هَلْ عَرَفْنَا النَّبِيَّ ﷺ حَقًّا وَاتَّبَعْنَاهُ صِدْقًا؟!!


 ((هَلْ عَرَفْنَا النَّبِيَّ ﷺ حَقًّا وَاتَّبَعْنَاهُ صِدْقًا؟!!))

لَقَد أَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِبَادَهُ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ وَطَاعَتِهِ، وَالْقَصِّ عَلَى أَثَرِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].

وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِ ﷺ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ, وَهِيَ كَالْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى- وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَطَاعَةِ أَوَامِرِهِ وَنَواهِيهِ، وَهُمَا أَصْلَانِ مُتَلَازِمَانِ.

عِبَادَ اللهِ! لَقَدِ اصْطَفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْهُمْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؛ فَهُوَ خَيْرُ الْخَلْقِ، لَمْ يَلْحَقْهُ شَيْءٌ مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ قَطُّ، مَا زَالَ يَنْتَقِلُ مِنَ الْأَصْلَابِ النَّقِيَّةِ الطَّاهِرَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ النَّقِيَّةِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى وَضَعَتْهُ آمِنَةُ.

 

إِنَّ الْعَيْبَ عَلَى أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِينَ لَمْ يُعَرِّفُوا الدُّنْيَا بِهِ؛ بِأَفْعَالِهِمْ، بِالْتِزَامِهِمْ، بِإِقَامَتِهِمْ لِسُنَّتِهِ، وَتَطْبِيقِهِمْ لِشَرِيعَتِهِ، وَالْتِزَامِهِمْ بِنَهْجِهِ وَطَرِيقَتِهِ، وَدَلَالَةِ النَّاسِ عَلَى شِيَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَتَعْلِيمِ الْخَلْقِ جَمِيلَ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ.

لِأَنَّ الصُّورَةَ عِنْدَ الْغَرْبِ عَنِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَعَنِ الرَّسُولِ الرَّشِيدِ وَعَمَّنْ تَمَسَّكَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ صُورَةٌ سَلْبِيَّةٌ جِدًّا!!

أَضَلَّهُمْ مُفَكِّرُوهُمْ، وَقُسُوسُهُمْ، وَرُهْبَانُهُمْ، وَأَحْبَارُهُمْ، وَقَادَتُهُمْ، وَسَاسَتُهُمْ، وَمُتَعَصِّبُوهُمْ، وَصَدَّقَ كَلَامَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ بِأَفْعَالِهِمْ وِبِمُمَارَسَاتِهِمْ.

وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ.

إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَكْرَهُ سَفَاسِفَ الْأُمُورِ، يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ؛ فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى نَفْسِهِ مُفَتِّشًا فِيهَا: أَيْنَ أَنَا؟!! وَمَنْ أَنَا؟!! وَإِلَى أَيْنَ أَسِيرُ؟!!

عَلَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ نَفْسَكَ: مَنْ أَنْتَ؟!! مَنْ تَكُونُ؟!!

أَأَنْتَ عَبْدٌ لِلهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ؟!!

أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ هَلْ أَنْتَ آخِذٌ مِنَ التَّعَالِيمِ عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ أَمْ هُوَ التَّقْصِيرُ وَالتَّفْرِيطُ وَالِاسْتِهَانَةُ؟!!

هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مِمَّا كَانَ أَصْحَابُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ يَأْتُونَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْعَمَلِيِّ؛ فَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَخْلُو إِلَى نَفْسِهِ وَيُحَاسِبُهَا عَلَى مَا فَعَلَتْ، وَعَلَى مَا قَالَتْ، وَعَلَى مَا انْتَوَتْ، وَيُعَاقِبُ نَفْسَهُ؛ يَضْرِبُ عَلَى فَخِذِهِ بِكَفِّهِ، وَكَانَ يَقُولُ: ((وَيْحَكَ يَا عُمَرُ! كُنْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُدْعَى عُمَيْرًا فَصِرْتَ عُمَرَ، وَكُنْتَ تَرْعَى لِلْخَطَّابِ غَنَمَهُ فَصِرْتَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ)) ؛ يَعْنِي يَرْعَى أُمَّةَ الرَّسُولِ !!

يُذَكِّرُ نَفْسَهُ، وَكَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَعْرِفُ قَدْرَ نَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَطْلَبِ رَبِّهِ.

عِنْدَمَا حَمَلُوهُ عَلَى بِرْذَوْنَ، فَهَمْلَجَ بِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ، فَكُلَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَمْشِيَ مَشْيًا مُسْتَقِيمًا ازْدَادَ فِي عُجْبِهِ وَتَبَخْتُرِهِ، فَنَزَلَ فَقَالَ: ((إِنَّمَا حَمَلْتُمُونِي عَلَى شَيْطَانٍ)) ، فَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ سَلِسَةٍ تَكُونُ طَوْعَ قِيادِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

إِنَّ مَسَارِبَ النَّفْسِ خَفِيَّةٌ جِدًّا، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَكَامِنِ بَوَاعِثِ أَفْعَالِهَا وَنِيَّاتِهَا، فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْشَى هَذَا، وَأَنْ يَعُودَ عَبْدًا كَمَا خَلَقَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي رَدِّ الْحُقُوقِ إِلَى أَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بِغْتَةً.

عِبَادَ اللهِ! عَلَيْكُمْ بِالْعَمَلِ!

أَقِلُّوا مِنَ الْكَلَامِ -رَحِمَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-، فَمَا الَّذِي أَدَّتْ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الْكَلَامِ؟!!

إِنَّمَا أَدَّتْ إِلَى الضَّيَاعِ.. إِلَى الشَّتَاتِ.. إِلَى الشُّرُورِ.. إِلَى الْحَيْرَةِ!!

كُونُوا كَأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، بَلْ كُونُوا كَرَسُولِ اللهِ ﷺ، كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ فَصْلٍ لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ، كَمَا قَالَتِ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ، وَلَكِنْ كَانَ لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ إِلَّا كَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إِلَّا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! إِنَّ طَاعَةَ اللهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ مِنْ أَسْبَابِ حُصُولِ الرَّحْمَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].

وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ؛ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي لَعَلَّكُمْ تَنَالُونَ الرَّحْمَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

إِنَّ الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ لَنْ يُحَقِّقَ الْقِيَادَةَ لِلْعَالَمِ -كَمَا كَانَ قَبْلُ- إِلَّا إِذَا عَادَ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي مَلَكَ زِمَامَ الْعَالِمِ فِي عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَسُلُوكِهِ، إِذَا تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا حَقًّا وَصِدْقًا.

فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ أَوَّلًا، وَلَا بُدَّ مِنَ السَّيْرِ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ؛ بِاتِّبَاعِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ فِي ذَلِكَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: التَّأَسِّي بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ﷺ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  الحث على بِرِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنَ الأَرْحَامِ
  شَهْرُ الْحَصَادِ وَسُنَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ: حُسْنُ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
  دَلَائِلُ عَدْلِ وَرَحْمَةِ الْإِسْلَامِ بِالْعَالَمِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ
  مِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ وَمَقَاصِدِهِ
  حَثُّ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى العَمَلِ، وَالْبِنَاءِ، وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ
  بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَتَقْدِيمُ حَقِّ الْأُمِّ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: خِدْمَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ
  تَيَّقَظْ وَانْتَبِهْ!!
  اسْتِقْرَارُ الْمُجْتَمَعِ بِالْعَدْلِ وَهَدْمُهُ وَهَلَاكُهُ بِالظُّلْمِ
  بَدْأُ التَّأْرِيخِ الْهِجْرِيِّ
  دِينٌ كَامِلٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِمْ
  سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان