((خُلُقُ النَّبِيِّ ﷺ وَهَدْيُهُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ))
*حُسْنُ عِشْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَخُلُقُهُ الْكَرِيمُ مَعَ زَوْجَاتِهِ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْمَبِيتِ وَالْإِيوَاءِ وَالنَّفَقَةِ.
وَكَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَكَانَ يُسَرِّبُ إِلَى عَائِشَةَ بَنَاتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا -وَكَانَتْ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ-، وَكَانَ إِذَا هَوِيَتْ شَيْئًا لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ تَابَعَهَا عَلَيْهِ.
وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِهَا، وَرُبَّمَا كَانَتْ حَائِضًا، وَكَانَ يَأْمُرُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَتَأْتَزِرُ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ يُمَكِّنُهَا مِنَ اللَّعِبِ، وَيُرِيهَا الْحَبَشَةَ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي مَسْجِدِهِ، وَهِيَ مُتَّكِئَةٌ عَلَى مَنْكِبِهِ تَنْظُرُ، وَسَابَقَهَا فِي السَّفَرِ عَلَى الْأَقْدَامِ مَرَّتَيْنِ، وَتَدَافَعَا فِي خُرُوجِهِمَا مِنَ الْمَنْزِلِ مَرَّةً.
وَكَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَلَمْ يَقْضِ لِلْبَوَاقِي شَيْئًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَكَانَ يَقُولُ: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).
وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ، دَارَ عَلَى نِسَائِهِ، فَدَنَا مِنْهُنَّ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُنَّ.
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، وَكَانَ يَخْدُمُ نَفْسَهُ، فَعَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِهِ؟!
قَالَتْ: ((كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ)).
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).
وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، سَأَلَهَا رَجُلٌ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟!
قَالَتْ: ((نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ مَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ)).
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي ((جَامِعِهِ)) عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِلَفْظٍ آخَرَ، قَالَتْ: ((كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ)).
((يَفْلِي ثَوْبَهُ))؛ أَيْ: يُفَتِّشُهُ؛ لِيُخْرِجَ مِنْهُ مَا عَلِقَ بِهِ، مِنْ شَوْكٍ، أَوْ قَذًى.
((قِيلَ لَهَا:)) وَالْقَائِلُ لَهَا لَمْ يُعَيَّنْ.
((مَاذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ))، قَالَتْ: ((كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ))، وَمَهَّدَتْ بِذَلِكَ لِمَا يَأْتِي: ((يَفْلِي ثَوْبَهُ))؛ يَعْنِي: يُفَتِّشُهُ، لِيَلْتَقِطَ مَا فِيهِ مِمَّا عَلِقَ فِيهِ مِنْ نَحْوِ شَوْكٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ لِيُرَقِّعَ مَا فِيهِ مِنْ نَحْوِ خِرْقٍ.
((وَيَحْلُبُ شَاتَهُ)) (بِضَمِّ اللَّامِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا) (وَيَحْلِبُ شَاتَهُ).
((يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ))، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: ((يَعْمَلُ عَمَلَ الْبَيْتِ))، وَأَكْثَرُ مَا يَعْمَلُ الْخِيَاطَةُ، يُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، فَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ خِدْمَةُ نَفْسِهِ، وَخِدْمَةُ أَهْلِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّكَبُّرِ.
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَوَاضُعِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَعَدَمِ تَرَفُّعِهِ وَتَكَبُّرِهِ، كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الدُّنْيَا، وَأَهْلُ الْجَاهِ وَالْمَنَاصِبِ.
*صُورَةٌ مِنْ حُسْنِ مُعَاشَرَةِ النَّبِيِّ ﷺ نِسَاءَهُ:
لَمَّا وَقَعَ شَيْءٌ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَ: ((مَنْ تَرْضَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَكَمًا بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟!))
فَرَضِيَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ أَبُوهَا، فَاخْتَارَتْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ حَكَمًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَدْعَاهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((تَقُولِينَ أَوْ أَقُولُ أَنَا؟!))
فَقَالَتْ: قُلْ، وَلَا تَقُلْ إِلَّا حَقًّا.
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ يَضْرِبُهَا، وَأَخَذَ يَطْعَنُ فِي خَاصِرَتِهَا بِيَدِه وَيَقُولُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، وَهَلْ يَقُولُ إِلَّا حَقًّا؟!
فَدَارَتْ حَتَّى كَانَتْ خَلْفَ النَّبِيِّ، فَأَخَذَ يَمْنَعُ عَنْهَا أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: ((مَا لِهَذَا دَعَوْنَاكَ)). يَعْنِي: أَنَا مَا دَعَوْتُكَ لِتَضْرِبَهَا، لَوْ كُنْتَ ضَارِبًا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ جِئْنَا بِكَ حَكَمًا، لَا مُعَاقِبًا وَلَا ضَارِبًا.
انْصَرَفَ أَبُو بَكْرٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ لَهَا: ((أَرَأَيْتِ كَيْفَ دَفَعْتُ عَنْكِ الرَّجُلَ؟!))
اصْطَلَحَا.
أَرْسَلَ أَنَسًا فَاشْتَرَى عِنَبًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُتَلَدِّدًا يَسِيرُ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ يَخْشَى مِنْ غَضَبِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ، فَيَغْضَبُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهَا، وَيَخْشَى أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ، فَلَمْ يَبْعُدْ، فَلَقِيَ أَنَسًا فَقَالَ: كَيْفَ الْحَالُ يَا أَنَسُ؟! قَالَ: اصْطَلَحَا.
فَدَخَلَ غَيْرَ مُحْتَشِمٍ، وَقَالَ: دَعَوْتُمَانِي فِي غَضَبِكُمَا أَوْ فِي خِصَامِكُمَا، وَنَسِيتُمَانِي فِي صُلْحِكُمَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ((ادْخُلْ فَكُلْ))؛ أَيْ: كُلْ عِنَبًا.
فَالنَّبِيُّ ﷺ -وَهُوَ الْخَصْمُ- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَمْ يَضْرِبْ، الْحَكَمُ لَمْ يَصْبِرْ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَطْعَنُ فِي خَاصِرَتِهَا، وَيَقُولُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، وَهَلْ يَقُولُ إِلَّا حَقًّا؟!
وَأَمَّا النَّبِيُّ ﷺ فَيَقُولُ لَهَا: ((انْظُرِي كَيْفَ دَفَعْتُ عَنْكِ الرَّجُلَ؟!))
*وَفَاءُ النَّبِيِّ ﷺ لِزَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهَا:
مِنْ وَفَاءِ النَّبِيِّ ﷺ قِيَامُهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ، وَتَقْطِيعِ أَعْضَائِهَا، ثُمَّ الْأَمْرُ بِتَوْزِيعِ ذَلِكَ فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بَعْدُ.
لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْوَفَاءِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي تَقْطِيعِ أَعْضَاءِ الشَّاةِ، وَإِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَى بُيُوتِ الصَّاحِبَاتِ مَعَ نُدْرَةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّسُولِ ﷺ شَاةٌ يُطْعِمُهَا أَهْلَ بَيْتِهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جُودُهُ ﷺ، وَشَاهِدُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَا كَانَ يُبْقِي مِنَ الشَّاةِ شَيْئًا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا))، وَلَوْلَا إِرْسَالُ جَمِيعِ الشَّاةِ؛ لَقَالَتْ: ثُمَّ يَبْعَثُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ فَرَحُهُ وَسُرُورُهُ ﷺ عِنْدَمَا تَزُورُهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَرَدَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ((فَارْتَاعَ لِذَلِكَ))؛ أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا، مَعَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْفَرَحِ عَلَى وَجْهِهِ، فَمِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ ﷺ لِخَديجَةَ؛ كَانَ يُحِبُّ مَنْ يُذَكِّرُهُ بِهَا، وَكَانَ يَقُولُ مِنْ شِدَّةِ فَرَحِهِ: ((اللهم هَالَة))؛ أَيْ يَا رَبِّ! اجْعَلِ الْمُسْتَأْذِنَ فِي الدُّخُولِ هَالَةَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((وَفِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ، وَحِفْظِ الْوُدِّ، وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْعَشِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ، وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ)).
وَهَذَا الْوَفَاءُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لِخَدِيجَةَ كَانَ كُلُّهُ بَعْدَ وَفَاتِهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، مَعَ مَا كَانَ مِنَ الْوَفَاءِ فِي حَالِ حَيَاتِهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.
فَالنَّبِيُّ ﷺ عَلَّمَ الدُّنْيَا الْوَفَاءَ.
*مُلَاطَفَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَمُلَاعَبَتُهُ لِأَحْفَادِهِ:
عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقَنِهِ وَالْأُخْرَى فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَلَكَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».
«سِبْطَانِ»: «السِّبْطُ»: وَلَدُ الْبِنْتِ، مَأْخَذُهُ مِنَ «السَّبَطِ» بِالْفَتْحِ وَهِيَ شَجَرَةٌ لَهَا أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ وَأَصْلُهَا وَاحِدٌ، كَأَنَّ الْوَالِدَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ، وَكَأَنَّ الْأَوْلَادَ بِمَنْزِلَةِ الْأَغْصَانِ.
قَالَ الْقَاضِي: «السِّبْطُ»: وَلَدُ الْوَلَدِ؛ أَيْ: هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ.
«حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ فَأَسْرَعَ ﷺ أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ»: يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَ الْحُسَيْنَ مِنَ الْحَرَكَةِ.
فِيهِ: تَوَاضُعُ النَّبِيِّ ﷺ وَشَفَقَتُهُ وَرَحْمَتُهُ بِالْأَطْفَالِ.
فِيهِ: صِلَتُهُ بِأَرْحَامِهِ.
«جَعَلَ الْغُلَامَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا»: أَيْ: يُحَاوِلُ الْفِرَارَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
فِيهِ: مُضَاحَكَةُ الصَّبِيِّ، وَمُمَازَحَتُهُ وَاعْتِنَاقُهُ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ.
فِي الْحَدِيثِ: اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الصِّبِيِّ، وَاسْتِحْبَابُ مُدَاعَبَتِهِ؛ رَحْمَةً لَهُ وَلُطْفًا بِهِ، وَبيَانُ خُلُقِ التَّوَاضُعِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ.
فَهَذا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ مَعَ عَظِيمِ مَسْئُولِيَّتِهِ، وَمَعَ جَلِيلِ مَا نَاطَهُ اللهُ تَعَالَى بِعُنُقِهِ، وَمَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الدَّعْوَةِ وَالْبَلَاغِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، يَجِدُ فِي صَدْرِهِ فُسْحَةً؛ -وَمَا أَوْسَعَ صَدْرَهُ ﷺ!- لِكَيْ يُلَاطِفَ حُسَيْنًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ صُورَةٌ مُحَبَّبَةٌ، فِيهَا شَفَقَةٌ، وَفِيهَا رِقَّةٌ، وَفِيهَا رَحْمَةٌ، وَفِيهَا رَأْفَةٌ، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى مَنْ وَصَفَهُ رَبُّهُ بِأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَبْصَرَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ.
فَقَالَ: إِنَّ لِي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنه مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
المصدر: الْخُلُقُ الْكَرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ