِّنَا؛ لِيَبْدَأَ فِي فَصْلِ الْقَضِيَّةِ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْمَوْقِفِ.

فَكُلُّهُمْ يَذْكُرُ شَيْئًا إِلَّا عِيسَى، وَكُلُّهُمْ يُرْشِدُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَكُلٌّ يَقُولُ: لَا أَسْأَلُ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي! حَتَّى تَصِلَ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ؛ فَيَقُولُ: ((أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا)) ، ﷺ.

أَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَمَسَّكُ بِسُنَّتِهِ، وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ، وَيُعَظِّمُهُ، وَيُعَزِّرُهُ، وَيُوَقِّرُهُ، وَيُؤْمِنُ بِهِ كَمَالَ الْإِيمَانِ وَتَمَامَ الْإِيمَانِ.

 

المصدر:خَيْرِيَّةُ الْأُمَّةِ وَخَيْرِيَّةُ نَبِيِّهَا ﷺ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ
  لَا يُفِيدُ الصِّيَامُ شَيْئًا مَعَ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
  تَقْصِيرُ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَةِ الْعَالَمِ لِلْإِسْلَامِ
  خُطُورَةُ النِّفَاقِ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى الْأُمَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: هَجْرُ أَكْلِ الْحَرَامِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  الْوَفَاءُ لِلْوَطَنِ
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْعُقُوقِ
  تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَثَمَرَاتُهُ
  كَيْفَ نُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى؟
  خَطَرُ الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  وَرَعُ السَّلَفِ الشَّدِيدُ عَنْ أَكْلِ السُّحْتِ
  الزَّكَاةُ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان